جميل محسن
الحوار المتمدن-العدد: 8404 - 2025 / 7 / 15 - 09:59
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
أحداث 14 تموز 1958 كما عشتها
أنقلاب عسكري تحول سريعا الى ثورة شعبية وانتهى للاسف الى حكم فردي أو دكتاتورية عسكرية!!
- كتبت سابقا موجزا عن احداث ذلك اليوم ولكن الحديث يتكرر ولا يمل الناس عن التساؤل والنقد الجارح أو المحبة الزائدة لمنعطف مفصلي لم يكتمل في تاريخ العراق ويتسابق المؤرخون في السرد سلبا او أيجابا واغلبهم نظريون يسطرون الاحداث على طريقة سمعنا فلان نقلا عن فلان بعد حديثه مع علان ولكن لاشاهد عيان !؟
- الساعة السابعه صباحا من ذلك اليوم سمعت البيان الاول وبالمناسبة دارنا وقتها في محلة الفلاحات الكرخ قرب شارع عبد الأله الذي تحول بعد الثوره الى شارع النصر ولا زال وهذا الشارع يمتد من ساحة الشهداء بأتجاه الكرخ سينما بغداد ثم علاوي الحله وفيه جرت اولى أمر وادمى الاحداث التي عشتها كشاهد
- مرة اخرى والسابعه صباحا وانا نائم في سطح بيتنا سمعت النشيد المصري(الله أكبر) يصرخ من مذياعنا ونزلت مسرعا لاسمع صوت يذيع بيان الثورة الاول وعرفت لاحقا انه عبد السلام عارف !! اذن الجيش قد حقق الانقلاب .
- خرجت مسرعا للشارع ووقفت عند ( الفلكه) او المستديره الصغيره التي يمتد منها شارعان رئيسيان يمتد احدهما نحو الشواكه والسفارة البريطانية والاخر نحو سينما بغداد علاوي الحله ثم قصر الرحاب , لم اشاهد اي عسكري او مصفحة او دبابه بل جماهير غفيرة تتزايد وتتباحث وتختار طريق , تبعت من ذهبوا لاقصر المسافات نحو السفاره البريطانية حيث ينتصب في ساحتها الامامية تمثال (مود) المعروف وكنت محاصرا بالجماهير فكما يبدو خرج كل البغادة للشارع !! رأيت حبالا واشخاص يتسلقون قاعدة التمثال 5 او 6 امتار حيث الجنرال مود ( محرر العراق) ممتطيا حصانه الاسود ويربطونه بالحبال وبدأ السحب لاسقاطه وانسحبت انا خوفا من ان تسحقني الاقدام وكل ما سمعته هو صوت الارتطام !! وسقطت اولى رموز الاحتلال البريطاني بسواعد الجماهير البغدادية العراقية وبالنسبة لي كانت هذه اول حركة جماهيرية تسقط رمزا فلا عسكري ولا دبابة بل سواعد الجماهير المدنية .
- انسحبت للوراء مع من تراجعوا بعد اكمال المهمة الاولى وانا اسمع هتاف للرحاب للرحاب ولا اتذكر ان كنت اعرف حينذاك من الساكن هناك ولكن الجماهير تسلك الشارع الثاني وبكثافة اكبر نحو سينما بغداد ثم العلاوي وما بعدها وتوقفت حيث لم اعبر في حياتي منفردا سينما بغداد فكيف سأصل الرحاب ؟عدت الى المستديره الاولى ووقفت متفرجا لاجد لاحقا من يجرني من اذني صائحا
- لك هاي انت وين ؟
كان هو جدي يبحث عني وفندقه ( فندق الروضه)يقع في نفس الشارع
جدي – تعال امشي اصعد للفندق وتفرج من (البالكون) الشرفه.
