أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بشرى عبد الكريم عبد العزيز - حين يتحول الضحية إلى جلاد قراءة في فيلم -تلميذ المرحلة الأولى- The First Grade














المزيد.....

حين يتحول الضحية إلى جلاد قراءة في فيلم -تلميذ المرحلة الأولى- The First Grade


بشرى عبد الكريم عبد العزيز

الحوار المتمدن-العدد: 8413 - 2025 / 7 / 24 - 08:48
المحور: الادب والفن
    


في التاريخ السياسي الحديث لأفريقيا، تمثل كينيا نموذجاً بالغ الأهمية لفهم العلاقة المعقدة بين الاستعمار وتبعاته على البُنية الاجتماعية والنفسية للمجتمعات المُحررة. فبعد عقود من القهر البريطاني ، وحصول كينيا على استقلالها عام 1963 ، الذي بدا واضحاً انه لم يكن نهاية الظلم ، ونهاية سنوات العذابات بالنسبة للشعب الكيني ، المتنوع اثنياً ، ودينياً ، وثقافياً ، والذي يُفترض أن يُشرق عهد من العدالة والتحرر ، فالواقع، كما كشفته الأيام كان أكثر تعقيداً ، وأن معاناة الشعب الكيني لم تنتهي باستقلال البلد ، خاصة في مجال التعليم ، والصحة ، وبقية الخدمات ، علاوة على عدم تحقق العدالة الاجتماعية .
كينيا كانت وما تزال متعددة الأعراق ، ففيها كيكويو، لوو، كامبا، لوهيا، ماساي، صوماليون وغيرهم . اندلعت ثورة "الماو ماو" بشكل رسمي في كنيا في أكتوبر من عام 1952، وهو الشهر الذي أعلنت فيه بريطانيا حالة الطوارئ في كينيا، بعد سلسلة من الهجمات التي نُسبت إلى "عصابات الماو ماو"، خصوصاً في المناطق التي يقطنها شعب الكيكويو.
و قد جاءت الثورة كردّ فعل على ظلم المستعمر البريطاني في كينيا، خاصة بما يتعلق بسلب الأراضي من السكان ، والاستبعاد السياسي، والقمع الثقافي. وكان شعب الكيكويو، الذي قاد الثورة، يطالب بحقوق أساسية في الأرض، والتعليم، والكرامة. قاوم الثوار بكل ما أوتوا من قوة ، وايمان بالتغيير ، وبالأمل ، لكن الرد البريطاني كان قاسيا ، فكانت الاعتقالات الجماعية، والتعذيب، حيث أنشأت بريطانيا معسكرات اعتقال، ودمرت الروابط الاجتماعية من خلال بث الفتنة بين القبائل التي كانت بينها روابط نسب ، ومصالح مشتركة . وعلى الرغم من كل هذه القسوة والقهر فان هذه الثورة ، رغم هزيمتها عسكريا، أجبرت بريطانيا على التفاوض الذي أدى إلى استقلال البلاد. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل تحقق التحرر فعلا؟
في فيلم "تلميذ المرحلة الأولى" The First Grader نلتقي بـ "كيماني ماروغي" ، المقاتل السابق في صفوف "الماو ماو" ، قرر وهو في الرابعة و الثمانين من عمره أن يلتحق بالمدرسة الابتدائية، بعد سماعه اعلاناً في المذياع مفاده أن الحكومة أعلنت مجانية التعليم لكل من يود التعلُم . ما واجهه ماروغي لم يكن مجرد بيروقراطية، بل مقاومة صامتة ، تمثلت في سخرية المجتمع، ورفض النظام التعليمي ، وبدا الموضوع وكأن القدر قد اتخذ قراره باقصاء هذا البطل ، الذي ضحى من أجل حرية وطنه، ودفع ثمن مقاومته زوجته واطفاله الاثنين ، الذين قتلهم البريطانيون أمام عينيه ، ولم يكتفوا بذلك ، بل عذبوه بوحشية ، وقطعوا أصابع قدميه ، جوبه هذا المسكين من قبل أبناء جلدته بالاستهزاء، وكأن المجتمع يطالبه قسرا بالصمت ونسيان الحلم ، وكأن أن هذا الاستقلال الذي ناضل من أجله صار يحجبه عن أبسط حقوقه.
تكمن المفارقة الكبرى في أن الأنظمة ما بعد الاستعمارية غالبا ما تُعيد إنتاج الهياكل نفسها التي فرضها المستعمر، فبدلاً من التحرر من القمع والاقصاء نجد أن مركز السلطة التي بالكاد تحررت من المستعمر الظالم قد تحولت إلى نخبة محلية تمارس نفس الإقصاء، بل وأحيانا بطريقة أكثر قسوة، لأنها تعتبر نفسها ضحت من أجل الجماهير وبالتالي فان الأحقية لها هي فقط بالحكم والامتيازات دون باقي أفراد الشعب ، حتى أولئك المقاتلين الحقيقيين الذين أوصلوهم الى السلطة . سبحان الله نفس المشهد يتكرر في كل الشعوب المقهورة.
لا يختلف رفض المسؤولين لماروغي كثيرا عن سياسة المستعمر التي حرمته من التعليم. كلاهما ينطلق من منطق التراتبية والسيطرة والتمييز. المجتمع، الذي كان ضحية للاستعمار، أصبح هو الآخر يكرر نفس أدوات الاستبعاد ضد أفراده، خصوصا أولئك الذين يمثلون ذاكرة الثورة.
التحرر لا يعني فقط خروج المستعمر، بل يتطلب تفكيكاً جذرياً لأنماط السلطة ، ومصالحة حقيقية مع الذاكرة الجمعية ، ماروغي لم يكن يبحث فقط عن الأبجدية، بل عن الكرامة المؤجلة ، وتعليمه لم يكن مسألة شخصية، بل سياسية ، إنه إعلان بأن الثورة يجب أن تستمر على شكل عدالة ، ومساواة ، واعتراف.
فما الجدوى من التحرر اذا كانت السلطة تقمع صوت الثوار الذين يطالبون بحقوقهم ، وتنكل بهم ، وبكل من يتعلق بهم؟
الفيلم يضع أمامنا سؤالًا قاسيًا:
من المستعمر الحقيقي؟ هل هو فقط الغريب عن أبناء البلد ، أم هو كل شخص أو مجموعة أشخاص يستفردون بالثروات والامتيازات لصالحهم ويقمعون شعوبهم؟ الجواب معروف ، ولكن المشاهد سيستنبطه بعد مشاهدة الفيلم.
لكن الفيلم لا يقف عند هذا الحد من السوداوية ، فوسط عالم لا يتذكر أبطاله إلا في الخُطب الرسمية، كانت جاين معلمة المدرسة الابتدائية شعاعاً مختلفاً، لم ترَ في ماروغي مجرد رجل مسن غريب الأطوار، بل قرأت فيه حكاية جرحٍ صامت وإصرار لا ينكس ، فوقفت إلى جانبه حين سخر منه الآخرون، وواجهت مدرائها والعائلات والمجتمع كله دفاعا عن حقه في الوصول الى حلمه ، كما لو كانت تُكفّر عن صمت جيلٍ بأكمله تجاه الماضي . جاين لم تكن مجرد معلمة ، بل كانت شاهدة على ما يمكن أن تفعله الرحمة حين يغلب القانون، وحين تنتصر المبادئ على العادات.
أخيراً وليس آخر مستوحاة من قصة حقيقة ، وهي من انتاج بي بي سي BBC .






