أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مرتضى العبيدي - هل تستفيد تونس من موقعها الجيو استراتيجي؟ (ملاحظات حول زيارة ميلوني الأخيرة لتونس)















المزيد.....

هل تستفيد تونس من موقعها الجيو استراتيجي؟ (ملاحظات حول زيارة ميلوني الأخيرة لتونس)


مرتضى العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8466 - 2025 / 9 / 15 - 12:29
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


رغم أنها ليست الأولى من نوعها أو لعله لهذا السبب بالذات، أثارت زيارة ميلوني الأخيرة لتونس (31 جويلية 2025) لغطا كثيرا لأسباب عدّة. أولا لأنها لم تكن مبرمجة، فلا وسائل الإعلام ولا غيرها كانت على علم بها، ثانيا لأن لا أحد سمع بدعوة وجهها الرئيس التونسي لميلوني لزيارة تونس، بل إنها هي من بادرت باستدعاء نفسها خارج كل الأعراف الديبلوماسية، وثالثا فميلوني هي التي حددت تاريخها والمدّة التي ستستغرقها (بضعة ساعات فقط). فهذه العوامل مجتمعة، حشرت الزيارة في مربّع التخمينات، فانطلق المراقبون يبحثون لها عن أسباب ومبرّرات وشروحات لمحاولة فهم خفاياها.
في سياقات الزيارة
فمنهم من حاول أن يجد لها علاقة بما جرى ويجري من حراك ديبلوماسي في محيط تونس في تلك الأيام خاصة وأنها أتت بعد حدثين هامّين، تمثل الأول في زيارة مستشار ترامب لشؤون الشرق الأوسط مسعد بولس لتونس والتي لم ترشح عنها معلومات ذات بال، ما عدا ما أرادت وسائل الإعلام المحلية إبرازه بالصورة والصوت من عرض الرئيس على ضيفه لصور لأطفال غزة المغتالين جوعا. فبقيت زيارته مبهمة ولم يربطها المحللون حتى بالإجراءات الجبائية المجحفة التي اتخذها ترامب والتي شملت تونس. وتمثل الثاني في زيارة الرئيس عبد المجيد تبون لإيطاليا وعودته منها محمّلا بأربعين اتفاقية قطاعية تشمل جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية والتربوية، 14 منها على مستوى مؤسسات الدولتين والبقية بين شركات القطاعين العام والخاص في البلدين، ممّا يرفّع من مستوى الشراكة بين البلدين الى مستوى شراكة استراتيجية. كما أن زيارة ميلوني المفاجئة جاءت يوما واحدا قبل قمة اسطنبول التي جمعتها بالرئيس التركي أردوغان ورئيس مجلس الرئاسة في ليبيا عبد الحميد الدبيبة، هذه القمة التي استُبعدت منها تونس لأسباب لا يعلمها إلا المشاركين فيها.
لكن المتعقّلين آثروا انتظار البلاغات الرسمية الصادرة عن الطرفين لمعرفة الأسباب الحقيقية للزيارة. فغاب البلاغ المشترك وعوضته على صفحات التواصل الاجتماعي اللغة الخشبية المكرّرة مع كل زيارة من أن “الطرفين تبادلا وجهات النظر حول القضايا المشتركة”، وعلى ضرورة “تمتين التعاون بين البلدين” و”تطابق وجهات النظر في كل القضايا المطروحة”. وبشيء من التأخير صدرت البلاغات المنفصلة التي تستعرض مخرجات الزيارة محليا فزادت الطين بلّة إذ لا يوجد أي تقاطع بينها. بل أن هنالك تباين في سرد المضامين يفتح المجال للتساؤل حول طبيعة العلاقة بين الطرفين. وتبدو البلاغات وكأنها محمّلة برسائل للرأي العام المحلي في كل بلد، ليس إلا.
