أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علي محمد اليوسف - الجنس في حياتنا المعاصرة















المزيد.....


الجنس في حياتنا المعاصرة


علي محمد اليوسف
كاتب وباحث في الفلسفة الغربية المعاصرة لي اكثر من 22 مؤلفا فلسفيا

(Ali M.alyousif)


الحوار المتمدن-العدد: 8423 - 2025 / 8 / 3 - 11:42
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


توطئة:
من المتعذّر الاحاطة الشاملة بالكتابات والدراسات التي تناولت موضوعة الجنس,كلازمة انسانية بيولوجية غريزية فطرية رافقت وحفظت الوجود البشري من الاندثار بالصميم منذ وجد الانسان في عصور موغلة بالقدم ,وتعاقب دور الجنس في تحولات متنوعة مؤثرة وكبيرة ,كعامل محرّك للتاريخ والاديان. وتعددت الدراسات الفلسفية والعلمية والتاريخية والثقافية والنفسية والاجتماعية التي تناولت الواقعة الجنسية وتأثيرها في الحياة القديمة و المعاصرة.
نحاول هنا طرح مقاربة في دراسة الجنس من منظورين بعيدا عن تلك التناولات, الاول منظور الاخلاق الجنسية المتعالقة مع منظومة القيم الاخلاقية السلوكية والاعراف السائدة مجتمعيا, والثاني منظور التعالق الجنسي كسلوك مجتمعي مع الحداثة والمعاصرة في الحياة سلبا اوايجابا , وما يهمنا في المجتمعات العربية الاسلامية هو مدى امكانيتنا كشف ان يلعب الجنس دورا مؤثرا في ردم هوّة تخلفنا عن الحداثة او تحفيز تقدمنا منها وتحقيقها في حياتنا.
بعدما اصبحت لدينا اشكالية تجديد الفكر الديني (نقد ومراجعة التراث العربي- الاسلامي) بؤرة مركزية في التجاذبات الفلسفية - الثقافية في كيفية توظيف تلك المراجعة النقدية لموروثنا الفكري الديني في مسعى تحقيق نهضة حداثية تجديدية عندنا تأخرنا كثيرا عن ادراكها في حياتنا ومجاراة العصر بها.
نعيش منذ نهايات القرن العشرين اشكالية المسألة الجنسية التي لا تقل خطورتها واهميتها,من نفس منطلق محاولة استحضار(اصلاح الفكر الديني) في اعتماده عامل تنشيط الحداثة والمعاصرة لدينا في ممارستنا النقد الديني في جنبة, ومسعى ان يكون (الجنس) ومنظومته الاخلاقية وتنظيمه في حياتنا عامل حركة تنويرية تقدمية في حياتنا ,لا مصدر انحلال وتدهور واعاقة تقدمنا من جنبة اخرى, ونسعى تماما لأعطاء مراجعة وتجديد الفكر الديني والتراث عموما مثل هذا الدورفي حياتنا في تلمسنا تحقيق نهضة حضارية ,ونأمل ان يضطلع تنظيم الاخلاقية الجنسية الاسرية والعامة بمثل هذا الدورأيضا.
وربما في هذا المجال الضيّق نستطيع حصر الدراسات الجنسية التي سنرفضها فهي لا تناسبنا , ممثلة في منحيين لا نأخذ بهما ولا يشكلان عندنا اضافة يمكننا الافادة منها,كما يتعذّرعلينا حتى محاولتنا ادماجهما تلفيقيا معا, لأننا غير معنيين بذلك فهو من خصائص افرازات الحضارة الغربية فقط , لها مبررات معزولة عن سعينا ومحاولتنا ايجاد منفذ خاص بنا ان كان ذلك متاحا متيسرا لنا وامامنا في معالجة اهمية ودور الجنس في تقدم حياتنا.
