كاظم محمد
الحوار المتمدن-العدد: 1824 - 2007 / 2 / 12 - 11:58
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم تشهد منطقة الخليج العربي مثل هذا الحشد العسكري الأمريكي ، منذ حرب الكويت 1991 وغزو العراق في 2003 ، والذي دفع ، مع الكثير من المعطيات المرتبطة بالوضع العراقي ، في ترسيخ الاعتقاد العام للكثيريين بأن الصدام الامريكي الايراني بدأ يقترب ، وان مؤشرات العد العكسي لهذا الصدام تتكرس عراقيآ واقليميآ .
لقد صرحت بعض المصادر الدبلوماسية الاوربية ، بأن ايران قامت بتركيب عدد من اجهزة الطرد المركزي ، والتي تستخدم لتخصيب اليورانيوم ، وهذا ما فُسر لدى العديد من الاوساط السياسية ، بأنه مؤشر على ان النظام الايراني ينوي الاعلان عن نجاحه في قدرته على انتاج الوقود النووي ، والذي على درجة تخصيبه تتوقف استخداماته السلمية او العسكرية .
وفي هذه الحالة يُعتقد ان ايران تتحدى مجلس الامن في قراره بفرض الحصار الاقتصادي ، اذا لم تتوقف عن برنامجها بتخصيب اليورانيوم ، وان عدم استجابة طهران لهذا القرار في موعد اقصاه 21-2-2007 فأن مجلس الامن يهدد بعقوبات قاسية وطويلة ، والتي تصطدم بالموقفين الروسي والصيني ، اللذان لا يحبذان مثل هذه العقوبات وخاصة اذا كانت تحت البند السابع والذي يقر استخدام القوة العسكرية .
لقد دأبت ادارة بوش وخلال الفترة الاخيرة ، وخاصة مع ازدياد الضغوط الداخلية والخارجية ، ومع الفوضى الكارثية التي يعيشها العراق ، وفشل السياسات العسكرية والامنية وانسداد افق عملية الاحتلال السياسية ، وترافقآ مع طرح بوش لما تسمى " استراتيجية بوش الجديدة " ، دأبت هذه الادارة على قرع الطبول الاعلامية والسياسية والدبلوماسية لما اسمته بالخطر الايراني المحدق بالمنطقة ، والمرتبط اساسآ بالطموح الايراني بأمتلاك التكنلوجيا النووية وتطويرها .
لذلك كان الاعلان الايراني بتشغيلها لأجهزة الطرد المركزي وزيادة عددها ، هو الحجة الأولى لأدارة بوش ، بأظهار ايران كأخطر تهديد في منطقة الخليج وفي منطقة الشرق الاوسط ، وبنفس الوقت لم تخفي دوائر البيت الابيض ولا ادارته في العراق المحتل ، الاشارة الى تأثير الدور الايراني في العراق لجهة دعمه لميليشات (شيعية) عسكريأ وسياسيآ ، يساهم نشاطها في اشعال الاقتتال الطائفي وانهيار الوضع الامني !.اضافة الى امتلاك واشنطن لدلائل على تزويد ايران لجماعات مسلحة بمتفجرات واسلحة متطورة تشكل خطرآ على حياة جنودها في العراق .
ومع طرح بوش " لأسراتيجيته الجديدة" بدأت لهجة الخطاب السياسي الامريكي تتصاعد ضد ايران ، وتأخذ منحى يترافق مع تحشيد عسكري تمثل بأعطاء بوش أوامره بنصب صواريخ باتريوت في عدد من دول الخليج الحليفة له ، أصافة الى تعزيز الوجود الامريكي في المنطقة بأرسال اربعة غواصات نووية لمياه الخليج ، مع حاملتي الطائرات (ايزنهاور و جون ستينس ) ، اما حاملة الطائرات (رونالد ريغان) فهي في طريقها الى مياه الخليج من قاعدة سان ديغو ، هذا بالاضافة الى القوات الاصافية المرسلة الى العراق 21000 عسكري ، والتي تتحدث بعض المصادر الامريكية بأنها ربما تصل الى 40000 عسكري ، وهذا عدا الصلاحيات التي منحت للقوات الامريكية في العراق بأعتقال او قتل ما اسماه بالعملاء الايرانيين في العراق .
