|
مآثر نضالية من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي والقوى الوطنية (الجزء الأول / تقديم)
فلاح أمين الرهيمي
الحوار المتمدن-العدد: 8422 - 2025 / 8 / 2 - 14:06
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تقديم كانت أول محاولة لتنظيم الخلايا الشيوعية في بغداد في أواسط العشرينيات من القرن الماضي ولكنها لم تدم طويلاً أما في المنطقة الجنوبية من العراق فقد تأسست شبكة تنظيمية من الخلايا الشيوعية في البصرة والناصرية وغيرهما بفضل ظهور الرفيق الخالد فهد ومؤهلاته القيادية والتنظيمية واستيعابه النظرية الماركسية بفضل تتبعه الشخصي ودأبه وإصراره الثوري وما عرف عنه من جهادية ونكران الذات في العمل الصامت كجندي مجهول. لقد كان وجود قائد على مثل هذه المزايا في بداية الحركة عاملاً مهماً في تسريع تكوين الحزب وتطوره وتصلبه ولم تكن الخلايا الشيوعية الأولى في الجنوب العراقي مجرد حلقات دراسية تضم المولعين بقراءة الكتب المنفصلين عن حركة الجماهير ... فمنذ البدء كان الرفيق فهد وزملائه وثيقي الصلة بالنضال الجماهيري في المدينة والريف وقد تمرسوا بالنضال الوطني والطبقي حتى قبل تأسيس الحزب الشيوعي كمنظمة مركزية على النطاق الوطني والمعروف أن الرفيق فهد نفسه كان كادراً بارزاً في الحزب الوطني العراقي والقائد الفعلي لفرع الناصرية حتى غلق أبوابه عام/ 1935 الذي كان يرأسه القائد الوطني (جعفر أبو التمن) في الفترة بين عام/ 1934 وعام/ 1945 فترة تكوين وتوطيد الحزب الشيوعي عبر نضال جماهيري عنيد ونضال متواصل ضد مختلف أشكال الانتهازية والتسيب والانفلات معززاً الضبط والالتزام ووحدته الفكرية والتنظيمية ضد الانحرافات والمفاهيم المغلوطة والبعيدة عن الفكر الماركسي – اللينيني من أجل أن يمتلك تجربة غنية في النظرية والصراع الطبقي والأيديولوجي ... وفي بداية تكوين الحزب الشيوعي (1934 – 1935) ثار نضال داخلي في قيادته عما إذا كان يجب زج الحزب الشيوعي اليافع وكان لا يزال يحمل اسم (لجنة مكافحة الاستعمار والاستثمار) في مضمار النضال الجماهيري فوراً أم التريث حتى يتم تثقيف أعضائه وكادره بحد أدنى من النظرية الماركسية – اللينينية وقد انتصر الاتجاه الأول أي اتجاه التعلم في غمرة النضال الجماهيري مع الاهتمام بعملية التثقيف والمعرفة بالنظرية الماركسية اللينينية وقد ساهم الحزب الشيوعي في الدعاية والتحرك في انتفاضة عام/ 1935 الفلاحية في منطقة الفرات الأوسط وشارك في العمل الثوري الجماهيري (وثبة كانون الثاني/ 1948 التي عصفت بمعاهدة بورتسموث الاستعمارية وعزلت الحكم الرجعي المتحالف مع الاستعمار وفي وثبة تشرين عام/ 1952 ووثبة تشرين/ 1956 لنصرة الشقيقة مصر في تأميم قناة السويس وانفجار انتفاضة الحي المسلحة عام/ 1956 فعزلت الحكم الملكي الرجعي تماماً وكسبت الجيش الباسل تمهيداً لانتصار ثورة 14 تموز عام/ 1958 ومن الجهة الأخرى لعب الحزب الشيوعي دوراً أساسياً في بناء الحزب وفق قاعدة التنظيم للنظرية الماركسية – اللينينية فانجذب إليه نخبة من خيرة العناصر الثورية الطليعية من طبقات الشعب المناضلة الأهلة للضبط البروليتاري الصارم (شبه العسكري) كما كان يشير إليه الرفيق فهد. وسار الحزب الشيوعي العراقي في طليعة القوى الوطنية في الدفاع عن طموحات الشعب العراقي والشعوب العربية في التحرر مدافعاً عن حقوق الشعب الفلسطيني ضد التآمر الاستعماري الصهيوني. لقد ناضل الحزب الشيوعي العراقي من أجل إقامة الجبهة الوطنية الموحدة منذ عام/ 1943 متمسكاً بسياسة التحالفات اللينينية التي تبلورت بمقررات المؤتمر العالمي السابع للأممية الشيوعية (الكومنترن) وقد نجح في إقامة جبهة موحدة مع الأحزاب الوطنية الأخرى في عام/ 1946 في (معركة الجلاء) والجبهة اليسارية في كانون الثاني/ 1948 والتعاون الوطني ضد المشاريع الأنجلو الأمريكية العدوانية ومن أجل انتخابات ديمقراطية. وفي تشرين الثاني/ 1952 وجبهة الأحزاب الوطنية في الانتخابات العامة في ربيع/ 1954 وقد فازت فيها كتلة المعارضة للحكم العميل بعشرة مقاعد وتعاون القوى الوطنية التي خاضت انتفاضة الشعب العراقي ضد العدوان الثلاثي على مصر في خريف/ 1956 فجمع الحزب الشيوعي العراقي خبرة غنية في تطبيق سياسة الجبهة الوطنية الموحدة كانت ضرورية لإقامة جبهة وطنية (الاتحاد الوطني) في ربيع/ 1957 التي استطاعت ولأول مرة كسب نخبة من الضباط الوطنيين في الجيش العراقي الذين كانوا يعملون في كتلة عرفت باسم (الضباط الأحرار) وكان دور الحزب الشيوعي العراقي في جبهة (الاتحاد الوطني) ليس فقط أنشط دور سياسي لأن ضباطه