عدي الراضي
باحث في التاريخ والتراث.
([email protected])
الحوار المتمدن-العدد: 8406 - 2025 / 7 / 17 - 02:57
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
أيت هرهور: البنية المجالية والتحولات السوسيو-تاريخية
تُعد قبائل الأطلس الكبير الشرقي من أكثر البنيات القبلية المغربية تعقيدًا من حيث التنظيم الداخلي والتوزيع المجالي. وضمن هذه القبائل، تبرز قبيلة أيت حديدو كبنية قوية ومتشعبة تضم عدة فروع، من أبرزها أيت هرهور. يمثل هذا الفرع نموذجًا غنيًا لتحليل تفاعل الهوية القبلية مع التحولات المجالية والتاريخية، خاصة في ظل حركيته من أسيف ملول نحو منابع زيز، وتفاعله مع الوقائع السياسية والاجتماعية خلال وبعد الفترة الاستعمارية. تهدف هذه الدراسة إلى تحليل البنية السوسيو-مجالية لأيت هرهور في ارتباطها بالذاكرة، والمقاومة، والخصوصيات الثقافية، وذلك من خلال قراءة أنثروبولوجية في الروايات الشفوية والوثائق التاريخية، خاصة تلك التي وظفها الباحث العربي مزين، ووثائق الإدارة الفرنسية الاستعمارية، إضافة إلى إشارات صاحب نعت الغطريس.
تنتمي أيت هرهور إلى فرع أيت إبراهيم داخل قبيلة أيت حديدو، إلى جانب أيت عمرو، في مقابل فرع أيت يعزا المعروف أيضًا بأيت عبد الرزاق كما ورد في بعض الوثائق. محليًا، تعرف أيت هرهور بأسماء متعددة، منها أيت جرهور أو أيت گرگور، وهي تحويرات لسانية ناتجة عن اشتقاقات محلية مرتبطة باسم الجد الأعلى "حدو أهرهور"، الذي اشتهر بصوته المهلهل والمجلجل، ما يفسر الجذر الصوتي في التسمية. حاليًا، تستوطن أيت هرهور منطقة منابع زيز، خصوصًا ضمن قيادة أموگر وبعض القصور التابعة لجماعة أيت يحيى، التي تشمل عدة قصور، بعضها تسكنه أيت يحيى والبعض الآخر أيت هرهور، ومقر الجماعة يوجد بقصر تزارين.
تتوزع الفروع الكبرى لأيت هرهور على النحو التالي:
أيت موسى وحدو، الذين استقروا في البداية بقصر أيت يعقوب وامتد نفوذهم إلى أفراسكو وتحيانت ومزرعة تاسامرت، إلى جانب عائلات من أصول أخرى مثل أيت مولاي حماد وبعض الأسر من أيت عياش بأفراسكو، حيث اندمجوا في النسيج القبلي، ويكاد أن يكون مجال أيت هرهور اليوم مجالًا جغرافيًا أكثر منه إثنوغرافيًا؛
أيت سعيد وحدو وأيت عمرو وحدو، وقد استقرا معًا في إگلي، وتزارين، وأنفرگال، وتوغاش ومحيط أموگر؛
أيت يكو وحدو، وهو فرع أقل عددًا، استقرت بعض عائلاته في أفراسكو إلى حدود ثلاثينيات القرن الماضي قبل أن تهاجر نحو ميدلت، لكنه يحتفظ بحضور بارز في الذاكرة المحلية، خاصة من خلال شخصية المقاوم الشجاع سعيد وحمو الملقب بـ"عادين"، الذي أرعب السلطات الفرنسية في معركة أيت يعقوب سنة 1929.
عرفت أيت هرهور نمط حياة رعوي يزاوج بين الاستقرار الموسمي والرعي في مناطق "إفغليل" (العزيب)، إلى حدود ثمانينات القرن الماضي، حيث دفعت موجات الجفاف والتغيرات الاقتصادية إلى الاستقرار داخل القصور، ما أدى إلى بروز أنماط عيش جديدة، مثل تربية المواشي في الحظائر بدل الرعي التقليدي. وفي زمن الإستعمار تدخلت سلطات الحماية الفرنسية، فعينت قائدًا مطيعًا و"خدومًا" من فخذة قليلة العدد – القائد علوبان من أيت عمرو وحدو – وذلك بعد تنحية موحى وعلاما من أيت موسى وحدو، في سياق استراتيجيتها الهادفة إلى إعادة تشكيل موازين القوة داخل القبيلة والسيطرة على المنطقة من خلال التحكم في القيادات المحلية.
تتميز أيت هرهور بخصوصيات ثقافية ولسانية متميزة عن باقي فروع أيت حديدو. ففن "أحيدوس" لديهم يتقاطع في إيقاعه وشكله مع بعض فصائل أيت مرغاد في تاطوين وأسليم، بخلاف الصيغة المنتشرة عند أيت عمرو أو أيت عبد الرزاق. أما في اللباس النسوي، فتلبس نساء أيت هرهور "أحنديرأو أبيزار"، وهو لباس يختلف من حيث التصميم والزخرفة والألوان عن نظيره لدى القبائل التي تنحدر من نفس الأصل والمعروفة باسم أيت الثلث الأخرى (أيت براهيم وأيت عمرو). كما تختلف لكنتهم عن لكنة إخوانهم إذ يلاحظ أن أيت هرهور ينطقون حرف "الكاف" بدلا من "الجيم" في نبرة مميزة بخلاف ماهو معروف لدي أيت إبراهيم وأي عمرو، وهي خاصية صوتية ترجع – وفق دافيد هارت – إلى احتمال انحدار أيت هرهور من فخذة حديديوية ميدولية الأصل، أو نتيجة التفاعل مع قبائل مجاورة مثل أيت يحيى وأيت عياش.
