|
|
كيفية التعامل مع التراث
جميل السلحوت
روائي
(Jamil Salhut)
الحوار المتمدن-العدد: 8440 - 2025 / 8 / 20 - 13:43
المحور:
الادب والفن
الهجمة على الموروث الشعبي والموقف العقلاني منه يكاد الباحثون أن يجمعوا على ان الاهتمام العربي بالفولكلور بدأ بشكل جدّي بعد الحرب العالميّة الثّانية، وبعد حصول غالبيّة الدّول العربيّة في حينه على استقلالها السّياسيّ، حيث أصبح لكلّ دولة علم خاصّ ونشيد وطنيّ خاصّ، وهم بهذا يغفلون أو يتجاهلون القصص الشّعبيّ الذي دوّنه العرب قبل ذلك بقرون مثل حكايات " ألف ليلة وليلة " وسير الأبطال الشّعبّيين مثل " سيف بن ذي يزن " و " الزّير سالم " و " عنترة بن شدّاد " و " أبو زيد الهلالي " وغير ذلك كثير . كما أنّ كتاب الحيوان للجاحظ فيه باب طويل عن أدب العامّة احتوى على الكثير من النّكات والأقوال الشّعبيّة ، وكتاب العقد الفريد لابن عبد ربّه احتوى هو أيضا على مأثورات شعبيّة، وهناك مجلّدات تدوين للأمثال . والآداب الشّعبيّة من حكايات ونوادر وأقوال وأمثال، وأغان هي إفراز لإبداعات الشّعب بمجمله .وتدوين هذه الإبداعات، وإخضاعها للبحث والدّراسة في مراحلها المختلفة واجب أخلاقيّ ووطنيّ وإنسانيّ أيضا. فإذا كانت " ألف ليلة وليلة " وغيرها قد دُوّنت في عصر الخلافة العبّاسيّة، مع ما تحويه من استعمالات للهجة المحكيّة، ومضامين جنسيّة صريحة، فمن غير المعقول ومن غير المنطق أنّه لا يزال-مع الأسف- حتّى أيّامنا هذه من لا يدرك أهمّيّة تراثنا الشعبي، معتقدا أنّ فيه ما يخدش الحياء! غير مدرك أنّ مقولته هذه فيها تهمة" قلّة الحياء" لآبائنا وأجدادنا الذين ورثنا عنهم هذا التّراث، وهذا أمر غير معقول، ويجانب الحقيقة. فالتّراث الشّعبيّ جزء هامّ من الهويّة الوطنيّة لأيّ شعب، بل إنّه أحد مكوّنات هذه الهويّة، فمن لا ماضي له لا حاضر ولا مستقبل له أيضا. والموروث الشّعبيّ بشقّيه القوليّ والماديّ هو إرث حضاريّ للشّعب، والتّنكر لهذا الإرث الحضاريّ، هو استجابة مقصودة أو دون قصد لطروحات الأعداء الّذين يرون في الشّعب الفلسطينيّ مجرّد تجمّعات سكّانيّة، وهم بهذا ينفون عنه صفة كونه شعب. والتّنكّر لجوانب من تراثنا الشّعبيّ كبعض الحكايات والأغاني الشّعبيّة يتساوق مع ما فعلته حركة طالبان في أفغانستان عندما دمّرت التّماثيل البوذيّة في بلادها، بحجة محاربة الوثنيّة، وكما فعلت قوى الإرهاب الّتي تتستّر بالدّين والدين منها براء مثل داعش وجبهة النّصرة وغيرهما عندما دمّروا تدمر وبابل والمتاحف والمقامات وغيرها، وهم يتانسون مثلا أنّ المسلمين بدءا من الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، مرورا بدولة الخلافة وحتّى أيّامنا