أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سامي عبد العال - الاستعارات القاتلة (2)















المزيد.....

الاستعارات القاتلة (2)


سامي عبد العال

الحوار المتمدن-العدد: 8464 - 2025 / 9 / 13 - 18:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


" استعارة شعب الله المختار اعلان لاهوتي مُسيَّس لعمل أي شيء ..."

لا تعدُّ الاستعارات الخاصة بالكيان الكولونيالي زائدةً لغويةً، فهي ترتبط بنسق أعمق من المفاهيم والأفكار المؤسسة له. بحيث تحرك الاستعارةُ مجموعةً من التصورات والأخيلة والخطابات التي ترسم خريطة الواقع. إنها تُلخص ترسانةً من المبررات المُقَنّعة التي تتخفى لخدمة الوضع القائم. حتى إذا توجهنا لنزع النقاب عنه، سنجد كماً من الأقنعة الحائلة دون رؤية هذا الكيان داخل الاستعارات طوال الوقت. وأخطر شيء هو التصديق بما تقوله الاستعارت كأنه الحقيقة الراسخة، لأنَّها مجازات ضاغطة للعالم ومختزلة لجوانبه وعلاقاته المركبة. وستعود- قريباً أو بعيداً- في شكل صورٍ مشوهة وعنيفة. كما أن السياسة لا تتنظر العقول حتى تستجلي المواقف، إنما تستولى على المشهد بلا استئذان.

ولكن بحكم الحفر خلف الاستعارات، سندرك أن نسق المفاهيم يتحرك فوق مساحةٍ تاريخية تتجاوز الوضع الراهن وتتشابك ثقافياً ومعرفياً لرسم صورته. توضيحاً لذلك ولكي نعرف كيف اكتملت " استعارة البَوّ الكولونيالي" المنطبقة على اسرائيل بجوار أمريكا، علينا ممارسة أقصى درجات التدقيق إزاء الكيان المُسمى بدولة الاحتلال. لأنَّ نقطة تمركزها الجيوسياسي غارقة في تربة التاريخ والسرديات والآثار والانثروبولوجيا. أي دخلت محيطاً ثقافياً تتنازعه صراعات القوى الناعمة والخشنة على السواء. وبات اللعب الصهيوني في الأصول السياسية وعبر صور الأحداث أمراً مثيراً للاهتمام. فالحروب بالاستعارات متماثلة، إلى حد أنّ ما يجري في ميدان المعارك المادية معروف بدرجةٍ لا تبتعد كثيراً عن مجالات الثقافة وتشكيل الذهنيات العامة.

لقد تمَّ الاختلاق الاستعاري لاسرائيل بواسطة المقولات التوراتية مرةً، وتم تبريره من خلال المقولات المعرفية الحفرية مرةً أخرى، وكذلك جرى تداوله عبر المقولات السياسية مرات عديدة. وها هو الآن اختلاق يرتدي درعاً واقياً من الحرب الالكترونية والعسكرية المدمرة. لدرجة أنها مقولات باتت متضافرة في خطابات الدعاية والوعود والأحداث الاسرائيلية. وعد بلفور- مثلما سأطرح- كان بمثابة اطلاق( حزمة استعارات ) لأخذ الأرض وبناء الدولة والالتصاق بقوى الغرب الفاعلة وتقريب المستقبل البعيد. ليست اسرائيل غيمة عابرة فوق أجواء فلسطين التاريخية دون اشتباك. هي حيوان سياسي شرس يضرب مخالبة في شقوق الأرض المستلبة عن قصد وتربص. ويجب أن نتذكر أن خاصية أية استعارة سياسية بهذا الوضع هي محاولة زحزحة الأصل بصورة مُبررة والاحلال مكانه.

