|
حل الدولتين: تحديات الواقع وآفاق الاستمرارية
فراس صالح
الحوار المتمدن-العدد: 8411 - 2025 / 7 / 22 - 16:47
المحور:
القضية الفلسطينية
■ مصطلح «حل الدولتين» ليس مصطلحاً فلسطينياً، فهو يعود بالأصل إلى «الرباعية الدولية»، التي اعتمدته في خطة خارطة الطريق 20/12/2002، هذه الخطة التي لم تجد طريقها إلى الحياة، فجرى ضمها إلى ما سبق وما تبعها حتى يومنا من مشاريع ومبادرات، عجزت كلها عن تقديم حل للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، ومع ذلك بقي «حل الدولتين» قيد التداول لغموضه والتباسه ولتحميله مضامين هابطة لحقوقنا الوطنية. "حل الدولتين" الذي من المفترض أن يشكل حجر الزاوية والمدخل في المساعي الدولية "لتحقيق السلام في الشرق الأوسط"، ورؤية لدولة فلسطينية مستقلة تعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل، فإن الواقع الراهن على الأرض، والسياسات المتبعة من قبل دولة الإحتلال، تثير تساؤلات جدية حول مدى واقعية هذا الحل وإمكانية تحقيقه.
تعزيز السيطرة وتكريس الواقع على الأرض منذ تولي بنيامين نتنياهو سدة الحكم على رأس حكومة اليمين المتطرف، اتسمت سياسات حكومته برفض قاطع وعلني «لحل الدولتين»، معتبرةً إقامة دولة فلسطينية تهديداً وجودياً لأمن إسرائيل. هذا الرفض لم يكن مجرد تصريحات سياسية، بل ترجم إلى إجراءات عملية على الأرض، تهدف إلى إفراغ فكرة الدولة الفلسطينية من مضمونها. سياسات حكومة اليمين الإسرائيلي بزعامة نتنياهو لم تكن مجرد إستمرار للسياسات الإسرائيلية السابقة، بل تمثل ُمشروعاً ممنهجاً، يهدف إلى تعزيز السيطرة الإسرائيلية وتكريس واقع جديد على الأرض، وحسم الصراع من خلال رسم مستقبل الضفة الغربية والقدس وفق الرؤية الإسرائيلية للحل. وتيرة الإستيطان المتسارع، ليس فقط في «كتل استيطانية» قرب الخط الأخضر، بل بشكل متعمد في مناطق عميقة داخل الضفة الغربية وفي قلب التجمعات السكانية الفلسطينية في القدس الشرقية (مثل سلوان وشيخ جراح)، وشرعنة البؤر الاستيطانية غير القانونية وفقاً لتصنيف «القانون الإسرائيلي» لها، بتحويلها إلى مستوطنات معترف بها رسمياً، مما يمنحها ميزانيات وبنية تحتية دائمة، وتشجيع التوسع العشوائي الذي يسبق الاعتراف الرسمي. هذه الإجراءات التي هدف لتقطيع أوصال الأراضي الفلسطينية، وعزل القدس الشرقية عن محيطها الفلسطيني، وإفشال أي إمكانية لخلق دولة فلسطينية متواصلة جغرافياً. وفي القدس الشرقية، اعتمدت إسرائيل تنفيذ سياسات ممنهجة لزيادة الوجود اليهودي، عبر تشجيع الاستيطان المكثف، وفرض قيود صارمة على بناء وتوسعة الأحياء الفلسطينية، ومصادرة بطاقات الهوية (الإقامة) من آلاف الفلسطينيين المقدسيين، وأقرت البدء بتنفيذ ما يسمى «طريق نسيج الحياة» في شرقي مدينة القدس تتويجاً للمساعي الإسرائيلية لتنفيذ عملية الضم الأكبر في تاريخ الصراع منذ عام 1967 لأراضي المناطق الواقعة خارج حدود بلدية القدس من جهة الشرق، وتعديل حدود بلدية القدس الإسرائيلية ليضاف لها 3% من أراضي الضفة الغربية، بحيث يتم ضمها بشكل رسمي إلى إسرائيل، وبالتالي لا عاصمة للفلسطينيين ضمن أرضي القدس التاريخية. فمشروع نتنياهو وحكومته، قائم على سياسة قضم وابتلاع الأرض التي من المفترض أن تقوم عليها الدولة الفلسطينية المستقبلية، وتهجير وطرد الفلسطينيين من أرضهم، وحشرهم في معازل وكونتونات وجزر معزولة محاطة بطرق إلتفافية، يجعل إقامة دولة فلسطينية متواصلة جغرافياً وقابلة للحياة أمراً مستحيلاً. فالاستيطان بات اليوم في قلب وجوهر العقيدة الإسرائيلية، فحكومة نتنياهو تريد أن تبسط سيطرتها ما بين البحر والنهر. أما فيما يتعلق بقطاع غزة، فإن رؤية نتنياهو لـ«اليوم التالي» للحرب القائمة على مخططات لتهجير سكان غزة، خاصة مع الحديث عن إقامة «مدينة إنسانية» في جنوب القطاع، والتي، بمثابة «معسكر إعتقال» تمهد للتهجير القسري. هذه الخطط، إذا ما تم تنفيذها، ستؤدي إلى تغيير ديموغرافي وجغرافي جذري في القطاع، وتنهي أي إمكانية لربطه بالضفة الغربية ضمن دولة فلسطينية مستقبلية.
