ناظم ختاري
الحوار المتمدن-العدد: 8403 - 2025 / 7 / 14 - 16:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لكي ننجز مهمتنا في كتابة هذا المقال , لابد من الذهاب إلى معرفة ماهو الفشل ، وعليه فأنا أعتبره خيبة أمل وعدم القدرة على تحقيق الهدف، وهذا يعني بالنسبة إلى الأفراد أو المجموعات المختلفة في توجهاتهم أو توجهاتها بأن لهم أو لها أهداف معينة، تسعى مخلصة إلى تحقيقها على أرض الواقع، ولكن هناك في الكثير من الأحوال عوامل عديدة تعترض ذلك وتؤدي إلى الفشل. وعليه فإن نتائج هذا الفشل تكون قاسية، تخييم بظلالها على مسيرة هؤلاء الأفراد وتلك المجموعات ضمن مرحلة معينة، ولكن الأصرارعلى خوض مساع مخلصة والاستفادة من تجاربها وتجارب ما قبل الفشل قد تؤدي إلى نتائج إيجابية في المحصلة النهائية، واعتباره ذلك مرحلةً انتقالية للوصول إلى النجاح، علاوة على كونها فُرصة للتطوّر، واكتساب المعرفة، والتجدّد، والإبداع ، وهذا ما يحصل كثيرا، يمكننا جميعا تلمسه بكل سهولة في محيطنا و فيما حولنا أو حتى في تجاربنا الخاصة.
وما يهمني هنا في هذا المضمار، هو الجماعات السياسية والقوى المتنفذة التي وصلت إلى السلطة في بغداد عن طريق الصدفة أو الخطأ بعد سقوط النظام الدكتاتوري بفعل قوى خارجية واحتلال البلد ، هذه القوى والجماعات التي يجري وصفها في الأدب السياسي بأنها فاشلة، أو تعاني من الفشل، أو فشلت، أو غير ذلك من التوصيفات التي تذهب بهذا الاتجاه، وارتباطا بهذا يتبادر إلى ذهن المرء سؤالا مريرا، هل يمكن اعتبار هذا الوصف صحيحا ودقيقا في ظل التعريف المشار إليه في المقدمة ..؟ من ناحيتي يمكنني القول بدون أي تردد بانه ليس صحيحا ولو بنسبة قليلة، فمن وجهة نظري لا يمكن للمواطن العراقي المكتوي بنار هذه القوى أن يتفق مع هذا الوصف، وأرى في ذلك خطئا فادحا في التعامل مع قوى سياسية تعمل مع سبق الأصرار على تدمير البلد ونهبه إلى حد الصفر، وبالتالي يعتبر هذا الوصف تزكية لمساعيها وكأنها تريد فعلا بناء بلد أمن ومستقر ومرفه ولكنها فشلت وأعتبر هذا اتهام خفيف بل إنه عتاب يمكن أن يحصل عند حدوث أية مشكلة بسيطة، في الوقت الذي تؤكد كل الوقائع بأن واقع هذه القوى وأهدافها تختلف تماما عما يجري توصيفها من قبل القوى التي ترفض نهجها، استنادا على الحقائق التالية.
1-كل القوى السياسية المتنفذة بدون استثناء، اعتمدت بشكل كلي على العامل الخارجي ومارست حتى العمالة المذلة وخصوصا لأمريكا علاوة على قوى عالمية وإقليمية أخرى مؤثرة من أجل إسقاط النظام الدكتاتوري بقيادة صدام حسين .
2- بعد تحقيق هدف إسقاط النظام ، ودخول القوات الأمريكية إلى قلب العاصمة، لم تستطع هذه القوى أن تخطو خطوة واحدة نحو بغداد، دون اذن منها، طبعا ماعدا بعض القوى السياسية التي لم تغادر بغداد تنظيميا والتي حافظت على تواجدها هناك رغم الخسائر الفادحة التي كانت تتعرض لها .
3- عندما تحقق الاحتلال بعد سقوط النظام تهافت الجميع من أجل الحصول على حصته من الكعكة الدسمة ( كعكة السلطة )، بما فيهم القوى التي مارست نشاطا معارضا غير مشروع ، وقدمت إمكانياتها وخدماتها علنا إلى بعض الدول الأقليمية وفي مقدمتها إيران ، ومارست بشكل علني حتى بوجود سلطة الاحتلال على تبني أجندات تلك القوى الأقليمية، ومما يذكر ألتحق الكثير من ذيول النظام الدكتاتوري بها الركب المشين.
4- ومنذ البداية تحول البلد من دولة شديدة المركزية إلى دولة رخوة مكوناتية طائفية عرقية، وليس دولة مواطنة كما كان ينبغي، بعدما عانى الشعب العراقي الويلات من ذلك النظام الساقط ، حتى أندلعت على اثر ذلك حرب طائفية شديدة التأثير على المجتمع العراقي ، وأستخدم فيها كل الأسلحة، بما فيها الخطاب الطائفي المقيت ، الخطاب الديني المشتت لوحدة نسيج المجتمع العراقي ، الخطاب العرقي المهدد لوحدة العراق وما إلى ذلك .
