تيسير خالد
الحوار المتمدن-العدد: 8479 - 2025 / 9 / 28 - 13:51
المحور:
القضية الفلسطينية
من جديد يعود اسم توني بلير للتداول ، فيما بات يعرف بترتيبات اليوم التالي لوقف الحرب في قطاع غزة . بلير يعود هذه المرة كحاكم لمرحلة انتقالية " مندوب سامي " في قطاع غزة وفق خطة الرئيس الاميركي دونالد ترامب ببنودها ، التي تتداولها وسائل الاعلام لـ "إنهاء حرب غزة" .
للفلسطينيين قصة مع هذا الرجل ، فقد كان مبعوثا للجنة الرباعية الدولية لعدة أعوام ، وهي لجنة تشكلت ، بشروطها المذلة والمهينة عام 2002 من الولايات المتحدة الاميركية وروسيا والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة . في حينه تم تعيين جيمس وولفنسون، رئيس البنك الدولي السابق كمبعوث لها في أبريل 2004 ولكنه استقال في أيار من االعام التالي ، وبرر ذلك بوجود حكومة بقيادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الأراضي الفلسطينية ، الأمر الذي لا يسمح له بممارسة مهماته ، ولكنه في الوقت نفسه رفض بشدة تجويع الفلسطينيين لحملهم على تأييد عملية السلام بعد ان اوقفت الدول الغربية مساعداتها للسلطة الفلسطينية ووضعت الشروط المعروفة للعمل مع اية حكومة فلسطينية .
وقد حل بديلا له توني بلير في السابع والعشرين من حزيران عام 2007 . في نفس اليوم، الذي أعلن فيه استقالته عن رئاسة الوزراء وعضوية البرلمان في المملكة المتحدة واستمر في مهمته حتى العام 2015 برواتب ضخمة ، عدا عن الإيجار الخيالي للمكاتب التي كان يشغلها في فندق " الاميريكان كولوني " في القدس المحتلة .
في مواقفه من القضايا العربية عرف عن توني بلير تبعيته المطلقة لسياسة المحافظين الجدد في الادارة الاميركية ، كان ذلك واضحا بشكل كبير في الموقف من العدوان ، الذي شنته الولايات المتحدة الاميركية على العراق بحجة تدمير اسلحة الدمار الشامل ، التي يملكها ، وكانت حجة سخبفة ، وكذلك موقفه من العدوان الاسرائيلي على لبنان عام 2006 وهو موقف تماهى تماما مع السياسة الاميركية ومع مواقف دولة الاحتلال الاسرائيلي .
وعلى امتداد سنوات عمله كمبعوث للرباعية الدولية أقام ما يشبه " دويلة " استشارات وخدمات في المنطقة لدول عربية وغير عربية، لكنّه في ما يخص عمله الرئيسي كممثل للرباعية فقد اقتصرت مهمتةعلى ملء الفراغ في الحديث عن السلام وعن جهود اقتصادية ، حيث حاول توني بلير في 2008 التسويق لخطة احلال السلام تعتمد على تطوير الاقتصاد الفلسطيني وتقديم تسهيلات اقتصادية للفلسطينيين ضمن سياسة مقايضة الحقوق بالاقتصاد ، هذا الى جانب تشجيعه لأطروحات راجت في حينه حول حلول انتقالية للصراع من أهماها دولة فلسطينية بحدود مؤقته .
ولا يخفى على أحد الدور الذي لعبه توني بلير في التقارب بين إسرائيل وعدد من الدول العربية والتي أفضت إلى التوصل لتطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال ، وذلك من خلال نشاط سري قام به على امتداد سنوات . بلير نفسه كشف عن هذا الدور في مقابلة أجرتها صحيفة "يسرائيل هيوم" مع بلير ونشرت تفاصيلها في العاشر من ايلول قبل خمسة أعوام ، حيث كشف عن عدد من "اللقاءات السرية التي انطلقت عبر قناة سرية بمبادرة منه عام 2015 واستمرت على مدار سنوات ، ووضعت حجر الأساس ، على حد تعبيره ، لما يسمى بالاتفاقيات الابراهيمية بين اسرائيل وعدد من الدول العربية .