الذين ينتسبون للحزب الشيوعي كانوا يمثلون الأكثرية في الضباط الأحرار كما كان يمثل المحور الموحد للقوى الوطنية وعن طريق العمل الجبهوي أمكنه جذب الحزب الديمقراطي الكردستاني للمشاركة في النشاط العام لقوة جبهة الوطنية. وكانت انتفاضة خريف/ 1956 تمثل تجربة أساسية توصل إليها الحزب الشيوعي العراقي في ثورة الرابع عشر من تموز في القضاء على النظام الملكي العميل المرتبط بحلف بغداد العدواني والمعادي للشعب وللحركة التحررية العربية ... وتمكن الحزب الشيوعي العراقي بنشاطه الخاص وضمن الجبهة الموحدة وبقوة المثل الثورية التي ضربها للجماهير الواسعة من مساعدتها على تبني سياسته الثورية كما هيأ جماهير العمال والفلاحين ودرسهم على مختلف أساليب الكفاح وفعلاً مارس فلاحوا الفرات الأوسط التمرد المسلح الذي بلغ ثورته في تموز/ 1958 فكانت الجماهير على عموم القطر العراقي في أعلى مزاج ثوري صبيحة 14/ تموز/ 1958 بحيث أمكن تحقيق انتصار تاريخي على الاستعمار والقضاء على النظام الملكي خلال سويعات ... إنها ملحمة الشعب العراقي الباسل أما أبطالها فهم جماهير الشعب الثائرة وألوف الشهداء الأبطال. بداية تغلغل وإشاعة الفكر الشيوعي في العراق لقد تركت ثورة أكتوبر العظمى التي انتصر فيها البلاشفة الروس بقيادة لينين آثارها في حركة الشعب العراقي رغم ظروف ذلك العهد الاستعماري وظروف الحصار الحربي التي عزلته عن العالم إلا أن التأثير قد انتقل بوجه خاص عن طريق إيران ومن بعدها تركيا التي كانت تنتقل عن طريقهما الكتب والأدبيات التي تصدر عن الثورة البلشفية في روسيا وكانت تدخل إلى العراق وبشكل خاص مدينة النجف بشكل سري وكان الناس يجتمعون في إحدى البيوت سراً لمطالعتها وإذا خرجوا من البيوت يخفوها تحت عباءاتهم لكي لا يراها أحد ... ونتيجة هذا التأثير العميق الذي أحدثته ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى فقد بدأ الوعي الاشتراكي والأفكار الشيوعية تتغلغل بين صفوف المثقفين الثوريين وشكلوا عدداً من الحلقات الماركسية في العشرينات من القرن الماضي وقد حاول جماعة من الماركسيين العراقيين الأوائل عهد ذاك تأسيس أول منظمة شيوعية قبل ظهور الحركة العمالية النقابية الأولى ولكن المحاولة لم تنجح لأنه لم تنضج الظروف الموضوعية لنشوء حركة سياسية عمالية منظمة فانفرط عقد الجماعة وكان من بين أعضائها المثقفون الثوريون الذين كانوا من رواد الدعوة الشيوعية في العراق (حسين الرحال وعوني بكر صدقي ومحمود أحمد السيد وعبد الله جدوع ومصطفى علي وفاضل محمد) وفي الجنوب برز اسم المناضل الشيوعي الكبير يوسف سلمان يوسف (فهد) في وقت مبكر سواءً كأحد قادة الحزب الوطني المحليين فرع الناصرية وفي حركة النقابة والعمل في البصرة وكقائد ومنظم للأحزاب العامة في الناصرية فقد اهتدى إلى النظرية الماركسية عن طريق بحثه عن العلاج الناجع لمشاكل الشعب العراقي الاقتصادية والاجتماعية واعتنقها سنة/ 1929 بعد أن وجد فيها السلاح الوحيد الذي يستطيع فيه الشعب العراقي وكافة الشعوب المستعمرة وجميع المظلومين في العالم من التحرر من الاستعمار والاستغلال والعبودية وإقامة مجتمع لا مكان فيه للآلام والمآسي وبدأ العمل الثوري المنظم بين صفوف العمال والوطنيين الثوريين في الناصرية والبصرة فقام بتشكيل الحلقات هناك وطور عمل هذه الحلقات فتحولت إلى منظمات جماهيرية تعمل لربط النظرية بالتطبيق وتصدر البيانات والنشرات في المناسبات المختلفة وبالنظر لبروز دور هذه الحلقة في قيادة الأعمال الجماهيرية اعتقل عدداً من أعضائها وأعدم أحد أصدقاء الرفيق فهد الشهيد العامل (حسين عباس) وتمكن الرفيق فهد من الإفلات والاختفاء وكان الرفيق فهد أول من وقف أمام المحكمة يدافع عن المبدأ الشيوعي بعد أن ألقي القبض عليه سنة/ 1933 فقد أصر وأخذ يدافع بشكل حار عن مبدأه وامتنع عن التراجع عن موقفه هذا على الرغم من الحاح حاكم التحقيق وحاكم الجزاء من أجل إطلاق سراحه فلم يوافق الذين أرادوا له أن لا يدافع عن الشيوعية ولم يكن أحد قبله يدعي اعتناق هذا المبدأ والدفاع عنه وارتعبت الحكومة من هذا العناد الثوري واضطرب رجالها بما فيهم فيصل الأول الملك المأجور والمستشارين الإنجليز ووقف الزعيم الوطني جعفر أبو التمن إلى جانبه وأطلق سراحه ... وكان الرفيق فهد يتصل بزملائه في بغداد ومدن أخرى حتى تم تأسيس الحزب الشيوعي العراقي عام/ 1934 وأصبح عضواً في اللجنة المركزية للحزب ... كما أصاب هذا الحدث بالقلق والخوف الاستعمار البريطاني والفرنسي في الشرق العربي من بواكير الحركة الشيوعية في المنطقة فقررا تنظيم مؤتمر لمكافحة الشيوعية بالتعاون مع السلطات الحكومية في العراق ومصر وسوريا وفلسطين عام/ 1936 تلبية لأوامر السادة المستعمرين وأقر مجلس الوزراء في العراق في جلسته 27/ نيسان الاتفاق التالي : 1) ستشترك دائرة شرطة العراق في الترتيبات المتفق عليها في القاهرة بتاريخ 13/ كانون الثاني/ 1936 ممثلي دائرة شرطة مصر وفلسطين وسوريا. 