رغم انه لم يحدث ان حشدت الولايات المتحدة هذا القدر الكبير من القوة العسكرية منذ حرب الكويت وغزو العراق ، ألا ان البيت الابيض ينفي رسميآ وجود اي خطط للحرب ضد ايران ، وكذلك فأن تصريحات مختلف المسؤولين الامريكيين تصب بنفس الاتجاه .
طبعآ ان هذا النفي الرسمي الامريكي ، لا يتطابق وطبيعة الحشد والتهديد الذي يشكله ، وكذلك فأن نفي احمد نجادي ، بسعي ايران لأمتلاك السلاح النووي لا يقنع الادارة الامريكية التي لها حساباتها الخاصة في المنطقة والتي تتوافق تمامآ مع استراتيجية الأمن الأسرائيلي ، وعليه فأن لعبة الجذب والشد بين ايران والولايات المتحدة الامريكية ، تجد مرتكزاتها أيضآ في مفاصل اقليمية اهمها حسمآ العراق ثم لبنان وسورية ، وهذا بالتأكيد لايجعل ايران ان تكتفي بالمناورة من خلال هذه المفاصل فقط ، حيث يشهد الكثيرون بحسن الاداء السياسي والدبلوماسي الايراني خلال السنوات القليلة المنصرمة ، اضافة الى اجتهادها بتطوير قدراتها التقنية والعسكرية ، لذلك يتفاءل البعض ، ومنهم الخبير في الشؤون الايرانية ( ترتيا باريس ) بأن ايران قد تقدم على اعلان سياسي ذكي بمناسبة يوم الثورة الايراني في 11-2-2007 يلمح الى ان ايران قد انجزت وبنجاح دورة الوقود النووي الذي يستخدم للاغراض السلمية ، وانها قد حققت مبتغاها بامتلاك التقنية النووية ويعلنون توقفهم عن التخصيب ، وهذا سيسمح لأيران بأكل الكعكة والاحتفاظ بها بنفس الوقت ، والذي ربما يساعد ايران في الافلات من العقوبات التي تنتظرها ، ويزيل الحرج الروسي الصيني عند طرح الملف النووي الايراني مجددآ على مجلس الامن .
يبقى السؤال هل تكفي هذه المبادرة الايرانية ، في حالة طرحها ، كافيةً لتجنيب ايران الضربة العسكرية الامريكية ؟ ان الاجابة على هذا السؤال ، يرتبط بطبيعة المواجهة القائمة وصدامها المؤجل ، وبجوهر المصالح الامريكية وخططها ، وخاصة في ظل ادارة لاتجيد إلا لغة العسكر والقوة ، وكذلك ارتباطها بطموحٍ ايراني للعب دورٍ اقليمي معترف به ، والأهم هو الساحة العراقية وتطورات احداثها السريعة وما تسببه من صداع سياسي لبوش وبطانته من اليمين المتطرف ، وما تثيره من ردود فعل دولية ، بدأت تشكل عامل ضغط باتجاه تحديد جدول زمني لسحب قوات الاحتلال من العراق ، ودعواتها لتغيير نهج هذه الادارة في التعامل مع مشاكل المنطقة المزمنة .
ان تكثيف الاتصالات الروسية الايرانية خلال الايام الماضية يصب في هذا الاتجاه ، والذي ترافق مع الاعلان عن القلق الروسي من الحشود العسكرية الامريكية في منطقة الخليج ، والهجوم الذي شنه الرئيس بوتين على النهج الامريكي في التعامل مع قضايا العالم المختلفة ، ومحاولاتها بفرض ارادتها على المجتمع الدولي ، وذلك خلال مؤتمر الامن الدولي الذي يعقد في مدينة ميونخ الالمانية هذه الايام .
