أحمد حمدي سبح
كاتب ومستشار في العلاقات الدولية واستراتيجيات التنمية المجتمعية .
(Ahmad Hamdy Sabbah)
الحوار المتمدن-العدد: 8458 - 2025 / 9 / 7 - 18:16
المحور:
قضايا ثقافية
ما الفارق بين الفلحوسرسج والمخزوم ؟
الفلحوسرسج : هو مصطلح مجتمعي عامي حديث ، ويعني الشخص الواقع تحت تأثير الأبعاد والآثار المدمرة لكل من الفقر والحرمان والتسلط والقهر ، وحتى لو اغتنى وأصبح من الطبقة الغنية ، فإنه لا ينسحب من تلك الآثار بل يسحبها معه ويزيد عليها كل مظاهر التكبر والإستعراض هذا إن لم يكن بخيلآ على نفسه وأسرته ، أو بالحفاظ على حياة أقرب للفقر أو الطبقة المتوسطة لو كان بخيلآ لأنه يظل خائفآ من الفقر فيعيش فيه .
وحتى لو كان مشهورآ عنه إجزاله في العطاء والمَنح ، فذلك إنما لا يكون أصيلآ فيه وإنما لمجرد خلق صورة ذهنية إنطباعية عنه لدى الغير بمدى غناه ونجاحه المادي في إطار سعيه للإنتقام والتغطية على ماضيه الفقير والسفيه ، لا حبآ أصيلآ في خير أو سعيآ دفينآ لرسم بسمة في قلوب و وجوه الناس .
كما يتسم الفلحوسرسج بالإفتراء والتجبر لو ارتبط صعوده المادي بالحصول على السلطة كذلك ، أو على الأقل بالتسلط على دائرة أتباعه والعاملين لديه ، في محاولة منه بعقليه الواعي والباطن بالتعويض والإنتقام من سنين القهر والحرمان ، ولكن على الرغم أنه ( قد ) يرتقي مظهريآ ( فقط ) لو لم يكن بخيلآ على نفسه وأسرته ، فإن الفلحوسرسج يتسم عادة بالدناءة والوضاعة والتدني في السلوك والمظهر والفكر والنظافة والتعايش مع القذارة في الشارع والضمير .
بل ومخاصمة لحد الخوف من مظاهر النظافة والرقي والتحضر ، فيعمد لهجرها أو لتشويهها أو لتحقيرها ولو عبر التنكيت عليها وتصيد ذلاتها وتضخيم واختلاق أوهام لحد الإشاعات عن مضارها إن وُجدت ، وتظل دائمآ خصال المكر والتلاعب والحقد وضعف الثقافة جزءً أصيلآ متأصلآ فيه .
المخزوم : هو مصطلح قمت بابتكاره وهو مختصر abbreviation for
( متخلف ، متزمت ، شهواني ، همجي ) .
وهو مصطلح يعني الشخص الواقع تحت تأثير الأبعاد والآثار المدمرة للتَّربي والعيش في محيط مجتمعي مشوه للدين ومتمركز في السلفية والأصولية الفهمية والمفاهيمية للأولين الذين واراهم الثرى من قرون وقرون ، سواء أكان فهمهم صحيح ومناسب بمعايير زمكانهم أو خاطئ ومجانب للحقيقة السلامة حتى بمعايير زمكانهم ، لكن المؤكد أنه فهم محافي للحرية والعدالة والسلام بمعايير زمكاننا ، فحدثت بمحدودية فكرهم وهزيل ذكاءهم وسفيه تفسيراتهم وسوء تبريراتهم وهوان أفاعيلهم .. تلك الفجوة التي أوقعت الجفوة بين الدين والحضارة ، لدرجة أن المجتمع أصبح مخزومآ بطبعه سواء في جماعته الأولية ( الأسرة والعائلة والأصدقاء والجيران والزملاء ) وجماعته الثانوية ( المجتمع العام ) .
وحتى لو هاجر هذا المخزوم من مجتمعه فإنه لا ينسحب من هذه الآثار وإنما يسحبها معه للمجتمع الجديد ويحاول أن يطبعها به ، كنوع من ممارسة الجهاد الموهوم والإثبات المقدس لنفسه ولجماعته ولله سبحانه وتعالى ( جَلَّ في علاه والبرئ هو ورسله من آدم لمحمد عليهم الصلاة والسلام مما يفعلون ) أنه لم يتخلى عن هويته الدينية التي تضمن له الجنة في الآخرة كما تربى في وهم المخزومية ورضع من وَبَالها .
