ريبر هبون
الحوار المتمدن-العدد: 8436 - 2025 / 8 / 16 - 04:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
-ريبر هبون
كاتب وصحفي كوردي من سوريا
اللامركزية السياسية كهدف لا يحيد عنه الكورد في غربي كوردستان و شمال شرق سوريا ،تلتقي اليوم مع رغبة المكونات الأقلوية في سوريا في الساحل والسويداء ويصطدم في ذلك مع حكومة اللون الواحد التي تظهر كحكومة شرعية تفتح أبواب الاستثمار على مصراعيها وتقوم بعدة جولات هنا وهناك إن في روسيا أو في زيارة الشيباني الأخيرة لتركيا لتقوي من موقفها إزاء انفلات فصائلها وارتكابهم للمجازر بالصوت والصورة في السويداء وقبلها في الساحل إذ أقامت لجنة تحقيق على مقاسها لتبرر وجودها كحكومة بمواجهة الفلول وأصحاب المشاريع الانفصالية على حد تعبيرها وتوصيف أبواقها الإعلامية وذبابها الالكتروني.
مما لا شك فيه فإن الحكومة الدينية المتشددة التي يقودها أبو محمد الجولاني "أحمد الشرع" الآن تقتبس من عوائد الحكم التاريخي عبر مبدأ التمكين وهذا المبدأ يستخدم للسيطرة الكاملة من خلال قمع الخصوم وإنهاء التعددية السياسية حيث قامت هنا بتسريح كافة الموظفين من الطائفة العلوية بذريعة أنهم منتفعين على أيام النظام البائد وكذلك قامت بحل كافة الأحزاب وهذا يذكر بفترة نشوء الدولة الأموية فبعد تولي معاوية بن أبي سفيان الحكم قام بإقصاء معارضيه كافة من الخوارج والشيعة، الأمر الآخر قيام سلطة هيئة تحرير الشام بعقد مؤتمر بإشراف حسن الدغيم ووفقه قامت بتعيين رجالاتها من عسكريين وقادة فصائل لإحكام السيطرة على موارد الدولة، مكتفية بوضع بعض من شخصيات كوردية بالاسم في بعض الوزارات لأجل إسكات المنتقدين أو لإظهار الحكومة على أنها تحوي كافة المكونات، وبالطبع فإن كافة مراحل الحكم الديني إن في الحقبة الأموية أو العباسية أو في زمن دولة الموحدين في المغرب والأندلس وحديثاً طريقة وصول حركة طالبان للحكم ما بين 1996 و2001 حيث قامت بدعوى إصلاح المجتمع وتطبيق الشريعة بمنع أي مشاركة سياسية خارج دائرتها نخلص لنتيجة بأن العقلية الإسلاموية لا تقبل الديمقراطية أو التشاركية بتاتاً ونذكر مثلاً في مصر عندما سعى الأخوان المسلمين للسيطرة على مصر في 2012 قامت بأخونة الدولة وإقصاء كافة القوى الأخرى وتكفيرها لهذا وبعد ذكرنا لهذه الأمثلة التي لا حصر لها من التاريخ القديم والمعاصر جداً نصل لنتيجة قطعية أن العقلية الجهادية في الحكم لا تتقن الحنكة السياسية واحتواء المختلف معها، وإنما لا تحيد عن مبدأ استخدام القوة ما استطاعت إلى ذلك من سبيل لحماية السلطة.
اللامركزية السياسية بمواجهة مركزية حكومة دمشق :
إن للمشروعين خلفية إقليمية مفادها طبيعة الصراع ما بين اسرائيل وفرنسا في سوريا إلى جانب النفوذ التركي القطري وكذلك الرغبة السعودية في احتواء حكومة الشرع ، وهذا يفسر بقاء حكومة أبو محمد الجولاني ليكون بمثابة حارس يحول دون عودة النفوذ الإيراني للمنطقة، بالمقابل من ذلك تخوف اسرائيلي من وجود هكذا حكومة بالقرب من حدودها ورغبتها الحثيثة من أن تكون جنوب سوريا منطقة منزوعة السلاح، بالمقابل خشية فرنسية من أن تستأثر تركيا على النفوذ الذي يتزايد في سوريا كون هذه السلطة الجديدة جاءت لتنوب عن سلطة الأسد المخلوع برغبتها وإدارتها إلى جانب تخوف تركيا على نفسها من مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تقوده اسرائيل بريطانيا والولايات المتحدة في المنطقة الأمر الذي من شأنه أن يزيد من قلقها على تركيا كدولة مركزية يحكمها العرق التركي الواحد منذ أكثر من مئة عام إلى جانب ذلك فإن المجازر التي حدثت في الساحل والسويداء قد عززت من حلف الأقليات التي كانت في البداية رغبة اسرائيلية تم تحقيقها لاحقاً، حيث رسمت إسرائيل سيناريو ذلك التنازع الدموي بين سلطة الأكثرية والأقليات بعد أن دمرت ما تبقى من