محمد كريم الساعدي
الحوار المتمدن-العدد: 8411 - 2025 / 7 / 22 - 19:34
المحور:
الادب والفن
أن المتتبع للمسألة المتعلقة في الاشتباك الاصطلاحي بين مسرح الشارع والعروض الخاصة بالمسرح التقليدي الذي من الممكن أن تقدم في مسرح العلبة ،أو أماكن مغلقة قريبة الشبه بالصالات المسرحية، أو في الشارع، يجد أن هناك أختلاف في الرؤية والأهداف وأمور أخرى قد تتعلق بالعناصر الخاصة بالعرض المسرحي ، من حيث الاشتغال لهذه العناصر في كلا المسرحين ، وكذلك يوجد أتفاق في جوانب أخرى بينهما ، ونبيّن الفروق بين مسرح الشارع وبين عروض المسرح التقليدي التي تقدم في الشارع على المستوى الاصطلاحي ، الذي لا يكون متطابقاً بشكل كلي مع المستوى الاشتغالي لمسرح الشارع ، لذا سنركّز فقط على الفروق بينهما على المستوى الاصطلاحي كما جاء في التحديدات السابقة لمسرح الشارع ، وهي كالآتي :
1. إنَّ أهم ما يميز بين مسرح الشارع والمسرح التقليدي هو المكان ، بالأخص طبيعة المكان بين المحدد واللامحدد ، ونعني هنا بالمكان المحدد هو المكان الذي يكون واضح في حدوده سواء كان هذا الحد جدار اً في مسرح ، أو حائطاً في بناية مثل الكنائس ،أو البنايات القديمة - على الرغم من أن بعض التعريفات ضمت الأماكن غير الصالات إلى مفهوم الشارع ، على الرغم من أنها أماكن قد تكون مشتركة بين المسرحين- ، والصالات غير الدالة على البناية المسرحية من الممكن أن تستخدم في مجال المكان المعّد للعرض المسرحي ،أي كل مكان سواء أكان مكاناً مسرحياً مثل صالات العرض المسرحي ، أو مكان يمكن أن يستخدم للعرض المسرحي هو مكان محدد يدخل في التمييز بين مسرح الشارع والمسرح التقليدي . علماً أن المكان ،أو ما يقارب له من فضاء مفتوح غير محدد سواء أكان في شارع عام ، أو في سوق مفتوح ،أو ساحة عامة ،أو شاطئ بحر ..الخ كلها تدخل في مصطلح المكان اللامحدد الذي تقدّم فيه عروض مسرح الشارع .
2. إنَّ الفرق الثاني بين مسرح الشارع والمسرح التقليدي يكمن في طبيعة الفكرة الدرامية المقدمة للجمهور ، وذلك في كون الأفكار المسرحية في مسرح الشارع تتطلب الأخذ بنظر الاعتبار طبيعة الحدث ومكانيته وزمانيته ، على أعتبار أن الفكرة المسرحية التي يقوم عليها العرض في مسرح الشارع تتضح كالآتي :
• لا تقع في زمن طويل من حيث طبيعة تقديم العرض ، فهي قد تكون قصيرة جداً ،أو تأخذ بعض الوقت الذي لا يتجاوز الدقائق المعدودة في طرحها.
• كذلك طبيعة تطبيق الفكرة من حيث المكان فهي لا تتنوع في الأشتغال في الأمكنة وخاص منها الخيالية التي تتطلب ديكورات وأجهزة خاصة في التعبير عن المكان المقترح في الفكرة .
• بالإضافة إلى ذلك فأنها لا تحتوي على نص مسرحي مكتوب ،بل الفكرة المسرحية ، لأن عروض مسرح الشارع لا تتطلب وجود نص مكتوب وتمرينات قد تصل إلى أشهر ، بل الفكرة تطرح من خلال طبيعة ارتجالية في الأداء تميزها عن طبيعة النص وآليات الأداء في المسرح التقليدي .