من ذلك أن الرئاسة التونسية أكدت في بلاغها أن اللقاء "تناول الحرص المشترك على مزيد دعم التعاون الثنائي في عدد من المجالات ومن بينها على وجه الخصوص تلك المتعلقة بالنقل والصحة والفلاحة والطاقة" (وكأن تعزيز التعاون في هذه المجالات أمر أكيد يستدعي مثل هذه الزيارة الخاطفة والمفاجئة والخارجة عن النواميس والأعراف). كما تطرّق “إلى ضرورة تنظيم جسور جوية للعودة الطوعية للمهاجرين غير النظاميين المتواجدين في التراب التونسي.” كما تمّ التطرّق وفق الرئاسة التونسية، إلى "عدّة مسائل إقليمية إلى جانب الأوضاع في فلسطين وجرائم الإبادة المتواصلة التي ترتكبها قوات الاحتلال الصهيوني.." وبعض هذه النقاط لا نجد لها أثرا في بلاغ الجهة الإيطالية.
قراءات وتخمينات
ففي أيّ زيارة عادية، يُفترض أن يتطرق اللقاء الى آخر التطورات في ملف الهجرة ومدى التزام الطرفين بمذكرة الشراكة الاستراتيجية الشاملة الموقعة بين تونس والاتحاد الأوروبي في منتصف سنة 2023. إلا أن الطبيعة المفاجئة للزيارة والتطورات الإقليمية المتزامنة معها وقصر مدّتها تجعلها أولوياتها مختلفة.
لكن هذه المعطيات التي حفّت بالزيارة فتحت الباب أمام قراءات وتأويلات متعددة حيث وصف البعض (انظر مثلا تصريحات مجدي الكرباعي لبعض الصحف الإيطالية) زيارة ميلوني إلى تونس وهي الخامسة في غضون سنتين بأنها "مناورة سياسية لا شراكة حقيقية"، و”هي ليست مجرد محطة دبلوماسية عابرة، بل إنها خطوة محسوبة ضمن استراتيجية إيطالية – أوروبية أوسع، تسعى إلى تثبيت تونس كأداة وظيفية في ملفات الهجرة والأمن، دون اعتبار للمصالح الوطنية الحقيقية لتونس وشعبها". فهي تبدو “ كمحاولة استباقية لإعادة تثبيت تونس داخل المحور الأوروبي – الأطلسي، وتحييد أي توجّه محتمل نحو تحالفات جديدة"، خاصة بعد تصريحات الجانب التونسي المنددة بالعدوان الصهيو أمريكي على إيران، والتي رأى فيها البعض سعي لتوثيق العلاقة معها ومن ورائها الحلف الصيني الروسي.وكان الرئيس قيس سعيد قد أدّى في وقت سابق زيارة الى الصين (ماي 2024) لم ينظر إليها الغرب بعين الرضا. بل لعلهم رأوا فيها نوعا من الإخلال بالتوازنات القائمة التي قد تضع تونس خارج المدار الغربي الأطلسي.
كما أن التطوّر المفاجئ للعلاقات الجزائرية الإيطالية (حجما وطبيعة) والذي كشفت عنه زيارة الرئيس عبد المجيد تبون الأخيرة الى روما والذي يأتي في وقت تتدهور فيه علاقة الجزائر مع فرنسا والذي مداره الأساسي الأمن الطاقي، يقتضي طمأنة الجانب التونسي والإبقاء عليه كلاعب لا غنى عنه، وهو الذي يحتل موقعا استراتيجيا يمر عبره خط أنريكو ماتيي لنقل الغاز ويستعد لاحتضان الجزء المهم من شبكة “ترانسميد” لنقل الطاقات المتجددة، وكذلك للدور الأمني الذي أصبح يلعبه منذ اتفاق الشراكة الشامل في منع تدفق أعداد المهاجرين نحو الأراضي الإيطالية. وقد سبق لميلوني أن أشادت بهذا الدور الذي قلّص من عدد الوافدين من إفريقيا على إيطاليا بنسبة 60%، وهو ما انعكس إيجابا على شعبيتها وعزّز حظوظها في الجولة الانتخابية القادمة.
في فهم أسبابها
عندئذ، فإننا إذا ما أردنا استخلاص الأسباب الحقيقية للزيارة، فإنه يمكن حصرها في كلمتين سحريتين: الطاقة والأمن.
فتأمين خط الغاز الجزائري العابر لتونس ومشاريع نقل الطاقة المستقبلية، هو أولوية أوليات ميلوني، خاصة بعد ما جنته من الاتفاقات الأخيرة مع الدولة الجزائرية، لأن انقطاع المدد لأي سبب من الأسباب لن تكون له انعكاسات على إيطاليا فحسب بل على أوروبا ككل وخاصة الاقتصادين الألماني والفرنسي. خاصة وأن إيطاليا لا يمكنها أن تعوّل على استمرار تدفق النفط والغاز من ليبيا نظرا لعدم الاستقرار الأوضاع في هذه الساحة. فحليف اليوم قد تتمّ الإطاحة به في أي لحظة، وهو ما قد يؤدي فورا الى قطع الإمدادات.