منذ ان اصبح الفشل الامريكي في العراق شاملآ ، وجدت ادارة البيت الابيض نفسها في مأزق سياسي وعسكري ، عكس نفسه بسياسات تكتيكية وبدائل وخيارات ساهمت في تعميق مأزومية هذه الادارة ، واكدت نهج بوش وجماعة الصقور في الهروب الى الامام ، فجاءت سياسة بوش الجديدة والتي تسمى اعتباطآ " استراتيجية بوش الجديدة" ، جاءت لتكرس هذا الهروب المتواصل ، وهذه المرة ، هروبها من توصيات ومقترحات لجنة بيكر- هاملتون وتجاوزها ، لتتجنب الاعتراف والاقرار بالفشل والسير الى امام في محاولة لحرف التركيز السياسي من العراق الى جواره ، وخاصة ايران ، التي اضافة الى خطرها النووي الذي يشكل مع طموحاتها الاقليمية ، تهديدآ لمصالح امريكا وحلفائها ، حسب قائمة الاتهامات الامريكية ، فان دورها في العراق ونشاطها ، يعرض حياة الجنود الامريكيين للخطر كما يقول بوش .
اما سورية ، وبالرغم من اعترافها بحكومة الاحتلال في بغداد واقامة العلاقات معها ، فأنها لا زال مطلوب منها الكثير لعمله ، لأقناع ادارة بوش بصدق نواياها ، ولذلك ترى كوندليزا رايس ، بانه لا داعي للتفاوض مع الاسد ، حيث هو يعرف ما المطلوب منه ، عراقيآ ولبنانيآ وفلسطينيآ .
بذلك نستطيع القول ان ملامح خطة بوش الجديدة ، تتجسد في تصعيد المواجهة مع ايران وتسعير التوترات الطائفية والعرقية ، وبما يخدم هذه المواجهة ، وممارسة الضغط على سورية لتلبي المطالب الامريكية والاستمرار بمنع التوصل الى اتفاق لبناني لبناني لحل الازمة القائمة ، وتصعيد التوتر الداخلي بما يخدم اتساع الاصطفاف الطائفي ، اضافة الى استخدام القوات الاضافية المرسلة للعراق ، في ضرب معاقل المقاومة ومساعدة حكومة المالكي في تنفيذ الخطة الامنية الجديدة لبغداد وما حولها ، والبدأ في تفكيك المليشيات الطائفية ومطاردة عناصرها وداعميهم من الايرانيين ، كما يدعي بعض الجنرالات الامريكان .
ان التبرير الامريكي للفشل الصارخ في العراق ، كونه بسبب التدخل الايراني ونفوذه ، لا يتوافق بالمطلق مع طبيعة التوافق والتناغم الذي حكم الغزو الامريكي للعراق بعلاقته مع الجانب الايراني وامتداداته السياسية والمليشياوية .
وان امتداد هذا النفوذ وتوسعه تم تحت نظر وسمع الجانب الامريكي ، اي ان حقائق الواقع ، التي تؤكد توسع المقاومة واتساع جبهة مناهضة الاحتلال تدحض محاولات الأستغباء التي تريد ادارة بوش تمريرها ، وما الاجراءات الاخيرة الناعمة لتقليم اظافر ايران في العراق ، عبر بعض الاعتقالات ومطاردة قادة محليين ، إلا سياسة غير جدية وحذرة في مواجهة هذا النفوذ ، وموجهة بشكل خاص الى احد الاطراف دون غيرها .
لذلك فان ادارة بوش ، في الوقت الذي لاتستبعد ضربة تكتيكية محدودة لايران ، فانها بتسعير المواجهة مع طهران وايصالها الى حافة الصدام ، تبغي انصياع ايران الى التجاوب مع الرغبة الامريكية في ترتيب الساحة العراقية لصالح اجندة بوش واحلام خطته الجديدة ، وسحب يدها من لبنان ، ودفن طموح القوة الاقليمية لديها . وهذا ما تدركه طهران وتدرك معه نقاط قوة وضعف بوش الاستراتيجية ، لذلك جاء ردها هذه المرة عبر (هاشمي رفسنجاني) الذي اكد ان اي هجوم امريكي على ايران ، سيؤدي الى ان مشاكلها في العراق ستتضاعف عشر مرات ، اضافة الى ردها العسكري باجراء تجربتها الناجحة لصواريخ ارض بحر بمداها الذي يطول كامل منطقة الخليج وحدود مياهه الاقليمية .