سلطة بلا سلطة سعت حكومة نتنياهو إلى إضعاف مركزية السلطة الفلسطينية وتقويض دورها، وهي في الحسابات الإسرائيلية، بضعفها المستحكم، باتت عاجزة عن إطلاق أي تحرك سياسي محلي أو إقليمي، يتحدى السقف السياسي المرسوم اسرائيلياً، أو يتجاوزه. لقد راهنت السلطة الفلسطينية بشكل كبير على الإدارة الأمريكية، لكن هذا الرهان لم يؤت ثماره، بل على العكس، أدى إلى تآكل الثقة في قدرة السلطة على تحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني. واصبحت عاجزة عن أداء واجباتها السياسية، وفقدت بوصلتها الوطنية. ففي ظل تسارع وتيرة الاستيطان وسياسة ضم الأراضي، والتغيرات في المواقف الأمريكية، خاصة في عهد ترامب، وتراجع الاهتمام العربي بالقضية الفلسطينية لصالح قضايا أخرى، تجد السلطة نفسها اليوم في موقف ضعيف، غير قادرة على تحقيق أي تقدم ملموس على صعيد إقامة الدولة. السلطة الفلسطينية التي عطلت العديد من المشاريع الوطنية، «قرارات المجلس الوطني والمركزي» و«حوارات بكين»2024، واعتمادها بشكل مفرط على المفاوضات والحلول الدبلوماسية والسياسة الإنتظارية، التي لم تسفر عن أية نتائج. هذا الاعتماد على المسار التفاوضي، في ظل استمرار الإستيطان والضم الزاحف، أدى إلى تآكل الأراضي الفلسطينية وتقويض إمكانية إقامة دولة ذات سيادة كما أن الانقسام الفلسطيني الداخلي، والذي لم تتمكن القيادة الرسمية من إنهائه، أضعف الموقف الفلسطيني بشكل كبير أمام إسرائيل والمجتمع الدولي، مما يجعلها جزءاً من الإشكالية التي تواجه حل الدولتين.
التحولات في الموقف الأمريكي الولايات المتحدة التي كانت داعماً رئيسياً لحل الدولتين، على الأقل في الخطاب الرسمي. شهد موفقها تحولاً كبيراً، خاصة في عهد إدارة ترامب، فعملت على الاعتراف بالقدس عاصمة للإحتلال ونقل سفارتها إليها، ودعمت التوسع الإستيطاني في الضفة والقدس، بل ذهبت أبعد من ذلك من خلال التصريحات المستمرة، «أن إسرائيل مساحتها صغيرة ويجب أن تتوسع»، الذي سيكون على حساب أراضي الدولة الفلسطينية المستقبلية. وتساوقت مع خطط حكومة نتنياهو لـ«اليوم التالي» للحرب في القطاع، التي تشير إلى إمكانية إخراج السكان وتهجيرهم من القطاع بحجة إعادة البناء، وتحويل القطاع إلى «ريفييرا الشرق الأوسط» مما يعكس دعماً واضحاً لسياسات التهجير القسري، خطط حكومة الإحتلال ورؤيتها إلى «اليوم التالي» للحرب. كما أن الموقف الأميركي من التوسع الإستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية، يتسم بالصمت والتواطؤ فبالرغم من أن الإدارات الأميركية المتعاقبة كانت تعتبر الإستيطان «عقبة أمام السلام»، إلا أن إدارة ترامب تراجعت عن هذا الموقف في عام 2019، معتبرة أن الضفة الغربية والقدس متاحة لكلا الطرفين. هذا التغيير في الموقف، بالإضافة إلى الصمت عن التوسع المستمر في المستوطنات، يفسح المجال لإسرائيل لمواصلة سياساتها التي تلتهم الأراضي الفلسطينية وتقوض إمكانية إقامة دولة فلسطينية متصلة جغرافياً. بشكل عام، يمكن القول إن تعاطي الجانب الأميركي مع فكرة الدولة الفلسطينية، خاصة في السنوات الأخيرة، قد ابتعد عن الحياد والدعم المعلن لـ«حل الدولتين»، واتجه نحو سياسات تدعم الأجندة الإسرائيلية بشكل مباشر. هذا التحول أدى إلى تعقيد المشهد السياسي، وتقويض الثقة في الدور الأمريكي