سنية الحسيني
الحوار المتمدن-العدد: 8483 - 2025 / 10 / 2 - 08:14
المحور:
القضية الفلسطينية
يعكس عدد من المؤشرات المصاحبة لخطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي عرضها قبل أيام لوقف الحرب في غزة رغبته وبدء تحركه لوقف الحرب. ورغم أن الخطة بحد ذاتها لاتزال تحمل لغة الإنحياز الأميركي المعروف لإسرائيل، إلا أن القبول الأولى للدول العربية والغربية للخطة، مع وضع عدد من التحفظات والتساؤلات، تشير أيضاً إلى وجود نية ورغبة عربية وغربية للتعاون مع ترامب للوصول إلى وقف الحرب. لقد بات يشكل استمرار الحرب في غزة بكل ما يحمل ذلك من مأسيّ بشرية وانسانية وأخلاقية وصمة عار تمس الولايات المتحدة بذات القدر التي تمس إسرائيل، بعد أن بقيت وحدها داعمه لإسرائيل في هذه الحرب. وشكل موقف غالبية دول العالم، التي غادرت قاعة الجمعية العامة، قبيل صعود نتنياهو على المنصة لإلقاء كلمته مدى الاستياء والرفض العالمي لحرب إسرائيل على غزة. ومن المعروف أن الولايات المتحدة تعد الجهة الوحيدة في العالم القادرة على فرض وقف إسرائيل لحربها في غزة، انطلاقاً من اعتبارات بنيوية، تعكس علاقة اعتمادية، ذات طبيعة خاصة جداً، ترسخت عبر عقود، وانطلاقا من مكانة وقدرة الولايات المتحدة كقطب أول في العالم.
تعكس بعض التطورات وجود تباين متصاعد بين موقف ترامب ونتنياهو، حيث جاء إعلان ترامب برفض ضم الضفة الغربية، في تناقض تام مع ما يدعو له نتنياهو وحكومته، كما شكل الموقف الأميركي من هجوم إسرائيل على قطر، والذي فرض على نتنياهو الاعتذار لها، تطوراً مهماً. وتبين تفاصيل الخطة التي عرضها ترامب مؤخرا لوقف الحرب على غزة وجود نية واضحة لديه لوقف الحرب. قد يكون أهم تلك المؤشرات هي تباين تفاصيل الخطة الأميركية الأخيرة عما عرضته الولايات المتحدة من قبل.
قدمت الولايات المتحدة في السابق عدة مقترحات ركزت في البداية على التوجه لإخلاء سكان القطاع، وإعادة إعماره تحت إدارة أمريكية مباشرة. وقد أفصحت خطة عرضت أميركياً مطلع العام الجاري عن رغبة للاستيلاء على القطاع، وادارته من قبل الولايات المتحدة، ونقل دائم أو شبه دائم للسكان الفلسطينيين، وتحويل غزة إلى “ريفيرا الشرق الأوسط”. كما جرى تداول مقترح في البيت الأبيض يركز على تحويل غزة إلى منطقة اقتصادية ذكية، مع “إعادة توطين طوعية” لسكانها، ودفع حوافز لهم لمغادرة القطاع مؤقتًا خلال عمليات إعادة البناء. ورغم تراجع تلك التصريحات الداعية لفكرة التهجير بعد ذلك، تحت وطأة الصمود الفلسطيني في غزة وتصاعد الرفض العربي والدولي لفكرة تهجير الفلسطينيين، إلا أن التصريحات الأميركية بقيت تتأرجح بين كون ذلك مجرد “اقتراح مؤقت” أو “إعادة توطين طوعي". يأتي ذلك بالإضافة إلى أن جميع مبادرات الولايات المتحدة الأخرى قد ركزت على تهدئة مؤقته تقوم على وقف إطلاق نار غير دائم وعملية تبادل للأسرى، دون الخوض بتفاصيل وقف الحرب.
في حين، تعتبر الخطة التي عرضت من قبل ترامب نهاية شهر سبتمبر الماضي متكاملة، تركز على جميع الأبعاد اللازمة لإنهاء الحرب وترتيبات ما بعدها. كما عكس تراجع ترامب عن ضم غزة وتهجير سكانها واقعية الطرح الأميركي هذه المرة، ورغبة حقيقية بانهاء الحرب. ورغم أن خطة ترامب الأخيرة تفتقر للتفصيل حول طبيعة "مجلس السلام" الذي سيدير غزة بعد الحرب، وتشكيلته، وعدم وجود خرائط وجداول زمنية توضح حدود وتوقيت الانسحاب الإسرائيلي من غزة، إلا أن الإشارة إلى تسليم الإدارة مستقبلياً للسلطة الفلسطينية، بعد إجراء إصلاحات، يتناقض مع تطلعات نتنياهو، الذي يريد أن يبقى السلطة وحماس بعيداً عن حكم غزة، لأسباب تتعلق برفضه قيام الدولة الفلسطينية.
