|
بمناسبة ذكرى مرور مائة وخمسة أعوام على ثورة العشرين الباسلة في العراق
فلاح أمين الرهيمي
الحوار المتمدن-العدد: 8388 - 2025 / 6 / 29 - 12:33
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إن الاحتلال البريطاني للعراق في الحرب العالمية الأولى 1914 - 1918 وما رافقه من ردود أفعال الشعب العراقي كان يحمل في أحشائه أسباب الثورة الباسلة للشعب العراقي ولم يكن إطلاق الطلقة الأولى في أية مناسبة وفي أية رقعة أو جهة من الوطن إلّا أمراً متوقعاً وطبيعياً بالنسبة لذلك الظرف وكانت طلقة الشعب العراقي الأولى التي أذنت ببدء الثورة الباسلة في الثلاثين من شهر حزيران/ 1920 في الرميثة لتخليص (شعلان أبو الجون) من قبضة الانجليز الذين اعتقلوه للتنكيل به بل لقد كانت إطلاقة الرميثة قبل أن يصل إلى تلك المدينة البطلة نداء زعماء الثورة لإعلان الجهاد للثورة وقد تبعت الشرارة الأولى وإنقاذ شعلان أبو الجون من الاعتقال معارك باسلة خاضها الثوار العراقيين في منطقة الرميثة ومنها معركة العارضيات التي ستبقى مفخرة من مفاخر تأريخ العراق الثوري. لم يكتف الثوار البواسل بإطلاق سراح شعلان أبو الجون من معتقله بل قاموا بمحاصرة قوات المستعمرين في مدينة الرميثة مما دفع قوات الاستعمار البريطاني في يوم 6/ تموز/1920 إلى تحريك قطار يحمل ألفي جندي مع معداتهم الحربية ومؤونة كبيرة من الطعام والماء وكانت الحملة تحت قيادة اللفتنانت كولونيل (دي مارتن) البريطاني متجهاً إلى الرميثة لإنقاذ القوات البريطانية التي لا تستطيع فك الحصار الذي ضربه الثوار وعلى بعد سبعة كيلومترات من الرميثة توقف القطار حيث كانت سكة الحديد مقطوعة وإلى جانبها كان يربض الثوار من أبناء الفرات الذين اندفعوا كاللظى والتحموا بقوات الاحتلال في معركة دامية استغرقت سبع عشرة ساعة متواصلة مما جعل قائد الحملة أن لا سبيل أمامه إلى الخلاص من هذا المأزق أو الانفلات من قبضة الثوار إلّا بالعودة والرجوع إلى الديوانية فأمر بالانسحاب فوراً إلّا أن ذلك بات متعذراً عليه لأن الثوار البواسل سارعوا إلى قطع سكة الحديد من الجانب الآخر وأضحى القطار بين هويتين وتأزم الوضع لجنود الاحتلال وأسقط ما في أيديهم بينما لا زالت بنادق الثوار البدائية تصليهم بنار حامية وتطمرهم حقداً ولظى فأصلحوا سكة القطار على عجل ودونما إحكام وكلما سارت عربة أو عربتين من القطار تُفلت القضبان مما دفع قائد الحملة مع الجنود إلى الهرب من أرض المعركة واستولى الثوار على عربات القطار الباقية وعادوا بغنائم كثيرة من الذخائر والأسلحة وعدد كبير من الأسرى الانجليز. وفي الوقت الذي كان الميجر ديلي قائد القوات البريطانية في الديوانية يهيئ لإرسال قوات قوامها خمسة آلاف جندي مع كامل معداتهم ومؤونتهم كان الثوار البواسل يعبئون قواهم وينظمون مواقعهم للانقضاض على القوات المعادية ففي منطقة العارضيات التي تبعد عن الرميثة 7 كيلومترات كان يربض ثلاثة آلاف ثائر مسلح من أبناء الفرات فقد قضى هؤلاء الأبطال على الحملة الاستطلاعية المؤلفة من أربعمائة جندي وطاردوها إلى مراكزها حيث نشبت معركة رهيبة تركت القوات البريطانية مكدومة الجبين واضطرت قوات الاحتلال إلى الهزيمة تاركين للثوار عدد من العربات المملوءة بالعتاد والأسلحة وعلى الثرى مائتي وستين قتيلاً وعلى أثر ذلك قرر الثوار تحصين وحماية مناطقهم بحفر عدد من الخنادق ووزعوا قواتهم في مناطق مختلفة فأصبحوا على أتم الاستعداد لمقابلة