نصرت كيتكاني
الحوار المتمدن-العدد: 8428 - 2025 / 8 / 8 - 09:56
المحور:
المجتمع المدني
الكلمة و المثقف… مسؤولية بناء لا وقود صراع
في خضم التحولات التي تعصف بمجتمعاتنا، تبرز الكلمة كأداة مزدوجة الحدّ: إما أن تكون جسراً نحو التفاهم، أو وقوداً يُذكي نار الفتنة. وهنا تتجلى خطورة دور المثقف، لا بصفته ناقلاً للمعرفة فحسب، بل باعتباره ضمير المجتمع الذي يوجّه الكلمة نحو البناء لا الهدم.
ليست الثقافة زخرفة لغوية أو ترفاً فكرياً، بل هي التزامٌ أخلاقي يُحتّم على صاحبها أن يكون شريكاً في صناعة السلام لا شريكاً في صُنع الأزمات. فالمثقف الذي يُدرك حساسية الكلمة، يُدرك أنها قد تزرع أملاً أو تحرّض على كراهية، تبني جسوراً أو تهدمها.
لقد عانى مجتمعنا طويلاً من انزلاق بعض الأصوات إلى خنادق الاصطفاف والانفعال، حيث تتحوّل المنابر إلى محاكم، والمقالات إلى أحكام مسبقة، والتغريدات إلى شرارات تؤجج الانقسام. وهنا تكمن الخيانة الحقيقية لدور المثقف: عندما يتنازل عن دوره كصاحب وعي ويصطف مع أحد أطراف النزاع دون أن يكون صوت العقل والحكمة.
إن السلم المجتمعي ليس حالة تلقائية، بل هو نتاج تراكمي لوعي جمعي تشكّله الكلمات، وتُهذبه المواقف، وتُحافظ عليه النُخب الفكرية التي تعي أن مسؤوليتها ليست فقط في نقل ما يحدث، بل في توجيه ما يمكن أن يحدث.
فليكن المثقف صانع وعي لا مروّج وهم، ولتكن كلمته ميزاناً للعدل لا سيفاً للفرقة. فبقدر ما نرتقي في خطابنا، نرتقي في سلمنا، وبقدر ما نُحسن استخدام الكلمة، نحمي المجتمع من الانزلاق إلى هاويات لا عودة منها.
إن مسؤوليتنا اليوم لا تقف عند حدود التنظير، بل تبدأ من اختيار الكلمة، مروراً بنبرة الخطاب، وصولاً إلى نية التأثير. فالكلمة حين تخرج، لا تعود، لكنها إما أن تُنير طريقاً أو تُطفئ ضوءاً.
لذلك، فلنُدرك جميعاً، وبخاصة النُخب المثقفة، أن السلام لا يتحقق بالحياد البارد ولا بالصراخ الحاد، بل بالكلمة الصادقة، المتزنة، العادلة. فهي التي تبني جسور الثقة حين تُهدمها البنادق.
#نصرت_كيتكاني (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