أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بشرى عبد الكريم عبد العزيز - حين يخنق الطغاة الأوطان...














المزيد.....

حين يخنق الطغاة الأوطان...


بشرى عبد الكريم عبد العزيز

الحوار المتمدن-العدد: 8447 - 2025 / 8 / 27 - 08:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في تاريخ الشعوب، تمرّ أحيانا فترات تُوصف بـ"الظلام"، ليس فقط بسبب القتل والسجون، بل بسبب الخوف الذي يخيم على العقول والقلوب. ومن بين هذه الفترات المظلمة ، تبرز حقبة "فرانسيسكو فرانكو" في إسبانيا كنموذج لحكم استبدادي شمولي استند إلى القمع، وسحق المعارضين، وحول الدولة إلى آلة لخدمة الزعيم الأوحد.
حكم فرانكو إسبانيا بعد انتصاره في الحرب الأهلية (1936-1939) وحتى وفاته في عام 1975، أي لأكثر من ثلاثة عقود ، أنشأ فيها نظاما ديكتاتوريا شموليا ، ألغى من خلاله الأحزاب السياسية ، وأخضع الإعلام والدستور لإرادته. خلال حكمه تم اعتقال عشرات الآلاف من المعارضين ، ونُفذّت أحكام الإعدام بحق الكثيرين منهم ، هذا من غير التعذيب في السجون والمعتقلات ، والمقابر جماعية التي ما زال بعضها يُكتشف حتى يومنا هذا . ولم يكتف نظامه الدموي بهذه الإجراءات ، بل زادها فرض الرقابة المشددة على الكتب ، والصحف، وحتى الحياة الشخصية للناس، تحت شعار "الوحدة الوطنية والدين" ، وبمباركة الكنيسة الكاثوليكية . موقف الكنيسة هذا يذكرنا بمباركة الفاتيكان لأولئك الطغاة الذين حكموا معظم دول أمريكا اللاتينية الناطقة بالاسبانية والبرتغالية على الجانب الاخر من كرتنا الأرضية ، وهو شيء ليس بجديد ، ولا غريب ، على عالم شهد بام عينه منظر المعبد وهو يجانب قصر الحاكم منذ فجر التاريخ!!
وجه الشبه كبير بين حكم "صدام" الذي أنشأ دولة الرعب والصمت ، والتي كانت دولة بوليسية بكل ما تحمل هذه الكلمة من معانٍ ، وبين نظام "فرانكو" في اسبانيا ، حيث كانت أجهزة أمن نظام صدام والمخابرات تسيطر على كل تفاصيل الحياة ، فكانت حرية التعبير معدومة تماما، وأي انتقاد ولو صغير قد يودي بصاحبه الى الاعتقال أو الإعدام ، وليس هو فحسب ، بل قد يتعدى أحياناً الى جميع أفراد عائلته ، حتى الدرجة الرابعة. ولا ننسى بالطبع كل أساليب التعذيب ، والمعتقلات ، والمقابر الجماعية .

ولكن ما الذي خرج به الاسبان من بعد فترة فرانكو المظلمة ، وما الذي تعلمه العراقيون من بعد رحيل "صدام"؟