توني بلير ، سمسار صفقات " السلام الابراهيمي " ، لم يكن يوما نزيها لا في عمله كمبعوث للجنة الرباعية الدولية ولا في دوره اللاحق وعلاقاته مع اليمين الاسرائيلي بزعامة بنيامين نتنياهو . خرج بلير من العمل كمبعوث للرباعية الدولية ولكنه لم يخرج من المشهد السياسي في المنطقة ومشاريع التسوية السياسية للصراع الفلسطيني – الاسرائيلي . في العام 2020 قام توني بلير بقلب المعادلة السياسية لتسوية هذا الصراع ، فدعا الى السلام بين الدول العربية وإسرائيل أولا ، ثم حل القضية الفلسطينية لاحقا ، كان بلير واضحا في ذلك في حديث له مع صحيفة "جيروزاليم بوست" في الرابع والعشرين من ايلول عام 2020 . قال بلير: "ما يحدث في المنطقة الآن هو أن يتفاوض الإسرائيليون والفلسطينيون على السلام، ثم تنضم بقية دول المنطقة، وهذا على النقيض تماماً مما يجب أن يكون. في الواقع، يجب أولاً إحلال السلام بين إسرائيل والدول العربية، وبعد ذلك إدراج القضية الفلسطينية ضمن مسار السلام " . هنا كان توني بلير اكثر من استاذ لبنيامين نتنياهو ، كان ملهما فقد تبنى نتنياهو موقف توني بلير وبدأ يروج بعد اتفاقياته الابراهيمية مع عدد من الدول العربية لسياسة قلب المعادلة .
هذه بالمختصر سيرة هذا الرجل ومواقفه من القضايا العربية والفلسطينية ، التي أهلته عند الادارة الأميركية لدور جديد في في المنطقة ، جرى التمهيد له بسلسلة من اللقاءات والاتصالات كان توني بلير يجريها مع اوساط اميركية وعربية واسرائيلية نافذة ، توجها في اجتماع مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب نهاية آب الماضي بحضور صهره جاريد كوشنر، ، للبحث في مستقبل قطاع غزة ، وفي وقت تزامن مع وجود وزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر ووزير الخارجية جدعون ساعر، المقربين من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في واشنطن لعقد اجتماعات مع كبار قادة إدارة ترامب. وكانت تقارير قد أشارت إلى أن مبعوث البيت الأبيض ستيف ويتكوف شارك في وضع خطط لغزة ما بعد الحرب مع كوشنر وبلير منذ أشهر.
قبل ذلك الاجتماع بأسابيع كانت صحيفة " فايننشال تايمز " البريطانية قد نشرت في السادس من تموز الماضي أنها اطلعت على خطة طورتها "مجموعة بوسطن الاستشارية" (بي سي جي) أحد أكبر شركات الاستشارات الأميركية، بالتعاون مع "معهد توني بلير" (تي بي آي) وعدد من رجال الأعمال الإسرائيليين، بعنوان " الثقة العظيمة " (غريت ترست Great Trust ) ، وتتعلق بتطوير غزة ما بعد الحرب. وتضمنت تأسيس " ريفييرا ترامب " و"منطقة إيلون ماسك الذكية للتصنيع"، و"مناطق صناعية خاصة" وطرق سريعة ومطار وميناء، وجزر صناعية وبنية استثمارية وتجارية ولوجستية لربط غزة بالممر الاقتصادي المخطط له بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا. وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن وثيقة " معهد بلير" جاء فيها أن الحرب المدمرة في غزة "خلقت فرصة لا تتكرر إلا مرة واحدة في القرن لإعادة بناء غزة كمجتمع آمن وعصري ومزدهر"، ولم تشر وثيقة " معهد بلير " تلك إلى إعادة توطين الفلسطينيين، إلا أنها ذكرت أنه يمكن تسهيل تهجير نصف مليون فلسطيني مقابل 9 آلاف دولار للشخص الواحد .