1. منهاجان لدراسة الجنس:
المنحى او المنهج الاول: الذي يشمل دراسة الجنس(فلسفيا,تاريخيا, علميا, ثقافيا,نفسيا) في المجتمعات الغربية,نجد في سحبنا تلك الدراسات والباسنا نتائجها البحثية, واقعنا الاخلاقي العربي الاسلامي فيه الكثير من التعسّف والمحاذيرالتي تصطدم مباشرة مع امانة المنهج العلمي ,قبل وجوب الاخلاص لواقع حال مجتمعاتنا,من حيث ان تلك المباحث اخرجت التقاءنا بها من منطلقات دراسة الجنس,كمعطى بايولوجي غريزي انساني وتكوين فسيولوجي متمايز في توزيعه بين فروقات المذكر والمؤنث,الذي طبع تاريخ الجنسانية البشرية, والتي تنعدم فيه التمايزات والفروقات الجوهرية في اهمية ان يكون(الجنس) مؤثرا سلوكيا واخلاقيا ومبعث تجديد حداثوي للحياة لدينا, المنتفية الحاجة لها عند غيرنا, فالعلم والمعرفة في (اوربا وامريكا) حققتا لهم الهدف في تجاوزهم كلا من ثنائية (الدين والجنس) ان يسهما في تحقيق القفزات الحداثية والحضارية التمدينية التي حصلت عندهم, بداية كان تجاوز الدين في فصل تدخل الكنيسة في شؤون العلم والحياة للناس في القرن التاسع عشر الميلادي, والثانية ان الجنس واهميته جاء لاحقا نتاجا للحضارة الغربية وليس خالقا ومساهما تكوينيا لها. اهمية ثنائية (الدين – الجنس) كعاملي نهضة عندنا معدومة اصلا, ويرافقها انعدام انتاج مؤثرات العلوم ومؤثرات التطور المعارفي الكبير في جميع المنظومات التكوينية لانتاج حضارة خاصة بنا كطموح نريد استحضاره وبلوغه في مستقبل حياتنا لا وجود له الا بحضور حضارة الاستهلاك التي نحيا العصر بها ومن خلالها فقط.
وفي محاولة تلخيصنا لهذه الدراسات المتشّعبة نجدها لا تخرج عند كثير من الفلاسفة الغربيين مثل سيجموند فرويد وكانط في نزعتهم التشاؤمية, فهم يعتبرون الجنس انحطاطا للطبيعة البشرية,وان الرغبة الجنسية منافية للاخلاق في معناها السوي حتى لو كانت ضمن نطاق الزواج,وهدف الانجاب, وان الجنس اذا لم يتقيّد بصرامة الاعراف الاجتماعية السائدة فانه سيؤدي الى انحدار البشرية والحضارة. (الى هذا الحد كلام فرويد يخدمنا) لكن نجد فرويد ينحى بتطرف يناقض اهمية تنظيم الجنس في الحياة قائلا: وكل قيد ديني اخلاقي مجتمعي او تقاليد واعراف ,هو قيد باطل للجنس ومدمّر لطاقة الانسان وهو كبت غير مشروع (1) , وبهذا يكون فرويد اول فيلسوف وعالم نفس طبّي شرعن ممارسة الاباحية الجنسية التي اجتاحت العالم بجنون غير مسبوق .
على العكس من هذه النظرة التشاؤمية السوداوية,نجد الفلاسفة المتفائلين يتقدمهم افلاطون وبراتراند رسل, يذهبون النشاط الجنسي يمثل اضافة (بعد) آخر يكمل وجودنا كبشر, وان الدافع الجنسي ينقلنا الى شكل اعلى من السعادة والرضا ,وهو آلية طبيعية تربط البشر وتوّحدهم, لان العلاقة الجنسية اشباع الذات وارضاء الاخر معا.(2) قد لا نقع بمفارقة القول ان هذا التفاؤل المنظّم للجنس يخدمنا اكثر من اطلاق فرويد عنان الاباحية مشرعنة طبيا.