وهو بالتالي يميل لكل مظاهر المخزومية وسلوكياتها التعسة البائسة المدمرة من تطرف وهمجية وتحرش واختيار المتزمتين وممارسة الإرهاب والقمع بكل أشكاله سواء باللعن أو بالقتل أو بالحبس والتغريم ، وكذلك سيظل المخزوم عقبة كؤود مخاصمة للحضارة وللتقدم ولقيم الحداثة حتى لوكان مستهلكآ لمنتجاتها من أجهزة ومركبات ومنازل وغير ذلك .
وحتى لو كان مستهلكآ لحداثة الملبس عند كثير منهم ، فليس شرطآ أن كل مَن ارتدى بدلة أو ارتدت فستانآ أنيقآ هم ليسوا مخازيم ، بل هم قد يحملون درجات من أفكار المخزومية سلوكآ وقولآ وفعلآ ، وما ارتدوا ما ارتدوه من لباس أنيق إلا مجاراةً لوسط مجتمعي يعيشون فيه ، ويمكن تبينهم وكشفهم من طيات كلامهم ، عبر ما يقوله بعضهم.. أنهم في انتظار أن تحل الهداية عليهم بالتمظهر بمظاهر المتزمتين الأصوليبن ، أو مباركتهم ودعمهم لمن يتلبسون لباس المتزمتين تحت شعارات فارغة من عينة الحرية الشخصية والتقوى والزهد ، ( والله كذلك من كل ذلك براء ، فلباس التقوى عند الله ليس لباس الجسد بل لباس القلب بثوب طاهر نظيف ) ، أو من خلال دعمهم ومسايرتهم للجماعات المتاجرة بالدين ذات التسميات المختلفة .
فقولآ واحدآ .. طالما كان الفكر متحوصلآ في أكذوبة أن الملبس ، والتزيد في الطقوس والشعائر ، واستحباب وتقليد وانتخاب ذوي الشعارات والمظاهر الدينية المكذوبة .. في أكذوبة أن كل هؤلاء هم زاد التقوى على طريق الجنة ... فدومآ سيضل الطريق ويخيب الرجاء .
فالأفضل بالنسبة للمخازيم هو العمل للآخرة بالمظاهر والشعائر والكراهيات ، وليس الإنشغال بالدنيا ، ذاك العمل الذي حصروه في الصلاة والصوم والحجاب والحج وكراهية الآخر والتنمر عليهم ومعاداتهم ، دون إدراك أو بتعامي متعمد عن أن الطريق الحقيقي للجنة هو إنشغال بفقه الإتقان في العمل والإخلاص في الحقوق والتقوى في البناء وهي السبل الوحيدة للجنة وما ينشغلون باتقانه من شعائر ما هي إلا عوامل معينة وبعض من زاد هذا الطريق .
والفلحوسرسج والمخزوم هما كائنان بطبعهما يميلان لتوليد وقبول الحكم الديكتاتوري أو الأوليجاركي ، لأنه يتناسب مع طبيعة ظروف وآثار القهر والتسلطية والسلطة الأبوية الجامحة الأسرية والعائلية التي تربوا ونشأوا في كنفها ، أو متناسب مع أعراضهم السلبية والإنسحابية من المجتمع ليتقوقعوا في ذواتهم الهشة أو ليتفرغوا لمعتقداتهم وقناعاتهم المبررة لسلبياتهم وسلبيات آباءهم وأجدادهم وأنهم ما إلا محض ضيوف في دنيا زائلة ، أو ليُبعدوا الأعين عن ثرواتهم المتضخمة ليستغلوها كيفما شاءت أنانيتهم ودناءتهم .. وكيفما أبى فقه التطور والتحضر والعدالة ، من تهرب ضريبي أو إجرامية كسب أو انكفاء عن المساهمة في رفع مستوى ونوعية معيشة الناس بشكل حقيقي مستدام بعيدآ عن مجال بناء الجوامع وذبح العجول ورحلات الحج والعمرة مثلآ .
