ملهم الملائكة
(Mulham Al Malaika)
الحوار المتمدن-العدد: 8402 - 2025 / 7 / 13 - 22:11
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بين كلمتي (صوت) و(صمت) اختلاف واحد في حرف الوسط، ولعلها في بنيوية اللغة مقاربة مقصودة للتعبير عن الثابت (صمت) والمتحرك (صوت).
استوقفني هذا الفارق اللغوي وأنا أتأمل كثرة الأصوات الزاعقة الكاتبة عبر محطات الراديو وقنوات التلفزة ومنصات التواصل الاجتماعي والصحف والمواقع الالكترونية وهي تصف وتلعن وتعلن وتستعرض وتدين وتزوّر ما يجري في غزة وشعبها المظلوم المرتهن بين مخالب حماس الدموية وبين فوهات سلاح إسرائيل المدمرة.
لنكون للحظة محل شعب غزة المنهك ونخال أنفسنا نعيش وننزح أو نموت كما هو ينزح منذ عامين في بضعة كيلومترات صاعداً للشمال ونازلاً للجنوب وماكينة القتل تدور، فبات الجوع عنوان غزة، وبات البؤس عنوان شعبها، وبات الموت حلها الأخير، ومع ذلك فحماس ترتهن بضع عشرة رهينة وجثمان إسرائيلي وتمضي قدماً في "جهادها" لإنجاز إمارتها الاسلامية في غزة ولو على أشلاء الشعب المكلوم القتيل. ما كنا نملك أن نفعل ونحن نركض منذ عامين جنوبا وشمالاً بلا أمل؟ لكن لا أحد يقول الحقائق للأسف.
لا أحد يجرؤ أن يعلن بشجاعة أنّ المذبحة بدأتها حماس ب "غزوة" 7 أكتوبر 2023 على إسرائيل، وتعمدت أن استخدم وصف "غزوة" لأن هذه لغة حماس الإخوانية.
لا أحد يجرؤ على القول إن المشروع الإيراني الولائي في خماسي (الأسد، حزب الله، حماس، الحوثي، ميلشيات العراق "الوقحة") هو الذي ذبح أهل غزة.
لا أحد يجرؤ على القول بشجاعة إن إسرائيل دولة نووية صامتة، وحين تشعر بخطر وجودي داهم، لن تتورع عن استخدام رؤوسها النووية المخزونة في أماكن مجهولة، فتطلق "صوتها" مرة واحدة وإلى أبد. الساسة العرب يدركون هذه الحقيقة الساطعة لكنهم لا يعلنونها حفاظاً على ماء الوجه.
لا أحد يجرؤ على الاعتراف بأنّ هجمات إسرائيل على إيران ومشاريعها النووية إن لم تصب أهدافها هذه المرة، أو في مرات قادمة، قد تدفعها إلى استخدام الحسم النووي.
لا أحد يجرؤ الاعلان بوضوح أن حزب الله في لبنان لن يسلّم سلاحه إلا راغماً، وساسة لبنان وشعبه يخشون الدخول في مواجهة مع هذا الحزب/ المنظمة/ العصابة، ويفضلون أن تفعل ذلك إسرائيل نيابة عنهم، وتخلّصهم من تسلط الشقاوات والقبضايات والزعران المسلحين الذين ما برحوا يسحلون لبنان من حرب إلى حرب منذ أربعة عقود.
لا أحد يجرؤ على القول إن كل العالم العربي/ السني كان مع إسرائيل وإدارة ترامب في الهجوم على إيران التي ما برحت تصدّر لهم المشروع الشيعي منذ عام 1979 ومصرّة على أن تمضي قدماً في سياستها التصديرية/ التبشيرية/ التدميرية/ الولائية/ الظلامية. العالم العربي والإسلامي كان سعيداً يترقب بشوق نتائج المعركة وهو ما برح يعلن بالصوت "دعمه" لإيران و"شجبه" للهجوم على دولة مسلمة، لكن قلبه الصامت كان مع أعداء إيران، وكذلك أسلحته الخفية والمعلنة.
لا أحد يجرؤ أن يعلن أن دول البترودولار السني الخليجي قد تخلت عن دعم مشاريع التنظيمات الإرهابية، وتربية العقارب في أحضانها، وقد أدركت أنّ عالمها ومدارها السياسي يتغير بتغير الإدارة السعودية، فولي العهد الأمير محمد بن سلمان شجاع وصريح وأمريكي الهوى بلا رتوش، وقد استهل عهده بالقضاء على ممولي وداعمي ومسلحي المشاريع القاعدية والداعشية والعروبية، والمطبلين إعلامياً لتلك المشاريع وأشهرهم (جمال خاشقجي)، و"الإعلامي" الشهير (عبد الباري عطوان) الذي صارت كل المنصات والمحطات والصحف، وبضمنها الجزيرة تمتنع عن استضافته، ما أجبره على أن يطلق صوته عبر قناة شخصية على يوتيوب تحظى ببضع آلاف من المتابعين، وكفى الله المؤمنين والكافرين شر القتال.