3. الفرق الثالث بين مسرح الشارع والمسرح التقليدي يكمن في طبيعة الأداء المسرحي والارتجال ، فالأداء في مسرح الشارع يكون في طبيعته قائماً على مبدأ الارتجال ، حتى وإنَّ كان هناك أفكار وبعض التمارين البسيطة المعدّة مسبقاً لاستكشاف المكان ، لكن يبقى المرتكز الأساسي في الطبيعة الأدائية لدى الممثل قائمة على أساس الارتجال ، وذلك بسبب طبيعة العرض في مسرح الشارع ،فهو لا يمتلك منظومة أدائية قائمة على الأستقرار اللازم توفره في العرض كما هو في المسرح التقليد ، فكون مسرح الشارع تابع إلى نظام المكان ذاته وطبيعة المكان ذاتها لا يمكن أن يكون منظماً ومنتظماً في الوقت نفسه ، بل هو غير منتظم بسبب طبيعة مكان العرض الخارج عن السيطرة في أغلب الأحيان ، وخاص إذا كان العرض يقدم دون علم الجمهور في الشارع بأنه عرض مسرحي ، حسب التقسيمات الخاصة التي سنقدمها في هذا الكتاب عن الغرض من عروض مسرح الشارع ومرجعياتها الفكرية والأجتماعية وغيرها .
4. الفرق الرابع بين مسرح الشارع والمسرح التقليدي في طريقة أستخدام عناصر العرض مثل الأزياء والديكور والإضاءة والموسيقى والمؤثرات وغيرها من العناصر حسب طبيعة وحجم المكان ، على أعتبار أن عناصر العرض في المسرح التقليدي يمكن أن تستخدم جميعها في العرض بأختلاف الأحجام التي يمكن أن تستخدم ومن ضمنها الديكورات الكبيرة ،أو لا تستخدم جميعها ، بينما في مسرح الشارع فإنه في أغلب الأحيان لا تستخدم كل عناصر العرض ، بل جزءاً منها فقط كون المكان (الشارع) لا يمكن أن يستخدم الديكورات الكبيرة وخاصة الثابتة منها في أماكنها في الشارع ، بل بعض الملحقات البسيطة ، إنَّ الديكورات التي تستخدم في المسرح التقليدي لا يمكن أن تكون فعالة في عروض مسرح الشارع من حيث استخدامها للوصول من خلالها إلى غايات درامية معينة كما هو في المسرح التقليد ، بل تقتصر في أبعد الأحيان على قطع ديكورية بسيطة مثل الكرسي وغيره من القطع السهلة الحمل باليد ، كما أن بعضها لا تؤدي نفس الغرض المرجو منها في مسرح الشارع بسبب طبيعة المكان وقصر الزمن وعدم الثبات في المكان المعين وكلها أسباب تؤدي إلى الفرق في استخدمها بين المسرحين التقليد والشارع .
5. الفرق الخامس بين مسرح الشارع والمسرح التقليدي يكمن في طبيعة الجمهور وإمكانية السيطرة عليه . ففي مسرح الشارع يكون الجمهور المُستهدَف غير واضح المعالم والتفاصيل من حيث الفئات المُستهدَفة ، فهو غير متطابق مع طبيعة الجمهور المسرحي في المسرح التقليدي ، كون الجمهور المشاهد للعرض في المسرح التقليدي يقصد العرض المسرحي وهو متيقن في أغلب الأحيان أن هنالك أماكن مخصصة للجمهور والقاعة الخاصة بالعرض فيها وسائل راحة تمنع أن يقع العرض في الضوضاء على العكس تماماً في مسرح الشارع ،إذ لا يمكن السيطرة على الجمهور ولا يمكن تحديد طبيعته ، ولا ردود أفعاله التي هي في أغلب الأحيان تكون ارتجالية تجاه العرض والممثلين فيه .
6. الفرق السادس بين المسرح التقليدي ومسرح الشارع يكمن في طبيعة الفرجة ذاتها ، أي في الفرجة بمعناها الأوسع بين التقصد في المسرح التقليدي واللا تقصد في مسرح الشارع ، في مسرح الشارع تكون الفرجة غير متقصدة من الجمهور ، بل أن عروض مسرح الشارع هي من تتقصد الأماكن التي يكون فيها الجمهور حاضراً مثل الأسواق والأماكن العامة والساحات وغيرها ، أما في المسرح التقليدي فيكون هنالك أتفاق مسبق بين القائمين على العرض من خلال نشر الإعلان عن أسم العرض المسرحي وموعد تقديمه ، وأهم الأسماء التي تعمل به ، ومن ثم يكون الجمهور الذي يحضر للعرض متقصد ولديه علم بأنه ذاهب إلى المسرح لمشاهدة المسرحية المحددة في الإعلان عن المسرحية ، وعلى هذا الأساس يقع الفرق في طبيعة الفرجة بين المسرحين التقليدي والشارع .