الحملة الجديدة التي يقودها (كونتكهام) فنزلت في منطقة الحمزة الغربي في 16 / تموز/ 1920 يحرسها من الجو عدد من الطائرات الحربية ومرة أخرى تمزقت حملة الاستكشاف البريطانية في العارضيات ودب الوهن والخوف في جنود الاحتلال البريطاني واضطروا إلى طلب النجدة لمساعدتهم وجاءت ثلاثة قطر تحمل الجنود والأسلحة والمؤن لانتشال قواتهم المحاصرة في الرميثة ... فانسحب الثوار من خط السكة وتركوا لقوات الاحتلال المضي إلى الرميثة على أمل تنظيم قواتهم وحشد أكبر عدد ممكن من القوات الثورية للتصدي للقطار العائد وإنزال ضربة قاصمة به وأثناء عودة القطار اصطدم الجيشان ونشبت معركة حامية انتهت بفرار القطار ومن به من المنطقة. كما ضربت الرارنجية مثلاً رائعاً في الفن العسكري الثوري ... ففي أواخر شهر تموز/ 1920 أصبحت الكوفة محاصرة من جميع أطرافها وقد أحاط بها الثوار وألقوا بثقلهم على كتف النهر في جوار الجسر وكانت الحركة السريعة المذهلة قد بددت أوهام جيوش الاحتلال عن طبيعة الثورة وعن القائمين بها ولم يكن في مستطاع الجيوش داخل المدينة سوى أن تنتظر النجدة فقام على الفور الحاكم الملكي العام وقائد القوات العام في بغداد سوية بالإيعاز إلى قائد الحامية البريطانية في الحلة لإرسال جيش يقوم بمهمات عديدة في طريقه لإنقاذ حامية الكوفة وترويع العشائر كي لا تشترك مع عشائر الشامية والنجف لصيانة سكة الحديد بين الكفل والحلة تحرك الجيش الانجليزي في الحلة وبعد أن بات ليلته على بعد خمسة كيلومترات منها تحرك صباحاً بعد أن أمن له الطريق أحد الأذناب الخونة فألقى بأثقاله معسكر في قناة الرارنجية وهي تبعد عن الحلة بـ 12 كيلومتر ومن الكفل 8 كيلومتر وإذا اجتاز الانجليز هذا الموقع العسكري فقد كان النهر شمالاً يصونهم من هجمات الثوار ومن الجنوب كانت الأرض الفسيحة المنبسطة تمتد حتى مشارف نخيل الكفل ومن الصعوبة أن يقوم الثوار بهجوم منها لانكشافهم أمام مدفعية الأعداء أما الجبهات الشرقية والغربية فقد حفر الانجليزي الخنادق فيها وحصنوها أتم تحصين ... اجتمع الثوار في الكفل وقرروا الانقسام إلى قسمين قسم يكون طريقه على ضفة شط الهندية الشرقي وقسم يكون طريقهم امتداد سكة الحديد التي كانت ابان الثورة تربط الحلة بالكفل كانت مزية الثوار قوتهم المعنوية وإيمانهم المطلق بعدالة قضيتهم وأنهم يحاربون في سبيل استقلالهم وحريتهم وإنقاذ بلادهم من المعتدين يحملون أسلحة خفيفة تعينهم على سرعة الحركة وفي أي اتجاه أما جنود الاحتلال فقد عصفت بهم الحيرة والغضب واليأس المريع من القتال في سبيل انتصار الإمبراطورية البريطانية في هذه البقاع النائية وقد كان الاطمئنان معدوماً في نفوسهم إلى جانب أكداس من الأسلحة الثقيلة والخفيفة والأعتدة الوفيرة وقوة الإمبراطورية بأجمعها ... لقد شارفت قوة الثوار الجنوبية قناة الرارنجية وكانت مملوءة بالماء وقد رابط فوق القنطرة الوحيدة الجنود الانجليز برشاشاتهم. كثيره هي في التاريخ الثورات وهذه الحوادث المذهلة حيث هجم الثوار على القنطرة وفي بحران الدهشة والفزع والانهيار والصراع والتدافع أصبحت القنطرة بيد الثوار مع رشاشاتهم وعتادهم حسب الخطة وفي الوقت نفسه هجم القسم الثاني من الثوار زاحفين غرباً مع النهر بينما كانت قوات الثوار في الميمنة جنوباً قد التحمت طلائعها مع قوات الأعداء ... إن هذه الخطة التي استندت على الهجوم المباغت عطلت تأثير المدافع الثقيلة للأعداء وبمجرد التحام المقاتلين لم يبقى