المنهج او المنحى الثاني :من دراسة الجنس هو مانجده عندنا,المنطلق من نزعة المجاراة فيما تتركه فينا فلسفات ودراسات الجنس الغربية من ابهار, ورغبة في التقليد ولكن بالاعتماد على مرجعية الجنس في (حكايات الف ليلة وليلة واخواتها,الروض العاطر في نزهة الخاطر, طوق الحمامة,رشف الزلال من السحر الحلال, مباهج القلوب ) وغيرها كثير في غرائبيتها وما تحمله من ادهاش يعزّز هوس القراءة الترفيهية الاستهلاكية في تقليب صفحات المتعة الايروسية النظرية للجنس, كمثل قراءة الشعر الماجن او الروايات الجنسية الخليعة كجواز مرور حصد الاقبال القرائي منقطع النظيرلها. ما اقوله ليس محصورا في العصرين العباسيين بل يعيش معنا اليوم على شكل روايات واشعار وفي مختلف تعابير الاجناس الادبية.
اي ان تلك الدراسات العربية الاسلامية القديمة والحديثة الغربية (نوعا ما ) أهملت تناول الجنس كواقعة تمثّل اشكالية وجودية اخلاقية, ترتبط من حيث التوظيف المطلوب والمراد منها(بهدف سيسيولوجي تحديثي), وبوثيق الارتباط والصلة باشكالية مظلّة اشمل منها عندنا هي ازلية ثنائية (التراث والمعاصرة) التي كثر الجدل حولها منذ ما يقرب القرن كاملا ولم تحسم نتائجها في توظيف قيام نهضة عربية حضارية وبقيت حبيسة التنظير في المراجعات النقدية التي تراوح مكانها.
وافضل تعبير عن هذا المنحى في تناول الجنس كمادة قرائية نجده في كتاب مالك شبل (الجنس والحريم/ روح السراري) فهو من جهة يحاول مجاراة وتقليد تناول الجنس كموضوع فلسفي تناوله باهتمام فلاسفة فرنسيين واوربيين, ومن جهة ثانية فهو يتوفر على متعة القراءة الترفيهية (لا علميتها),حين اختار المؤلف المجتمع العربي المغاربي المعروف بنزعته (الاسلامية) المتحررة عيّنة لموضوعة دراسته, بما يعزز مرجعية الجنس في العادات والتقاليد والعرف الاحتشامي الاخلاقي المشبوب , والمشبوه باختراقات جنسية كبيرة مستترة , كما في جميع المجتمعات العربية / ازدواجية ممارسة الشعوب العربية الممارسة الجنسية في السروالعلن.والأحالة الى القديم في الكتابات والمؤلفات العربية والاسلامية الجنسية كمادة ترفيهية بعيدة عن مقتضيات البحث العلمي وآثاره الفكرية والثقافية,وتلبيس سيسيولوجيا البحث عباءة القديم بما يحتويه من امتاع قرائي استهلاكي لا اكثر.(الجنس لذّة قصصية غريزية فقط).
لم يطرح مالك شبل في مؤلفه المذكور(الجنس) اشكالية حضارية يتطلبها الواقع العربي , في موازاة اشكالية اصلاح الفكر الديني في حياتنا المعاصرة.بل طرح سيسيولوجيا الجنس في العادات والتقاليد الاجتماعية والاخلاقية في المغرب العربي كسرد امتاعي لممارسات وعادات جنسية فولكلورية شعبية. تكون مادة مقروءة تحتفي بمتعتها الشعوب الاوربية خاصة فرنسا بحكم القرب الجغرافي والتاريخ الاستعماري.
2. بين فوكو وبورديو
بضوء التمهيد الذي سقناه سابقا يمكننا الآن الاشارة الى كتابات ميشيل فوكو 1926 – 1984 في اشهر مؤلف فلسفي له حول تاريخ الجنسانية ثلاثة اجزاء,ذهب في الجزء الاول (ارادة العرفان ) 1976 الى ربط الجنسانية باركيولوجيا التاريخ وحفريات المعرفة مرورا بعصر الفلسفة اليونانية القديمة والرومان, وفي المسيحية وما قبلها في العهد القديم, محاولا الاجابة عن تساؤل يهمنا نحن اليوم بالصميم هو(لماذا يشكّل السلوك الجنسي والانشطة والمتع المتعالقة به موضوع انشغال اخلاقي لنا؟).