إمكانيات الجيش السوري في كل مكان وهذا يدل على إبقاء الأسلحة الخفيفة بيد الفصائل لتتقاتل وتكون سوريا هزيلة وضعيفة ومما لاشك فيه فإنها مستفيدة على نحو أو آخر بوجود هكذا وضع تغيب فيه مقومات دولة حقيقية وهذا يفتح الباب على حروب ونزاعات أهلية لا تتوقف وقد تصل للبنان قريباً ببروز ما يعرف بحرب الطوائف ما بين السلطة السنية وباقي المكونات ، فخطاب الحكومة السورية الحالية يحرض على العنف والاحتقان ويجعل سوريا دولة طوائف محتقنة ولا يفلح النظام المركزي في ضبطها وجاء مؤتمر الحسكة ليعبر عن ضعف في الحكومة وعدم قدرتها على الدفع بسوريا نحو الاستقرار بمفردها، ويأتي بالمقابل التدخل التركي في الملف السوري والتلويح بورقة تهديد قسد بعملية عسكرية أو دعم عسكري للحكومة الجهادية من مدخل المذكرة الأمنية التي تم التوقيع عليها إثر لقاء الشيباني بوزير خارجية تركيا هاكان فدان، ومما لاشك فيه فإن المؤتمر لم يعقد إلا بضوء أخضر فرنسي اسرائيلي وربما أمريكي، الأمر الذي استدعى تركيا لتدخل على الخط وتلقت حكومة دمشق منها بمقاطعة المشاركة في مؤتمر باريس المزمع عقده و مهددة لقوات سوريا الديمقراطية.
وجاء تصريح " دم بارتي" ردًا على تصريحات وزير الخارجية التركي هاكان ليحذر من أن أي تدخل عسكري تركي، أو تهديد للمكتسبات الكردية في سوريا، قد يقوّض مساعي السلام بين الدولة التركية وحزب العمال الكردستاني.
إنها رسالة ينبغي أن تُؤخذ بجدية، لأن أي تمادٍ في استهداف الكرد وقوات سوريا الديمقراطية لن يقتصر أثره على الساحة السورية، بل قد يمتد ليضرب الاستقرار داخل تركيا نفسها، وهو ما لا يصب في مصلحة أي طرف إقليمي.
خلاصة :
نجد أن حكومة الجولاني منذ سيطرتها على دمشق بعملية غامضة ومفاجئة "استلام وتسليم" دون أن تشتبك فعلياً مع الجيش أنها كانت تنسق مع اسرائيل والروس وتركيا وأمريكا ، بمعنى آخر جاء ذلك التحرك إثر تفاهمات اقليمية ودولية وأفعالها بعد ذلك من قتل على الهوية في الساحل والسويداء يشير إلى تنفيذها أو دفعها لتقسيم سوريا وإضعافها كدولة وتمزيقها كشعب إلى زمر فصائل وناقمين وضحايا، مما يرتفع صوت المطالبين باللامركزية المعبرة عن استحالة العيش في سقف النظام المركزي القائم منذ أكثر من قرن ، حيث احتكار القرار وإلغاء التعددية والتلاعب بلجان التحقيق وتوظيف الشرعية الدولية لأجل التمكين هو تجسيد للعبة نفوذ مركبة ولاشك أن الدول الاقليمية المتصلة بسوريا إن في الشمال أو الجنوب ليست بمعزل عن أي تهديد يأتي من الداخل.
ونحن هنا أمام احتمالات متعددة منها:
-أن يبقى هذا الوضع لعقد من الزمن حيث حكومة الجولاني متوزعة الولاء ما بين السعودية قطر وتركيا واستنزاف لها دون سقوط.
أو -أن يتم تحييد الجنوب السوري وإبقاءه منطقة منزوعة السلاح، تخضع لرقابة ووصاية اسرائيلية، مقابل تعديل للامركزية بحيث تتوسط اللامركزية الإدارية والسياسية وكبح قسد من خلال تمثيلها الشكلي داخل وزارة الدفاع السورية.
أو -أن تقوم فرنسا بلعب دور أكبر وبارز اسوة بإسرائيل وتركيا وتتولى ملف الأقليات في سوريا بالرغم من معارضة حكومة دمشق وأنقرة وتحفظ تل أبيب.
أو -أن تغامر تركيا مقوضة لعملية السلام الجارية بالقيام بعملية عسكرية أو الدفع بالحكومة السورية بالتركيز على انتزاع شرق الفرات من قسد وإطلاق يد الفصائل وفزعة العشائر مجدداً نحو السويداء والساحل وبذلك يصبح النازحون على الحدود اللبنانية والأردنية و تتراجع كافة المسارات السياسية.
وهنا السيناريو الأخير يقول التالي أنه مالم يحدث الانفجار الهائل في سوريا وتسقط رهانات الحكومة الحالية في حكم مركزي اسلاموي قائم على التمكين لا يمكن لكافة الأطراف الاحتكام للامركزية كخيار وحيد لوقف شلالات الدم على مبدأ أن هذا الوطن لم يعد قائماً إلا بحدود الممكن.
#ريبر_هبون (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