من المتفق عليه أن الخطة الأميركية لا تلبي الطموح الفلسطيني، ولا حتى التطلع العربي والغربي لوقف الحرب، إلا أنها تشكل منطلقاً مهماً يمكن البناء عليه. ويفسر ذلك قبول العديد من الجهات بها، مع وضع تساؤلات وملاحظات عليها. لقد جاءت الترحيبات الغربية مصحوبة بعدد من الملاحظات الهامة، حيث ركزت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين على الحاجة للتركيز على الاجراءات الإنسانية الفورية. وشدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على ضرورة انخراط إسرائيل بحزم في إطار تلك الخطة. وربطت وزارة الخارجية الفرنسية بين ذلك الجهد الأميركي و"الجهود الدبلوماسية مع الشركاء الإقليميين"، وفق ما عكسه مؤتمر نيويورك الأخير، وهو ما يعد مدخلاً مهماً لصقل خطة ترامب إيجابيا. كما ركزت التصريحات الألمانية الرسمية على ضرورة وجود اجراءات ملموسة لتنفيذ خطة ترامب، الأمر الذي يعني ترجمتها بخطوات واضحة وقابلة للتنفيذ، وهو ما يعكس غموضها الحالي، خصوصا ما يتعلق بمجلس السلام وتشكيلته ودوره، وهو عنصر مهم من عناصر الخطة. في حين جاء ترحيب إسبانيا بخطة ترامب مصحوباً بضرورة وضع حل دائم قائم على أساس حل الدولتين، وهو ما يمكن البناء عليه في إطار خطة ترامب، التي تحدثت عن تمهيد الطريق لحكم ذاتي للفلسطينيين في غزة، والإشارة إلى دور ممكن للسلطة الفلسطينية، يمكن البناء عليه وتطويره، في ظل ما جاء في بيان نيوريوك، والواقع الفلسطيني الموجود على الأرض.
هناك قواعد مشتركة بين خطة ترامب وبيان نيويورك، يمكن أن تشكل قاعدة لتطوير خطة ترامب لجعلها قابلة للتنفيذ، وتلبي المطالب الفلسطينية، بدعم دولي. غير أن احتمالات قيام نتنياهو بافشال هذه الخطة لاسبابه الخاصة تبقى قائمة. تتوافق خطة ترامب وبيان نيويورك على وقف الحرب، لكن الأولى تشترط ذلك في إطار صفقة يوافق عليها الطرفان، بينما الثاني يطالب بوقف دائم وفوري. وفي حين تطرح خطة ترامب انسحاب تدريجي وعلى مراحل من غزة، ينص بيان نيويورك على انسحاب كامل وفوري، الأمر الذي يفتح إمكانية التفاوض والوصول لتفاهمات. ورغم عدم وجود معايير محددة لتطبيق خطة ترامب، ضمن إطار الإنسحاب الإسرائيلي من غزة، يبدو بيان نيويورك أكثر تحديداً، حيث يدعو لوضع جدول تنفيذي إلزامي. تطرح خطة ترامب أيضاً، وفي تطور نوعي، إمكانية تولي السلطة الفلسطينية الإدارة، بعد استيفاء عدد من الشروط، لكن ذلك يبدأ بإدارة مؤقتة تحت اشراف دولي يرأسه ترامب، في حين ينظم بيان نيويورك ذلك تحت إدارة دولية مؤقتة تحت اشراف الأمم المتحدة، حتى تتمكن السلطة من الإدارة المنفردة، وهي فجوة يمكن جسرها، بوساطة الحلفاء أيضاً. كما أن إعلان ترامب حول رفضه ضم الضفة الغربية، رغم تركيز خطته على غزة، يتقاطع مع الحل السلمي ومبادرة حل الدولتين، التي تبناها إعلان نيويورك. ويبدو أيضا أن هناك اتفاق بين الخطة والبيان فيما يتعلق بعملية تبادل الأسرى والتعامل مع حركة حماس، وإن اختلفت الطريقة وشكل ذلك التعامل. ويبدو أن البيان الدولي أكثر واقعية للتعامل مع تلك القضية، وإن كان ذلك يعد شأناً فلسطينياً داخلياًً.
إن خطة ترامب الأخيرة حول وقف الحرب على غزة لا تلبي بالتأكيد الطموح الفلسطيني، ولكن تحمل مؤشرات جديدة تدعو للتفاؤل بوجود توجه لدى الولايات المتحدة لوقف الحرب. وقد تكون المهمة الأولى الحالية هي ترتيب تلك التساؤلات والتحفظات فلسطينياًً مع الشركاء والحلفاء، خصوصاً في ظل وجود خطة دولية طموحة، تم طرحها في نيويورك مؤخراً، بمبادرة كل من السعودية وفرنسا، الحليفين المقربين للولايات المتحدة، وتم اقرارها والموافقة عليها من قبل معظم دول العالم. كما يوجد بنود في خطة ترامب يمكن البناء عليها. ولعل الهدف الفلسطيني الأول الان وقف الحرب والقتل والتدمير في غزة، كي يكون ذلك مدخلا لما سيأتي بعد ذلك.
#سنية_الحسيني (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