كما أن معادلة ومنظومة احتكارية الحكم في دائرة الملك وحاشيته أو العسكر وأَسراهم ، تُعفي الفلحوسرسج والمخازيم من تعب وإرهاق الإنشغال بقواعد التمكن من الثقافة والعلم ، وفهم اللعبة السياسية ، وأسس الفكر الإقتصادي الكلي والجزئي ، والبناء الحضاري والفعل النهضوي ، في إطار استكفاءهم بمستنقع جهلهم وتخلفهم وكسلهم العقلي ومحدودية ذكاءهم إلا فيما يتعلق بتقنين وتمكين الفساد ومراكمة مزيد الثروة ، واستمراءهم لقواعد تنشأتهم وتفاعلهم الحياتي التخلفي فيما بينهم .
بل يتفنون في محاربة المفكرين أو النبلاء ممن يحاولون استنهاض المجتمع وعتقه من أسر هذه المعادلة المميتة للحقوق والحضارة والمقتلعة لنبت أي زهور للحداثة والتطور ، والراوية لبذور الإرهاب والتخلف أو لحكايا ممجدة للقتل والسبي ، فتارة بالتكفير وتارة بالتخوين فإما قتل وتعذيب وإدماء ، وإما سجن وتهجير وإفناء ، وهم في ذلك يتمتعون بالذكاء والإرادة والتفنن الكافيين ، تحت رعاية وإشراف وتوجيه مُلاك القَصر وحرافيش الإعلام .
وعلى عكس الفلحوسرسج ، فالمخزوم ليس شرطآ أن يكون من مرجعية بيئة فقيرة ماديآ ، بل قد يكون من بيئة غنية ، ولكن العامل الأساسي والأهم أنه من بيئة فقيرة فكريآ وثقافيآ حتى لو حاز آباءه على أعلى الشهادات طالما كانت شهادات تتأتى عبر منظومة التلقين والتعليب والتكرار لفقه المخزومية أو فنية بعيدة عن استلهام وإدراك قيم الحداثة ، أو تشوهوا وتغيروا وتحولوا بعد ذلك تحت ضغط المجتمع المخزوم .
ولكن المؤكد أن المخزوم لو كان من أصول فقيرة ماديآ أو حتى بخيلة ومقهورة مجتمعيآ ، فإننا هنا سنكون إزاء طفرة عنقودية لكائن زومبي سيقدم أسوأ الخصال والصفات مجتمعة ، وسيعمد لنشرها واستقرارها ليستمد من الظلام .. حياة .
ومن ناحية أخرى ليس شرطآ أن يكون كل فقير هو فلحوسسرسج بالضرورة ، بل العبرة هو مدى تعرضه لآثار القهر والحرمان والتسلطية ، بل قد يكون فقره مدعاة لتشجيعه على تغيير واقعه وواقع مجتمعه ، وذلك نلمسه في قادة الفكر ورواد المجتمع ، ولكن ذلك محكه الأساسي هو مدى تثقفه ونقاء سريرته وعزيمة إرادته ، لكي يُرقي ويرتقي لا لكي يؤذي وينتقم ، وطبعآ امثال هؤلاء هم محدودون جدآ في الشرق البائس لأنه بائس .
وكذلك حتى في غياب الثقافة والعزيمة ، فليس شرطآ أن يتحول الفقير لفلحوسرسج ومنه لمخزوم ، أو يتكون المخزوم في أي بيئة مادية ، طالما أنهما لم ينشأا في مجتمع فلحوسرسج ومخزوم بطبعه ، فقد ينشأا في مجتمع تشيع فيه مظاهر التكافل وانخفاض مستويات التفاوت الطبقي ، وغياب عمائم التوجيه المخزومي تحت سيف المقدس ، وضعف التسلطية الأبوية الجامحة ، وتركز التسلطية السياسية بشكل أساسي وإن لم يكن كلي على درجات سلم القصر الحاكم في العاصمة وبشكل محدود أو متوسط خارج عتباته .
فالفقير الكوبي مثلآ لن يتصف بصفات المخزوم ، ولا الفقير النوبي يتسم بصفات الفلحوسرسج ، فيما كثير من أغنياء البترودولار يتسمون بأعتى صفات المخزومية ، بل وينشرونها للعالم أجمع ، ومن المؤكد أنهم حققوا نجاحآ مهولآ في استخراج سواد الأرض ليصدروا سواد الفكر .
#أحمد_حمدي_سبح (هاشتاغ)
Ahmad_Hamdy_Sabbah#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