تطرح تجربة أيت هرهور عددًا من الأسئلة البحثية المهمة التي تستحق المزيد من التمحيص، من قبيل: ما العوامل التي دفعت أيت هرهور للهجرة من أسيف ملول نحو منابع زيز؟ هل كان ذلك نتيجة ضغط بيئي، أم سياسي، أم ديمغرافي؟ ما أثر هذا التشتت المجالي على وحدة الهوية داخل الفخذ الواحد؟ كيف ساهم تعيين القيادة من فخذة قليلة العدد في إعادة تشكيل السلطة الداخلية؟ وهل نشهد اليوم مظاهر "عودة رمزية" إلى الذاكرة الموحدة عبر المشاريع التنموية أو الأنشطة الثقافية؟ ثم إلى أي مدى استطاعت أيت هرهور الحفاظ على تميزها الثقافي واللساني رغم التداخل مع جماعات وقبائل أخرى مثل أيت مولاي حماد وأيت عياش؟
تزخر منطقة أيت هرهور بتراث مادي ولامادي غني يمكن توظيفه في خدمة التنمية المحلية، من خلال تثمينه وحمايته. ويتجلى هذا التراث في المعمار التقليدي للقصور القديمة مثل تغرمت نايت موش بتحيانت، وقصر أيت يعقوب القديم المحتاج إل الترميم ؛ ويعود تأسيسه إلى العهد الزناتي، ونظام لعلوان بأفراسكو (كنموذج لعلو نايت حمو الذي لا يزال يحتفظ بنظامه المعماري القديم)، إضافة إلى المواقع التاريخية مثل حافون وزافون بجماعة أيت يحيى. كما تحتضن المنطقة معالم ذات دلالة رمزية في ذاكرة المقاومة، منها شواهد مادية بأيت يعقوب، أفراسكو، تحيانت، والبرج، بالإضافة إلى أموگر الذي لا يزال يحتفظ بالمنزل الوظيفي الذي خصص لضباط الشؤون الأهلية إبان فترة الحماية.
وفي السنوات الأخيرة، برز وعي متزايد لدى شباب المنطقة بأهمية الحفاظ على هذا التراث، وإخراج المنطقة من براثن النسيان، خاصة مع صعود جيل من الشبان الأكفاء إلى رئاسة جماعة أموگر خلال الدورة الانتدابية الحالية. هؤلاء الشباب يقدرون المسؤولية الملقاة على عاتقهم، ويعرفون مكامن الخصاص في تراب الجماعة، وقد تمكنوا من إنجاز عدد من المشاريع التنموية في حدود الإمكانيات المتاحة، أبرزها فك العزلة، وتوفير مياه الشرب ومياه السقي. كما يُسجل لأول مرة في تاريخ الجماعة إدراج مبادرة ثقافية ضمن برنامج عمل الجماعة، تتمثل في تخليد معركة أيت يعقوب في يونيو 2024. وإضافة إلى ذلك، تم توفير النقل المدرسي لتلاميذ جل القصور التابعة للجماعة، مما ساهم بشكل ملحوظ في محاربة ظاهرة الهدر المدرسي، خاصة على مستوى الإعدادية الوحيدة بالمنطقة.
يُعد التاريخ بوابة أساسية لفهم المنطقة واستيعاب جذورها الاجتماعية والسياسية، غير أن الدراسات الأكثر ملاءمة لخصوصيات المجال، والأكثر انسجامًا مع متطلبات التنمية المحلية، هي الدراسات الأنثروبولوجية والسوسيولوجية التي تركز على الذهنية الجماعية والإنسان المحلي، وتسعى إلى توظيف التاريخ والذاكرة والمعالم في خدمة التنمية المستدامة. فهذه المقاربة تتيح التفكير في آليات تشجيع السياحة الطبيعية والتاريخية والعمرانية والتراثية، خاصة في منطقة تزخر بمؤهلات غير مستغلة. وإذا استحضرنا القرب الجغرافي من زاوية سيدي حمزة، حيث توجد الخزانة العياشية التي تضم مخطوطات نادرة ذات قيمة علمية وثقافية عالية، فإننا أمام فرصة حقيقية لربط التراث الفكري والديني بالمسارات السياحية. كما أن قرى تازروفت وأند تُشكل بدورها محطات غنية بمناظر طبيعية خلابة قابلة للاندماج في مسار سياحي متكامل، يُربط بباقي المعالم البيئية والتاريخية مثل بحيرتي إزلي وتزليت بإميلشيل، وما تزخر به المنطقة من تنوع ثقافي ومجالي يؤهلها لتكون محورًا لبرامج تنموية مستدامة قائمة على مقاربة تشاركية تعتمد المعرفة المحلية وتراكمات الذاكرة الجماعية.
#عدي_الراضي (هاشتاغ)
[email protected]#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