أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - حسام حسين نعمان - أناشيد الديكتاتور: عندما يصبح النشاز سيمفونية وطنية














المزيد.....

أناشيد الديكتاتور: عندما يصبح النشاز سيمفونية وطنية


حسام حسين نعمان

الحوار المتمدن-العدد: 8409 - 2025 / 7 / 20 - 19:40
المحور: كتابات ساخرة
    


حينما يُغني الفنّان للحاكم، يُصبح الصمت ذهبًا

في مكان ما على هذا الكوكب، حيث تُقاس "الوطنية" بمدى ارتفاع نبرة الهتاف للزعيم الأوحد، تبرز ظاهرة فريدة: "الأغاني الحماسية"، تلك التحف الفنية التي تجمع بين عمق الشعارات السياسية وسطحية الإيقاعات الراقصة. هنا، لا يُغنّي الفنانون عن الحب أو الخيبات، بل عن "مجد القائد" و"حكمة قراراته التي تُنير الكون". لكن وراء الكورال المُتناغم، هناك سباق محموم بين "فنّاني السلطة المتسلقين" الذين حوّلوا الفن إلى سلّم للترقي، فصاروا يتبارون في ابتكار أعذب الألحان لتمجيد من يُمسك بالسلطة… حتى لو كان الأخير يُنغّص على الشعب نومه.



- فنّانو السلطة: عندما تتحول الميكروفونات إلى سلالم وحبال للتسلق


في دولة الديكتاتور العظيم (الذي يُفضّل عدم ذكر اسمه خوفًا من أن يُحذف اسم الكاتب من سجلات النفوس)، يُعتَبَر الفنانون نوعين:

النوع الأول :الذي يرفض التطبيل، فيجد نفسه يُغنّي في حفلات زفاف قريته

النوع الثاني :الذي يكتشف مبكرًا أن "النشيد الوطني المُعدّل" هو بوابته للشهرة. هؤلاء هم "متسلقو السلطة"، أولئك الذين يُتقنون رياضة الانحناء الإبداعي، حيث ينحني الفنّان أمام تمثال الزعيم بزاوية ٩٠ درجة، بينما يرفع صوته عاليًا: "يا قائدًا.. أنت القمر والشمـ ــ انقطع الصوت بسبب ض... عطسة الزعيم".

ومن أشهر هؤلاء، الفنانة "زيزيت وزعتر الذهبية"، التي بدأت مشوارها الغنائي بأغانٍ رومانسية، لكنها اكتشفت أن "رومانسية الجماهير" لا تُدرّ دخلاً مثل "رومانسية الثناء على الزعيم". فتحوّلت فجأة إلى مُنشدة حماسية، وأصبحت تُلقَّب بـ "كوكب المربع الأمني"، بعد أن أطلقت أغنية "خرطوش فردك يا ريس"، والتي حصلت بفضلها على وسام "الفنان المُخلِص"، بالإضافة إلى فيلا في المنطقة المُحصّنة (بعيدًا عن مناطق انقطاع الكهرباء).


-هيكلة النشيد الديكتاتوري


لا تكتمل الأغنية الحماسية دون عناصر إلزامية، كأن تبدأ بصوت جوقة أطفال يرددون: "الزعيم.. الزعيم"، بينما يظهر الفنّان في الكليب مرتديًا بذلة عسكرية مُذهّبة (تم تصميمها خصيصًا ليبدو كأنه قائد، لكن دون تهديد لمكانة القائد الحقيقي). أما الكلمات، فيجب أن تحتوي على مفردات مثل العهد الذهبي (رغم أن العهد نفسه لم يُنتِج حتى صنبور ماء يعمل)، والتحديات (أي انتقادات للدول المُحبة للديمقراطية)، والتضحيات(التي يقدّمها الشعب طوعًا أو كرهًا).

ولا ننسى اللقطة الأسطورية في كل كليب: الفنّان يُلوّح بعلم الدولة بيد، وباليد الأخرى يُمسك بصورة الزعيم، بينما تظهر في الخلفية جماهير مُبتسمة (تم استئجارهم من شركة "الجماهير السعيدة للاستعراضات الفلكلورية المُوجَّهة").