طوال الوقت مع وجود اسرائيل، يطرح كيانها الكولونيالي الاستعارات بصيغة التأصيل (البحث عن أصل ما). استعارات تخرج من نقطة ( الصفر الانطولوجي ) لوجود الدولة كله في أرض فلسطين التاريخية. جميع استعاراتها تحمل هذه النبرة الحدية. بحيث تقطع الاستعارة بمعناها البات مع الواقع والزمن. هي استعارات ترمي إلى وجود معانٍ خارج التاريخ، إذ تحمل واقعها الخاص لتفرضه فرضاً إزاء الآخرين. وكأنَّ التراث اليهودي لهذا الكيان الكولونيالي يسُوق كل التفاصيل انطلاقاً من المعتقدات الدينية حتى المعتقدات السياسية.

وذلك مؤدّاه أنَّ اسرائيل تعاني من هواجس وجودية مزعجة حول مشروعية ذاتها. ترى باستمرار أنها دولة غير مشروعة وتترقب من وقت لآخر نوعاً من التهديد الوجودي. فلو أنها تتمتع بحقوق مشروعة ما كانت لتساير النزوع نحو التأصيل والعود على بدءٍ طوال الوقت. فالمستوطنات هي عودٌ على بدء من جهة كونها امتداداً للزحف السكاني المسيّس( تهويد المدن الفلسطينية)، وكذلك ترجع إلى نقطة البداية تاريخاً وايديولوجياً. مستوطنات تشطب وجود العمران الآخر وتخرب ما هو قائم بحثاً عن خرائط مغايرة وقد تجاهلت حقوق السكان الأصليين من الأساس. إنها القطيعة الانثروبولوجية بشكل ارتدادي واصلاً لتراث بني اسرائيل مع الزمان والمكان. سياسة الترقيع الكولونيالي للأرض والاستيلاء عليها.

تكشف الاستعارات الحديّة أكثر مما تغطي ولا تعطي مستعيراً فرصة التواجد الحر دون اسئلة. إن كياناً كولونيالياً لا بد أن يطلق الاستعارت حتى يَعمي من ينظر إلى استجلاء المشهد. والنظر كأنه النظر الأخير بعد فوات الآوان مثلما أن الاستعارة تحدد موضوعها بصيغة ميتافيزيقية تامة الدلالة. إنها تنطلق من( ميتا استعارة meta – metaphor). بحيث لا يوجد قبلها ولا بعدها غير الدلالة الخالقة لموضوعها دوماً. ولذلك كانت اسرائيل في جميع ممارساتها حاملة للافتة ميتافيزيقية بحتمية العنف والحرب.

أكاد أُجزم أن اسرائيل لا تستطيع حل أية مشكلة من مشكلاتها إلاَّ بالحروب، لكونها دولة استيطانية غير مشروعة. الحرب قدر تاريخي في تراث اليهود، حيث تصبح الحروب جزءاً لا يتجزأ من لحمة الحياة. في الصراع يتجلى وجود الرب ويتجلى الزمن وتظهر الحقائق ويُستعاد الملك الغابر وتخضع كافة الشعوب للشعب المختار. ولا تكتفي اسرائيل بهذا، ولكنها تأخذ مواقف المراوغة والتسويف إزاء حقوق الناس الأصليين.

هذه المشاهد العنيفة ليست وليدة الصدفة، لكنها ناجمة عن كون اسرائيل مشبعة تاريخياً بكم مرعب من الاستعارات. وعندما تكون ثمة دولة تتقمص دور الاستعارة، فهي كالأسطورة تحلق فوق كل الحدود والضوابط الانسانية. فهي تنتظر مواقع التقديس والتبجيل من المحيط الذي تتواجد فيه. اسرائيل ظاهرة استعارية مقدسة على هذا النحو أو ذاك. ولكن ما الذي يجعل دولة تتعامى عن الواقع لدرجة اغتيال الشعب الأصلي بدم بارد؟ كيف لأُناس– أيا كانت مكانتهم السياسية- يعيشون داخل الأوهام؟ لماذا يفقد الكيان الاسرئيلي كل مؤشرات البصيرة تجاه جيرانه؟!!

