أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خديجة بن ختو - همس الزمن وتدبير اللطف














المزيد.....

همس الزمن وتدبير اللطف


خديجة بن ختو

الحوار المتمدن-العدد: 8424 - 2025 / 8 / 4 - 02:23
المحور: الادب والفن
    


هَمسُ الزَّمَن وَتَدبيرُ اللُّطف
قراءة في الإنسان واللحظة والمآل

هل يُمكن للإنسان أن يحيا بمعزل عن الزمان؟ وهل يملك أن يُوقف عجلة الحياة حتى يُعيد ترتيب ذاته، أو يسترجع ما فاته، أو يتأهب لما سيأتي؟ في عصرٍ يتسارع فيه الإيقاع وتتنازع النفس بين الندم على ما كان والخوف مما سيكون، تُطرح إشكالية وجودية كُبرى: كيف نعيش اللحظة دون أن نُبتلى بحُزن الماضي أو قلق المستقبل؟ وهل يُمكن لوعينا أن يتحرّر من عبء التراكم الزمني، ليجد في "الآن" خلاصًا، وفي الرضا ملاذًا؟

كل لحظة تمضي هي من العمر، من طين الخلق، من وهج الأمل أو نار التوجّع. والزمن، ذاك المارد الهادئ، لا يعرف التوقف، لا يستأذن أحدًا، ولا يمنح فرصة للمراجعة أو التراجع. فكان لزامًا علينا ألا نُهدره على موائد التوافه، ولا في التأملات العاقرة، ولا في الحُزن الذي لا يُنتج إلا المزيد من الحزن. إنّ التأمل في الحياة - حين لا يقترن باليقين - يزيد أوجاعها ويُعمّق هشاشة الروح، أمّا التأمل في لطف الله، فهو نعمةٌ تشفي وتصلح، وتسند القلب حين تنحلّ حوله أسباب القوة.

اللحظة التي نحياها الآن، بكل ما فيها من فرحٍ أو وجع، هي الحقيقة الوحيدة التي نملكها. فأن نعيشها بصدق، ونملأها بما ينفع، هو في جوهره انتصار على الزمن، وتمرّد راقٍ على كل ما يُربك النفس من ضياع الماضي أو هواجس المستقبل. الماضي لن يعود، والمستقبل مجهول، أما الحاضر فهو مرآة التدبير الإلهي الذي لا يضلّ ولا يُخطئ، فإذا رفع عن القلب لطفه، أوحشتنا الحياة، وهزمتنا المخاوف، وحبسنا القنوط، وإنْ أضاء، استقامت الروح وابتسمت رغم العتمة.

كثيرًا ما نبحث عن أجوبة في الفراغ، نغوص في تفاصيل الدنيا حتى نصطدم بفراغ المعنى، وننسى أن أقرب معنى موجود هو ذاك اللطف الذي يتجلّى في تدبير الله لنا، في كل تأخيرٍ يحمل حكمة، وكل وجعٍ يفتح بابًا، وكل ضيقٍ يُمهّد لفرج. فحين نتأمل ذلك، يتحوّل وجع الحياة إلى أنينٍ مُطهّر، ويصير الصبر عبادة لا تكل، ويرتفع الأمل كما ترتفع الحروف في قصيدةٍ خالدة.

ولذلك، لا تكن أسير فكرةٍ عابرة ولا سجينا لضعفٍ زائل، بل انفض عنك غبار اليأس، وامسح دمعتك التي غسلت قلبك، وارتقِ من جديد. كن مشروعًا لا ينهار، كن أثرًا لا يُمحى، كن وعدًا يتحقق. تفاءل ولو ضاقت بك السُبل، وارضَ ولو حالت الظروف، وامضِ كما يمضي المؤمن بنور اليقين، لا بنار التردد.