للرشاش والبندقية كبير من النفع وحلّ محلّها السلاح الابيض (الفالة والمكوار) وهرب قائد الجيش الاستعماري مع من تمكن من الهرب وخلفوا ورائهم مئات الجثث من الجنود الذين قدر لهم أن يقضوا نحبهم في ربوع الرافدين. وفي كردستان عندما كانت أصوات الرصاص تزمجر وهو ينطلق من أيدي أبناء الشعب العربي لينغرس في صدور المحتلين كانت الأصوات تسري من الفرات الأوسط من الرارنجية والعارضيات لترجع صداها في جبال كردستان حيث ينهمر منها الرصاص يحاصر فيها أبناء الجبال العدو الانجليزي الغازي حيث نهض الشعب الكردي ومعه الأقليات القومية من أبناء كردستان في معركة التحرير والنضال من أجل القضية المشتركة وتخضب أديم مضيق عقرة ومدينة كفري بدماء أبناء كردستان. ففي أواخر شهر تشرين الأول/ 1920 تحرك جماهير كفري بقيادة إبراهيم خان ضد الانجليز والإقطاعيين المتعاونين معهم فتمكنوا من محاصرة العدو ودحره وتحرير قصبت كفري والمناطق المجاورة لها وشكلوا حكومة محلية مؤقتة ونظمت الدوائر المهمة في الحال لتمشية أمور المواطنين وقتل الكابتن الانجليزي جاردن ولم يتمكن الانجليز من ضرب الثورة وتصفيتها إلّا بعد 23 يوماً من تحرير البلدة منهم وذلك بتعاونهم مع كبار الإقطاعيين في المنطقة وبعد أن ضربوا مواقع الثورة الأساسية في السليمانية والخالص ولم يتلقى الثوار المساعدة لا من الشمال ولا من الجنوب ... مما تقدم يتبين أن الثورة الظافرة امتدت إلى معظم أنحاء العراق وساهمت فيها كل القوميات والعناصر التي تأثرت بالعوامل وردود الفعل التي تقدم ذكرها واشترك فيها رجال الدين إلى جانب بعض شيوخ العشائر وعلى نطاق واسع صغار الشيوخ فضلاً عن المثقفين والتجار والملّاك المتنورين والجماهير الشعبية الواسعة من أبناء المدن وبينهم العمال الذين دفعوا أول شهيد لهم في بغداد هو (حسن النجار الأخرس) ولكن القاعدة الكبرى للجيش الرئيسي للثورة كانت جماهير الفلاحين وإذا أخذنا بنظر الاعتبار ظروف ذلك العهد والواقع قيادة الثورة ولقاعدتها يمكن اعتبار مبادرات فيما يتعلق بالقتال والتنظيم وإدارة شؤون المدن التي حرروها يعتبر عملاً رائعاً. فقد أصدرت قيادة الثورة بتاريخ 31/ تموز/ 1920 تعليمات موجهة إلى الفصائل الشعبية المقاتلة كافة وزعت بصورة نشرات مطبوعة جاء فيها :- 1) يجب على كافة الأفراد أن يفهموا بأن المقصود من هذه النهضة إنما هو طلب الاستقلال التام. 2) أن يهدف للاستقلال كل من في ميدان القتال. 3) يجب تأمين الطرق وحفظ المواصلات بينكم وبين مناطق الثورة في البلاد. 4) يلزم التمسك بالنظام وتدبير الحركات ومنع الاعتداءات فلا نهب ولا سلب ولا ضغائن قديمة ولا أحقاد. 5) من الواجب بذل الهمة لحفظ الرصاص فلا يجوز إطلاقه في الهواء بدون فائدة. 6) يجب الاعتناء بالأسرى ضباطاً وجنوداً انجليز أو هنود. 7) يجب إبقاء أدوات التليفونات وحفظ الأعمدة فإن في حفظها منافع عظيمة للأمة ... نعم يجب قطع الأسلاك من الأعمدة حتى تنقطع مخابرات الانجليز. 8) يلزم الاهتمام بقطع السكك الحديدية ولاسيما نسف الجسور والقناطر التي يمر فيها القطارات. 9) يجب الاحتفاظ بما تقع تحت أيديكم من عربات النقل والسيارات والمراكب والماطورات والاتوموبيلات. 10) يجب المحافظة على المدافع والرشاشات ولا يجب تخريب آلاتها أو إتلافها لأنها من أكبر المنافع للجيش وأعظم وسائل النصر. 11) يجب المحافظة على الذخيرة المغتنمة كالرصاص والقذائف والقنابل وسائر أنواع البارود. 