فكرة " شعب الله المختار"chosen people أبرز الوسائط التي يعيش فيه هذا الكيان الكولونيالي. استعارة لاهوتية سياسية تتبلور في شكل ايديولوجيا صهيونية بكل اجنحتها على الأرض. هناك جناح انثروبولوجي ممتد و جناح آخر لاهوتي وغيرهما هناك جناح ميتافيزيقي وفوق ذلك يوجد جناح سردي – ثقافي يغلف العقول حتى لا تقوى على النقد والفهم. تتأصل الاستعارة الانثروبولوجية بهذا الامتداد الوجودي أمام شعب الرب. جاء في التوراة مخاطبةً بني اسرائيل: " لأَنَّكَ شَعْبٌ مُقَدَّسٌ لِلرَّبِّ إِلهِكَ، وَقَدِ اخْتَارَكَ الرَّبُّ لِكَيْ تَكُونَ لَهُ شَعْبًا خَاصًّا فَوْقَ جَمِيعِ الشُّعُوبِ الَّذِينَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ." ( سفر التثنية/ الاصحاح 14: 2).

الجوهر في المسألة أن الرب اختار شعب بني اسرائيل لتنفيذ وصاياه ومن أجل الطاعة المنتظرة منه والإمانة التي يجب التمتع بها. وتبدو الوصية واضحة بحمل وحي السماء إلى جميع أرض الرب. في المقابل نتيجة ذلك أن يحمي الرب شعبه المختار ويجعله في مكانة سامية بين الأمم." استمعوا لصوتي، فأكون لكم إلهًا، وأنتم تكونون لي شعبًا، وامشوا في كل الطريق الذي أوصيكم به، ليكون لكم خير" (سفر إرميا/ الاصحاح 7: 23). إن كونهم شعب الله المختار حمل في طياته مسؤولياتٍ روحيةً أعظم، وتضمن معاييرَ أكثرَ إلحاحًا، وضرورةً لتنميةِ قوةٍ روحيةٍ عالمية خارج نطاق اسرائيل المحدود.

ولكن تسيّست استعارة " شعب الله المختار" باعتبار أن اسرائيل متصلة انطولوجياً بالإله. الفكرة التي وُظفت في اليهودية لشق العالم إلى نصفين: نصفه الأعلى يتكون من شعب الرب: والنصف الأسفل يشغله كل البشر قاطبة. تلك الاستعارة القائمة على الاختيار الالهي دون مقدمات ولا حيثيات. حكم ميتافيزيقي لا رجعة فيه. وكأن التحديد المستعار أن الرب بعد أن خلق العالم والشعوب قرر أن يقرب شعباً من ذاته فقط بخلاف الآخرين. والاستعارة بهذا المنطق هي اعلان حرب واجلاء للشعوب الأخرى من ملكوت الرب. وهذا ما تمارسه اسرائيل اليوم على صعيدي السياسة والعلاقات الدولية وتمارسه بشكل دموي إزاء الفلسطينيين.

أعاد الكيان الكولونيالي عقيدة الشعب المختار إلى تراثها الطويل الذي انحرف عن فكرتها الأولى. حيث استولى الشعب اليهودي على فكر الإله من الإنسانية بوصفه راعياً لكيانهم السياسي. حيث كشف التحليل النقدي للعهد القديم عن تطور معقد لهذه العقيدة في تاريخ إسرائيل القديمة. ومن الواضح أن الفكرة نشأت بصدد المفهوم الأساسي حول( الإله الوطني ) الوحيد لإسرائيل، وأن إسرائيل بدورها تمثل شعب الله وهي شعبه وحده ليس أكثر. وطبعاً جرت الفكرة على كامل الجوانب التصورية التي تخدم دولة الرب، وجيش الرب، ومستوطنات الرب، وممتلكات شعب الرب. إذ ذاك تختلط العقيدة الميتافيزيقية بالجوانب السياسية.

