علي محمد اليوسف
كاتب وباحث في الفلسفة الغربية المعاصرة لي اكثر من 22 مؤلفا فلسفيا
(Ali M.alyousif)
الحوار المتمدن-العدد: 8424 - 2025 / 8 / 4 - 11:00
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
مهمة الباحثين بالفلسفة مراجعة ونقد افكار الفلاسفة وليس مهمتهم الحفر عميقا في تفرعات مباحث فلسفة اللغة وتبعاتها المتطرفة واقامة بنى ليست نسقية وانما هي تجريد لغوي منطقي منفصل عن حركة الواقع ومجرى الحياة المتجددة على الدوام.
1. بيركلي وقابلية الادراك
من مقولات جورج بيركلي الفيلسوف المثالي (وجود الشيء هو قابليته ان يكون موضوعا لادراك).ناقشت المقولة في غير هذا المقال سابقا. في البدء المادة موضوع للادراك في وجودها المتعيّن بابعاد اربعة هي الطول والعرض والارتفاع واضاف انشتاين بعدا رابعا هو الزمن, هذه ابعاد المادة لا خلاف عليها ضمن عالم الاشياء والطبيعة. ولا تمتلك المادة في وجودها الانطولوجي المستقل قابلية ادراك ذاتية متموضعة فيها تجلب اليها من يدركها (بالحس وبالعقل).
وجود الشيء كموضوع للادراك الحسي والعقلي ليست لانه يحمل خاصية موجوديته المادية كينونة انطولوجية تمتلك قابلية الادراك ذاتيا كمعطى وجودي. وليس خاصية امتلاك الموجود صفة ليست له متموضعة تكوينيا فيه تسمى (قابلية الادراك) الملازمة له كما يذهب له جورج مورخطأ. قابلية الادراك ليست خاصية المادة ولا خاصية موضوع يدرك بالحس وادراك العقل.
قابلية الادراك علاقة ترابطية تجمع بين السيرورة كموضوع مدرك من جهة والوعي به من جهة اخرى. ولا يمكن ان تتحول الصفة الكيفية التي هي قابلية الادراك الى موضوع لادراك حسّي او عقلي مستقل. كمثل إدراك وجود الشيء المادي في واقعيته الكينونية موجود ضمن عالم. السيرورة الشيئية التي تحكم حركة الاشياء هي علاقة متغيرة لا تصلح ان تكون موضوعا ثابتا لادراك حسي – عقلي. السيرورة علاقة بين الاشياء لا تحمل خاصية الادراك.
نقطة اخرى خاصية قابلية الادراك هي خاصية الحس والعقل فقط وليست خاصية تلازم المادة كي يتم ادراكها وتصبح موضوعا يثبت موجوديته الانطولوجية. قابلية الادراك ليست خاصية موجودة في المدركات الحسية. وهي خاصية فعالة ايجابية في عملية الادراك العقلي فهمه الاشياء وليس ادراكها فقط. قابلية الادراك ليست موجودة في المادة والاشياء ., ولو افترضنا خطأ أن خاصّية قابلية الادراك موجودة في تكوينات الموجودات الشيئية المادية بالفطرة الطبيعية والتكوينية الموجودية لها ماديا لكانت صفة ذاتية سلبية تستمد قيمتها من الموجود الشيئي التي هي جزءا منه وليس أهميتها في مرجعية إدراكها لازمة لموضوع مستقل لإدراك افتراضي يكون خارج إدراك الحس والعقل للموجود الشيئي في كينونته التامة المستقلة الذي لا تنتسب له قابلية الادراك التي هي من خصائص الحس والعقل وليست من خصائص المادة..
النقطة الاخرى من الذي يحدد ان يكون الموجود المادي أو أي شيء موضوعا لادراك؟ هل يحدد قابلية ادراكه مضمونه المادي فيه ام يحدده شكله (الصفات الخارجية) المدركة حسيّا له؟.
نحن علينا قبل الاجابة عن التساؤل تلزمنا ضرورة التفريق بين الشيء كموجود مادي تدركه الحواس والعقل كمتعيّن انطولوجي بابعاد مادية بديهية وهو ما يهمنا هنا. والتفريق بين الموضوع الذي هو من تخليق العقل (خياليا) وليس موضوعا ادراكيا ماديا. وهذا الموضوع الخيالي لا يتحول الى موجود مادي بل يعبّرعنه العقل بتجريد لغوي تعبيري تصوري غير موجود في عالم الواقع..