2) سيزود العراق بالدستور (الأسلوب) الذي يضعه (المستر برود هرست) التابع إلى دائرة التحقيقات الجنائية في فلسطين وأنه سوف يستعمل البلاغات التي وفق هذه الترتيبات. 3) إذا دخل العراق أشخاص مشبوهون بكونهم شيوعيين وذلك في طريقهم إلى سوريا فإن دائرة التحقيقات الجنائية تعطي أخباراً إلى دائرة الأمن السورية بالبرق اللاسلكي مبينة اسم الشخص المشتبه به والطريق الذي سلكه. 4) إن دائرة الأمن السورية تعطي بالمثل أخباراً إلى دائرة التحقيقات الجنائية العراقية باللاسلكي عن سفر أي شخص مشتبه إلى العراق مع ذكر الطريق الذي سلكه. 5) توجه البرقيات اللاسلكية إلى المستر (فانجو) في دائرة الأمن في بيروت وإلى دائرة التحقيقات الجنائية في بغداد. 6) يفهم أنه لا يشار أبداً إلى الشيوعيين في البرقيات المكشوفة المتبادلة بين دائرتين شرطة سوريا والعراق وأنه يجب استعمال اسم مخصوص يدل على أن الشخص المنوه عنه مشتبه به. 7) ترسل بالبريد البري صور جميع البرقيات لأجل التأييد وذلك في أول فرصة ممكنة. وكانت الخلايا الشيوعية التي أسسها الرفيق (فهد) هي التي استطاعت أن تنازع البقاء وأن تكون من أقوى دعائم الحزب الشيوعي لدى تأسيسه لأنها امتزجت منذ تكوينها بحركة الطبقة العاملة. تأسيس الحزب الشيوعي العراقي في 31/ آذار/ 1934 انعقد في بغداد اجتماع تأسيسي للشيوعيين الذين جاؤوا من مختلف أنحاء العراق وقرر المجتمعون توحيد منظماته في تنظيم واحد مركزي باسم (لجنة مكافحة الاستعمار والاستثمار) وانتخبوا للجنة المركزية كما أصدروا بياناً لخصت فيه الأهداف السياسية ونظام الحزب ووزعوه على الجماهير ... وكان الدور الفعال والرئيسي في تأسيس المنظمات الحزبية منذ أوائل الثلاثينيات وفي عملية تأسيس مركز الحزب وبالتالي بناء الحزب وتدريبه وتربيته وفق القواعد اللينينية والضبط البروليتاري من نصيب القائد الشيوعي البارز يوسف سلمان يوسف (فهد) الذي هو بحق المؤسس الرئيسي للحزب الشيوعي وباني كيانه وهو الذي عزز فيه روحاً ثورياً لا يموت وتقاليد ثورية خالدة وقد كرس كل حياته من أجل قضية الطبقة العاملة والشعب والوطن حتى استشهاده على أعواد المشانق وهو يهتف (الشيوعية أقوى من الموت وأعلى من أعمدة المشانق ... واليوم تعدمون فهد وغداً سوف تأتيكم فهود) في 14/ شباط عام/ 1949 عند بوابة المتحف الوطني العراقي في بغداد وفي أواخر تموز/ 1935 عشية انعقاد المؤتمر العالمي السابع للأممية الشيوعية (الثالثة) صدرت أول جريدة مركزية للحزب باسم (كفاح الشعب) لسان الحزب الشيوعي العراقي بعد أن اتخذت اللجنة المركزية قراراً بإعلان اسم (الحزب الشيوعي) بدلاً من (لجنة مكافحة الاستعمار والاستثمار). مشاركة الحزب الشيوعي العراقي في المؤتمر العالمي السابع للأممية الشيوعيين في موسكو عام/ 1935 لقد سددت الأممية الشيوعية (الكومنترن) الخطوات الأولى للحزب الشيوعي العراقي ورعته رعاية خاصة فحضر ممثل عن الحزب الشيوعي العراقي كرقيب اجتماع المؤتمر العالمي السابع للأممية الشيوعيين المنعقد في تموز/ 1935 وشارك في أعماله كما شارك فهد وكان يوم ذاك يدرس في المدرسة الشيوعية الأممية في موسكو أعمال المؤتمر العالمي لنقابات العمال الحمراء (برومنترن). إن تلك الرعاية الأممية هي موضع اعتزاز الشيوعيين العراقيين حتى يومنا هذا وإلى الأبد. إصدار جريدة (كفاح الشعب) أول جريدة بلسان الحزب الشيوعي العراقي كانت جريدة (كفاح الشعب) أول جريدة طبعت سراً في تاريخ الحركة الثورية في العراق وكان على صدرها رمز الشيوعيين (المطرقة والمنجل) وشعار ماركس (يا عمال العالم اتحدوا) وشعار الحزب الشيوعي العراقي (يا عمال العراق اتحدوا) ومقتطف من البيان الشيوعي (فلترتعش الطبقات الحاكمة من شبح الثورة الشيوعية، فليس للبروليتاريا ما تفقده سوى أغلالها وتربح العالم بأكمله) وهكذا ظهر الحزب الشيوعي العراقي في حين كانت البلاد لا تزال تواجه قضية التحرر من الهيمنة الامبريالية ويعاني الفلاحون العبودية والاستغلال المزدوج على يد الاحتكارات الامبريالية العالمية والبورجوازية الربوية والإقطاعية الجديدة حليفة الامبريالية ويعاني العمال الاستغلال والحرمان والاضطهاد بأبشع أشكاله وتعاني البلاد المشاكل القومية والتأخر الاقتصادي والاجتماعي.