لا نغالي اذا قلنا الاجابة عن هذا التساؤل هو صميم ما نحتاجه ونبحث عنه لمجتمعاتنا العربية الاسلامية, في اجابتنا الذاتية الخاصة بنا نحن وليس بما يجيب عنه فوكو عوضا عنا ان جاز التعبير, فهو يجيب بما يرضي نزوعه الفلسفي الخاص بالمجتمعات والحضارة الاوربية لا بما نحتاجه نحن كمجتمعات شرقية لم تعرف من الحضارة غير محتواها الاستهلاكي بعد في حاضرها و في مستقبلها المنظور.
اجابتنا نراها في تسليط الضوء على التساؤل المشروع الجوهري, هل اصبح الجنس اليوم كما هو الحال مع الفكر الديني,اشكالية وجودية في اعاقة او تسريع تقدمنا نحو نهضة حضارية معاصرة, في حال امكاننا وضع الجنس ضمن منظومة اخلاقية مجتمعية نظيفة, تمتلك كل مقوماتها من قيم شغّالة مصدرها تشريعات الدين المعتدل من جهة,ووصاية القوانين الوضعية الرقابية العادلة في حمايتها ورعايتها (الجنس- الزواج) كعرف اخلاقي تقليدي يحمي الممارسة الجنسية من السقوط في الابتذال والاباحية والتفكك الاسري من جهة ثانية؟!
بهذا التفريق في ان يكون الجنس عامل تحديث نحو معاصرة ننشدها في حياتنا,ام ان يكون عامل انحطاط يحملنا الى انفلات جنسي كما في الغرب,يغذّي ويلتقي عندنا عوامل التردي والانحلال في مجمل اشتمالات حياتنا السياسية والاقتصادية والثقافية, هو ما نسعى حضوره ويمكننا من العثور على ماهو خاص ومفيد لنا.
وبالعودة الى فوكو نجده في تقصّيه وتشعّب الاجابات بما يمتلكه من ثراء فلسفي معرفي عمد ربط الممارسة الجنسية المرتذلة اساسا بتاريخ السلطة وقوانين الحظر الوضيعة غير الانسانية التي سادت ردحا طويلا من عمر التاريخ الاوربي, بما تحمله تلك الممارسات الجنسية الطبيعية والشاذة, من خرق بعضها النظام الاسري والمجتمعي التي تجاوزها فوكو متعمّدا قاصدا من منطلقات ادانته لها في متراكمها التاريخي الذي يتقاطع مع نزوعه البحثي ولا يماشيه او يخدمه. وعمد فوكو بدوغمائية فلسفية وقبلية معرفية الباسه التاريخ الجنسي رؤاه المنحرفة جنسيا حين سعى بمثابرة وجهد كبير ايجاد تدعيمات تاريخية في تمرير انحرافات وشذوذات الجنس,تحت مسوغات عاطفية وانسانوية مرجعيتها(البيولوجيا,الفسلجة , علم التشريح,علم النفس الطبي,الاجتماع, السلطة).
في هذا المتراكم البحثي المعرفي والثقافي استطاع فوكو تطويع حقائق الجنس في اعتبارها اشكالية بيولوجية غريزية انسانوية قبل اي اعتبار آخر لا يهمه ولا يعنيه, في عدم ادانة شذوذاتها ,او محاولة تهذيب تلك الممارسات الشاذة في منظومة اخلاقية شاملة,وسعى ما وسعه الجهد انقاذ الاباحية الجنسية بدءا من مراحلها التاريخية القمعية, ومراحلها التسفيلية,الاستلابية المجتمعية وسحبها الى مراتب ومصاف حرية التعاطي الجنسي الفردية,وضرورة اشباع الغرائز الانسانوية للجنس, المفتقدة للمشروعية خلال وطيلة احقاب زمنية تاريخية, وانه حان الوقت اعادة الاعتبار المفقود لها وتجويزه تلك الخروقات الجنسية الشاذة على انها من مسلمات الطبيعة الغريزية الانسانية, لا يتوجب التقاطع المجتمعي معها, ولا تحشيد المؤسسات الدينية اوالسلطة المدنية بوجوب رفضها ومحاربتها, وليس من حق السلطة والقانون الوضعي محاسبتها او الجامها وايقافها عند حدودها المقبولة اجتماعيا.ويشير تاريخ حياة فوكو انه في ايامه الاخيرة اراد وضع آرائه الفلسفية الجنسية موضع التطبيق ,حيث انخرط في ممارسات جنسية مثلية اعتبرها على حد تعبيره, (الخلق الحقيقي لا مكانية الرغبة التي لم يكن يحظى الناس بها في الماضي) وأدت الى اصابته بالايدز ووفاته.