وتعبير اللغة التجريدي لا يخلق المادة ولا المواضيع في واقعيتها الانطولوجية الا بالاستعانة بتقنية آلية تصنيعية تتوسط بين تنظير الخيال وموضوعه كي يتحول الادراك الى واقع يدركه الوعي كما هو الحال في السينما او المسرح او الفنون وضروب الاجناس الادبية.
بالعودة الى السؤال هل الصفات الخارجية للموجودات المادية تجعل منها موضوعا تدركه الحواس ويتمّثله العقل ؟. وهذه الصفات الخارجية تجعل من المدركات العقلية مواضيع لها صفات مادية. هذا يدخلنا في تساؤل اجدى منه كيف لنا حل معضلة علاقة الصفات الخارجية للاشياء او اشكالها المادية الموجودية مع الجوهر او الماهية التي يقول بها فلاسفة ماديون وفلاسفة مثاليون بوجهات نظر فلسفية مختلفة نعرض بعضها:
الفلاسفة الماديون وأبرزهم فلاسفة الماركسية وفلاسفة الوجودية يذهبون الى ان ادراك الشيء في موجوديته الواقعية الكليّة كاف لأن يكون ادراك ذلك الشيء كاملا لكينونة مادية مستقلة الوجود. ولا يؤمنون بوجوب تقسيم كل موجود مدرك الى شكل هي صفاته الخارجية والى مضمون يدّخره داخله ليس من المؤكد موجوديته في المواضيع التي ندركها خارجيا بصفاتها ولا حاجة ضرورية لمعرفة هل تخفي داخلها مضامين جوهرية او ماهيات هي غير صفاتها الخارجية..؟
الفلاسفة المثاليون من امثال ديكارت وكانط وبيركلي وديفيد هيوم وجون لوك يؤمنون بوجود ماهية او جوهر في كل شيء. لكن يجدون من العبث صرف الاهتمام عن اهمية اسبقية كيف نعرف الوجود موجود من عدم وجوده قبل الدخول بتفرعات جانبية في تجزئة الموجود إدراكيا الى شكل ومضمون او الى صفات وجوهر.
فلاسفة آخرون يتعاطف معهم الماركسيون والوجوديون قالوا لا توجد جواهر داخل الاشياء موجودة محتجبة خلف الصفات الخارجية لها التي هي الجوهر مثال ذلك الحيوانات بلا جواهر تميزها عن الصفات الخارجية لها. فصفاتها الخارجية هي جواهرها.
بعض الفلاسفة ذهبوا الى ان جوهر الشيء يسبق صفاته التكوينية الخارجية مثال ذلك ان النجار وقتما يصنع الكرسي يعرف ماهيته انه مقعد للجلوس عليه قبل ان يصنع مكوناته الشكلية ومن اي المواد يصنعه. وهذا يخلخل المقولة الفلسفية القارة في الماركسية والوجودية ان وجود الشيء يسبق ماهيته اولا. فمثال الكرسي قبل صناعته وبعدها يجعل ماهيته غير المدركة تسبق موجوديته.
عندما اجمعت الفلسفة الوجودية بزعامة ادموند هوسرل ابو الظاهراتية (الفينامينالوجيا) نقلا عن كانط قوله يمكننا تقسيم الوجود المدرك الى (نومين) بذاته غير مدرك والى (فينومين) لاجل ذاته ندركه كموضوع في ادراكنا صفاته الخارجية فقط ولا ندرك جوهره. وحين نسأل كانط كيف تسنى لك اثبات امتلاك الموجودات جواهر او ماهيات لا ندركها لا بالحس الاولي ولا بالوعي العقلي بعديا تحتجب خلف صفات الموجودات الخارجية؟ كانت إجابته في وجوب التغاضي عن الجواهر واهمالها وعدم جدوى البحث بها واعتبارها من قضايا الميتافيزيقا العصيّة على ان تكون موضوعا ادراكيا للعقل والاكتفاء بادراك الصفات الخارجية فقط..
امام هذه الاشكالية كانت الريادة مع سارتر في مقولتين اوقفتا الفلسفة على راسها بدلا من قدميها . مقولته الاولى (جوهر الانسان الحقيقي انه بلا جوهر) ومقولته الثانية (جوهر الانسان تخليق ذاتي يصنعه الانسان بنفسه لحظة يولد ونهايته بالموت ) ولا يستقبل الانسان جوهره لا معطى يلازم وجوده الكينوني ولا جوهر مكتسب بالفطرة كموروث. (سبق لي في مقال غيرهذا مناقشتي وتوضيحي للمقولتين.)
