رائد الجحافي
كاتب ومحامي
(Raed Al-jhafi)
الحوار المتمدن-العدد: 8435 - 2025 / 8 / 15 - 02:42
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
..
كتب/ رائد الجحافي
في موعد استراتيجي يحبس العالم أنفاسه، يعتلي لقاء بوتين وترامب على أرض ألاسكا يوم غد الجمعة 15 أغسطس 2025، منصة الدبلوماسية الدولية بمشهد سياسي متشعب الأبعاد وبرهانات عالية على إعادة رسم مشهد العلاقات الدولية. هذا اللقاء، الذي يأتي بعد فترة من التوترات الجيوسياسية الحادة، لا يقل عن محطة محورية تحمل في طياتها رمزية الانتصار الدبلوماسي لروسيا، في وقت تحاول فيه الولايات المتحدة البحث عن مخرج دبلوماسي لأزمات متشابكة، على رأسها النزاع الأوكراني.
ومن المقرر أن يبحث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في لقاء يوم غد الجمعة عدة مواضيع رئيسية، ابرزها:
حل أزمة أوكرانيا اذ سيكون هذا الموضوع محور النقاش الرئيسي بين الزعيمين، حيث سيناقشان سبل التوصل إلى وقف لإطلاق النار وإنهاء النزاع..
النقطة الثانية التي سيركز عليها اللقاء وهي مناقشة سبل تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الولايات المتحدة وروسيا، والتي تمتلك إمكانيات كبيرة غير مستغلة..
أما النقطة الثالثة في تتناول القضايا الإقليمية والدولية حيث سيناقش الزعيمان أيضاً القضايا الإقليمية والدولية الراهنة، بما في ذلك الأمن والسلم العالميين..
والأهم من ذلك سيجري التركيز على مسألة العلاقات الثنائية من خلال بحث سبل تحسين العلاقات الثنائية بين البلدين، بما في ذلك التعاون في مجالات متعددة..
سيبدأ اللقاء باجتماع مغلق بين بوتين وترامب، يليها اجتماع موسع يضم وفدي البلدين. وسيتم بعد ذلك عقد مؤتمر صحفي مشترك بين الزعيمين..
ففي خشبة واحدة محكمة التنظيم بقاعدة "إلمندورف-ريتشاردسون" العسكرية في أنكوريج، يعقد الزعيمان هذه القمة التي وصفتها الأوساط السياسية بالـ"بالغة الأهمية" والمنتظرة بزخم يتجاوز مجرد حوار ثنائي ليعكس صراعاً على النفوذ والإرث السياسي العالمي..
تستثمر موسكو هذه اللحظة لتؤكد مكانتها كلاعب دولي لا يُستهان به، بينما تتطلع واشنطن لإعادة ترتيب أوراقها وسط تحديات داخلية وخارجية..
وتتجلى الأبعاد الدبلوماسية لهذا اللقاء في عدة مستويات منها
الانتصار الرمزي لروسيا إذ يمثل اللقاء انتصاراً دبلوماسياً لروسيا، التي تعزز من خلاله شرعية دولية معادلة، ويبرز نفوذها المتعدد الأوجه على المسرح العالمي، ويعيد رسم معادلات القوة مع الغرب إذ تأكد من موقعها في صلب رسم السياسات الدولية دون إكراه..
أما بخصوص ملف أوكرانيا والرهان على التسوية في صلب الحوار، نجد ان الملف الأوكراني الذي يستعصي حله منذ سنوات، لاصرار روسيا على مواقفها الراسخة، فيما يريد ترامب استعادة "الأراضي بطريقة مقبولة" مع الحفاظ على مصالح الأمن القومي، مما يجعل اللقاء بمثابة اختبار حقيقي لإمكانية تخطي الأزمة الأوكرانية..
وهذه القمة تعد بمثابة نقطة بارزة وبالغة الأهمية بالنسبة لروسيا التي تسعى لتحقيق التوازن الجيوسياسي والرد على التحالفات الغربية، موسكو ترجئ التصادم المباشر مع حلف الناتو وتثبت من خلال هذا اللقاء أنها ساعية للحوار على الرغم من توسع الحلف والضغوط الغربية تجاهها، بينما تتابع واشنطن محاولات لاحتواء النفوذ الروسي الان عبر قناة تفاوض مستقرة..
ويتوقع أن ينتج عن هذه القمة تجديد آفاق التعاون والتهدئة الدولية وستفتح مجالات محتملة لتطوير التعاون الاقتصادي والاتفاق على ملفات الشرق الأوسط التي تتشابك في خيوطها مصالح القوى الكبرى، ممهداً بذلك لانطلاقة دبلوماسية جديدة قد تؤثر على مجمل العلاقات الدولية..
اما بخصوص ملفات الشرق الأوسط، من المتوقع أن تكون هكذا ملفات حاضرة في لقاء بوتين وترامب غداً في ألاسكا، إلى جانب الملف الرئيسي المتمثل في الأزمة الأوكرانية كما تمت الإشارة إليها سلفاً..
حيث يتقاطع اهتمام البلدين بالشرق الأوسط بكثير من الأسباب، أبرزها القضية الفلسطينية التي تمثل محور توتر إقليمي مهم يسعى الطرفان لمناقشته ضمن إطار محاولة تهدئة الأوضاع..