كان الوضع والفرجه من البالكون المطل على الشارع افضل وامتع وانت تشاهد افواج الجماهير تتلاطم من كل اتجاه حاملة بعض الصور اعرف اصحابها ومنهم جمال عبد الناصر وجميله بوحيرد وهتافات ربما شيوعيه واسقاط لنوري وعبد الأله ثم جاء الموج الهادر قادما من جهة شارع سينما بغداد يسحل جثه !؟
- جثة من ؟ استمعت لمن حولي من المتفرجين كبار السن ( هذه عبد الأله)!! هو قد عاد الى شارعه مسحولا من قصر الرحاب وهنا لفته جماهيرية عفوية اخرى جائوا به سحلا الى شارعه وقرب فندق جدي وتقريبا ملاصق له كان هنالك فندق ( دار السلام) وامتد حبل اخر وسحب جسدعبد الأله مسافة المترين الى الاعلى وربطت يداه ورقبته وبقي معلقا والجماهير ترميه بالاحذية والنعل , نظرت للجثة بعيون طفل لاينسى جسد ابيض ممتليء بالشحم واللحم لايضهر على جسده اي طعن عدا بعض الدماء قرب خاصرته وقد تم قطع اعضائه التناسليه وربطها بفمه وتواصلت الهتافات والنعل وقام احد المتضاهرين وبمشهد لن انساه وبسكين او طبر وانهال ضربا على قدم الوصي حتى قطعت ومشى متباهيا بها !! وبقي المشهد ولم ار للان عسكريا واحدا بل كتل بشرية مدنية متفجره , بعدها انزلو الجثة وواصلوا السحل ولم اتابع وبقيت في مكاني استمع للكبار لافهم الاحداث وطبعا متعاطف مع الثوره .
- عصرا عاد الهدوء الى الشارع الذي تكوم به تل من النعل والاحذية التي تركها اصحابها بعد ضرب الوصي بها ووقفت قرب جدي وبعض الرجال يتحدثون حول المستقبل ويتسائلون حول المنفذين حتى نطقها جدي وبقيت في ذهني
- قاسم
عدت الى البيت منهكا تعبا مشوش الذهن من احداث اكبر من عمري والمذياع يكرر النشيد والبيان رقم (1) او يزيد !! جلست منفردا وحيدا احس بالدوار ربما من الجوع فلم اذق طعاما منذ الصباح فلماذا (تلعب نفسي) انا المتحمس الفرح ؟ هل هو عبد الأله!؟ احنيت رأسي وبدأت بالتقيوء افرغت كل ماحوته معدتي حتى جدرانها لأنال بعض الهدوء .
- ليلا او في صبيحة اليوم التالي كنت شخصا اخر (سياسي )ومتابع بأمتياز واحداث يوم قد تغير ما لا تستطيع سنين صنعه !! والمذياع الجمهوري الثوري يواصل بيان البحث عن نوري السعيد وجائزة عشرة الاف دينار لمن يدل عليه ويشيد بقيادة الثورة الزعيم عبد الكريم قاسم واخيه العقيد عبد السلام عارف وانطلقت الناس تبحث لتسحل ولم اهتم انا للخروج هذه المره وفرجة واحدة تكفي وحتى بعد ذلك حين رأيت مركبة تسحل بقايا جثة ربما لنوري او ابنه صباح لم اهتم لقد انتهى عهد وبدأ اخر .
