أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بثينة تروس - سقط معز! استفرغت خبايا النفوس ظلاماتها!














المزيد.....

سقط معز! استفرغت خبايا النفوس ظلاماتها!


بثينة تروس
(Buthina Terwis)


الحوار المتمدن-العدد: 8395 - 2025 / 7 / 6 - 02:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كنّا من أوائل الذين سارعوا إلى إدانة ونقد موافقة بروف معز عمر بخيت على تعيينه وزيرًا للصحة في حكومة الدكتور كامل إدريس، التي لا تزال مقرها في بورتسودان بعد أن عجزت حكومة البرهان عن العودة إلى مقرها في الخرطوم. ولأننا تربطنا به روابط الأرحام الطاهرة، حدّثناه بعلمنا أنه عالم في طبّ المخ والأعصاب، شاعرٌ فائضٌ بالإنسانية، رقيقٌ، جماليّ، لم يخالط اللئام، فعظُم علينا سقوطه في أحضان العسكر ودَرَك الكيزان. لم يستجب المعز لنصحنا، متمسكًا بحكومة تبيع الأوهام تحت شعار (الأمل)، بينما توعِد شعبها بحرب قد تمتد مئة عام، حتى لو خاضتها بالأطفال. فكيف لحكومة دمّرت المستشفيات في حربها مع مليشيات الدعم السريع أن تهتم بصحة الشعب أو علاجهم. هي حكومة تُدار من داخل مشروع كيزاني قائم على (فلتُرَق كلّ الدماء). ويا ليت معز امتلك حكمة الثعلب، واتعظ بمصير دكتور أكرم التوم، الذي كان فرحة شعب لم تكتمل.
وأعجب ما في أمر تعيين معز، والذي فاق في أثره إحباط حتى المحبطين، هو حال بعض منتقديه ممن استفرغوا أحقادهم وعداوتهم في نقدٍ لا يخلو من تجنٍ وبغضاء. كشف ذلك عن هشاشة في ثقافة الاختلاف، وضعف في تربية الديمقراطية لدى من يُفترض أنهم نخبة، مرّوا بتجارب سياسية وفكرية عميقة. نعم، خلال حرب 15 أبريل اللئيمة، سقط القناع الأخلاقي الذي طالما تباهى به السودانيون، وتغنّوا وزغردوا على إيقاعه. لم يترك الرأي العام حينها للمعارضين إلا خيارين (بل بس) او (جغم بس) ولم يَسلم دعاة السلام وإيقاف الحرب من ألسنة حداد، تتربص بهم وتنهال عليهم باتهامات باطلة، تتراوح بين (جنجويد) و(قحاتة).
لكن أن يُمسّ تاريخ الآباء بالسوء، ويُظلم الأموات بنقدٍ رخيص، فهذا ما لا يُحتمل، وما عجزنا عن الصمت حياله. حين أطلقت بعض النفوس، التي تدّعي حراسة الوطن ووعيه ومستقبله، أحقادها في سيرة مولانا عمر بخيت العوض، فقط لتقول للناس: دعوا معز، فهو ربيب الكيزان ورضيع الخيانة! وفي المقابل، سارعت قيادات الإخوان المسلمين، بفطنة الشطارة وبراعة الفهلوة السياسية، إلى استغلال ذلك النبش المغرض، لتحويله إلى أداة لتلميع صورة مولانا عمر، وتقديمه كمن ظل في ركابهم طوال الزمن، وكأنما هو راية مرفوعة تُبرر ابتلاع ضمير معز.
إذن، دعوني أحدثكم عن خالي مولانا عمر بخيت العوض، نائب رئيس القضاء، الذي عرفته المحاكم قاضيًا عادلًا نزيهًا، جريئًا في الحق لا يخشى لومة لائم، مهابًا صارمًا، لا يداهن ولا يتلون. لم يكن من الفاسدين أو المرتشين، ولم يجرؤ أحد، مهما كان، أن يجعله وسيطًا له في أي محفل من المحافل. اشتهر بالأحكام القضائية الفذة التي تُدرس للقضاة، وكانت لهم نبراسًا منيرًا في دروب المحاكم. كما كان متحدثًا خطيبًا مفوهًا، فإذا تكلم صمتت المجالس من هيبته. لم يعرف عنه ساقط القول، وكان كحاتم الطائي في العطاء. وعلى ذلك، يشهد له القضاة والمستضعفون والمحاكم. لقد فصلّه نميري للصالح العام، وكحال كل الأخيار، خسره السودان وكسبته الإمارات. استقبله قضاء وعدل الشيخ زايد، في ذلك الوقت كان استقبال الفاتحين، فهو علم يُرفع في فضاء القضاء، تسبقه سيرته الناصعة، فعُين رئيسًا لجميع المحاكم الاتحادية العليا في أبوظبي.
