أزاد خليل
الحوار المتمدن-العدد: 8248 - 2025 / 2 / 9 - 11:47
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
لو ولدتُ في كنف عائلة تستعلي على الآخرين، لكنت أول من حاربها ووقف في وجهها، وكسر سطوتها. لن أتقبل أبدًا فكرة أن يميز أحدٌ نفسه على الآخر بسبب خلفية جاهلية يعتقد أنها شيء مميز في هذه الحياة الفانية.
أرفضُ رفضًا قاطعًا فكرة الطبقية في مجتمعاتنا المهزوزة الثكلى بالأمراض والعقد الاجتماعية.
يولد الإنسان صفحة بيضاء، وتتشكل أفكاره الأولى من والديه، ثم تمتد جذوره الفكرية إلى عائلته ومدرسته وأصدقائه ومجتمعه. لكنه يكبر ليجد أمامه منظومة فكرية قائمة على التمييز، تقدس الجهل وتؤصل للفروقات المصطنعة. "ابن الأغا"، "ابن البيك"، "ابن العشيرة الفلانية"، "ابن التاجر الثري"؛ تصنيفات عقيمة تصنع أوهام التفوق الطبقي والاجتماعي، وتقسم المجتمع إلى طبقات وهمية، حيث يعتقد البعض أنهم أرقى من غيرهم لمجرد أنهم ولدوا في عائلة معينة، أو امتلكوا ثروة لا يد لهم في تحصيلها.
وهكذا تتغلغل هذه المفاهيم في العقول، فيكبر الإنسان محملاً بإرث خاطئ، مشبعًا باستعلاء زائف، ليقف متحدثًا عن الوطن والحرية ومحاربة الأعداء، بينما في داخله يعزز منظومة التمييز والفرقة. أي مجتمع يميز بين أفراده وفق أصولهم أو ثرواتهم هو مجتمع فاسد هش وغير متوازن. لا يمكن لمجتمع كهذا أن يحقق العدالة، ولا يمكن له أن ينهض طالما بقيت هذه الأفكار تحدد قيمة الإنسان بدلاً من أخلاقه وعلمه وإبداعه.
العدل هو الأساس. لا فضل لغني على فقير، ولا لعشيرة على أخرى، ولا لاسم على آخر. على الجميع أن يكونوا سواسية، وأن تُتاح لكل فرد الفرصة ليعيش بكرامة، دون أن يتحكم موروث طبقي أو عشائري في مصيره. الأغنياء لا يجب أن يتكرموا على الفقراء، بل يجب أن يكون للعدالة الاقتصادية دور يضمن الحد الأدنى من الحياة الكريمة لكل إنسان، بلا استضعاف أو استغلال.
إن تحرير الوطن يبدأ من تحرير العقول من هذه القيود البالية، ومن تفكيك هذه المفاهيم التي تبطئ الوحدة الوطنية، وتؤجل تحقيق العدالة ألف عام أخرى. مجتمع لا يتساوى أفراده في الحقوق والواجبات هو مجتمع محكوم بالتخلف مهما ادعى غير ذلك.
فلنجعل من مجتمعاتنا ساحة للعدل والمساواة، لا مكان فيها للتمييز والطبقية. لنكن الصوت والقلب والفكر لسيف العدالة في وجه أدوات التقسيم وتصهير المجتمعات بين فئة مبجلة منزهة مترفة تملك كل شيء، وفئة مظلومة مسحوقة لا حق لها حتى في تقرير مصير حياتها. لنعمل معًا على بناء مجتمع يقدر قيمة الإنسان بأخلاقه وعلمه وإبداعه، لا بأصله أو ثروته. عندها فقط سنستطيع أن نحقق التقدم والازدهار الذي نطمح إليه.
تحرير الأوطان لا يكون فقط بإسقاط الطغاة، بل يبدأ بتحرير العقول من القيود الفكرية التي تُبقي المجتمع في حالة من الجمود.
إذا أردنا النهضة، فعلينا أن نهدم جدران التمييز قبل أن نبني أي مشروع حضاري جديد.المستقبل لا مكان فيه لأسياد وعبيد، بل هو مجتمع يقيس الناس على أساس إنتاجهم الفكري والعلمي والاقتصادي، لا على أساس ألقابهم الوراثية وأموالهم المتراكمة.
إما أن نكسر الطبقية اليوم، أو نبقى أسرى لها لمئات السنين القادمة!
فهل نحن مستعدون للتغيير؟ أم سنظل نعيد إنتاج التخلف بأسماء جديدة!
#أزاد_خليل (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