12) إذا سقط بأيديكم مدينة أو قرية فلا تتركوها بل الواجب ترتيب حكومتها المؤقتة. 13) لا تهدموا محلات الحكومة وابنيتها إلا إذا كانت معقلاً ولا أثاثها لاحتياجكم لها في المستقبل. 14) حافظوا على المستشفيات وكافة أجزائها وأدواتها. 15) ارفقوا بجرحى خصومكم الساقطين في الحرب فلا شيء يستحق الرفق والعطف مثل الجريح الذي يعاني من ألم جرحه. وقد تم فعلاً إقامة حكومة ثورية في النجف مركز الثورة الرئيسي وفي مناطق أخرى مثل كربلاء والهندية والسماوة وكفري. بعد خمسة أشهر من الحرب الدموية استطاع المستعمرون الانجليز إخماد ثورة الشعب العراقي المناضل في سبيل حقه في تقرير المصير وكان عدم التكافؤ بين الأطراف المتحاربة في النواحي الاقتصادية والتكتيكية والعسكرية من الأسباب المهمة لفشل ثورة العشرين رغم ذلك فقد استطاع الوطنيون العراقيون بفصائلهم الثائرة المجهزة بأبسط الأسلحة بقيادة لا تمتلك خبرة في قواعد الحرب الحديثة أن يقارعوا جيشاً نظامياً مدججاً بالسلاح حتى أخمص قدميه لأقوى دولة استعمارية في ذلك الحين ومن جهة ثانية فإن ثورة العشرين لم تكن على صلة من الناحية التنظيمية بالحركة التحررية في الدول الأخرى التي امتازت بتصاعد نضال الشعوب للمستعمرات ضد الاستعمار بالإضافة إلى ضعف الوحدة الوطنية في العراق حيث كانت معظم القبائل والفئات الدينية في مختلف المناطق المختلفة محافظة على عزلتها مما جعل استجابتها للثورة ليست في مستوى الأحداث وأعطى المستعمرين الانجليز سلاحاً قوياً لزرع الخلافات والنزاعات القومية والدينية والقبلية في البلاد أدت تلك السياسة التي اتبعها الانجليز إلى إضعاف مساهمة الأكراد في ثورة العشرين فقد هبّ الأكراد ضد الانجليز في عامي 1918 - 1919 وقمعت انتفاضتهم بقسوة على أيدي قوات الاحتلال الانجليز. كما استطاع المحتلون الانجليز استغلال الخلافات القبلية والدينية بين المواطنين العراقيين وتمكنوا من عزل القبائل التي تقطن حوض دجلة عن الثورة ووقوفها على الحياد ... كما لم يكن الإعداد للثورة بمستوى المهمة العظمى التي تواجهها فبالرغم من المفاوضات الطويلة بين حرس الاستقلال ورجال الدين وزعماء العشائر التي تمخضت عن تشكيل وتأسيس (مكتب الثورة) فإن ثورة العشرين كانت قد بدأت بمبادرات عفوية من قبل الجماهير الشعبية ولم تنجح جميع المحاولات من أجل توحيد فعاليات مختلف الفصائل الثائرة في خضم الثورة إلّا أن العامل الأساسي لفشل الثورة هو القيادة السياسية من حيث تركيبها الطبقي وتنظيمها وأن هذا العامل يلعب دوراً حاسماً في كل شعب يعزم على الخلاص وخصوصاً في عصر الإمبريالية فالعراق في تلك الظروف من تاريخه كان ولا يزال تسوده الحياة القبلية الإقطاعية وأن البرجوازية كانت لا تزال شديدة الضعف اقتصادياً وبالتالي سياسياً أن الطبقة العاملة الضئيلة العدد عهد ذاك لم تكن ذات أثر هام في حياة المجتمع لعدم تبلور كيانها الطبقي ويعوزها ذلك القسم المتقدم الذي يؤلف عمودها الطبقي أي القسم المرتبط بأرقى وسائل الإنتاج (المعامل والمشاريع الكبيرة) ولم يكن قد تطور عندها الوعي الطبقي ولم يكن لديها حزب سياسي ولم تستطع قيادة الثورة وأن تقيم ارتباطاً متيناً مع الثورة البروليتارية في روسيا فقد قال لينين : (وغنيّ عن القول أن حركة شعوب الشرق الثورية هذه إن لم تكن على صلة وثيقة بالنضال الثوري الذي تخوضه جمهوريتنا السوفيتية ضد الإمبريالية العالمية لا يمكنها أن تتطور اليوم بنجاح كما لا يمكنها أن تجد حلها) كما أن الثورة