7. الفرق السابع في عكس خط السير من المسرح إلى الجمهور بينما المسرح التقليدي يكون خط السير من الجمهور إلى المسرح ، وهذه رسالة يريد إيصالها من يعمل في مسرح الشارع بأن المسرح هو رسالة إنسانية لا تبقى حبيسة جدران المسرح التقليدي ، فلابد لها أن تخرج إلى العلن ، وأن يستهدف من خلالها المسرحي الجمهور في أماكنه المختلفة .
8. الفرق الثامن بين مسرح الشارع والمسرح التقليدي يكمن في المسألة المادية ، أي بيع التذاكر للجمهور الراغب في المشاهدة على الرغم من أن هذه العملية تتم في المسارح التي تعمل على ربط المشاهد والحضور بالتذاكر وهي خاصة في أغلب الأحيان بالمسارح الاحترافية ، وخاصة أيضاً بالدول المتقدمة التي تجعل للمسرح قيمة مادية ترتبط بالاقتصاد والضرائب وغيرها ، وكذلك هذه الظاهرة توجد في دولنا العربية لكنها ترتبط بنوع العروض المقدمة والتي يسميها البعض بالتجارية ، لكن هذا لا يمنع من أن تصبح هذه النقطة هي فارقة بين المسرح التقليدي ومسرح الشارع ، والأخير لا يقدم عروضه من أجل أن يجني من ورائها المال ، بل هو يستهدف الجمهور في الساحات العامة والأسواق والجمهور غير مجبر على دفع المال لمشاهدة عروض المسرح التي تقدم له في الشارع .
هذه النقاط السابقة تعدّ من الفروق الأساسية بين مسرح الشارع والمسرح التقليدي ، وهي ليست كل النقاط الفارق في هذا المجال ، لكنها أبرز النقاط التي استخلصناها من التحديدات السابقة لمصطلح مسرح الشارع ، ومن المؤكد فأن هذه التحديدات السابقة أتفقت على نقاط بين المسرحين واختلفت على النقاط ،أما المختلف بين المسرحين قد ذكرناها ، وأما المتفق عليها بين المسرحين فسنذكرها ، وهي كما يأتي :
1. يكمن الاتفاق بين المسرح التقليدي ومسرح الشارع في أستخدام الطريقة الدرامية ، كون أن المسرحين لا يخرجان من البناء الدرامي للحدث المسرحي في طرح القضايا من خلال تقاطع الإرادات وغيرها من الرؤى التي أرتبطت في بناء العرض المسرحي ، ومن ثم يتشكل الصراع في طريقة تقديم العرض للوصول إلى غايات معينة يستهدفها المخرج وفريقه المسرحي في المسرح التقليدي ، أو من يخطط للعرض المسرحي في مسرح الشارع ، فالطريقة الدرامية التي تكمن خلف فكرة المسرح هي واحدة من حيث المفهوم ، لكن شكلها في التطبيق قد يختلف بين المسرحيين .
2. يكمن الاتفاق الثاني بين المسرح التقليدي ومسرح الشارع في العناصر المسرحية المشتركة بين المسرحين من حيث مفهوم الأداء التمثيلي والأزياء والإكسسوارات والموسيقى وغيرها وهذه العناصر موجودة بين المسرحين وأن أختلفت طريقة استخدامها أو توظيفها حسب طبيعة المكان الذي يقدم فيه العرض المسرحي إلا أنها مشتركة بصورة عامة ومتواجدة في كلا المسرحين .
3. يكمن الاتفاق الثالث بين المسرح التقليدي ومسرح الشارع في ضرورة وجود الجمهور ، على الرغم من الأختلاف في الجمهور ذاته من حيث التقصد والا تقصد ،أي الممارسة التي يقوم بها الجمهور تجاه طبيعة العرض المسرحي ، وعلى هذا الأساس فإن الجمهور هو عنصراً أساسياً متفقاً على وجوده بين المسرحين التقليدي والشارع .
4. يكمن الاتفاق الرابع في وجود بيئة قابلة على استيعاب العرض المسرحي سواء في مسرح الشارع ،أو المسرح التقليدي لابد من تحديد طبيعة البيئة التي يقدم من خلالها العرض المسرحي ، ولولا وجود هذه البيئة ومدى صلاحيتها لاستقبال العرض المسرحي لا يمكن أن يكون هنالك عرض مسرحي أصلاً .
#محمد_كريم_الساعدي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