بالاضافة الى العلاقات مع إيران وسوريا ولبنان التي ظلت حتى هذه اللحظة ملفات خلافية حساسة بين واشنطن وموسكو، حيث يسعى الطرفان لمناقشة مواقفهم والتنسيق أو ضبط إيقاع التعاطي لكل منهما في هذه المناطق المشتعلة..
والأهم من ذلك سيجري التعاطي بجدية حول ملف التوترات الإقليمية المتصاعدة في المنطقة مثل الصراعات في غزة والمواجهات بين إسرائيل وإيران التي تؤثر على الأمن والاستقرار الإقليمي..
كما أن ارتباط ملفات الشرق الأوسط بالأزمة الأوكرانية تجعل منها حاضرة بقوة حيث يؤثر الوضع الدولي المتغير في أوكرانيا على الحسابات والمصالح المشتركة في الشرق الأوسط، ما يجعل النقاش حولها جزءاً من المحادثات الاستراتيجية الأوسع..
من المتوقع أن تبحث المحادثات فرص تخفيف النزاعات الإقليمية وفتح قنوات للتفاهم حول الأمن والاستقرار. وإمكانية تعاون اقتصادي ودبلوماسي في منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً في ظل الرهانات الروسية الأمريكية على تعزيز نفوذ كل منهما.
هذا بالإضافة إلى طرح مبادرات لإطلاق سراح المعتقلين مثل الأميركيين المحتجزين في روسيا، التي قد تدخل ضمن مفاوضات أوسع تشمل ملفات الشرق الأوسط..
واجمالاّ فإن ملف الشرق الأوسط سيشغل جانباً هاماً من محادثات القمة، باعتباره ركيزة أساسية في محاولة البلدين لإعادة ضبط علاقاتهما، وتحقيق تقدم في ملفات إقليمية معقدة تحتم تنسيق المصالح والتعامل مع التحديات المشتركة فهكذا ملفات ستكون ذات أولوية مهمة ضمن النقاشات، ويتوقع أن تشمل عدة محاور رئيسية تعكس الأوضاع الأمنية والسياسية المعقدة في المنطقة
والتي تأتي في مقدمتها كما تم ذكرها اعلاه القضية الفلسطينية وحرب غزة التي من المرجح أن يتم مناقشة تطورات الوضع في قطاع غزة، الحاجة إلى وقف إطلاق النار، إطلاق سراح الرهائن، ومسارات لإحلال السلام على أساس "حل الدولتين". هناك تركيز على تحركات دولية وعربية لدعم مسار تسوية عادل وشامل..
كما أن الملفات التي ستكون حاضرة ضمن قضايا الشرق الأوسط هي الأزمات الإقليمية في سوريا واليمن ولبنان إذ سيشهد اللقاء بحث الوضع في سوريا بعد التغيرات الأخيرة، وأهمية استقرارها الإقليمي، إلى جانب الملف اليمني وما يرافقه من أزمات إنسانية وسياسية، والأهم من كل ذلك هو ما تأمله واشنطن من موسكو أن تضمن لها حل نهائي لمشكلة التهديدات الحوثية لطرق الملاحة البحرية في مضيق باب المندب وخليج عدن والبحر الأحمر بالإضافة إلى بحث مسألة تصاعد التوتر في لبنان وعلى الجبهة مع إسرائيل..
ويحتمل تناول العلاقات مع إيران الذي تمثل هذه الجزئية واحدة من أبرز الملفات الحساسة، حيث من المتوقع أن تتطرق النقاشات إلى العقوبات الموجهة لإيران، وبرامجها النووية، والتهديدات الإقليمية المرتبطة بها، خاصة في ضوء تغيرات سياسية محتملة داخل إيران تطمح واشنطن لتحفيقها..
هذا ويتحمل أن تهدف القمة إلى تحقيق توازن القوى والنفوذ في المنطقة، حيث سيتم مناقشة احتمالات التعاون أو المواجهة بين القوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا، وتداعيات النفوذ الصيني والتركي المتزايد. كما قد يتطرق النقاش إلى دور مصر كضامن إقليمي لتوازن القوى ومحاولة احتواء التصعيد..
ورغم تعدد وكثرة وتنوع الملفات المحتمل مناقشتها أيضا تأتي مسألة التحديات الإقتصادية والأمنية في طليعة هذه الملفات في ظل الأوضاع الاقتصادية المتقلبة، تداعيات النزاعات على حركة التجارة البحرية (مثل مضيق هرمز وباب المندب) وتأثيرها على الأمن والطاقة لهذا سيكون محوراً هاماً..
هذا اللقاء بوصف أدق سيكون فرصة للنظر في كيفية ضبط هذه الملفات المعقدة ضمن إطار تفاوض دبلوماسي يسعى لتقليل التوتر وتحقيق استقرار نسبي، مع إمكانات لمبادرات جديدة على صعيد التعاون أو التهدئة إقليمياً. في الوقت نفسه، قد يشكل ساحة لتأكيد مواقف كل طرف وتعزيز نفوذه ضمن البيئة الاستراتيجية للشرق الأوسط..
رائد الجحافي - كاتب ومحلل سياسي يمني
#رائد_الجحافي (هاشتاغ)
Raed_Al-jhafi#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