ليس من خاصية الادراك كوسيلة ان يتخلق عنها قيصريا مولودا يكون موضوعا لموجود خارج مدركه المادي. ولا ان يكون مضمونا منفصلا عن موجوديته غير مدرك حسب افتراضية جورج مور. ان يكون مضمون الشيء المدرك موضوعا مدركا منفصلا عن ذلك الشيء معناه لا يبقى لدينا كينونة موجودية موحدة يدركها العقل. الادراك لا يتجزأ في عملية إدراكه لموضوعه كما الموجود المدرك لا يتجزأ نتيجة إدراكه الى شكل ومحتوى منفصلين في استحالة غيرمتحققة..
خلاصة القول ان مقولة لماذا لا يكون مضمون الشيء منفصلا عن قابلية ادراكه التي يمتلكها الموجود المادي الشيئي؟ مقولة خاطئة وفرضية تعسفية تحاول وضع العربة امام الحصان لاسباب اوضحتها سابقا واوجزها بكلمات:
اولا قابلية الادراك هي كيفية وسيرورة تجمع بين المادة وادراكها كما هي وسيلة معرفية لا تمتلكها المدركات لاتموضعا ماديا فيها ولا تجريدا تعبيريا يصدر عنها. بل يمتلكها الحس والوعي العقلي لها فقط.
ثانيا مضمون الشيء لا يكون موضوعا لادراك قائم لوحده منفصلا عن موجوديته المادية الموحدة شكلا ومحتوى. المضمون يحتاج دائما لشكل يحتويه وبغير هذه الملازمة لا يمكننا تصور مضمون بلا شكل يحتويه. كما ولا يمكننا تصور شكلا خاليا من مضمون او محتوى دلالي عليه كما في الرسوم الهندسية المجردة مثلا فالخطوط التي يتشكل منها الشكل الهندسي تحدد مضمونه الهندسي الذي نتوهم ندركه للوهلة الاولى فارغا من محتواه. في ان يكون دلالة على مثلث او مستطيل او دائرة وهكذا.
اي ان ابعاد اشكال الخطوط الهندسية المجردة اعطت للحيّز المكاني الذي احتوته مضمونا متفردا هندسيا. المثلث نقصده ادراكيا بالتسمية على اساس خطوطه الثلاث ونحن لا ندرك من الوهلة الاولى الادراكية ان للمثلث ثلاثة زوايا احدها زاوية قائمة الا بمعرفة مضمون المثلث واستعمالاته وليس في ادركنا شكله التخطيطي الهندسي.
ثالثا الادراك لا يجزيء موضوع ادراكه الى شكل هو الصفات الخارجية والى مضمون او محتوى هو جوهره وماهيته. فالادراك هو وعي كينونة الشيء الموحد في كليته الكينونية الموجودية البائنة للادراك. ويكون معنا اعجاز عقلي ادراكي هو الوهم ان نتصور مضمونا لا يحتويه شكل يدركه العقل. وبالعكس ايضا استحالة ادراكية ان تجد شكلا مجردا بلا مضمون يحتويه يمكن للعقل ادراكه كموضوع.
2.الجدل الديالكتيكي الطبيعة والادراك
يعتبر انجلز قوانين الطبيعة تعمل بشكل جدلي. كما يعتبر هيجل طبيعة العقل البيولوجية هي جدلية بالفطرة الموروثة. ما يترتب عليه ان يكون كل شيء يدركه العقل محكوما بطبيعة العقل الجدلية.
أعتقد خطأ هاتين المقولتين تحتاجان توضيحا:
ا. الطبيعة بقوانينها العامة الثابتة تعمل باستقلالية عن رغبات الانسان والتدخلات الخارجية التي تحاول كسر آلية انتظام عمل هذه القوانين العلمية. وتمت مثل هذه المحاولات في كسر القوانين الطبيعية ممثلة بخوارق معجزات لاهوت الاديان في القرون الوسطى. ولم يعد العلم يؤمن بتلك المعجزات الخارقة لقوانين الطبيعة واعتبرها تضليلا مقصودا للعقل تقف خلفه مصالح رجال الدين.. من المسائل العلمية الثابتة ان الطبيعة في موجوداتها وقوانينها الطبيعية العامة التي تحكمها هي معطى ازلي سواء اكانت عبر الاف السنين نتاج تطور بيولوجي ام نتاج تخليق قدرة عليا غير محدودة قادرة على خلق كل شيء في لمحة بصر كما تبشر به الاديان.