لا أحد يعلن جهراً بأنّ الأمير الشاب قد غيّر سياسة المملكة السعودية وسياسة محيطها من الامارات والممالك والسلطنات السائرة بكل أريحية في مسيرة الاتفاقيات الابراهيمية مع إسرائيل، وتبع ذلك أن غيّر محمد بن سلمان الخطاب الإعلامي لقنوات العربية والحدث وسكاي نيوز عربية، والقنوات المحلية في بلدان الخليج، فبات الخطاب معادياً علناً للإخوان المسلمين ومشاريع الدعشنة والقعدنة والمشاريع الولائية.
هذا الاجماع لدول البترودولار الخليجية تخرج عنه إمارة قطر الغامضة التي ترعى الإرهاب بكل أنواعه، وتدين وتساهم في ضرب الإرهاب بكل أنواعه!؟ وبدورها فإنّ قناة الجزيرة وفروعها القطرية والدولية هي الاستثناء الوحيد الخارج عن هذا التغيير الاستراتيجي، ولأسباب أفضّل أن أجهلها!
لا أحد يجرؤ على القول إنّ أحمد الشرع (زعيم جبهة النصرة القاعدي الجولاني سابقاً) الذي بات زعيم سوريا الرسمي هو رجل إسرائيل ورجل الولايات المتحدة الأمريكية وربيب إدارة ولي العهد السعودي في خط المواجهة/ التطبيع مع إسرائيل، والكلام يدور اليوم علناً حول إلغاء خارطة لبنان وإلحاق طرابلس بسوريا، وإيجاد منطقة شيعية لبنانية/ حمساوية غزية قد تأوي سكان غزة وتبقى ساكنة صامتة تحت مسيرات إسرائيل وصواريخ الولايات المتحدة.
لا أحد يجرؤ على الإعلان بوضوح أن السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية تشكيل فاسد بائس ضعيف لا يملك أيّ قوة على الأرض، لذا ذهب سكان الضفة صاغرين يمشون خلف المشروع الحمساوي فطالتهم العمليات الاسرائيلية، وسيؤول حال السلطة الفلسطينية إلى حال حماس بعد أن ينجلي غبار ودخان المعارك.
لا أحد يجرؤ أن يعلن بوضوح أن الإدارة الامريكية أعطت اردوغان شيئاً يرضيه، ويضمن مشاركته في مشروع الشرق الأوسط الجديد حين أمرت حزب العمال الكردستاني وقسد في سوريا بإلقاء السلاح، مقابل دعمه لمشروع سوريا/ لبنان/ إسرائيل الجديد.
لا أحد في العراق يعلن بوضوح، أو ربما لا أحد يدرك أنّ مشروع الشرق الأوسط الجديد قد بدأ في العراق عام 2003 وتحاول اليوم الميلشيات العراقية الإيرانية "الوقحة" بكل غباء تجاهل هذه الحقيقة.
أعلم أن أكثر من "صوت" سيحيلني إلى أصل ما جرى في هذه المنطقة في أعوام 1948، 1967، 1973، 1982، 2006...الخ من محطات التاريخ، لكنها "أصوات" لا حول لها ولا قوة إلا بالكلمات، فالأفضل لها أن تلتزم "الصمت" فنحن في الألفية الثالثة والعالم يتغير بسرعة أسطورية، وإن لم ندرك، نحن الذين لا نملك أيّ فعل سوى الكلمات العاجزة، أن (الصمت في حرم "القتال" جمال) *، فإنّ صوتنا سيضيع في متاهة فضائية سيبرانية صاروخية درونية قد تصل حتى غرف نومنا، كما أدركت الصواريخ 40 % من القيادات الولائية الإيرانية والداعشية والقاعدية. ولا يزايدني أحد في البطولات العنترية الفارغة فبوسعي تدبيج مطولات في البطولات الوهمية الراكبة فوق سروج الخيل في زمن الصواريخ، ولكن نفسي تعاف هذا البؤس!
عودٌ على بدء، فإنّ (الصمت) المريب/ المفيد يجب أن يصبح سمة المرحلة رغم جلبة (الصوت) التي تغرق المنصات والمحطات والاذاعات والصحف والمواقع.
*أصل هذه العبارة أبيات خالدة من الشاعر الراحل نزار قباني:
إذا وقفت أمام حسنك صامتاً
فالصمتُ في حَرَم الجمال جمالُ
كَلِماتُنا في الحُبِّ.. تقتلُ حُبَّنَا
إن الحروف تموت حين تقال.
#ملهم_الملائكة (هاشتاغ)
Mulham_Al_Malaika#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