ظهور القيادة الجديدة للحزب الشيوعي العراقي لتجسد حركة الطبقة العاملة العراقية لقد ظهرت القيادة الجديدة للحزب الشيوعي العراقي لتجسد بالأساس حركة الطبقة العاملة العراقية ومصالحها وأهدافها كطبقة نامية وثورية بلا حدود بفضل خدماتها من التملك الخاص لوسائل الإنتاج وهي الطبقة المتقدمة بفضل نظريتها الثورية وارتباطها بالإنتاج الكبير لكي تلعب بجدارة الدور الاقتصادي في ثورة الشعب العراقي وفي تحرر المجتمع نهائياً من جميع أشكال الاستغلال والاضطهاد ... لقد ظهرت القيادة الجديدة للحزب الشيوعي العراقي التي لا تعرف المهادنة والمساومة على حساب حركتنا الوطنية ولا تعرف الهواية الموسمية في النضال وتتصف بالأمانة التامة لقضية الطبقة العاملة والإخلاص بلا حدود لقضية شعبنا العادلة. الحزب الشيوعي العراقي يدافع عن الانتفاضات المسلحة في أرياف الفرات وكردستان في ربيع/ 1935 أي بعد سنة واحدة من تأسيسه دافع الحزب عن الانتفاضات المسلحة في أرياف الفرات وفي كردستان وصاغ أهدافها الأساسية في بيانات طبعت سراً ووزعت على نطاق واسع وكان له دور بارز في التحضير لانتفاضة سوق الشيوخ سنة/ 1935 أيضاً فقد ذكرت مجلة الشرق الثائر الصادرة في موسكو في العدد/ ٤ لسنة/ 1935 : (وكان لهذه الجماعة الشيوعية تأثير كبير في السنوات الأخيرة في الاضرابات والانطلاقات الفلاحية البورجوازية الصغيرة فقد قامت هذه الجماعة الشيوعية مباشرة أو أثرت أيديولوجياً في توجيه الجماهير بتقديم المطاليب الثورية وكبرهان على ذلك الحركة الأخيرة حيث لعبوا دوراً بارزاً في التحضير للانتفاضة وفي تسيير الانتفاضة نفسها وخاصة ما حدث في البصرة في صيف/ 1935 عندما انتفضت المناطق القريبة من مركز المدينة وزج نتيجة ذلك بأكثر من 50 شخصاً من المنتمين للجماعة الشيوعية في السجون لمدد مختلفة) واختتمت المجلة مقالها بالقول : (أن القرارات التوجيهية للمؤتمر السابع الكومنترن (الأممية الشيوعية الثالثة) قد استندت على تجربة النضال الثوري وبالأخص تجربة الانتفاضة الأخيرة والتي أدى الشيوعيون العراقيون فيها الواجب الذي نهض أمامهم بشرف. لقد كان السبب المباشر لانتفاضة سوق الشيوخ هو رفض الفلاحين لنظام السركلة الذي فرضه عليهم الانجليز منذ احتلالهم لسوق الشيوخ في ٦/ تموز/ 1915 إذ أن الانجليز خلقوا فئة من الوكلاء تكون واسطة بينهم وبين دافعي الضرائب لجمع الرسوم الأميرية وقرر هؤلاء الوسطاء نسباً فيما يجبونه من واردات التمور فكانت بنسبة خمس حق الحكومة وسمي هذا الابتزاز (بحق السركلة) وتقرر استيفاءه قبل حق الحكومة (بمعنى أنه من الحقوق الممتازة) فكانت حقوق السركلة هذه ثقيلة على الفلاحين وقد استمرت الحال على هذا المنوال سنوات عديدة وتوسعت توسعاً أرهق كاهل الفلاحين فضج الفلاحون بالشكوى وطالبوا بلزوم إلغاء (السركلة) إذ كثيراً ما صادف أن كان الناتج من النخيل غير كافي لإيفاء ضريبة الحكومة أو كان سعر التمر واطئاً لا يسد ثمن الضريبة ... فلم تستجب الحكومة لمطالب الفلاحين وتطورت مطاليب الفلاحين ونظمت الاجتماعات ووزعت اللجنة المركزية للجنة مكافحة الاستعمار والاستثمار بياناً مطولاً تحت شعار (إلى الثورة ! إلى السلاح ! إلى الكفاح !) دعت فيه جماهير الشعب إلى إسناد الانتفاضة وتحقيق مطاليب الفلاحين بعد أن عددت أنواع المظالم التي يقوم بها الاستعماريون الانكليز وخدمهم الحكومات الرجعية وقد جاء فيه : لقد نهضت هذه الأمة كالأسد ومن الأعماق تردد الهتافات المدوية (عاشت الثورة) و (ليسقط الاستعمار والاستغلال) واختتمت البيان بالمطاليب التالية :- 1) فلتسقط كافة الضرائب والديون الحكومية ! 2) فلتسقط جميع الاتفاقات والمفاوضات ! 3) فليسقط الاستعمار وأعوانه من الخونة والمرتشين ! 4) يجب توزيع الأراضي الأميرية على صغار وفقراء الفلاحين ! كما وزعت اللجنة المركزية للجنة مكافحة الاستعمار والاستثمار بياناً آخر تربط فيه بين المطاليب الاقتصادية الآنية والمطاليب السياسية للشعب وكان بعنوان (ماذا نريد) جاء فيه :- نريد :- 1) إزالة القواعد الجوية الإنجليزية من سن الذبان والشعيبة ... ولا نريد أية قاعدة انجليزية في بلادنا. 2) تبدل جذري في المعاهدة وتحويلها إلى معاهدة مساواة في الحقوق. 3) نطالب برفض الحكومة العراقية لمشروع سكة حديد حيفا – بغداد لأن هذه المحاولة بمثابة استعباد وقيود لنا ولأجيالنا القادمة. 4) نطالب بتبديل اتفاقية النفط لتكون في صالحنا نحن أبناء الشعب والمدافعين عنه. 5) تخفيض الرواتب الضخمة للموظفين الكبار والوزراء بشكل ملموس. 6) توزيع الأراضي على الفلاحين الفقراء فوراً. 7) إلغاء الديون المتراكمة على الفلاحين وتخفيض الضرائب. 8) تشريع قانون الدفاع عن العمال. 9) نطالب بانتخابات مباشرة عوضاً عن الانتخابات على درجتين المعبرة عن مصالح المستعمرين. 10) إيقاف نشاط عدد من الصحف المشبوهة فوراً. 