كما أن تأمين الأوضاع في تونس في ظل تمادي العدوان الصهيوني الأطلسي على غزة واتساع رقعة التضامن مع الشعب الفلسطيني في جميع أرجاء العالم، وحالة الاحتقان المتزايد في البلدان العربية ومن بينها تونس، والذي إذا اتخذ الى حد الساعة شكل الاحتجاج السلمي أمام سفارات البلدان المساهمة في العدوان، فإنه قد يتطوّر الى أشكال أخرى قد تستهدف مصالح هذه البلدان في البلاد العربية وغيرها وهو ما يقتضي توفير ما يحول دون هذا التحول غير المحمود. وفي ذاكرة الغرب أن تونس كانت بالأمس القريب نقطة انطلاق شرارة الثورة في كامل المنطقة العربية.

ومما لا شك فيه أن صراع الأخوة الأعداء المعلن منه والخفي بين فرنسا وإيطاليا ، خاصة أمام تقهقر موقع الامبريالية الفرنسية في بلدان غربي إفريقيا من ناحية وفي الجزائر من ناحية ثانية يجعل إيطاليا تسارع الى تحصين مواقعها في المنطقة. فإذا ما سارعت روسيا والصين الى سدّ الفراغ في بلدان الساحل الإفريقي، فإن إيطاليا عبّرت عمليا على تقمّص هذا الدور في شمال إفريقيا (الجزائر، ليبيا وتونس) حسب متطلبات الوضع في كل بلد. كما لا يخفى علينا الصراع مع الولايات المتحدة نفسها المتسببة أساسا في حرمان أوروبا من نفط روسيا والتي تحاول مجددا تعويض فرنسا في مستعمراتها القديمة بتقديم بعض الطُعم إليها. وفي هذا الإطار تندرج زيارة مسعد بولس الأخيرة ووعده بتعزيز القدرات العسكرية لتونس والتي كانت بلا شك من مسببات إسراع ميلوني بالزيارة.

وأخيرا وليس آخرا، صراع المحور الامبريالي الأطلسي مع المحور الشرقي والذي أصبح حضوره في المنطقة يزعج الغرب عموما وإيطاليا خصوصا الواقعة على مرمى حجر من تونس.
فهل بإمكان تونس التخلّص من لعبة المحاور وفكّ الارتباط بالمحور الغربي التقليدي ، والاستفادة من التناقضات بين القوى الامبريالية حتى يتحوّل موقعها الجيو استراتيجي في قلب المتوسط وفي ملتقى القارات من نقمة الى نعمة؟



#مرتضى_العبيدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماذا وراء نوايا الدول الغربية الاعتراف بدولة فلسطينية؟
- في مناخات العودة
- كسب الجماهير للنضال الثوري (ترجمة)
- لوس أنجلوس: المهاجرون يواجهون سياسات ترامب الفاشية
- أوجه التشابه بين الاستبداد: حركة -جعل أمريكا عظيمة مجددًا- و ...
- إرث كارل ماركس في الولايات المتحدة الأمريكية
- إيطاليا: الإعلان عن تأسيس المنظمة من أجل الحزب الشيوعي للبرو ...
- بيان مشترك حول المواجهة المستمرة بين الحكومتين الهندية والبا ...
- تعزيز الكفاح ضد الحرب الإمبريالية ومهام الشيوعيين* (ترجمة)
- الاتحاد العام التونسي للشغل: ثالوث الاستقلالية والديمقراطية ...
- في ذكرى أحداث 9 أفريل 1938 الخالدة: هل الدساتير والبرلمانات، ...
- حول لقاء ترامب بوتين المرتقب بالرياض
- الوضع السياسي الدولي: وجود دونالد ترامب في البيت الأبيض يفاق ...
- البيان الختامي للمؤتمر العاشر للحزب الشيوعي الاسباني الماركس ...
- الأراضي الدولية الذاكرة الجماعية لتونس الأعماق (2/ 2)
- الأراضي الدولية الذاكرة الجماعية لتونس الأعماق (1/2)
- رفض التصنيف الإرهابي لشبكة التضامن مع السجناء الفلسطينيين -ص ...
- النضال من أجل منع صعود الحكم الاستبدادي في إيطاليا (ترجمة)
- كيف عاد ترامب الى البيت الأبيض؟
- تعزيز الكفاح ضد الحرب الإمبريالية ومهام الشيوعيين (ترجمة)


المزيد.....




- أبرز الفائزين في حفل جوائز -إيمي- الـ77 لعام 2025
- السيسي: إسرائيل تخطت الخطوط الحمراء وتصرفاتها تجهض اتفاقيات ...
- رئيس الأركان الإسرائيلي السابق: أكثر من 10% من سكان غزة قُتل ...
- أمير قطر: هجوم الدوحة -غادر-.. ونتنياهو يريد جعل المنطقة الع ...
- كوفيّة ورسائل سياسية في حفل توزيع جوائز إيمي
- قمة الدوحة -للاستعراض فقط- – مقال رأي في الغارديان
- كيف تواجه مصر تهجير الغزيين؟
- مباشر: انطلاق أعمال قمة الدوحة وأمير قطر يتهم إسرائيل بـ-تعم ...
- بن غفير يريد بناء حيّ للشرطة على شاطئ غزة
- قمة الدوحة.. لماذا استبعد خيار تفعيل اتفاقية الدفاع العربي ا ...


المزيد.....

- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مرتضى العبيدي - هل تستفيد تونس من موقعها الجيو استراتيجي؟ (ملاحظات حول زيارة ميلوني الأخيرة لتونس)