أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أزاد خليل - سوريا بين فكّي الشرع والفوضى: من مجازر السويداء إلى هشاشة الدولة














المزيد.....

سوريا بين فكّي الشرع والفوضى: من مجازر السويداء إلى هشاشة الدولة


أزاد خليل

الحوار المتمدن-العدد: 8422 - 2025 / 8 / 2 - 16:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بين ليلة وضحاها، استفاقت محافظة السويداء على مشهد كارثي يعيد للأذهان فصولاً دامية من الحرب الأهلية السورية. مئات من أبنائها سقطوا بين قتيل وجريح، فيما بلغ عدد الضحايا من المدنيين ما لا يقل عن 1400 درزي، إومئات المفقودين اضافة إلى مئات من عناصر الفصائل المسلحة التابعة لحكومة أحمد الشرع، التي تلطّخت أيديها ليس فقط بالدماء، بل بفقدان البوصلة الأخلاقية والسياسية.

الهجوم الذي طال المحافظة لم يكن مجرد رد فعل على تمرد محلي أو احتجاج سياسي، بل كان عملاً انتقامياً وحشياً استهدف مدينة بأكملها، باستخدام أدوات الدولة ذاتها: أجهزة الأمن، الفصائل المسلحة، والدعاية الإعلامية التي جرّمت كل من تجرأ على المطالبة بحق أو مساءلة سلطة.

لكن ما أوقف هذا الهجوم لم يكن حكمة القيادة أو ضغطاً شعبياً، بل الضربات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت مقرات أمنية وعسكرية في دمشق، بينها مبنى هيئة الأركان، مما أجبر السلطة على وقف هجومها مؤقتاً وإعادة حساباتها. هذا التدخل الخارجي، بقدر ما هو مدان في السيادة، يكشف هشاشة الداخل السوري وتآكل الدولة التي باتت لا تردعها إلا قوة خارجية.

انكشاف زيف الشعارات

حكومة أحمد الشرع، التي جاءت تحت لافتة “الانتقال السياسي” و”تمثيل جميع المكونات”، فشلت فشلاً ذريعاً في تحقيق أبسط وعودها. بل على العكس، استنسخت أساليب النظام السابق في القمع، التخوين، وإدارة التنوع السوري بالقوة لا بالحوار.

منذ تسلمه زمام السلطة، كانت بوصلته تتجه نحو عسكرة المجتمع، وتحويل الدولة إلى جهاز أمني ضخم لا يرى في المواطن سوى مشتبهاً أو تابعاً. وهو ما اتضح في حادثة السويداء، حين اختلطت الجغرافيا بالمذهب، وتحولت المدينة إلى هدف قابل للإبادة الجماعية لمجرد أنها رفضت الخضوع الأعمى.

الشعارات التي رفعتها الحكومة الجديدة حول “وحدة الأراضي السورية” و”محاربة التطرف” سرعان ما تحوّلت إلى غطاء لسياسة إقصائية، تُقصي كل من لا يدور في فلكها، سواء من أبناء جبل العرب أو من مكونات أخرى كالعلويين والكرد والمسيحيين. الخطاب الذي كان يُفترض به أن يكون جامعاً، بات أداة تقسيم وشرذمة.

دروس من الشرق السوري

على النقيض، تقدّم تجربة الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا مثالاً يستحق التأمل، رغم كل ما يحيط بها من تحديات وملاحظات. فقد نجح الكرد ومعهم المكونات الأخرى من عرب وسريان وآشوريين في بناء نموذج حكم محلي يرتكز على مبدأ اللامركزية، ويتيح مشاركة حقيقية للمواطنين في صنع القرار.

صحيح أن هذا النموذج ليس مثالياً، ويواجه ضغوطاً من عدة أطراف إقليمية ودولية، إلا أنه بالمقارنة مع ما يحصل في السويداء، أو في دمشق، يبدو أكثر استقراراً وأقل دموية. الأهم، أنه يمنح المجتمعات المحلية شعوراً بالشراكة والانتماء، وليس بالارتهان والخوف.

اللامركزية ليست تهديداً لوحدة سوريا، بل على العكس، قد تكون بوابتها الوحيدة نحو البقاء. فالدولة المركزية التي تقرر مصير المدن والناس من العاصمة، وتسحق كل صوت معارض، لم تعد قادرة على البقاء، لا قانونياً ولا عملياً. وكل من يتمسّك بها، إنما يتمسك بوهم لم يعد له مكان في الواقع.

اللا دولة… واقع نعيشه

ما نراه اليوم ليس صراعاً على السلطة فحسب، بل حالة متقدمة من اللا دولة. لم تعد هناك مرجعية قانونية يمكن اللجوء إليها، ولا مؤسسات محايدة يمكن الوثوق بها. السلطات الأمنية باتت تعيش في جزرها المنفصلة، ولكل جهاز نفوذه ومناطق سيطرته ومصالحه. الميليشيات باتت أقوى من الجيش، والخطاب الديني أو المناطقي بات أقوى من الدستور.

في هذا المشهد، تتحوّل سوريا إلى أرض تتقاسمها القوى لا القوانين، وتُدار فيها المدن بعقلية الثأر لا بعقلية الإدارة. وهذا ما يجعل حادثة السويداء، رغم دمويتها، ليست سوى عرض من أعراض الانهيار العام.