11) نطالب بطرد كافة العناصر التي تبذر بذور الشقاق بين أبناء الشعب الواحد في بلادنا. استجاب الفلاحون لنداء الحزب الشيوعي فكانت أول حركة قاموا بها بتقدم قسم منهم يوم ٦/ أيار/ 1935 إلى ناحية العكيكة فحاصروها واشتبكوا مع حاميتها فسقطت الناحية واستولى الفلاحون على مباني الحكومة وأحرقوا سجلاتها وجردوا الحامية من سلاحها بعد أن أسروا الموظفين المعادين للانتفاضة ثم تقدموا إلى قصبة السوق فكانوا يستولون على المخافر من دون مقاومة بحيث اكتسحوا النفوذ الحكومي من الجبايش إلى مركز القضاء بثلاثة أيام واضطربت الحكومة من هول الانتفاضة وسعتها فعززت حامية سوق الشيوخ بالسلاح والعتاد بحيث أصبحت القوة مكونة من (450 شرطياً وثلاثة عشر رشاشة) وشرعت الطائرات في تموين الحامية من الجو ولكن معظم صناديق العتاد كانت تقع في أيدي الثوار أو في النهر ... وقد شجع هذا الانتصار جماهير الناصرية فتمردوا على الحكومة وهاجموا محطة أور وقطعوا الطريق بين الشطرة والناصرية للحيلولة دون وصول قوات الحكومة لضرب جماهير الفلاحين المنتفضة فأرسلت الحكومة فوجين مع فصيل مدفعية إلى الناصرية لقمع الانتفاضة عن طريق الكوت – الحي بالسيارات وقد وصلها مع وزير الدفاع ووزير الداخلية واستعانت الحكومة بالإضافة إلى القوة العسكرية بالشيوخ الموالين لها كما استنجدت بالعلامة محمد حسين كاشف الغطاء فأرسل إلى رؤساء العشائر برسالة يعلمهم بعدم رغبته بأي حركة تعكر صفو السلام وعليهم أن ينتظروا نتيجة المفاوضات لحل مشاكلهم ووزعت الحكومة هذه الرسالة بآلاف النسخ بالطائرات على المناطق الثائرة كما أعلنت الأحكام العرفية وجمعت أربعة أفواج من الجيش فوجد وزير الداخلية بأن هذه القوات غير كافية فطلب أن تنجده الحكومة بأربعة أفواج أخرى فلما علم الثوار بتجمع كل هذه القوة فتحوا ثغرات عديدة في سدود الفرات وأغرقوا المناطق المحيطة بسوق الشيوخ بحيث أصبح الوصول إليها متعذراً ... ووزع مكتب لجنة فرع الفرات الأوسط للجنة مكافحة الاستعمار والاستثمار جاء بياناً موجهاً إلى الضباط والجنود جاء فيه : (لا تنصاعوا إلى خداع الحكومة وأوامرها وقادتها الذين ينطقون باسم الاستعمار ويعبرون فقط عن مصالحه ... لا تكونوا قساة ظالمين لأنهم يخدعونكم ويدفعونكم لمقاتلة إخوانكم وآبائكم وأبناء وطنكم ... لا تسمع المخادعين الذين كانوا في الأمس جواسيس الاستعمار وذكروهم بماضيهم ... وجهوا قواكم ضد عدوكم الحقيقي الذي هو بين ظهرانينا ... التحقوا بصفوف الثورة وحاربوا الاستعمار بكل قواكم وعقيدتكم وليرتد كيد عدوكم إلى نحره ... وإلى النضال من أجل الحق ..). وحضر رئيس أركان الجيش وهيئة أركانه لدرس الحالة عن كثب فأجمعوا على استحالة القيام بأية حركة عسكرية قبل حلول الصيف ولكن وزير الداخلية رفض هذا القرار وأمر رئيس أركان الجيش بسوق الجيش نهراً ومهما كلف الأمر. فقام الجيش بحملة شعواء أحرقت البيوت وقطعت الأشجار وأبعد رؤساء العشائر المشتركين بالانتفاضة وفرض الغرامات النقدية على الثوار وجردوهم من السلاح وألقي القبض على جميع الموظفين والأهالي الذين لهم علاقة بالثورة وسيقوا إلى المجلس العرفي العسكري في (109) دعاوي لها علاقة بالعصيان المسلح وكان عدد المتهمين 229 فقرر إدانة (177) وحكم بالإعدام على (63) نفذ الحكم بـ (٩) أشخاص وأبدل بحق (54) شخصاً بالأشغال الشاقة المؤبدة كما حكم على (21) شخصاً بالأشغال الشاقة المؤبدة وعلى آخرين بأحكام مختلفة. ولما عاد وزير الداخلية إلى بغداد بعد قمع ثورة سوق الشيوخ وجد على مكتبه نسخة من جريدة (كفاح الشعب) العدد الأول لسان الحزب الشيوعي العراقي فقال : إن هذه الوريقة أشد خطراً من ثورة سوق الشيوخ وإذا ما ثبتت جذور أفكارها فسيستحيل علينا قلعها. تغيير اسم الحزب إلى الحزب الشيوعي العراقي وإصدار جريدة (كفاح الشعب) وفي نهاية تموز/ 1935 عقدت اللجنة المركزية للجنة مكافحة الاستعمار والاستثمار اجتماعاً قررت فيه اتخاذ اسم (الحزب الشيوعي العراقي) وإصدار جريدة مركزية له باسم (كفاح الشعب) جريدة للحزب الشيوعي العراقي وكانت أول جريدة عراقية تطبع سراً وهي تحمل في صدرها الشعارات الأساسية التي حددها الحزب لحركتنا الوطنية الديمقراطية. 1) إلغاء معاهدة/ 1930 العراقية البريطانية. 2) تصفية قاعدتي سن الذبان والشعيبة العسكريتين البريطانيتين. 3) توزيع الأراضي على الفلاحين. 4) يوم عمل ثمان ساعات. 5) الحريات الديمقراطية. 6) الاعتراف بحق الاعتراف بتقرير المصير لكردستان العراق. 7) حل مجلس النواب وإجراء انتخابات عامة في ظل الحريات السياسية. المساهمة في النشاط الجماهيري للشعب العراقي لقد قاد الشيوعيون العراقيون المظاهرة الشعبية الجماهيرية الكبرى بعد الانقلاب العسكري في 29/ تشرين أول/ 1936 ... لقد ساءت الأوضاع الاقتصادية والسياسية في البلاد في عهد الاستقلال المزيف المكبل بالقيود السياسية والاقتصادية والعسكرية وبسبب الأزمة الرأسمالية العالمية إلى حد كثرة الانتفاضات التي قام بها الشعب العراقي من انتفاضة الفرات الأوسط إلى انتفاضة سوق الشيوخ وانتفاضة الشعب الكردي ولجوء الحكومة العميلة إلى أقصى أساليب القمع وتعطيل الحياة الدستورية وإعلان الأحكام العرفية عدة مرات في شمال العراق ووسطه وجنوبه وما رافق تلك الأحكام من قسوة همجية ضد المواطنين الشرفاء فكثرت الشكاوي والاحتجاجات بالمطالبة بإسقاط الحكومة دون جدوى فاتفق بعض قادة الحركة الوطنية مع الفريق بكر صدقي رئيس أركان الجيش العراقي آنذاك على إسقاط الحكومة بالقوة.