العراقية لم تحمل برنامجاً يخص الشعب العراقي ... إن البرجوازية الوطنية بما فيها مثقفوها هي التي بدأت الحركة التي أدت إلى الثورة وقد جذبت إليها رجال الدين وقسماً من شيوخ العشائر ولكن الاعتماد على هذين العنصرين في ثورة يحمل معه عاملاً هاماً من عوامل ضعفها وفقدان صفاء النظر والأقدام عندها فقد اشترك في قيادة الثورة رجال الدين وشيوخ قبائل لم يكن في استطاعتهم قطع علاقاتهم بالفئات الإقطاعية المؤيدة للإنجليز حتى في مرحلة الانتصارات الباهرة التي حققتها الثورة ... وكان للفئات الانهزامية نفوذ كبير في قيادة الثورة في بعض المناطق كالمنتفك ومندلي لعب هؤلاء دوراً بارزاً رئيسياً في إضعاف الثورة والقوة الوطنية ولهذا يمكننا القول أن ليس هناك في ذلك الظرف مقومات قيادة وطنية مدركة مقدامة منظمة وموحدة تستطيع قيادة الثورة وتنسيق فعالياتها على نطاق القطر العراقي وإن عدم وجود مثل هذه القيادة كان من العوامل الأساسية في فشل الثورة أي في عدم تحقيق هدف الشعب العراقي الأساسي للتحرر من الاستعمار البريطاني ... ومما عانته الثورة وقيادتها من نواقص فإن ذلك لا يعتبر من حقيقة أن ثورة العشرين كانت كفاحاً وطنياً ضد الاستعمار وعبوديته واستغلاله وكانت كفاحاً ثورياً في أسلوبها وفي جوهرها وفي أهدافها إذ أنها كانت تضعف الاستعمار وتؤلف موضوعياً جزء من الثورة البروليتارية العالمية فقد كتب ل.ن. كتولوف في كتابه (ثورة العشرين الشعبية في العراق) (هي تمثل انتفاض وخوض قتال ضار ضد الاستعمار بتأييد الثورة البروليتارية في روسيا ولأول مرة في تاريخ العراق تصبح الحركة المعادية للاستعمار حركة جماهيرية أصيلة تشمل جميع أنحاء البلاد من أقصاها إلى أقصاها). وقال ل.ن. كوتالوف في كتابه ثورة العشرين الوطنية التحررية في العراق : (ولابد من القول أن ثورة العشرين الوطنية التحررية في العراق قد أدت إلى تعميق الأزمة العامة الرأسمالية وزعزعت النظام الاستعماري وأضعفت مركز المعسكر الاستعماري في محاولته لإعادة السلطة المطلقة للبورجوازية الاحتكارية في جميع أنحاء العالم لتهديد الثورة البروليتارية في روسيا وخنق الحركة الثورية لعمال وفلاحي الدول الرأسمالية) لم تحقق ثورة العشرين أهداف شعبنا بإجلاء القوات الأجنبية عن البلاد والقضاء على الإدارة البريطانية والاستقلال التام للعراق ولكنها اضطرت الاستعمار البريطاني تحت ضربات الشعب العراقي على الأخذ برأي (لورنس) وغيره من الاستعماريين الذين يرون أن يحكم العراق من وراء ستار وطني وفقاً لمعاهدة ورفض رأي (اللورد كرزن) وغيره من حكام الهند من الانجليز الذين كانوا يريدون أن يحكموا العراق حكماً مباشراً عن طريق حكومة الهند كما تبين ذلك في مؤتمر القاهرة الذي عقد برئاسة (تشرشل) والذي تقرر فيه أن يكون الحكم البريطاني (أقل كلفة) وأن الطلاء الوطني هو الطريق الذي يضمن ذلك وكانت وزارة النقيب في العراق في 25/ تشرين أول/ 1920 أول طلاء محلي طلع به الاستعمار البريطاني واجهة حكمه في العراق. لقد تمت في سنة/ 1920 مرحلة ثورة بالقوة العسكرية الغاشمة وابتدأت بعد ذلك مرحلة جديدة واتباع سياسة جديدة وجدت الدوائر الاستعمارية أنها أجدى وأيسر لتحقيق أغراضها الاستعمارية من خلال سياسة تهدف الى الانتقام من الشعب العراقي وإخضاعه عن طريق حكام عملاء يحكمون كما لو كانوا ممثلي الثورة أو الشعب ... فإعلان الحكم الوطني المزيف آنئذ إذ لم يقصد به إنهاء السيطرة الاستعمارية والاستغلال الاستعماري