ثم واصلت استعارة شعب الله المختار سريانها الميتافيزيقي في جسد الكيان اليهودي، لأن الاعتراف بذلك هو اعتراف باعادة إسرائيل إلى الاستقلال الوطني في النهاية، وأن جميع الأمم الأخرى محكوم عليها بالهلاك لعدم الاعتراف بيهوه كإله لبني اسرائيل.

تنطوى استعارة " شعب الله المختار" على نقاط تُعري نسق المفاهيم:

1- شَق السماء.

ارتبطت عقيدة شعب الله المختار بآلية سياسية تاريخية. إذ جرى الاعتقاد اليهودي بكون وجود إله راع لاسرائيل هو الضمان لعودة الشعب من شتاته التاريخي وتأسيس الدولة كغطاءلأمة واحدة. جرت الاستعارة لتضيء السماء أمام اليهود دون سواهم. وليس ذلك أمراً اعتباطياً، لأن المعتقدات الاسطورية كامنة في تلك الاستعارة من جهة خلق إله على مقاس بني اسرائيل. استحواذ على معاني الإله بتوقيع ميتافيزيقي كامل الظلال على الأرض. ظلال لشعب الرب كأنه هيكل وثني متأخر عن زمانه.

إن الكيان الصهيوني يشق طريقاً إلى السماء رأسياً بحروبه، لأنه يذكّر شعوب الأرض بكونه يحارب من أجل الرب. حيث يعزل نفسه متحصناً في كتلة من الاعتقاد بكونه يمتلك حق الانتهاك. أي حق التجاوز تجاه الاغيار. بالفعل ينتهك الجيش الاسرائيلي كل القواعد الإنسانية، لا لشيء إلا لكونه قد رضع مفاهيم توراتية مسيَّسة. إن انقاذ الإله من انياب الشعوب الأخرى هو أحد تصورات وثنية ترسبت لدى المعتقدات اليهودية. وثنية سياسية باتت قد الضخ مع الحروب الكولونيالية في المنطقة، لأنها حروب تصب في مصلحة اسرائيل.

2- ميتافيزيقا الفرز العنصري.

تزعم استعارة شعب الله المختار أنَّ هناك ضرورة للعيش بمنأى عن الآخرين. وليسوا هم أناساً آخرين وكفى، ولكنهم مجرد أغيار. والغير هو القابل للفرز العنصري بسهولة، أي يسهل تصنيفه ووضعه داخل خانات تمهيداً لاقصائه. نظراً لكونه لا يندرج تحت ظلال شعب الرب. كما أنه لن يكون مختاراً، من حيث كان الاختيار أمراً إلهياً أزلياً وله صفات القداسة.

من ثم سيصبح الإله أداة فرز للبشر من حيث كونه غير ذلك دينياً. لأن الاستئثار بالإله كمن يحاول امساك المطلق بمنطق النسبي وهذا مستحيل. ولأنَّ اسرائيل لا تقول ذلك صراحةً إلاَّ عبر ايديولوجيا كولونيالية، فالأمر يظل فرزاً مسلحاً. ليس ثمة مبرر لهذا الكم من التسليح في دولة الاحتلال إلا إذا كان ثمة فرز متواصل. أي تدافع اسرائيل بمنطق الاستعارة الراهنة عن ممتلكات ميتافيزيقية دونها الموت والدمار.

3- ظلال الإله.

طالما تمسك الاستعارةُ الإله، فهذه دعوة لتتبع الآثار المقدسة. ولذلك فإن التاريخ هو ظلال الرب على الأرض، والذي تجسد في شكل انثربولوجيا الجماعة اليهودية عبر جغرافيا المنطقة. كل ما تريده اسرائيل هو الكشف عن حفريات الجماعات اليهودية الأولى التي تعطيها مبرر المجيء والاحتلال.