حركة الفريق بكر صدقي الانقلابية انتهز الفريق بكر صدقي موعد المناورة السنوية الكبرى التي اعتادت أن يقوم بها الجيش العراقي في خريف كل عام في إحدى جهات العراق فقرر إجرائها عبر جبال حمرين بين خانقين وبغداد ليسهل زحفهم على بغداد ... وفي يوم 29/ تشرين أول/ 1936 زحف الجيش على بغداد مطالباً بإسقاط الوزارة وتشكيل وزارة جديدة تحمل برنامجاً إصلاحياً برئاسة حكمة سليمان ومساهمة جعفر أبو التمن وكامل الجادرجي ... وتحت تهديد الجيش المحيط ببغداد والقصف من الجو سقطت الوزارة ونجح الانقلاب. هو في اليوم الأول من تشرين ثاني/ 1936 وزع قادة الحركة الوطنية البيان التالي :- (إن الانقلاب الكبير الذي جرى باتحاد جيشنا الباسل وجماهير الشعب على اختلاف طبقاته المتوثبة التي أرهقها ظلم أفراد قلائل آثروا مصلحتهم الخاصة على المصلحة العامة قد أثر تأثيراً حسناً جداً في النفوس ولأجل الاستمرار على إظهار الشعور بتأييد هذا الانقلاب وإبداء الإعجاب بالجيش الباسل ولأجل الاشتراك فعلياً في إظهار الاستياء من الأفعال الفظيعة التي جرت سابقاً ومن أجل زيادة التماسك بين الشعب والتعبير الصارخ عن الابتهاج بزوال الطغيان الفردي وعودة الحرية ندعو الأهلين إلى القيام بمظاهرة كبرى لتحقيق مطاليب الشعب الآتية :- 1) إزالة آثار الظلم الماضي. 2) تقوية الجيش تقوية عامة. 3) العفو عن المسجونين السياسيين. 4) فتح النقابات والصحف التي أغلقتها الحكومات السابقة. 5) تخفيف ويلات الفقر وإيجاد العمل للعاطلين وتشجيع الصناعة الوطنية. 6) توحيد الحركات الشعبية في الأقطار العربية لتأمين تقدم هذه البلاد. 7) التساوي في الحقوق بين العراقيين والتمسك بوحدتهم ونشر الثقافة والوقاية الصحية في جميع أنحاء العراق. في يوم ٣/ تشرين ثاني/ 1936 قاد الحزب الشيوعي العراقي مظاهرة جماهيرية بدأت مسيرتها من الكرادة الشرقية وكانت إلى جانب الهتافات المدوية المطالبة بحقوق الشعب وتقرع الدمّامات فكانت الجماهير الكادحة تغذيها بإمدادات متصلة خلال مسيرتها حتى بلغ عدد المساهمين فيها نحو خمسين ألف متظاهر أكثرهم من العمال والكادحين وكان الشعار الرئيسي في المظاهرة (فلتسقط الفاشية المجرمة) شعار الطبقة العاملة يومئذ في جميع أنحاء العالم هذا بالإضافة إلى الشعارات الوطنية والديمقراطية وقد احتجت السفارة الفاشية (الألمانية والإيطالية) في بغداد على الشعار الرئيسي. سارت المظاهرة بجماهيرها الغفيرة حتى بلغت جامع الحيدرخانة في شارع الرشيد ببغداد حيث اجتمع عدد من قادة الحركة الوطنية وفئات واسعة من المثقفين فألقيت الخطب الحماسية وسط هتافات الجماهير وبهجتها وضعت وزارة حكمة سليمان التي عينتها الحركة الانقلابية منهاجاً إصلاحياً وصفه (جيمس موريس) في كتابه (الملوك الهاشميين) قائلاً :- بينما كانت الأقلية الحاكمة في العراق تواصل خصوماتها ومشاحناتها كانت جماعة الإصلاحيين تتبرم ساخطة وراء المسرح وهي تستهدف الإصلاح الاجتماعي كأول غرض للإصلاح السياسي والشعور القومي وقد آمنت هذه الجماعة بوجوب إعادة توزيع الثروة وتقطيع الممتلكات الكبيرة وتقديم المساعدة والأمل للطبقات الفقيرة وإضعاف الميزات والفروق الطبقية وكثيراً ما تعاون هؤلاء الإصلاحيون مع الحزب الشيوعي الجنبين وأطلق سراح جميع المحكوم عليهم من قبل المحاكم العرفية ووزعت بعض الأراضي الأميرية على الزراع فسمحت لكافة الصحف المعطلة بالصدور كما سمحت بعض الكتب الممنوعة بدعوى أنها تحمل المبادئ الشيوعية من دخول العراق وأعفت المحكومين من الثوار الأكراد وأعطت بعض الحقوق القومية للشعب الكردي وسمحت بتأليف النقابات كما أجازت جمعية الإصلاح الشعبي التي كان لها منهاجاً إصلاحياً شاملاً ... لقد جاءت حكومة الانقلاب على أساس ائتلاف قلق بين عناصر ديمقراطية وعناصر عسكرية فقد احتدم التناقض منذ الأيام الأولى للانقلاب بين العسكريين الذين كان لبعضهم ميول فاشية وبين المدنيين ذوي الاتجاه الديمقراطي (جعفر أبو التمن وكامل الجادرجي) وبقي هذا التناقض يحتدم حتى أدى إلى انسحاب العناصر الديمقراطية بسبب عودة الحكومة إلى سياسة كبت الحريات الديمقراطية ففي 14/7/1937 أغلقت الحكومة جمعية الإصلاح الشعبي وأصدر وزير الداخلية البيان التالي :- قررت وزارة الداخلية إغلاق جمعية الإصلاح الشعبي بعدما ثبت لديها أن مقاصدها مضرة بكيان المملكة وسلامة الجموع واستهدافها بث فكرة مسمومة شيوعية وقد ظهرت آثارها في المواقف المخلة بالأمن. وبعد أن سارت حكومة الانقلاب في طريق الديكتاتورية العسكرية