ان ردود الفعل الدولية على التحشيد الامريكي في منطقة الخليج ، بمجملها ، شكلت نوع من الضغط والقلق على ما يمكن ان تقدم عليه ادارة بوش ، وما له من نتائج كارثية ، من توسيع حربها في العراق لتشمل دولآ اخرى ، وان منطق بعض الدول هنا هو الخوف من هزيمة جديدة لأمريكا تنهي ولسنواتٍ طويلة النفوذ الامريكي في منطقة الشرق الاوسط ، وتنهي معه نفوذ ها الثانوي وقدرتها على التأثير ، وبروز قوى اقليمية يمتد دورها للعالمية في التأثير على الاحداث المقبلة ، لذلك برزت دعوات جدية تدعو ادارة بوش الى التعقل في معالجاتها( للتحديات) ، لقد كتب يوشكا فيشر وزير خارجية المانيا السابق مقالا في جريدة( دوكنس نيهيتر ) السويدية يقول " .. ان الهجوم على العراق والحاق الهزيمة به كان سهلآ ، ولكن هاهي امريكا متورطة الان هناك ، وهي لا تعرف كيف تكسب هذه الحرب او تخرج منها سالمة دون هزيمة ... لايمكن تصحيح خطأ بتكراره مرة اخرى ".
أما (ريتشاد هاس ) رئيس مجلس العلاقات الخارجية في مجلة شؤون اجنبية ، فقد كتب " ان سيطرة الولايات المتحدة على الشرق الاوسط تشهد نهايتها ، وان الحرب على العراق كانت بداية النهاية ... ان على واشنطن اتباع الدبلوماسية بدل القوة العسكرية من اجل التاثير في المرحلة الجديدة . " .
من الصعب حاليآ القول ، ان امام هذا الصراع افاق للتسوية والتهدئة القريبة ، التي قد تضعف امكانية الصدام وتلغيه من الحسابات الامريكية ، خاصة وان امام بوش ما يقارب السنتين ، يعتقد بانه يستطيع فعل الكثير خلالها ، رغم ان ضغط الاحداث والتطورات العراقية والاقليمية ، تدفع إلى البحث عن حلول وخيارات ، تعتمد بقربها او بعدها عن مصلحة العراق وشعبه ، على قدرة المقاومة العراقية في انزال اكبر الخسائر في صفوف الاحتلال ، وعلى نضوج هذه المقاومة وجميع القوى المناهضة للاحتلال في توفير مستلزمات وعناصر الهزيمة السياسية والعسكرية الكاملة للمحتل ، وايصاله للقناعة اللازمة بالجلوس الى مفاوضات جدية تنهي الاحتلال ، وتوفر مقومات اعادة بناء الدولة العراقية .
ان امريكا وحلفائها يتصرفون من الاحساس والادراك ، بان علائم ونُذر الهزيمة الاستراتيتجية لمنطقهم ونفوذهم ، قد بانت من ارض العراق ، وان مصير مشروعهم بات في مهب الريح ، وان كل البدائل والخيارات التي لا تستند الى الحل السياسي النابع من الحقوق الوطنية العراقية والمضمونة دوليآ ، لا تزيد المأزق الامريكي إلا عمقآ ، وان قرع طبول الخطر الايراني والتحشيد العسكري لا يغطي على الصورة الحقيقة للمأزق الامريكي في العراق ، ولا يُزكي دور ايران في العراق ، الذي أضر بأمن شعبه ومستقبل قضيته الوطنية .
#كاظم_محمد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