هذه لم يدمّروا التّماثيل الفرعونيّة في مصر على سبيل المثال، ولسبب بسيط أنّها حضارة المصريّين في مرحلة سابقة، ومع الفارق ما بين الفعلتين " التّنكّر لبعض الحكايات والأغاني وتدمير التّماثيل " حيث أنّ الحكايات والأغاني الشّعبيّة تحمل في طيّاتها مفاهيم دينيّة، كبقيّة موروثنا الشّعبيّ. ففي العام 1991 حسبما أذكر وعندما أقيم مهرجان القدس الثّقافيّ والذي شاركت فيه فرق فلكلوريّة من مختلف أنحاء الوطن ، وقف أحد الأساتذة في إحدى جامعاتنا المحلية ليُحرّم الاحتفالات الفولكلوريّة معتبرا إيّاها خروجا عن الدّين، ومحتجّا على استعمال مصطلح " التّراث الشّعبيّ " ورددت عليه بأنّ التّراث مأخوذ من الفعل ورث يرث فهو تراث وميراث، وديننا الحنيف هو تراثنا الدّيني الحضاريّ الّذي توارثناه أبا عن جد، فالوحي نزل على خاتم المرسلين صلوات الله عليه، والدّين اكتمل في عصره، ونحن توارثناه من بعده، كما أنّ تراثنا الشعبي مجبول بالمفاهيم الدّينيّة؛ لأنّ ثقافاتنا الشّعبيّة هي ثقافة دينيّة، فعلى سبيل المثال تفتتح أمّهاتنا وأخواتنا وزوجاتنا وبناتنا أغاني الأفراح بـ " المهاهاة " قائلات:
وهاي يا ناس صلّوا على النّبي وهاي بدل الصّلاه صلاتين ويفتتح آباؤنا وأخواتنا ونحن السّامر بالقول: وأوّل ما نبدي ونقول والحذر يصلّي ع الرّسول وهكذا.....فما كان من ذلك الأستاذ إلا أن وقف معترفا بعدم معرفته المسبقة بهذا الموضوع، وأنه كان عنده فهم خاطئ للمصطلح، فحظي باحترام الحضور. تراثنا بين السّرقة والطّمس والتّشويه: يتعرض التّراث الشّعبيّ الفلسطينيّ إلى السرقة والتّشويه والضّياع، نتيجة نكبة فلسطين، وتشريد ملايين الفلسطينيّين عن أرض وطنهم. فمئات القرى الفلسطينيّة تمّ تدميرها بالكامل، ومُحي كلّ أثر لها، وما تبقى جرى تحريفه وتشويهه. وحتّى على مستوى المأكولات الشّعبيّة فإنّ الحمّص والفلافل يقدّم على اعتبار أنه أكلة شعبية عبرية . أمّا على مستوى الأدب الشّعبيّ فقد تمّ تقديم أغنية " الدّلعونا " بنفس لحنها الشّعبيّ الفلسطينيّ بعد ترجمة كلماتها إلى العبريّة على أساس أنّها أغنية شعبيّة عبريّة. والآثار الفلسطينيّة تمّت سرقتها أيضا. ونتيجة لتشتّت الفلسطينيين فإنّ الأغنية الشّعبيّة الفلسطينيّة قد ضاعت في أرض الّلجوء، أو تمّ دمجها في الأغاني المحلّيّة خصوصا في الدّول العربيّة الشّقيقة، وتمّ نسبها إلى هذا القطر أو ذاك. ويجدر التّنويه هنا أن لا خلاف على الثّقافة العربيّة المشتركة، لكن ضياع الموروث الشّعبيّ الفلسطينيّ تحديدا يجب عدم المرور عليه مرّ الكرام؛ نظرا لظروف الشّعب الفلسطينيّ الخاصّة، والّتي تهدد وجوده كشعب ساهم في بناء الحضارة العربيّة والإسلاميّة والإنسانيّة.