5- كل ماجاء في قانون إدارة الدولة، والدستور العراقي المقر بعد الاستفتاء عليه ، من الجوانب الإيجابية واعتبار البلد قائما على دستور ديمقراطي، لم يستطع الوقوف في وجه ما تضمنته الوثيقتين من عوامل التمزيق الاجتماعي والوحدة الوطنية والتفريط بسيادة العراق لصالح الجهات الخارجية و الإقليمية ، وحرف التوجه لبناء دولة المواطنة القائمة على المساوات والرفاه والخدمات والتطور العلمي وما إلى ذلك .
6- وعلى هذا الأساس اعتمدت القوى التي لازالت تتحكم بمصير العراق المأساوي على خطاب الكراهية بديلا عن البرامج القادرة على استنهاض العراق وتقويم شعبه ، مما وجدت نفسها في مواقع السلطة العليا، وعليه مارست ما لم تمارسه أية قوى أخرى وفي أي بلد آخر من جرائم وموبقات، فأصبحت تمارس الفساد علنا، بشكل قل نظيره في العالم وصارت تتفاخر به صراحة، والفضائح التي انكشفت مثل فضيحة خور عبد الله وسرقة القرن لبطلها نور الزهير والحقول المنتشرة شمالا وجنوبا، المليئة بناقلات النفط المهرب تراه كل الأعين إذا التفتت يمينا أو يسارا، كما أنها تفاخر بعمالتها لإيران بشكل علنى، وهذا ما سمح بالتدخل الفاضح والعلني المتفق عليه لرجالات أمنية إيرانية عليا في شؤون العراق، وأحيانا كثيرة أعتبروه محافظة من محافظات إيران، بل أكثر من هذا عندما يصرح العديد من كبار قادة هذه القوى ليلا ونهارا وجهارا، بأنهم سيقفون في صف إيران في حال نشوب خلاف أو حرب بين العراق وبينها، علاوة على المليارات التي جرت و يجري سرقتها من خزينة الدولة ومن قوت الشعب العراقي ومنحها لإيران وأحيانا بشكل علني، والسماح لتزوير العملة العراقية لشراء الدولار من البنوك العراقية، كل هذه القضايا ليست مخفية عن أعين العراقيين وهم يتحدثون بها بكل وضوح ويؤكدون إن من يحمكم العراق هي إيران، والآخرين في الأطراف الأخرى شركاء السلطة لم يقصروا في اعلان ولاءاتهم إلى المحيط الأقليمي الذي يحرك الصراع الداخلي وفقا لمصالحه وأجنداته، ويمنع بناء الدولة العراقية .
من كل هذا استنتج وأزداد قناعة إن ما تقوم به هذه القوى هو إصرار بلا حدود لتدمير الدولة العراقية وليس فشلا بريئا في بناءها ، ولهذا أشير بأن هذه القوى حققت نجاحا في مهمتها وهي تدمير البلد، ومن هذا المنطلق، لا أجد في الانتخابات البرلمانية سوى إنها شرعنة لسلطة هؤلاء اللصوص، فهي أي الانتخابات غير قادرة على تحقيق تغيير موازين القوى لصالح القوى الديمقراطية والقوى الوطنية المخلصة، والجدير بالإشارة إليه إنه ليس بالضرورة أن تكون كل عملية انتخابية وليدة نظام مؤسساتي ديمقراطي أو تؤسس لمثل هكذا نظام، والأمثلة لدينا في العراق كثيرة بهذا الاتجاه، فمثلا صدام حسين كان يفوز في الانتخابات بنسبة 99% أو أكثر، وقوى أخرى تحقق نفس النتيجة في مناطق نفودها في هذه المرحلة، ولابد من الإشارة إلى أن نتائج الانتخابات في العراق محسومة دوليا وإقليميا لصالح تلك القوى اللصوصية والطائفية المهيمنة على موسسات الدولة منذ سقوط نظام صدام حسين، وعلى هذا الأساس أجد إن مهمة القوى الوطنية المخلصة والديمقراطية هي توعية الجماهير العراقية العريضة للدفاع عن مصالحها وثراوتها ومقدراتها وتعبئتها لتغيير موازين القوى بأساليب نضالية أخرى، بالتغلغل بين صفوفها بشكل مستديم ، بتمرينها لخوض نضالات مطلبية متواصلة، بالنزول الدائم إلى الشارع ، بتدريبها لهبة جماهيرية قادرة على تغيير تلك الموازين لصالح القوى القادرة على بناء دولة المواطنة والحريات والبناء والازدهار الاجتماعي والاقتصادي .
#ناظم_ختاري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