وكبت الحريات الديمقراطية أصبح الحكم معزولاً عن الشعب مما سهل على الأعداء تدبير قتل الفريق (بكر صدقي) في 11/ اب/ 1937 وإجبار حكومة حكمة سليمان على الاستقالة لأنها الحكومة التي تجرأت وكسرت احتكار أو اعتماد الجيش العراقي على السلاح البريطاني الذي كانت تبيعه بأعلى الأسعار والكمية والوقت الذي تراه بريطانيا مناسباً فاستوردت حكومة حكمة سليمان السلاح من إيطاليا وألمانيا وشيدت معامل للأسلحة الخفيفة ثم أعلنت سياسة الباب المفتوح لإعطاء نفط البصرة للشركات الأجنبية واعتزامها تعديل امتيازات النفط السابقة وتعديل معاهدة/ 1930 ... الحزب الشيوعي العراقي يناضل من أجل تحقيق قانون العمال رقم 72 لسنة 1936 لقد قاد الحزب الشيوعي العراقي نضالات الطبقة العاملة من أجل تحقيق قانون العمال رقم 72 لسنة/ 1936 الذي أصدرته حكومة ياسين الهاشمي على أثر ارتفاع السخط الشعبي على السياسة الاستعمارية والرجعية العراقية وخيانة البورجوازية الكبيرة للقضية الوطنية التي أخذت تستخدم الأساليب الفاشية في الحكم وبعد أن نشبت سلسلة من الانتفاضات الفلاحية في جنوب العراق وشماله ضد الضرائب والملكية الإقطاعية التي قمعت بالحديد والنار والمشانق والسجون وخوفاً من اتجاه العمال إلى التنظيم البروليتاري السياسي الجديد وتظاهراً بالديمقراطية أمام الرأي العام الديمقراطي العالمي الذي اشتد وتعاظم نضاله ضد الفاشية. لقد اعترف قانون العمال رقم 72 لسنة 1936 بحق التنظيم النقابي على أساس الصناعات (السكك والميناء) أو الحرف (النجارة والميكانيك) كما اعترف القانون بحق التعويض عن العطل الذي يصيب العمال من جراء حوادث العمل واعترف القانون للعمال بحقهم في التعويض عن العطل الأسبوعية والثانوية الرسمية والتمتع بإجازات اعتيادية وبأجور في كل سنة وحول القانون مجلس الوزراء إصدار قرار بتحديد ساعات العمل لأصناف العمال حسب صناعتهم وحرفهم وجنسهم (نساء أو رجال وأعمارهم ولكن الحقيقة هي أن العمال لم ينالوا شيئاً من تلك الحقوق إلا بعد نضال شاق حتى في المشاريع التي تمتلكها الحكومة وتديرها كالسكك والميناء ومع ذلك فقد كان القانون مكسباً حقيقياً للطبقة العاملة وثمرة نضالها العنيد وتضحياتها وقد أصبح أداة فعالة بيد المناضلين لا يستهان بها وخاصة في عملهم النقابي (الاقتصادي) بين الأوساط المتأخرة من العمل لتشجيعهم على المطالبة بحقوقهم الأولية البسيطة التي أقرها القانون وكان من أبرز نواقص القانون تقيده لحق التنظيم النقابي بقيود ثقيلة كإجازة الوزير و (حسن السلوك) من الشرطة وجعله عرضة للتعطيل الإداري ولذا فإن حق التنظيم النقابي بقي حبراً على ورق ولم يتحقق يوماً إلا على نطاق ضيق لفترات قصيرة من الزمن كم استثنى القانون من أحكامه عدداً كبيراً من العمال الزراعيين والكادحين في الريف عموماً والسبب في هذا هو أن الأكثرية الإقطاعية في مجلس الأمة العراقي وظفت حصراً دون شمول هذه الأعداد الفقيرة من الكادحين بأحكام القانون ... وبعد أن سقطت حكومة ياسين الهاشمي التي كانت تمثل أكبر تكتل رجعي قبل الحرب العالمية الثانية على أثر الانقلاب العسكري الذي قام به الجيش العراقي بقيادة رئيس أركان الجيش (بكر صدقي) في يوم 29/ تشرين أول/ 1936 وجاءت بعدها وزارة حكمة سليمان فانتهج العمال وساهموا مساهمة كبرى في المظاهرة الجماهيرية التي قادها الشيوعيين تأييداً للحكم الجديد وعرضاً لمطاليب الشعب الآنية الملحة حيث كان العراق لا يزال يعاني من عقابيل الأزمة الرأسمالية العالمية وعندما أطلقت حكومة حكمة سليمان بعض الحريات العامة لبضعة أشهر انتعشت من جديد الحركة العمالية بعد أن أصابها الركود لفترة ثلاث سنوات تقريباً وكان لنشاط الحركة العمالية في الأقطار العربية أثر في تشجيع عمال العراق ... وقد اتسمت الحركة العمالية الجديدة بوعيها أعلى من الحركة العمالية السابقة (1929 – 1933) لأن تأسيس الحزب الشيوعي العراقي وسعيه لبث الوعي الطبقي والسياسي بين صفوف عمال العراق قد أثر تأثيراً مباشراً أو غير مباشر عليها. وقاد الحزب الشيوعي العراقي في شتاء (1936 – 1937) عدة اضرابات كبرى في أهم مشاريع القطر ويقدر مجموع عدد الأيام التي شملتها الإضرابات بنحو (000,200 يوم عمل) وهذا المجموع يزيد أضعاف مضاعفة على مجموع عدد الأيام للإضرابات جميعاً من قبل أي خلال العشرين سنة التي سبقت عام/ 1936 وكان في مقدمة تلك الإضرابات إضراب عمال السكك الحديد في بغداد وسيرهم في مظاهرة سار في قيادتها العمال الشيوعيين الواعين طبقياً