الموقف العقلانيّ من التّراث
يرى البعض أنّه يجب جمع تراثنا الشّعبي القوليّ والمادّيّ بإيجابياّته وسلبيّاته إذا كانت له سلبيّات، واخضاعه للدّراسة والبحث، ويجب عدم استثناء أيّ جزء من التّراث، وعقلنة التّراث لا تتعارض مع التّقدم العلميّ والحضاريّ. وبعض الحكايات والأمثال والنكات الشّعبيّة لها مدلولات سلبيّة، وهذه ظاهرة موجودة في آداب جميع الشّعوب، لأنّ الأدب الشّعبيّ أدب طبقيّ، فكلّ طبقة أنتجت آدابها. فالمتذيّلون للمحتلين والمستعمرين والحكّام الظّالمين أنتجوا المثل القائل " إلّلي بتجوز أمّي هو عمّي " والمقاومون قالوا: " إللى بتجوز أمّي هو همّي " ...وهكذا وجمع التّراث بجوانبه كافّة لا يعني استعماله كاملا، فالحياة في تطوّر مستمرّ، وما يخدم قضاياك المعاصرة هو الّذي يمكنك أن تستخدمه لتعزيز هذه القضايا أو لفضحها وتعريتها، مع التّأكيد أنّ موروثنا الشّعبيّ ليس فيه ما يعيب، أو يخدش الحياء كما يزعم البعض. ٢٠٨٢٠٢٥
#جميل_السلحوت (هاشتاغ)
Jamil_Salhut#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الصّراع الطبقيّ في تراثنا الشّعبيّ
-
عندما نهدم تراثنا الحضاريّ بأيدينا
-
التراث الشعبي والتربية
-
محمود شقير الأديب المتجدّد والمتميّز دائما
-
أمثال خاصة بعرب السّواحرة قضاء القدس الشّريف
-
التّراث الشّعبيّ والهويّة
-
تدوين التّراث الشّعبيّ
-
يوم مولدي ومأساة شعبي
-
روز اليوسف شعبان تدخل عالم الرواية كفارسة
-
رواية- خريف آخر- لمحمود شقير وزمن الضياع
-
بدون مؤاخذة-النّصر المبين
-
بدون مؤاخذة-التّكيّف والتّهجير
-
بدون مؤاخذة- نحن سدنتها
-
بدون مؤاخذة-القادة الكبار
-
ندوة اليوم السابع شمس القدس الثقافي
-
رواية -فلفل وجدّه الأسمر في ندوة اليوم السابع
-
معلومات قيّمة في صيّاد...سمكة وصنّارة
-
محمود شقير يدهشنا بمنزل ذكرياته
-
رواية -فلفل وجدهّ الأسمر- تحارب العنصريّة
-
حسناء د. روز اليوسف شعبان والفروسية
المزيد.....
-
-كنت أكره أنني أبدو آسيوية-: نجمة فيلم -كيه بوب ديمون هانترز
...
-
مصر.. وزير الثقافة يوضح التطورات الصحية للموسيقار عمر خيرت
-
مهرجان إدفا 2025.. السينما الوثائقية وتشريح الاحتجاج زمن الح
...
-
بيروت: سفارة دولة فلسطين تستضيف عرض الفيلم الوثائقي
-
أنتوني هوبكنز.. السير يروى سيرته السينمائية
-
خيول ومقاتلات وموسيقى.. استقبال مهيب لولي العهد السعودي في ا
...
-
لا رسوم على خدمات الترجمة في الرعاية الصحية في بليكينغه
-
تداول فيديو لتوم كروز وهو يرقص مع ممثلة قبل فوزهما بجوائز ال
...
-
هل هززتَ النَّخلة؟
-
-المجادِلة- يفوز بجائزة ريبا للعمارة في الشرق الأوسط 2025
المزيد.....
-
يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال
...
/ السيد حافظ
-
ركن هادئ للبنفسج
/ د. خالد زغريت
-
حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني
/ السيد حافظ
-
رواية "سفر الأمهات الثلاث"
/ رانية مرجية
-
الذين باركوا القتل رواية
...
/ رانية مرجية
-
المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون
...
/ د. محمود محمد حمزة
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية
/ د. أمل درويش
-
مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز.
...
/ السيد حافظ
-
إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
المرجان في سلة خوص كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
المزيد.....
|