بل إدامتها وتوطيدها فمن المعلوم أن قواعد هذا النظام كثيراً من تفاصيله حتى اختيار شخص الملك وتعيين دوره قد وضعت في وزارة المستعمرات البريطانية وتم إقرارها في مؤتمر القاهرة ... وبالرغم من كل الظروف التي هيأها المستعمرون الانجليز لتنصيب فيصل ملكاً على العراق إلا أن عميلهم استقبل ببرودة عند قدومه إلى العراق ففي عدد من الاجتماعات الجماهيرية التي عقدت في بغداد رفعت شعارات تدعو إلى عدم الاعتراف بفيصل ملكاً على العراق إلا في حالة إنهاء الإدارة الأجنبية ودعوة الهيئة التأسيسية الهجرة المستعمرون استفتاء في اجتماع للشخصيات العراقية صدق فيه على قرار المجلس الإداري في تنصيب فيصل على عرش العراق في 11/ تموز/ 1921 ومع أن المجلس الإداري كان يتكون من الإقطاعيين والتجار الموالين للإنجليز وحسب إلا أنه مع الملك ولم يوافق بالإجماع على تنصيب فيصل وارتفعت أصوات تعارض ذلك كما أن مجلس الوجهة في كركوك أصدر قراراً ضد ترشيح فيصل وفي السليمانية لم يجري تصويت مطلقاً حول هذا الموضوع بينما طالب كثيرون في مجلس المدن بإعلان البلاد دولة جمهورية وفي الثالث والعشرين من آب/ 1921 نصب فيصل ملكاً على العراق في حماية حراب الانجليز متحدين بذلك رغبات الشعب العراقي وحقه في تقرير مصيره بنفسه وقد أعطى للعناصر والمؤسسات القديمة ذاتها اسم الحكومة الوطنية بإضافة الملك إليها ولم يجتمع المجلس التأسيسي ويقر الدستور إلا بعد استعادة قوة ونفوذ بريطانيا (1924- 1925) فقد أوجبت بريطانيا أن يصدق المجلس المعاهدة واتفاقية النفط قبل الدستور وأن لا ينص الدستور على ما يناقض المعاهدة ولا اتفاقية النفط واستهدف الدستور نقطتان داخليتان جوهريتان عززتهما ما ألحق به من القوانين ومراسيم وأنظمة :- 1) تحصيل مركز البيروقراطية الحاكمة وحرمان الشعب من كل سلطة حقيقية بيد الملك ووزرائه بدلاً من البرلمان وحددت حقوق الانتخاب وحرية الرأي والاجتماع بقوانين شاذة وجعلت الحقوق القومية وعوداً موهوماً والقضاء أداة لسيطرة البيروقراطية ... الخ. 2) تثبيت وتقوية مركز الإقطاع عن طريق قانون التسوية وقانون حقوق وواجبات الزراع وقانوني العشائر الجزائي والمدني. أما المعاهدة التي فرضت أول الأمر في عام/ 1922 ثم عدلت في عام/ 1924 ثم في عام/ 1926 فقد كانت سلاحاً لحماية المصالح البريطانية وتستمد قوتها من الأساس الذي برزه الدستور والقوانين الأخرى. لقد كانت الحكومات تؤلف باسمها الوطني الجديد وظلت تحت الانتداب عشرة أعوام عرفت في تاريخ بفترة الحكم المزدوج وبالوضع الشاذ خلالها شعبنا العراقي أحداثاً مجيدة في تاريخ النضال التحرري للشعب العراقي المناضل فقد توالت انتفاضاته ضد الحكم الأجنبي ومعاهداته وتعديلاته في الأعوام (1922 و 1924 و 1926 و 1927 و 1928) فاضطر الاستعمار إلى إنهاء الانتداب عام 1932 ولكن لن يلغ الانتداب إلا بعد ضمان توطيد بعيد المدى للسيطرة البريطانية بفرض معاهده عام/ 1930 وتوطيد أشد الزمر الموالين للاستعمار وعملائه الذين وضعهم الاستعمار على كراسي الحكم وبناء طبقة حاكمة من هؤلاء الموالين وكبار الملاك والإقطاعيين وشطر من الموالين المتمولين الذين ترتبط مصالحهم بمصالح الاستعمار ففي هذه المرحلة التي أضيفت إلى المصالح الاستعمارية مصالح هيئات ملحقة بها ومعتمد عليها وفي هذه المرحلة أخذ الذين مع الاستعماريين يتحولون بالتدريج من أفراد مأجورين مارقين إلى طبقة خائنة متحالفة مع الاستعمار بحكم مصالحها الأنانية.