الثقة بين المواطن والدولة أصبحت شبه معدومة، وهذا ما نراه بوضوح في ردود الفعل على مواقع التواصل الاجتماعي. آلاف السوريين من مختلف المناطق عبّروا عن غضبهم وسخطهم مما حدث، ليس فقط تعاطفاً مع السويداء، بل لأنهم يعرفون أنهم قد يكونون الهدف التالي.

الاستقواء بالسلاح… نذير هلاك

ما تقوم به حكومة الشرع من استعراض للقوة واستخدام مفرط للسلاح، لن يزيدها إلا عزلة. فالسلاح لا يبني شرعية، ولا يخلق ولاءً، بل يزرع الخوف المؤقت والغضب الدائم. كل قذيفة سقطت على منزل في السويداء، وكل نقطة دم سالت هناك، ستتحول إلى بذرة كراهية ونقمة ستنمو مع الوقت.

السلطة التي تقتل شعبها لتبقى، هي سلطة بلا مستقبل. والتفرد بالحكم ليس مؤشراً على القوة، بل على العجز عن بناء توافق. من يريد أن يحكم سوريا، يجب أن يقدّم نفسه كضامن لكل السوريين، لا كجلاد لمعارضيه.

نحو عقد اجتماعي جديد

إذا أردنا الخروج من هذا النفق، فلا بد من مراجعة شاملة لطبيعة الدولة السورية. المطلوب ليس فقط تغيير الأشخاص، بل تغيير البنية السياسية بالكامل. نحن بحاجة إلى عقد اجتماعي جديد، يؤمن بالتعددية، باللامركزية، وبالعدالة الانتقالية.

ما جرى في السويداء يجب أن يكون جرس إنذار، لا مجرد حدث عابر. وعلى جميع السوريين، من كل المكونات، أن يدركوا أن بقاء البلاد مرهون بإعادة بناء الثقة بينهم، وليس بالاصطفاف خلف سلطة تُقنّن القتل وتقونن القمع.

إن دولة لا تحمي أبناءها لا تستحق أن تحكمهم. وسوريا لن تُبنى لا بحكومة الشرع، ولا بغيره، ما لم يؤمن الجميع أن زمن الإخضاع انتهى، وأن زمن الشراكة بدأ



#أزاد_خليل (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في حضرة الوحدة: تأملات من أقصى شمال الأرض
- سوريا الجديدة والدستور الموعود: كيف نبني عقداً اجتماعياً لا ...
- الدولة الكردية: ضرورة تاريخية في مواجهة الإرهاب وصراع الهويا ...
- سوريا بين رماد البعث وشبح الدولة الدينية: معركة على هوية الو ...
- رحلة العودة من السويد إلى بلاد - قسد
- رحلة العودة من سوريا إلى بلاد - قسد
- “لن نُقصى من وطننا… أنا كوردي ودستوركم لا يمثلني!-
- - ليلة إبادة العلويين: عندما صار القتل طقسًا مقدسًا -
- اتفاق دمشق – القامشلي: واقعية سياسية أم بداية مرحلة جديدة؟
- - مجزرة الساحل: حين ذُبح العلويون على مذبح الكراهية -
- إبادة العلويون 6 و7 آذار… يوم العار والذبح على الهوية
- سوريا للجميع: لا مكان للتهميش أو الإنكار في وطن متعدد الهوية
- “زانيار وتيمور: حكاية الأرض المسلوبة والمقاومة التي لا تموت-
- كوباني: هوية لا تُمحى وتاريخ لا يُزوّر – في مواجهة محاولات ا ...
- لماذا اجتماع جنيف الموسع: نحو رؤى وطنية لسوريا المستقبل
- اجتماع جنيف الموسع للقوى والشخصيات الوطنية نحو سوريا ديمقراط ...
- - حمار بدرجة بروفيسور : عندما يصبح الجهل ذكاءً اصطناعيًا!
- المثقف الاصطناعي: عندما يكتب الذكاء الاصطناعي بدلاً عن الكات ...
- - الطبقية: قيدٌ آخر للاستبداد، متى نحطّمه؟
- “حيث صار الأملُ جريمةً، بَكَتِ المدينةُ حتى تلاشى صوتُها”


المزيد.....




- لغز يحيّر المحققين.. رضيعة تنجو من مجزرة عائلية مروعة والقات ...
- حماس ترد على تصريح ويتكوف حول استعدادها لنزع سلاحها
- أكسيوس تجذب الجمهور بأسلوب تحريري فريد
- تقرير بريطاني: إسرائيل تفعل في غزة ما لم تفعله ألمانيا بالحر ...
- بسبب -صوت مصر-.. شيرين عبد الوهاب تلجأ إلى القضاء ردا على تص ...
- إعلام إسرائيلي: العالم يتكتل ضدنا بعد أن اتحد لدعمنا في 7 أك ...
- 4 أسئلة تشرح سبب الأزمة الحدودية بين أوغندا وجنوب السودان
- كاتب أميركي: على ترامب إدراك ألا أحد يفوز في حرب تجارية
- -أحفر قبري بيدي-.. أسير إسرائيلي بغزة يوجه رسالة لنتنياهو
- الإخفاء القسري.. الانتظار القاتل لأسر الضحايا في عدن


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أزاد خليل - سوريا بين فكّي الشرع والفوضى: من مجازر السويداء إلى هشاشة الدولة