إلى السراي حيث لبيت مطالبهم وانتهى الإضراب في نفس اليوم وكانت المطاليب (تطبيق الحقوق المقررة في قانون العمال). وشجع هذا النجاح السريع عمال المشاريع الأخرى وشملت موجة الإضرابات في ذلك الشتاء عمّال النفط في كركوك وعمال الموانئ في البصرة وفي محطات الضخ وعمال إنشاء مشروع سد الكوت وعمال إنشاء قاعدة الحبانية وعمال السكاير في بغداد وقد كسب العمال حقوقهم المقررة في قانون العمل رقم 72 لعام 1936 بما فيها الأجور المتراكمة غير المدفوعة عن أيام العطل والأعياد منذ صدور القانون. وكان في مقدمة تلك الإضرابات إضراب عمال الموانئ في البصرة حيث كانت أحوال العمال المعيشية سيئة إلى حد لا يطاق وخاصة عمال الأتربة (حفر الأنهر) والحمالين وكان العامل الذي يعمل في حفر الدول والتسوية الترابية يتقاضى أجراً يومياً قدره (14 فلساً) مع حفنة من التمر الرديء وعمل المناضلون الشيوعيون في البصرة بصبر وثبات زهاء السنتين لتنظيم العمال وتهيئتهم للنضال وكانت الصعوبات كثيرة حيث الإرهاب والتجسس الإرهابي الاستعماري كان شديدين هناك حيث التجارب النقابية قليلة ولكن نقمة العمال كانت شديدة جداً (إذ كانوا على حد تعبير الرفيق فهد) يشيدون الأهرامات لفراعنة الميناء من أمثال الكولونيل وورد الاستعماري العجوز الذين كانوا ينعمون بالقصور الشاهقة والحدائق الغناء وبواخر النزهة وكانت جميع نعم الحياة وأسباب الترف والبذخ ينعم بها على حساب جوع العراقيين وعربهم السادة الأجانب وأبنائهم من أبناء الذوات المتفسخين حثالة المجتمع وحتى خيول الاستعماريين كانت أحسن معاشاً وسكناً من العمال العراقيين فقد كانت الاسطبلات المبنية بالآجر والمزودة بالمراوح الكهربائية للخيل أما العمال فكانت لهم الصرائف التي لا تقاوم حر الصيف أو برد الشتاء وحتى القطط كان يقوم على خدمتها عدد من الخدم النساء ومعظم عمال الميناء من الفلاحين الهاربين من ظلم الإقطاع في المنطقة الجنوبية فوجدوا السادة الأجانب يتمتعون بترف لا يقاس به حتى ما كان يتمتع به السادة الإقطاعيين المحليون.
#فلاح_أمين_الرهيمي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صلاح اللبان شمعة استعرت نوراً ساطعاً وضياءً بهياً في الحياة
...
-
بمناسبة مرور أربعين يوماً على رحيل شيخ الخطاطين ابن الحلة ال
...
-
ذكرى مرور سبعة وستون عاماً على انفجار الثورة العملاقة (ثورة
...
-
بمناسبة ذكرى مرور مائة وخمسة أعوام على ثورة العشرين الباسلة
...
-
إلى رفيق الدرب الطويل الذي عشق نهر الحلة فطرب لخريره وغنى لم
...
-
العولمة المتوحشة
-
الديمقراطية ودور الأسرة والمدرسة في تنميتها وتعزيزها
-
صلاح اللبان يقضي نهاره كادحاً وفي المساء مناضلاً من أجل المع
...
-
صلاح اللبان يقضي نهاره كادحاً وفي المساء مناضلاً من أجل المع
...
-
المطلوب من رئيس الوزراء أن يجعل من الأولوية معالجة الاقتصاد
...
-
أحد أعضاء مجلس الحكم في بغداد يسرق رواتب الشهداء
-
في ذكرى أربعينية الرفيق الراحل زهير ناهي
-
المطلوب من رئيس الوزراء أن يجعل من الأولوية معالجة الاقتصاد
...
-
دور لينين في النظرية الماركسية وتطورها (2)
-
لماذا الثقة مفقودة والعلاقة ضعيفة بين الدولة والشعب العراقي
-
الخلافات السياسية تعطل التشريعات في (مجلس النواب) وتخيب آمال
...
-
من ذكريات النضال مهرجان الطلبة والشباب في موسكو عام/ 1957
-
دور لينين في النظرية الماركسية وتطورها
-
متحف الحلة المعاصر في محافظة بابل
-
تعليقاً على مبادرة حكومة السوداني باستقطاع 1% من رواتب الموظ
...
المزيد.....
-
هوس أكياس الكافيين: موضة بين المراهقين تثير قلق بعض الخبراء
...
-
ألمانيا تعتبر -التقدم الأولي المحدود- في إيصال المساعدات إلى
...
-
أكثر من ألف موظف أوروبي يدعون لتعليق العلاقات مع إسرائيل
-
بعد قرار ترامب في وجه روسيا.. تعرف على أسطول غواصات أميركا
-
لغز يحيّر المحققين.. رضيعة تنجو من مجزرة عائلية مروعة والقات
...
-
حماس ترد على تصريح ويتكوف حول استعدادها لنزع سلاحها
-
أكسيوس تجذب الجمهور بأسلوب تحريري فريد
-
تقرير بريطاني: إسرائيل تفعل في غزة ما لم تفعله ألمانيا بالحر
...
-
بسبب -صوت مصر-.. شيرين عبد الوهاب تلجأ إلى القضاء ردا على تص
...
-
إعلام إسرائيلي: العالم يتكتل ضدنا بعد أن اتحد لدعمنا في 7 أك
...
المزيد.....
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
-
زمن العزلة
/ عبدالاله السباهي
-
ذكريات تلاحقني
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|