القوانين العامة التي تحكم الطبيعة من ضمنها الانسان بعضها لعبت الصدف دورا مهما في اكتشافها والبعض الاخر توصل لها علماء الفيزياء والفضاء والكيمياء والرياضيات وغيرها. وما يجب التنبيه له ان قوانين الطبيعة كانت موجودة ولا زالت وستبقى تحكم الطبيعة قبل وبعد اكتشاف او اختراع الانسان لها.
الشيء الاخر لم يثبت العلم كما لم تثبت الفلسفة ان قوانين الطبيعة الثابتة على وفق نظام متقن معجز لا يمكن العبث الانساني به. قوانين الطبيعة مستقلة فاعلة بعيدا عن تداخل اية مؤثرات خارجية او داخلية عليها, ولا تخضع لرغائب الانسان خارج علاقة التكيّف الانساني معها والانتفاع منها. فالطبيعة كانت قديما ولا زالت الى حد اليوم مرضعة الانسان والكائنات الحيّة.
ب . لم يثبت العلم ولا اركيولوجيا التنقيبات الاثارية ولا دراسات الانثروبولوجيا ان قوانين الطبيعة العامة تتطور و تعمل جدليا لا على صعيد التاريخ ولا على صعيد المادة. كما من غير المتاح لنا اسباغ نوع من المنهجية الفلسفية الجدلية النظرية عليها بغية تطويع تلك القوانين لخدمة اهداف سياسية ايديولوجية معينة كما جرى مع الماركسية وبعض التجارب الاشتراكية التي افادت من قوانين الطبيعة في منهجية جدلية في وجودها الثابت وعملها الديناميكي المتواصل في خدمة الانسان من غير وعي عقلي منها. الجدل ليس من الثابت تجريبيا انه يعمل على صعيدي المادة والتاريخ.
مثالنا هنا مقولة انجلز قوانين الطبيعة العامة تعمل بشكل جدلي. ومقولة هيجل طبيعة العقل الجدلية هي التي تصنع جدل الطبيعة والتاريخ والوجود عموما. لا تحتمل مقولة انجلز قوانين الطبيعة تعمل بشكل جدلي توضيحا تعسفيا يضفي عليها مصداقية تلفيقية ليست صحيحة.في تبيان خطئها الدوغمائي.
3. هيجل وطبيعة العقل الجدلي
مقولة هيجل التلفيقية الساذجة قوله ( الجدل الديالكتيكي الحاصل في المادة والتاريخ وبعض شؤون الحياة انما هي انعكاس لطبيعة العقل الجدلية). سبق لي ان كتبت حول هذه المقولة الخاطئة اكثر من مقال لي منشورا على مواقع التواصل الاجتماعي سادرج بعضا مما يحضرني منها:
ا. لا توجد لا علميا ولا فسلجيا ولا انثروبولوجيا خرافة فلسفية تحت عنوان (طبيعة العقل الجدلية). والعقل لا يعمل بمنهج جدلي فطري موروث ولا بمنهج جدلي مكتسب. التطور التاريخي هو مجموعة الصدف والعشوائية التي تقوم الارادة الانسانية بتنظيمها.
ب. العقل لا قدرة له على تخليق منهج الديالكتيك في المادة والتاريخ الذي يحكم حركة التطور بكل شيء. في المادة والطبيعة والحياة والتاريخ. بل الديالكتيك هو من القوانين الطبيعية العامة التي اكتشفها الانسان ولم يخلقها. وطبيعة الجدل الخارجي في الواقع هي التي تجعل العقل الانساني يكتسب منهجية التفكير الجدلي.
ج. من عبارة هيجل الدوغمائية الخاطئة حين اراد اسبقية التفكير الجدلي بالعقل سابق على الجدل الحاصل بالواقع وهو بذلك وضع العربة امام الحصان. واستنتج من عبارته انه لم يكن يؤمن حصول جدل ديالكتيكي يغير التاريخ في حركته الاصطراعية مع ضده (اطلق عليه صراع مصالح الطبقات). ولا جدل يحصل بالمادة والواقع العياني. لذا ابتدع هيجل فكرة طبيعة العقل الجدلية تسبق كل اشكال الجدل الحاصل من حولنا في المادة والطبيعة والكون.