#فلاح_أمين_الرهيمي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إلى رفيق الدرب الطويل الذي عشق نهر الحلة فطرب لخريره وغنى لم
...
-
العولمة المتوحشة
-
الديمقراطية ودور الأسرة والمدرسة في تنميتها وتعزيزها
-
صلاح اللبان يقضي نهاره كادحاً وفي المساء مناضلاً من أجل المع
...
-
صلاح اللبان يقضي نهاره كادحاً وفي المساء مناضلاً من أجل المع
...
-
المطلوب من رئيس الوزراء أن يجعل من الأولوية معالجة الاقتصاد
...
-
أحد أعضاء مجلس الحكم في بغداد يسرق رواتب الشهداء
-
في ذكرى أربعينية الرفيق الراحل زهير ناهي
-
المطلوب من رئيس الوزراء أن يجعل من الأولوية معالجة الاقتصاد
...
-
دور لينين في النظرية الماركسية وتطورها (2)
-
لماذا الثقة مفقودة والعلاقة ضعيفة بين الدولة والشعب العراقي
-
الخلافات السياسية تعطل التشريعات في (مجلس النواب) وتخيب آمال
...
-
من ذكريات النضال مهرجان الطلبة والشباب في موسكو عام/ 1957
-
دور لينين في النظرية الماركسية وتطورها
-
متحف الحلة المعاصر في محافظة بابل
-
تعليقاً على مبادرة حكومة السوداني باستقطاع 1% من رواتب الموظ
...
-
هل رئيس الوزراء السوداني مؤهل لمعالجة ما كشفه التعداد السكان
...
-
دور لينين في ثورة اكتوبر العظمى عام/ 1917
-
بمناسبة الذكرى المائة وسبعة أعوام على ثورة اكتوبر العظمى في
...
-
الحلم 2
المزيد.....
-
بين تحليل صور جوية وتصريحات مشرعين.. ماذا نعلم عن منشآت إيرا
...
-
بعد 3 سنوات من إزالته من قائمة المخدرات.. حكومة تايلاند تفرض
...
-
غزة: صراع من أجل البقاء ولو إلى حين.. هكذا يُصنع الوقود من ا
...
-
قتلى بينهم طيار في أعنف هجوم جوي روسي على أوكرانيا منذ بدء ا
...
-
مخيم الهول.. ملجأ يضم عائلات مقاتلي تنظيم الدولة
-
3 دولارات ثمن الحياة.. مغردون: من المسؤول عن فاجعة -شهيدات ل
...
-
عرض أميركي يقابله شروط لبنانية.. هل تؤتي زيارة باراك ثمارها؟
...
-
حماس تشترط وترامب يضغط.. هل تقترب صفقة غزة؟
-
بولتون يكشف -السبب الحقيقي- الذي ضرب ترامب إيران لأجله
-
روسيا تشن -أضخم هجوم جوي- على أوكرانيا
المزيد.....
-
الوعي والإرادة والثورة الثقافية عند غرامشي وماو
/ زهير الخويلدي
-
كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف
/ اكرم طربوش
-
كذبة الناسخ والمنسوخ
/ اكرم طربوش
-
الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر
...
/ عبدو اللهبي
-
في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك
/ عبد الرحمان النوضة
-
الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول
/ رسلان جادالله عامر
-
أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب
...
/ بشير الحامدي
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
المزيد.....
|