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشيعة في العراق وإيران: تشابه المذهب وتباين الولاء


المزيد.....




- محللون إسرائيليون: نخسر معركة الرواية في كارثة الجوع بغزة
- -أشبه بأفلام التجسس-.. كيف وصلت طائرات بوينغ إلى إيران رغم ا ...
- صدر حديثا : صور من ذاكرة قروية للأديب والباحث مسعود غنايم
- -كل ما نريده هو السلام-.. مجتمع مسالم وسط صراع أمهرة في إثيو ...
- -ميغان 2- دمية القرن الجديد التي أعادت تعريف رعب الدمى في ال ...
- هل يحب أولادك أفلام الرعب؟ أعمال مخيفة مناسبة للأطفال
- -وحشتوني يا أهل الأردن-.. أحلام تشوق جمهورها لحفلها في مهرجا ...
- مايا ويند: هكذا تتواطأ الجامعات الإسرائيلية مع نظام الفصل ال ...
- منع فرقة -كنيكاب- الأيرلندية من المشاركة في مهرجان -سيجيت-.. ...
- حنظلة: قصة كاريكاتير، وسفينة تحاول -كسر الحصار- عن غزة


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بشرى عبد الكريم عبد العزيز - حين يتحول الضحية إلى جلاد قراءة في فيلم -تلميذ المرحلة الأولى- The First Grade