4.خلاصة ختامية
من خلال مقولة انجلز الدوغمائية الخاطئة اعتباره قوانين الطبيعة العامة تعمل بشكل جدلي ديالكتيكي ذاتي وحيد. معناه لا طريق ثان آخر تتقدم به الحياة والتاريخ ونفهم به المادة كما شرحها لنا العلم الفيزيائي لاحقا مفحما تماما التبسيط الجدلي السطحي كيف تتطور المادة بغير منهج الجدل الذي اصبح من تركات السرديات الكبرى التي ارادت الاستحواذ على دور العلم والدين.
اما مقولة هيجل الابتذالية ادعاءه ان طبيعة العقل هي جدلية بالفطرة الموروثة. عليه يبقى تفكير العقل الجدلي سابق على كل جدل يحصل في المادة والواقع والطبيعة والتاريخ.
من خلال هاتين المقولتين لانجلز وهيجل الدوغماتيتين تاكد لي حقيقة ان قوانين الجدل الديالكتيكي بكل تنظيراته لم يتوصل لمنهج يشرح حركة التاريخ التطورية واقعا ولا يتوفر لدينا اثبات يدعم تكامل النظرية بالتطبيق.
الملاحظ ان قوانين الجدل الديالكتيكي الكلاسيكية الثلاث هي افتراض قائم على أن قوانين الطبيعة الفيزيائية التي تحكم الطبيعة والانسان وهي ليست قوانين عامة ملحقة بقوانين الطبيعة العامة لانها لا تجانسها المنهج الفيزيائي العلمي بل هي منفصلة عنها لانها تمثل حركة الطبيعة وتحولات المراحل التاريخية وعلاقة الانسان وكل شيء بها. لها منحى خاص يدركه الانسان ويتعامل معه بعيدا عن وضعه في خانة وقالب قوانين الجدل الديالكتيكي.
قوانين الجدل الديالكتيكي الثلاث , قانون وحدة وصراع الاضداد, قانون تحولات الكم الى كيفيات مغايرة , وقانون نفي النفي واستحداث الظاهرة الجديدة هي قوانين تنسب لفيزياء الطبيعة وتطورات حركة التاريخ العفوية وكذلك لسيرورة تغيرات المادة في تقادم الزمن ولا تتقولب في المسار الجدلي المزعوم. وهذه القوانين التي تسمى جدلية لا تعمل باستقلالية بل تستمد حيويتها الشغالة من الطبيعة المتطورة باستمراروملازمتها حركة التاريخ الانثروبولوجي للانسان. . ولم توجد هذه القوانين في الواقع بالقياس الى درجة اختراعها فلسفيا. فهي من اختراع الفكر وليس نتيجة حركة التاريخ الزماني الارضي الواقعي الطبيعي.
وإن إغماط فاعلية الصدف الطارئة منها والمصنعة في دخولها المتقاطع مع المسار الخطي المزعوم للتاريخ., وكذلك العشوائيات الداخلة عليه, والسببية, والصح والخطأ والانحراف, والقطوعات والقفزات الانتقالية النوعية, والتاريخ الساكن مراحليا, كل هذه وغيرها عوامل اساسية شغالة تدخل في صناعة حركة التاريخ خارج قوانين الجدل غير الملزمة واقعيا التسليم بها..
ومقولة هيجل التعسفية طبيعة العقل الجدلية هي التي تملي على الواقع حركته الجدلية هي محاولة تطويع تفسير حركة التاريخ للفكراولا. وأن التاريخ بحسب نظرية طبيعة العقل جدلية ينسف ان يكون هناك جدل لا في التاريخ ولا في المادة لا يكون نتاجا فكريا قبليا ابتداءا.
بهذا اراد هيجل دحض المادية التاريخية ان تقوم على مبدأ جدلي غير مصنّع. يقوم على الاقتصاد وملكية وسائل الانتاج وتضاد مصالح البروليتاريا مع الطبقات الراسمالية المالكة.
بالمقابل اراد انجلز بمقولته الدوغمائية مصادرة حركة التاريخ العفوية اثبات ان قوانين الطبيعة العامة تعمل بمنهجية جدلية مستقلة. التي تجعل من الحتميات التاريخية والضرورات الملزمة للايديولوجيا هي الحركات الحقيقية التي تقود مسار التاريخ الخطي المتقدم الى امام دائما. وهذه بدورها تعمل بانسجام توافقي مع جدل القوانين العامة للطبيعة. غير القابلة للدحض ولا للتخطئة ولا يطالها التقادم الزمني. وكل هذه التنظيرات الفلسفية لهيجل ولانجلز محض اوهام ارادت الباسها التاريخ في حدود مقولات الجدل فقط.
#علي_محمد_اليوسف (هاشتاغ)
Ali_M.alyousif#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