بالنسبة لما تعلمه الاسبان ، فثمة نقاط نجملها بما يلي:
1- أهمية الديمقراطية والتعددية
تجربة الحكم المطلق والقمع جعلت الإسبان يقدّرون وبشدة حرية التعبير، و الانتخابات، و تداول السلطة ، والحقوق المدنية ، لذلك ، بعد وفاة "فرانكو" لم يعودوا إلى العنف أو الانتقام ، بل أسّسوا نظاماً ديمقراطياً يضمن مشاركة الجميع عبر ما سُمّي بـ"الانتقال الديمقراطي".
2- فصل الدين عن الدولة
استغلال فرانكو للدين (المسيحية الكاثوليكية) كمبرر سياسي دفع الإسبان لاحقا إلى فصل الكنيسة عن الحكم تدريجيا ، الدولة الحديثة أصبحت علمانية أكثر، تحترم الأديان، ولكنها لا تُخضع السياسة لعقيدتها ، وهذه نقطة مهمة جداً.
3- الحذر من عسكرة السلطة
ديكتاتورية "فرانكو" كانت في الأصل نظاما عسكريا، ما رسّخ في ذهن الإسبان أن الجيوش يجب أن تبقى خارج السياسة. لذلك فان الجيش الإسباني اليوم يخضع تماماً للسلطة المدنية، ولا يتدخل في الحكم.
4- التسامح بدل الانتقام (قانون العفو)
بدل محاكمة جميع أعوان النظام السابق، اتجه الإسبان إلى ما يُعرف بـ"العفو الوطني" (1977)، وهو خيار صعب لكنه ساهم في حفظ السلم الأهلي. على الرغم من مطالبة أهالي المفقودين بالكشف عن كل جرائم الماضي وفتح المقابر الجماعية .
5- دستور جديد يضمن الحقوق
في عام 1978، تبنّى الشعب الإسباني دستورا جديدا يضمن:
 فصل السلطات
 حرية الصحافة والرأي
 حقوق الأقاليم (مثل كاتالونيا والباسك)
 استقلال القضاء
6- التوجه نحو أوروبا والانفتاح
بعد سنوات من العزلة الدولية تحت حكم "فرانكو"، فتح الإسبان أبوابهم للعالم، فانضموا إلى الاتحاد الأوروبي عام 1986.
ولهذا، أصبحت إسبانيا اليوم من أنجح الديمقراطيات الناشئة في أوروبا بعد سقوط الاستبداد، بفضل نضج شعبها، وتعلّمهم العميق من درس فرانكو.
ولنأتي الان الى ماذا تعلم العراقيون من الدرس بعد رحيل نظام "صدام" القمعي؟
لم يستفد العراقيون من الدرس جيدا ، ولم يعوا لما حولهم كما وعى الاسبان ، ولكن لماذا؟ نوجز لكم الأسباب التالية:
1- سقوط الدولة بالكامل في العراق :
ففي إسبانيا، سقط الديكتاتور وبقيت الدولة. بينما سقط النظام في العراق، وسقطت معه مؤسسات الدولة بالكامل: الجيش، والشرطة ، و القضاء، والإعلام... مما فتح الباب للفوضى.
2- بروز الطائفية السياسية بدل الوحدة الوطنية:
بعد سقوط نظام "صدام" في العراق بعد 2003 ، برزت المحاصصة الطائفية بدل دولة المواطنة ، و تحوّلت الهوية من "عراقي" إلى "سني – شيعي – كردي – مسيحي..." ، مما مزّق وحدة الشعب.
3- غياب العدالة الانتقالية الحقيقية ، مع غياب العدالة الاجتماعية:
لم تُجرِ الدولة مشروعا واضحا للعدالة الانتقالية. لم تُفتح كل ملفات القمع، ولا أنصفت جميع الضحايا، بل بقي كثيرون بدون اعتراف أو تعويض (لمصالح سياسية بين الأحزاب المتحاصصة على تقاسم خيرات العراق) واقتصرت التعويضات المادية والمعنوية على جهات مرتبطة بالأحزاب الحاكمة.
4- فساد ما بعد 2003:
بعد زوال حكم الفرد الواحد ، حلّ فساد النخبة. واستغلت الأحزاب الحاكمة ما بعد 2003 السلطة لمصالحها الشخصية بدلاً من بناء دولة القانون، مما خيّب آمال الناس.
5- حروب وإرهاب:
عانى العراقيون من الاحتلال الأمريكي ، والقاعدة، ومن ثم داعش نتج عنها آلاف القتلى والمفقودين الجدد جعلوا من معاناة الشعب من فترة "صدام" تبدو وكأنها لم تنتهِ، بل تواصلت بأشكال جديدة.
ولكن ، ورغم كل الخسائر، وهي ليست بالشيء الهين ، لا يزال كثير من العراقيين يؤمنون بفكرة الوطن والدولة ، وهناك مطالب مستمرة بالإصلاح تشير إلى أن الدرس لم يُنسَ، بل ما زال قيد الفهم والتشكّل ، وفي النهاية الديمقراطية لا تُبنى في يوم و ليلة ، لكنها تبدأ حين يتفق الناس على أن الديكتاتورية لن تعود أبدا ، وهذا ما لا يزال العراقيون يناضلون من أجله حتى الآن.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين يتحول الضحية إلى جلاد قراءة في فيلم -تلميذ المرحلة الأول ...
- الشيعة في العراق وإيران: تشابه المذهب وتباين الولاء


المزيد.....




- تنبؤات حول هاتف ايفون 17 الجديد قبل نحو شهر من كشفه في سبتمب ...
- بعد إعلانهما عبر -إنستغرام-.. شاهد لقطات من خطوبة تايلور سوي ...
- خريطة لفهم تأثير مشروع E1 الإسرائيلي على مستقبل إقامة عاصمة ...
- استثمار بمليار دولار لتعزيز الهيمنة في الشرق الأوسط: ما هي ط ...
- ميدان عمر بن الخطاب ساحة أثرية مقدسية زاخرة بالمعالم التاريخ ...
- قصة الخطيبين غفران والأسير حسن.. عقدان من الانتظار
- روسيا تسقط عشرات المسيرات وترامب يجدد تهديدها بالعقوبات
- عاجل | القناة 12: رئيس حزب إسرائيل بيتنا أفيغدور ليبرمان دعا ...
- ترامب يرأس-اجتماعا واسعا- في البيت الأبيض بشأن الأوضاع في غز ...
- غاز مسيل للدموع وأعيرة نارية.. قوات إسرائيلية تقتحم محل صراف ...


المزيد.....

- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بشرى عبد الكريم عبد العزيز - حين يخنق الطغاة الأوطان...