النموذج الثاني هو عالم الاجتماع الفيلسوف الفرنسي بيار بورديو (1930- 2002) في مؤلفه (الهيمنة الذكورية) فقد ذهب الى دراسة الجنس (بيولوجيا),في مقارنته اختلافات تضاريس الجسد الذكري والانثوي فسيولوجيا وظائفيا, وتشريحيا طبيا,وتوظيف التمايزات والفروقات الجسدية الجنسية بدءا من اختلاف بيولوجيا الاعضاء التناسلية, وهيمنة الذكورة في الحياة الزوجية الاسرية, والبيت, والعمل, والعلاقة مع الآخرين,والاختلافات النوعية في السلوك والممارسات الاجتماعية, بما يمنح الرجل ويكسبه شرعنة الافضلية على المرأة, بحكم تمايز بيولوجيا الجسد وما تجرّه وراءها من تبعات التمايزوالاختلاف,.والانفراد والهيمنة الذكورية, ليس على صعيد علاقة(فوق- اسفل) جنسيا وحسب,ولكن في انسحاب النتيجة التنافسية في اعلاء شأن الذكر على الانثى وعجز المجاراة في جميع مفاصل الحياة تقريبا. العلاقة التي يشوبها الكثير من الاجحاف بحقوق المرأة انسانيا واجتماعيا وحقوقيا.
ان في اختلاف بيولوجيا الجسد - الجنس الذكوري والانثوي الذي يكرّس هيمنة الرجل (هذا خارج الدعوة الحضارية بالحقوق المتساوية للجنسين وتحقيقها ضمن ميادين ومستويات عديدة في اوربا وامريكا وبلدان العالم الكثيرة) تكون مساحة استقبالها عندنا مجتمعيا وسلطويا اكثر من مقبول ومرحب به,في جميع المجتمعات العربية الاسلامية تقريبا,وما ينفرز عنها من ممارسات الافضلية الذكورية على صعيد فروقات بايولوجيا الجسد والجنس,واستخدام هذا التمايز في مجالات المعيشة والعمل ومرافق التعامل مع الحياة وليس في الجنس وحده.
ويغذّي ويعمّق هذه الواقعة المكتسبة نزعة الافضلية ,المتراكم التاريخي التقاليدي والاعراف المستمدة من الموروث الطويل تاريخيا في المتجذّر الوجداني والسلوكي وفي مصدرية ومرجعية الاسناد الديني وقوانين واوامر السلطة والحكم الانفرادي الوراثي المستبد والهيمنة الأطلاقية الذكورية الاحادية غير المتنافسة على مفاصل الحياة والسلوك على مدى قرون طويلة.
لذا يأتي مؤلف بورديو(الهيمنة الذكورية) مطابقا تماما لمسرح اشتغاله واقع الجنس في المغرب العربي, الذي يصح تعميمه على اقطار الوطن العربي الاسلامية بلا ادنى تحفّظ . ولم نجد في هذا المؤلف, رغم ان كاتبه فيلسوف وعالم اجتماع متمّيز, اية انتباهة في اهمية نقل دراسة الواقعة الجنسية من ميدان سيسيولوجيا الممارسة الجنسية الى سيسيولوجيا الاخلاق والسلوك الجمعي الذي يعزز الالتزام العام باخلاق الجنس الطبيعية المحتشمة على الاقل مايهم مجتمعاتنا الشرقية العربية سيسيولوجيا جنسانيا.
في غياب هذا الربط المفقود الذي اشرنا له , الذي لا يقلل من اهمية ثيمة الكتاب في وصوله نتيجة هي تحصيل حاصل موجود في مجتمعاتنا / في الهيمنة الذكورية وما يترتب عليها من ممارسات اخلاقية متمايزة ليس على صعيد الجنس وحده بل في مجمل الحياة كما ذكرنا سابقا.