كوسيط نزيه، وزيادة الضغوط على السلطة الفلسطينية. إن تحليل كل ما سبق يكشف عن واقع معقد ومأزوم فيما يتعلق بآفاق «حل الدولتين»، فمن جهة، تعمل حكومة نتنياهو بشكل ممنهج على تقويض أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة من خلال سياسات الضم الزاحف، وتكثيف الإستيطان، وتهجير السكان، ورؤيتها لـ«اليوم التالي» في غزة التي تهدف إلى تغيير ديموغرافي وجغرافي جذري للقطاع. والسعي إلى فرض حل أحادي الجانب يرسخ الإحتلال ويقضي على أي أمل في السيادة الفلسطينية، ومن جهة أخرى رهان السلطة الفلسطينية على الوعود الامريكية، المنحازة تماماً لحكومة اليمين الإسرائيلي، وإدارة الظهر لتطبيق نتائج الحوارات المجمع عليها وطنياً، ورفض إجراء اية إصلاحات داخل المؤسسات الوطنية. في ظل هذا الواقع، يبدو أن حل الدولتين، بالصيغة التي طُرح بها تاريخياً، قد أصبح غير واقعي وغير قابل للتحقيق في الأفق المنظور. فالظروف على الأرض، والسياسات الإسرائيلية المدعومة أمريكياً، وسلوك السلطة الفلسطينية، كلها عوامل تتضافر لتقويض هذا الحل بشكل ممنهج. وإن الحديث عن بدائل واقعية لحل الدولتين في هذه المرحلة يبدو ضرباً من الخيال. لذلك، يمكن القول إننا أمام مأزق حقيقي. فـ «حل الدولتين»، الذي كان يعتبر الحل الوحيد القابل للتطبيق، أصبح غير ممكن وغير واقعي، وفي المقابل، لا توجد بدائل واقعية مطروحة تحظى بقبول الفلسطينيين، الأطراف الرئيسية أو المجتمع الدولي ■
#فراس_صالح (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دعوة للإنتخابات أم حالة إنكار سياسي
-
أطفال غزة تحت نيران الإبادة الجماعية «طفولة تحت الأنقاض»
المزيد.....
-
-أهداف عسكرية-.. روسيا تجنّد الأطفال لتطوير المسيّرات عبر أل
...
-
كيف تؤثر الفطريات التي تعيش في أجسامنا على أدمغتنا وسلوكنا؟
...
-
راشفورد يقترب من برشلونة.. فهل يتجاوز عقبة التسجيل؟
-
تركيا تحذر الأكراد في سوريا وتؤكد: سنمنع أي محاولات لتقسيم ا
...
-
ما الذي نعرفه عن الانفجارات المُريبة في ناقلات نفط توقفت في
...
-
ما مشكلة ترامب مع أسوشيتد برس ووسائل الإعلام العامة في أميرك
...
-
صحة غزة: القطاع سيواجه موتا جماعيا ما لم يتم إدخال الوقود
-
فضل شاكر يدرس خطوة حاسمة.. هل يسلم نفسه للسلطات اللبنانية؟
-
محكمة بمالي ترفض طعن شركة باريك لإطلاق أربعة موظفين
-
عبء يحتاج للراحة.. دليلك للتعافي العضلي بعد تمارين البطن الي
...
المزيد.....
-
ثلاثة وخمسين عاما على استشهاد الأديب المبدع والقائد المفكر غ
...
/ غازي الصوراني
-
1918-1948واقع الاسرى والمعتقلين الفلسطينيين خلال فترة الانت
...
/ كمال احمد هماش
-
في ذكرى الرحيل.. بأقلام من الجبهة الديمقراطية
/ الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
-
الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها
/ محمود خلف
-
الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها
/ فتحي الكليب
-
سيناريوهات إعادة إعمار قطاع غزة بعد العدوان -دراسة استشرافية
...
/ سمير أبو مدللة
-
تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل
/ غازي الصوراني
-
حرب إسرائيل على وكالة الغوث.. حرب على الحقوق الوطنية
/ فتحي كليب و محمود خلف
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|