الحياة لا تُعطينا ما نشتهي دائمًا، ولكنها تمنحنا ما يكفي لنكون. نخطئ، نعم، ونضعف، نعم، ولكننا نقوم ونُواصل، ونجعل من الألم مدرّجًا نصعد به، لا حفرة ندفن فيها أحلامنا. وحين نشيح عن الله وجهًا، لا نستريح، بل نضيع، ونتعثّر، ونحترق في قلقٍ لا يُشفى. أما حين نحسن الظن به، فإنّ كل شيء يتخذ منحًى آخر، أكثر سكينةً، وأجمل شكلاً، وأقوى أثرًا.

وفي خضمِّ كل هذا، يبرز الركن الذي لا يُعوّض، ذاك الدفء الذي لا يُشبهه شيء: الأهل، الوالدان، منبع البرّ، وصوت الرحمة، وجذور الحنان. كم منّا ينشغل عنهم في دوامة الحياة؟ كم منّا يؤجل الحديث معهم، ثم يجد أن الوقت قد تأخر؟ الحديث إليهم ليس واجبًا فقط، بل حاجةٌ روحية، وعبادةٌ وجدانية، وفسحة من الحياة تُذكّرنا بأننا ما زلنا بشرًا نحتاج للوصال، لا للشُغل.

اجعلهم في صدارة اهتمامك، قبل أن يغيب صوتهم، وتبقى الذكرى نادبة لا تهدأ. لا تشغلك الحياة عن أجمل ما فيها، فإن غابوا، غاب شيءٌ لا يُعوّض، ولا يُستدرك، ولا يُصلح بفعلٍ لاحق.

أما الآخرة، فهي المآل، وهي الحصاد، وهي الجائزة الكبرى لمن عرف الطريق، وسلكه رغم كل ما عصف به من تعب. فلا تجعل الدنيا تُلهيك عن الغاية، ولا تجعل المشاغل تطمس فيك البوصلة، بل اعمل، وابذر، وأخلص، واترك الأثر الذي يليق بروحك، وبما تحمله من نور وصدق.

الوقت هو رأس مالك الحقيقي، فلا تفرّط فيه في خمول، ولا تنثره على هامش العابر. الحياة، وإن قصرت، تتّسع لمن يملأها بيقين، وبأثر، وبعطاءٍ لا يُنسى. عش الحاضر كما يُرضي الله، وكما يُسعد قلبًا آخر، وكما ترتضي أن يُذكرك الناس بعد غيابك.

كل كلمة تكتبها، كل فعل تقوم به، كل لحظة تختار أن تملأها بالعطاء، هي شهادة على نبلك، على صدقك، على رؤيتك التي لا تنفصل عن الجمال، ولا تتناقض مع الصدق. أنت لست سائرًا في الطريق وحدك، بل تصنع مع الله طريقًا يُوصل، ومآلًا يُجبر، وخلودًا لا يُمحى.

قلم الأستاذة خديجة آلاء شريف



#خديجة_بن_ختو (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليت الزمان بعود
- يا جزائر تبارك ثراك
- رياح القدر
- يا جزائر تبارك ثراء
- سجينة الحب
- حين يناديك الصوت
- الصمت لغتي


المزيد.....




- فن الشارع في سراييفو: جسور من الألوان في مواجهة الانقسامات ا ...
- مسرحية تل أبيب.. حين يغيب العلم وتنكشف النوايا
- فيلم -جمعة أغرب-.. محاولة ليندسي لوهان لإعادة تعريف ذاتها
- جدل لوحة عزل ترامب يفتح ملف -الحرب الثقافية- على متاحف واشنط ...
- عودة الثنائيات إلى السينما المصرية بحجم إنتاج ضخم وتنافس إقل ...
- الدورة الثانية من -مدن القصائد- تحتفي بسمرقند عاصمة للثقافة ...
- رئيس الشركة القابضة للسينما يعلن عن شراكة مع القطاع الخاص لت ...
- أدب إيطالي يكشف فظائع غزة: من شرف القتال إلى صمت الإبادة
- -بعد أزمة قُبلة المعجبة-.. راغب علامة يكشف مضمون اتصاله مع ن ...
- حماس تنفي نيتها إلقاء السلاح وتصف زيارة المبعوث الأميركي بأن ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خديجة بن ختو - همس الزمن وتدبير اللطف