- هذه روايتي كشاهد عيان لليوم الاول 14 تموز 1958
استنتاجات
- مرور السنين لا يغير الوقائع وهذه قناعاتي عن الثورة التي لم تكتمل واحداثها
1- دموية الثورة !؟
والسؤال كم شخصا قتل خلال ايامها الاولى من القيادات الحاكمة ولماذا ؟
فقط نوري السعيد وابنه صباح وعبد الأله ومثل بجثثهم بأنتقام دموي بشع والعودة للتسائل لماذا ؟ لنعد للسرد التاريخي ومافعله كل من نوري السعيد وعبد الأله بالعراقيين بأعتبارهما رأس السلطه العراقية وقتها
- اعدام وتعليق جثث العقداء الاربعه مجموعة صلاح الدين الصباغ 1941 والسؤال لقد اعدمتموهم فلماذا تعليق جثثهم بالحبال اما بوابة وزارة الدفاع ؟ ولهؤلاء العقداء جماهيريه شعبية كبيرة خاصة ضمن التيارات العروبية القومية
- اعدام وتعليق جثث قادة الحزب الشيوعي العراقي فهد ورفاقه 1949وتعليق جثثهم في شوارع بغداد والكل يعرف مدى شعبية الحزب انذاك وجماهيره تحقد وهي ترى قادتهم معلقين بالحبال !؟
التعليق بالحبال من بدأها الثنائي نوري وعبد الأله
- وثبة كانون ومجزرة جسر الشهداء وما حدث خلالها من مئات القتلى والجرحى المدنيين 1948 اي قبل 10 سنوات فقط من 14 تموز 1958 فهل ينسى اهل القتلى من تسبب في وفاتهم عندما يحين وقت الانتقام ؟
- هذه بعض التراكمات التي ولدت العنف الجماهيري الغاضب جدا والتمثيل بجثث 3 فقط من القيادات حولها البعض الحاقد والجاهل وغير المطلع الى مجازر دمويه شديده
- نعود الى قصة مقتل الملك فيصل الثاني والعائله المالكه ومقتلهم كما ترسمه الاحداث لم يكن مخطط له لا من الانقلابيين ولا من الجماهير التي لاتحمل كرها او حقدا قديما عليهم بل عمل فردي لضابط متهور ولم يمثل بجثثهم مثلا ولكن حولوا لمكان التأكد من مقتلهم ثم دفنهم في المقبره الملكية في الاعظمية ولم تعتدي الجماهير مطلقا ولا الانقلابيين على بناية المقبرة الملكيه ليكون التأكيد النهائي ان كل دموية الجماهير وثورة تموز 1958 متمثله بأفراد ثلاثة .
الاستنتاج الثاني
2- ثورة ام انقلاب ؟
بداية أنقلاب عسكري نعم !! وما اكثر الانقلابات العسكرية في العراق والدول العربية والعالم الثالث ولكن ان تخرج جماهير بمئات الالوف ان لم تكن الملايين الى الشوارع وتحتل الساحات وتتصرف كما تريد وتسقط ( مود) رمز الاحتلال !! حينذاك يمكن تسميتها ثوره حقيقية في بداية قيامها بالتغيير السلطوي والاجتماعي والطبقي نحو المدنية والتطور , نعم هي ثورة في ايامها واشهرها الاولى ولا زالت هي الثورة الوحيدة جماهيريا والتي لم تكتمل لاسباب عديده وهنا تحضرني قضية (انتفاضة تشرين) 2019 والخروج الجماهيري الثاني الذي تم تدميره مع الاف الشهداء والجرحى ( تدمير وليس هزيمه).
بعد فترة بدأت التناقضات التي لا اريد الاطالة فيها ويمكن اختصارها بأن القيادة العسكرية النزيهة نعم والمحققه لانجازات شعبية نعم ولكنها بقيت صيغة عسكرية بقيادة الزعيم عبد الكريم قاسم غير قادرة على تجاوز مرحلة الانقلاب والبدء ببناء المؤسسات الشرعية الديمقراطية وقد يكون المفصل المهم هو خروج الحزب الوطني الديمقراطي ( كامل الجادرجي) ممثل البورجوازية الوطنية العراقيه وحل نفسه غير راض عن واقع العيش ضمن زعامة عسكرية تسببت لاحقا في عدوى الانقلابات حين اعتقد كل ضابط معه مجموعة دبابات انه الاحق بالسلطه !! واستسهل الشهيد عبد الكريم قاسم الحلول الفردية لتحقيق مطالب الفقراء ونسي مؤسسات الدوله والنتيجة هي حكم عسكري ليس هو حتما هدف الثوره ولنقل بصراحه حكم (دكتاتوري)فردي مهما تمثل بنبل افكار القائد وتوالت الانقلابات والاعدامات وضجر الشعب الى حين الانقلاب الدموي الفعلي 8 شباط 1963 لتطوى مؤقتا انجازات ثورة 14 تموز .
#جميل_محسن (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