3.كيف نفهم اشكاليتنا في الجنس؟
بأي فهم ومعنى والى اي مدى يمكننا الحكم على اخلاقيات الجنس, ان تكون مرتكزا في تعميمنا لها على اخلاقيات السلوك المجتمعي العام المعلن, في حال توفرنا على الضبط المطلوب ان لا تصبح العلاقات الجنسيةعوامل تردي وانحلال مجتمعي عندنا؟
وما الفرق الذي يمكننا الافادة منه في مقارنتنا اشكالية الجنس عندنا واشكاليتها في المجتمعات الاوربية والامريكية على وفق منظور(السيسيولوجيا) الذي ذكرناه في اعلاه؟
قد يبدو للوهلة الاولى ان هذا الطرح يحتوي افتعالية مقارنة بين الاشكالية الجنسية بيننا وبين الغرب الاوربي ليست في محلها, وانها تسطيح في انعدام اوجه المقارنة المحسومة مسبّقا لصالحهم , وليس في صالحنا نحن.
وهو خطأ... كيف؟ الاشكالية الجنسية في الغرب انتهت الى نتيجة انها استنفدت نفسها جنسيا, ولم يعد لديها ما تدّخره وتنافس به غيرها.فهي وصلت مراحل متدنية جدا في الاباحية الجنسية التي لا ينفع معها المعالجة في تصحيح السقوط النهائي الذي لا يعقبه مراجعة ونهوض. وان زوايا الرصد والمعاينة من قبلنا لاشكاليتهم الجنسية وفروقاتها الكبيرة بيننا وبينهم, لا تتكافأ (نوعيا وقيميا)مع اشكاليتنا التي هي في مراحلها الاولى بعد, وامكانية وقدرات التصحيح عندنا موجودة وليست ميؤوس منها كما هي عندهم في الغرب.ان الاباحية الجنسية في امريكا واوربا خرجت ان تكون مخرجا لتنظيم المجتمع اخلاقيا سوّيا في معاييرنا نحن لا في معيارية غير موجودة عندهم وليست ضرورية في حياتهم الجنسية بعد دخول الاباحية الجنسية مجتمعاتهم من اوسع الابواب المشرعنة في القبول علي انها ظاهرة تقدمية بالحياة لا يمكن التراجع عنها...
ان الانحدار الجنسي في اوربا وامريكا انحدار مفزع ومؤرق برأيهم هم وليس برأينا نحن الى حد ان وصف ذلك احد المهتمين بهذا الشأن بقوله: ان تفاقم الاشكالية الجنسية التدميرية في امريكا والغرب تمثل قنبلة نووية, يهدد انفجارها المستقبلي افناء البشرية. ولا اعتقد بكلامه تهويل في الامانة بقراءة واقعهم.
ورغم كل ماذكرناه قد يبدو انه مصادرة من قبلنا في حسم مقارنة تحتاج الى توضيح اكثر,يدخلنا ببعض التفاصيل, اننا نجد وبشكل عام معلن ان الجنس في المجتمعات الغربية انحدر وينحدر اليوم بمتواليات رياضية نازلة في الاباحية والانحلال الاسري اخلاقيا والاخلال السلوكي والخرق العام للنظام الاخلاقي والقيمي السوي,ما رتّب انحلال الاسرة,وتراجع الزيجات,انفلات التربية الاسرية , وفقدان السيطرة بحكم القانون,في البيت والمدرسة,ممارسة الشذوذات الجنسية المثلية الذكورية والسحاقية الانثوية وحمايتها قانونا,زنا المحارم, الديوثية, تعاطي المخدرات وهكذا.
يقابل هذا الانحدار البشع في الجنس, تصعيدا (قيميا ) في السلوك الاخلاقي العام,بمتوالية تصاعدية مناقضة لمتوالية الانحدار الجنسي الاباحي, تعبيراتها تفشّي سلوكيات وقيم العلم والتحضر والحداثة,اعلاء قيم المساواة والعدالة والديمقراطية في الحقوق والواجبات,النزاهة والصدق والاخلاص,حقوق الانسان والمرأة,حرية المعتقد,وحرية الممارسات الفردية, الى غيرها من قائمة طويلة عريضة تقاطع جميعها التسفيل الامتهاني للجنس.