في فلسطين، تقلب اسرائيل كل حجر لكي ترى ظلالاً إلهية. لم تقدر أنها أراض ليست لها، إنما أطلقت المعتقدات بكون الأرض كانت في يوم من الأيام تحمل ظلالاً ليهوه. تجليات الرب اليهودي مطبوعة كما تتوهم في رمال فلسطين باحثة عن آثاره القديمة. ما يلفت الانتباه أثناء الربيع العربي أن سمسار الحروب وقتذاك" برنارد هنري ليفي" دخل إلى ليبيا أثناء الأحداث العاصفة 2011 من جهة شرق البلاد، وكلما قطع مسافة نحو العاصمة الليبية كان يطلع على مشهد الصحراء الشاسعة مرددا أنه يتفحص آثار أجداده اليهود الذين مروا عبر شمال أفريقيا!! واطلق على الصحراء الليبية ( الرمال الغنية بالذاكرة) متفرساً بقايا المقابر والمنازل المهدمة في الأفق، ومستعيداً الأحداث العالمية التي غطت القرن العشرين.

إن الآثار القديمة بصمات على شعب الرب اقتفاء بقاياها، الكيان الصهيوني حالة سياسية في اقتفاء الأثر والتنقيب عن معالمه. وهو البرهان التاريخي لقيام الملك الغابر لبني اسرائيل. في الطرقات وتحت المقابر وفي أعماق المساجد وتحت ركام المدن، الأثر هو الخيط الذي تتطلع إليه الاستعارات بحثاً عن الحياة الأولى. استعادة الغابر من حياة اليهود بمثابة طقوس استعارية مازالت عاملة في ذهنية السياسيين الاسرائيليين حتى اللحظة. وأخذت ابعاداً حربية حتى أمست تشكل المشهد أمام أية خريطة لفلسطين، ليست استعارة اسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات إلاّ إحدى الاستعارات الجيوسياسية لآثار شعب الرب. الشتات خلال هذه المساحة شتات يتم تجميعه حالياً باعتباره سيادة يهودية أخرى مع دورات الزمن. الأساطير لم تمت، بل تبحث عن مشروعية سياسية كلما لاحت في الآفاق.

4- التطهير العرقي.

إذا حلت الاستعارة بحدها الميتافيزيقي، فلن تُبقي أغياراً في نطاق اشتغالها. لا تنقسم اسرائيل تاريخياً إلا على نفسها. ولنا أن نندهش من شعب آت من شتات الأرض ثم يستوطنا مساحة ليست له ويقاتل تحت مظلة الاستعارة إلى الرمق الأخير. وفوق ذلك لا يقبل بأي فلسطيني فوق أرضه المشروعة. شعب يجتث كل ما يمت إلى الآخر بصلة ويمزق أوصاله ويعيد رسم الخريطة وفقاً لعرقه المستعار والمقدس.

لقد حولت استعارة شعب الله المختار المعتقد الميتافيزيقي إلى أصل انثروبولوجي. وهذه ذروة الحبكة السياسية لعمل الاستعارات على الأرض. أن يصدق اصحاب الاستعارة السردية اللاهوتية، فيتجسد التصديق كأنه امتداد انثروبولوجي قائم بذاته. ليس اليهود عرقاً واحداً إنما مجموعات من جنسيات وأصول متباينة تجمعهم المعتقدات لا غير. التطهير العرقي نتيجة أدجلة الديانة في شكل تكتل بشري وقد حلت محل التاريخ. فالواضح أن المعتقد اليهودي (خارج التاريخ) تجسد بشراً ( عبر التاريخ) وباتت له جذوره الإنسانية. مما يقتضي إزاحة كل العناصر البشرية من طريقه، واستئصال ما يقابله من تجمعات بشرية أخرى.