-الجوائز والمكاسب


العلاقة بين الفنّان المتسلق والسلطة أشبه بعقد زواج مصلحة، حيث يقدّم الفنّان "الولاء الغنائي"، وفي المقابل، تحرص السلطة على منحه مكافآت تُغني عن القروض، مثل:

- وسام "فنان الشعب" (رغم أن الشعب لم يُستَشار).
- حصة إضافية من الوقود (الذي يُباع في السوق السوداء لاحقًا).
- دعوات لحضور حفلات القصر (حيث يُسمَح له بالأكل مثل أي قط أليف ).

لكن الخطر الكامن هو أن الشعب قد ينتفض، فيتحوّل الفنّان من "رمز الولاء" إلى "رمز السخرية". كما حدث مع الفنان "موسيقار التحول الإشتراكي"، الذي أطلق أغنية "الزعيم رمز بطاقات التموين".


- الجمهور: بين الهتاف العلني والسخرية السرّية

المستمع العادي، يتعامل مع هذه الأغاني بفصام ثقافي؛ فهو يهتف لها في الميادين خشيةً، ويسخر منها في المنازل ضحكةً. فمثلاً، تحوّلت كلمات أغنية "بلدي تسُودها المحبة" إلى نكتة شعبية: "بلدي تسودها المحبة.. لكن الكهرباء مقطوعة من ساعتها".

ولعلّ أذكى أشكال المقاومة هي "التهريج الجاد"، حيث يرفع الجمهور لافتات تشيد بالأغنية، بينما يرمشون بعينٍ تُلمّح إلى السخرية. لكن احذر فشرطة الجماليات الثورية قد تعتقلك إذا اكتشفت أن غمزة عينك كانت ناقدة



-حينما يسقط الديكتاتور.. أين يختفي الفنّانون؟

التاريخ يُعلّمنا أن "فنّاني السلطة" أنواع: منهم من يسقط مع السقوط، ومنهم من يغيّر اتجاه تسلقه بسرعة. فبعد رحيل الديكتاتور، ستجد أحدهم يُطلق أغنية "ثوار الحرية.. أنتم نجومي"، بينما يُعيد توزيع ألحانه القديمة بإيقاع "طبل ثوري"

لكن يبقى السؤال: هل هذه الأغاني تراثٌ فني أم وصمة عار؟ الإجابة عند "لجنة الحقيقة والموسيقى" وعندك أنت عزيزي القارئ الذي تحملت كل هذا الكلام لتكتشف في أخر المطاف أنك مضطر للإجابة .






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نبوءات أخر الزمان : عندما يلتقي الجهل بالخيال
- الديكتاتورية : فن البقاء غبياً حتى النهاية


المزيد.....




- أهمية الروايات والوثائق التاريخية في حفظ الموروث المقدسي
- -خطر على الفن المصري-.. أشرف زكي يجدد رفضه مشاركة المؤثرين ف ...
- هل يحب أطفالك الحيوانات؟ أفلام عائلية أبطالها الرئيسيين ليسو ...
- أحمد عايد: الشللية المخيفة باتت تحكم الوسط الثقافي المصري
- مهرجان -شدوا الرحال- رحلة معرفية للناشئة من الأردن إلى القدس ...
- لغز الإمبراطورية البريطانية.. الإمبريالية مظهر للتأزم لا للق ...
- لغز الإمبراطورية البريطانية.. الإمبريالية مظهر للتأزم لا للق ...
- وصمة الدم... لا الطُهر قصة قصيرة من الأدب النسوي
- حي المِسكيّة الدمشقي عبق الورق وأوجاع الحاضر
- لا تفوت أحداث مشوقة.. موعد الحلقة 195 من قيامة عثمان الموسم ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - حسام حسين نعمان - أناشيد الديكتاتور: عندما يصبح النشاز سيمفونية وطنية