ولا ننفي ان يكون هناك عندنا خروقات غير مقننّة, انه ليس كل من يمارس التسفيل والانحطاط الجنسي , يكن حريصا على ممارسة التصعيد الاعلائي الاخلاقي القيمي في السلوك والحياة. فقد يمارس العديدون اباحية التسفيل والانحطاط الجنسي بالتماهي مع ممارسة الخروقات في السلوكيات والقيم العامة المنحرفة التي ادرجنا بعضها.
لكن لو نحن جربنا سحب هذه المعادلة السابق لنا ذكرها على مجتمعاتنا العربية – الاسلامية, ومحاولتنا تطبيقها , لوجدنا ان مرتكز اخلاقنا الجنسية وغير الجنسية مستمدة من ثنائية ( فقه الدين – السلطة الحاكمة) وفي تنظيم الحياة برمتها, وفي مجال الجنس تمارس تلك الثنائية دورها التحريمي الانضباطي الاخلاقي الذي يحول دون السقوط في الانحدار التسفيلي الانحطاطي . هذا على الاقل في المعلن المتداول والمتواضع قبوله في تطويق انتشار الاباحية الجنسية وتفكك النظام الاسري الاخلاقي المتين.والمحافظة على الشرف الشخصي والتقاليد الاخلاقية السلوكية المجتمعية.
في مقابل هذا التعالي الاخلاقي المكابر في العلن ماذا نجد من خروقات واختراقات عميقة غائرة في السر والكتمان على صعيد الممارسة الجنسية.وماذا نجد بخلاف الغرب عندنا من تفريط مذهل بكل قيمة اخلاقية على صعيد سيسيولوجيا الحياة والسلوك الجمعي العام.في عجز ايقاف التردي الاخلاقي في السياسة والاقتصاد والثقافة وميادين الحياة , فلا وجود لقيم الصدق والنزاهة والامانة ومصلحة المجتمع في جميع مفردات التردي البشع في حياتنا, وفي تقاطعها المعيب مع كل مقومات التقدم ومجالات التحضر من حولنا التي تحاصرنا.
اننا هنا لا نتخطى ازدواجية المعلن في تقاطعه الاختراقي مع المستور,بان فواحش الجنس غير المعلنة عندنا هي نفسها فضائح الاباحية الجنسية في اوربا وامريكا المعلنة التي ندينها,لا فرق بين اباحية معلنة ليس فيها محظور او ادانة اسرية او مجتمعية او سلطوية,,واباحية تمارس في السر داخل الغرف المقفلة واسرار وخفايا السرير.
الفارق ان الاباحية الجنسية غير المعلنة عندنا يقترن فيها التسفيل الانحطاطي الجنسي مع الانحطاط السلوكي المجتمعي الاخلاقي العام.(يوجد استثناءات لذلك).على صعيد العمل والوظيفة والمؤسسة وتقديم الخدمات وغيرها, وهو ما لانجد مشابهاته في المجتمعات الغربية , فالجنس الابتذالي عندهم هو خارج معادلة الشرف المهني.
وحيثما وضعنا نحن الجنس ضمن وصاية ومدركات(الدين – العقل) نجد يلازم ذلك انحدار كبير في اخلاقيات المجتمع وتدني قيم البناء المجتمعية.ان ما يشكل في المجتمعات الغربية , عيبا او خللا في منظومة البناء الحضاري, نجده لدينا لا يوازي الخلل الذي نتعمده في تعطيل بنياتنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
قضية تردي اخلاق الجنس لدينا,مع تردي مجمل احوالنا الاخلاقية والسلوكية العامة, اصبحت قضية مركبة في ان يكون الاختراق في احدهما يكمله ويعاضده مفردات التردي والاختراقات في الجانب المتتم الآخر وهكذا, حتى تكتمل حلقات التردي والانحلال التدريجي في هياكل المجتمع البعيد عن ادنى معيار اخلاقي متحضّر يحكم الحياة وينظّم شروط وواجبات وحقوق الفرد وحقوق المجتمع.