خطة " الثقة العظيمة " هذه ، التي كان لتوني بلير دور محوري في بلورتها ، هي سمك في " بحر العرب " ، وهي خطة ليس للجانب الفلسطيني فيها غير دور ثانوي وهامشي . أما مقدمات تلك الخطة وروافعها فقد جاءت في البنود الواحدة والعشرين ، التي تداولتها وسائل الاعلام مؤخرا وتسلمها وفد الدول العربية والاسلامية ، الذي التقى الرئيس الاميركي دونالد ترامب على هامش اجتماعات الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة كمقترحات أولية . بنود تلك الخطة على درجة عالية من الغموض ، فكل بند فيها يحتاج الى مفاوضات باستثاء بند واحد هو الرابع ، الذي يدعو الى عودة جميع الرهائن الأحياء وجثامين القتلى الاسرائيليين خلال 48 ساعة من قبول إسرائيل العلني للاتفاق . أما البنود الأخرى فمعظمها إن لم يكن جميعها بحاجة الى مفاوضات ومساومات تتحكم فيها اطراف عدة أهمها الطرفان الأميركي والاسرائيلي ، وخاصة في البند الأكثر أهمية على الاطلاق والمتعلق بانسحاب قوات الاحتلال من قطاع غزة ، وهو انسحاب قيل انه سوف يكون تدريجيا ، الأمر الذي يعيد الى الذاكرة الفلسطينية تجارب مريرة مع الجانب الفلسطيني .
فهل نعود الى نفس المشهد ، الذي عشناه في تنفيذ اسرائيل لما تم الاتفاق عليه من إعادة انتشار لقواتها في الضفة الغربية . في إطار تلك الاتفاقيات تم إعادة انتشار قوات الاحتلال في مناطق (أ) و(ب)، ضمن ما عرف بالنبضتين الأولى والثانية، أما الثالثة فقد امتنعت اسرائيل عن تنفيذها ، حيث ناور ايهود باراك مستخدما مسار المفاوضات على الجبهة السورية للتهرب من التزامات النبضة الثالثة من إعادة الانتشار وتذرع في حينها بأن الفلسطينيين يأخذون ولا يعطون، ودعا الى ربط تنفيذ بقية مستحقات والتزامات المرحلة الانتقالية بالاتفاق النهائي . كان ذلك على ابواب عقد قمة كامب ديفيد في العام 2000، التي أراد منها باراك إثبات عدم وجود شريك فلسطيني، و"إزالة القناع" عن وجه ياسر عرفات حسب تعبيره .
تحسن الدول العربية والاسلامية المعنية صنعا في التزام الحيطة والحذر في التعامل مع خطة اميركية غامضة وملتبسة ، وفي قبول ان يلعب توني بلير تحديدا دورا محوريا فيها كحاكم جديد لقطاع غزة او مندوبا ساميا على قطاع غزة ، وقد كان عليها ان تتريث في إطلاق المواقف الايجابية بشأنها . كان بإمكان هذه الدول ان تبني على الخطة المصرية ، على علاتها ، في مواجهة خطة الادارة الاميركية لليوم التالي في قطاع غزة وكان عليها في الوقت نفسه ان تدرك خطورة الغموض بشأن دور الجانب الفلسطيني وتحديدا منظمة التحرير الفلسطينية في مستقبل قطاع غزة في اليوم التالي لوقف الحرب الوحشية التي تشنها دولة الاحتلال على قطاع غزة وان تقيم جسرا متينا من العلاقة بين قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس باعتبارهما وحدة اقليمية واحدة ، خاصة بعد سلسلة الاعترافات الدولية الأخيرة بدولة فلسطين .
#تيسير_خالد (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