الوضع معبر عن استعارة مركبة متعددة المستويات. فاللاهوت يستعير آفاق الانثروبولوجيا متحولاً إلي راعٍ لجماعة من البشر ( شعب اسرائيل). كأنَّ الأمر اعجاز أيديولوجي خالق لموضوعاته بالأصالة. ثم يجري توظيف اللاهوت الانثروبولوجي سياسياً في صورة نزعة عرقية متشددة. وأخيراً تمارس الحروب الصهيونية الاستعارات اللاهوتية الانثروبولوجية لتطهير الأرض من الشعب العربي على قاعدة: أنَّ عرقاً يحارب عرقاً. وهذه قمة التزييف الساخر لأن اليهود في العالم ليسوا عرقاً، لكهنم ديانة تبحث عن تشكيل دولة بحسب الايديولوجيا الصهيونية، فكانت استعارة شعب الله أقرب الطرق وصولاً إلى الهدف المأمول.

5- الابادة الجماعية.

كل استعارة تخرج بهذه الظلال الكونية تحتم الفتك بمن يقف أمامها. ربما كانت ممارسات شعب الله المختار هي مخزون القتل الذي لا ينضب حتى الساعة. لا تميز اسرائيل بين فلسطيني وآخر ولا بين عربي وغيره، إنما تقتل دون رحمة. تقتل من الجذور إلى الجذور لا تهادن ولا تفرق. إن الكيان الصهيوني بات خطراً محدقاً بالإنسانية كلها لا مجرد أخذ أرض ليست أرضه. فهو يقدم نموذجاً غير مسبوق للابادة الجماعية.

إذا نظرناً إلى تاريخ الإبادات الجماعية، سنجده قائماً على خلاف بين عرقيتين أو نتيجة صراع بين قبائل بدائية أو نزاع على مناطق نفوذ أو بفضل حروب لاسباب سياسية، ولكن الابادة الجماعية في حالة اسرائيل تتوافر على أدوات الابادة القصوى: الايديولوجيا واللاهوت والسياسة الاستيطانية في قرار حربي ميتافيزيقي قاتل لا محالة. بجانب ذلك هناك رعاية كولونيالية وضعت كل قدراتها داخل فوهات الموت الصهيوني وقتما تريد اسرائيل. إن استعارة شعب الله المختار تصريح ميتافيزيقي بالابادة الجماعية التي لا تبقي ولا تذر.



#سامي_عبد_العال (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاستعارات القاتلة (1)
- سلة مهملات كولونيالية
- خبز ٌبدماء الإنسانية
- إضاءة فلسفية .. ما الذي يجعل الجميل جميلاً؟
- صوت فيروز .. الفناء والبقاء
- اللغة... لحمُ الشُعراءِ
- العقل والسلطة في الثقافة العربية
- الكتابة ... الرؤية والزمن
- تأويل النعال (8)
- تأويل النعال (7)
- تأويل النعال (6)
- فلسفة النعال (5)
- فلسفة النِعال (4)
- فلسفة النِعال (3)
- فلسفة النِعال (2)
- فلسفة النِعال (1)
- جنة الملعون
- اغراء المختلف
- الأشياءُ التي كأنَّها لم تكُن
- الإشباع الثقافي


المزيد.....




- 32 عاماً على توقيع اتفاق أوسلو.. ماذا تبقّى من حبر مشروع الس ...
- -لا تعلمون ماذا أطلقتم-.. أرملة تشارلي كيرك تخرج عن صمتها بع ...
- عبر الخريطة التفاعلية.. ما آخر تطورات السجال بين الناتو وبول ...
- تخوف من عجز مالي كبير لإسرائيل بحلول 2030
- عاجل|مراسل الجزيرة: انطلاق أول سفينة ضمن أسطول الصمود العالم ...
- صحة غزة تحذر من تراجع خطير في وحدات الدم
- روسيا تجري مناورات بأسلحة نوعية ومخاوف أوروبية من التصعيد
- شاهد ما فعلته مالكة كلب لإنقاذه من فك تمساح يجره من طوقه إلى ...
- محكمة القضاء الإداري تقضي بأحقية الناشط السجين محمد عادل في ...
- اتهام رسمي بقتل كيرك في أطول فترة عنف سياسي بأمريكا منذ عقود ...


المزيد.....

- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سامي عبد العال - الاستعارات القاتلة (2)