خاتمة:
نخلص من هذا بمجمله ان التسفيل الجنسي الاباحي في اوربا والعالم تقريبا, منعزل تأثيره في سيسيولوجيا القيم والسلوكيات الاخلاقية والمهنية التي تنظم شؤون الحياة المتحضّرة لديهم, وهذه الممارسات غير مستمّدة لا من وصايا وتحريمات الدين, ولا من رفض قيم العلم والاعراف الاخلاقية لها, اذ كلما انحدرت تلك المجتمعات الغربية جنسيا, ارتفعت وتسامقت في تحضّرها توفير ضرورات ومتطلبات معيشتهم في الرفاهية والسعادة والعيش الكريم.
بعيدا ان تكون هذه المعادلة اشكالية تقرر مصير وموقع الفرد في المجتمع. طبعا من غير المعقول انه لا توجد خروقات في تلك المعادلة,لكنها عديمة التأثير بالمنحى الاخلاقي العام. نريد العكس عندنا في اهمية ووجوب ان يكون للتربية الجنسية والاخلاقية دورها المؤثر الكبير في بناء مجتمعات متقدمة ,تتكافل مع كل قيم بناء الشخصية الفاعلة المنتجة التي تمتلك المعاني الكبيرة في تعاملها مع الحياة.
بقينا عصور طويلة من تاريخنا نفهم منظومة الاخلاق انها (جنس فقط) يتحدد موقعه ومجال اشتغاله ما تحت حزام بنطلون الرجل وسرّة بطن المرأة, وكل ماعداها من خروقات جائز حلال, وفهمه غيرنا ويتصرف ان منظومة الاخلاق تبدأ بما فوق حزام البنطلون وسرّة بطن المرأة. اي تكون ممارسة الاخلاق خارج الابتذال الجنسي الذي ندينه في العلن ونمارسه في السر.

الهامش : 1,2/موقع الباحثون السوريون الالكتروني



#علي_محمد_اليوسف (هاشتاغ)       Ali_M.alyousif#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة والمال / التملك والمشاعية
- المعرفة والمكان
- اللغة ومصطلح ما فوق اللغة
- الازدواجية في معرفة حقيقة الواقع
- الزمكان الفلسفي
- الذات وتحقيق الوجود
- فلسفة و كلمات
- الفلسفة والمعرفة
- قراءة في افكار هيجل وشوبنهاور
- فيض اللغة في التجربة الصوفية
- النفس والمادة
- اللغة والادراك
- سايكولوجيا الزمان
- الزمن وهم التحقيب والقطوعات
- الذاكرة والخيال
- افلاطون مفهوما الجدل والتخارج
- الزمن والجوهر في الفلسفة
- اللغة والوجود
- فلسفة اللغة
- جاستون باشلار والزمن


المزيد.....




- يوميات اللبنانيين مع المسيّرات الإسرائيلية بين التعود والإنك ...
- هل بدأت إسرائيل علنا تقسيم -الأقصى- مكانيا؟ وكيف يمكن ردعها؟ ...
- إدارة ترامب توقف خطط تطوير مشاريع طاقة الرياح البحرية
- تفاصيل لعبة واشنطن وإسرائيل مع حزب الله
- عاجل | وزيرة الخارجية الأسترالية: يجب أن تنتهي معاناة المدني ...
- شاهد.. وثائق مزورة تغير مصير عشرات الآلاف من أطفال كوريا الج ...
- مصرع أكثر من 50 مهاجرا وفقدان العشرات في غرق مركب قبالة سواح ...
- مسؤول إسرائيلي: نتنياهو يريد تحرير الرهائن في غزة عبر -هزيمة ...
- بلدة -عقربا- الفلسطينية تودّع معين أصفر بعد مقتله على يد مست ...
- في ظل التوتر المتصاعد مع إسرائيل.. إيران ترفع جاهزيتها العسك ...


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علي محمد اليوسف - الجنس في حياتنا المعاصرة