نعم، لقد كان مولانا عمر بخيت، في شبابه، من الذين استجلبوا إلى السودان بذرة جماعة الإخوان المسلمين في خمسينيات القرن الماضي، يوم ظنّ بعضهم أنها مشروع خلاص، لا يعلمون أن فيها داءً مستترًا. كان معه في ذلك الركب صادق عبد الماجد وآخرون، كما روى والدي، عمر علي تروس، المحامي، الذي أُعجب به إعجابًا بالغًا، فانضم إلى الجماعة وتزوج شقيقته فاطمة. لكنه، شأن كثير من الباحثين عن الحقيقة، فارق الدرب لاحقًا، في الستينيات، ليتتلمذ على يد الأستاذ محمود محمد طه. وظل مولانا عمر، طويل الباع في القضاء، مناصِرًا صلبًا للدستور الإسلامي، لا يلين له موقف ولا تُساومه القناعات. ومع ذلك، لم يكن خصامه للفكر الآخر عداوة، بل كان اختلافًا راقٍا، يشهد له أدب الحوار، كما تجلى في مناظراته الموثقة في كتيبات الإخوان الجمهوريين، الذين عدّوا ذلك الدستور مزيفًا، ورأوا في مشروعه استحالة كنظام حكم دولة، وما هو الا هوس ديني يثير الفتنة ليصل الي السلطة. ومع كل هذا التباين، ظل الأستاذ سعيد شايب وقضاة الجمهوريين يذكرون مولانا عمر بتقدير جم، مشيدين بشجاعته وصدقه، وهكذا يكون أدب الخلاف عند الكبار.
ومولانا لم يلبث أن ترك التنظيم مبكرًا، قبل أن يصعد د. حسن الترابي إلى خشبة المسرح السياسي، إذ كان وقتها طالبًا في فرنسا. انتُزع مولانا عمر من غياهب المشروع الملتبس، واختار التصوف طريقًا، وسلام الروح مقامًا. حفظ الله له سيرته وستر سريرته، ونجّاه من سوء عاقبة الكيزان (ليجزي الله الصادقين بصدقهم). وختامًا، رمي الناس بالباطل ديدن العاجزين، وسقوط الخلاف إلى درك الكراهية والعفن، سمة من لا خُلق له ولا حجة. فالاختلاف، إن لم يَسنده احترام وعدل، يصبح خيانة للوعي، وطعنًا في شرف الكلمة.



#بثينة_تروس (هاشتاغ)       Buthina_Terwis#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ابتزاز (الكاهن) في زمن الحرب
- يهود وإسلاميون في التيه!
- حين كذّب الكيزان رؤيا الحكيم!
- كامل إدريس.. الماسخ المكرور!
- الاعيسر مبعوث الكيزان لرجم الشيطان!
- جبريل.. من حصان طروادة الي دبابة المشتركة!
- موقف ثابت من تابت إلى طرة!
- حكوماتنا ومظالم نسوية مستمرة!
- هل يجرؤ الجيش على التبرؤ من كتائب البراء؟
- لا سبيل لمدنية في حكومة مليشيا!
- الجنرال العطا مرشد عسكري لفلول الحركة الاسلامية
- التمييز بين الطلاب وتأصيل الأحقاد!
- نساء في حواضن الدعم والجيش!
- روسيا من دنا عذابها الي اخت بلادي!
- للذين قالوا لا للمدنية من بريطانيا!
- كارتيلات اخوانية وشعب في محنة!
- الي متي يلد الجيش ويبارك الشعب؟!
- السفير شرفي وراية السلام في الظلام!
- الفريق العطا الجنرال والوصاية الجبرية!!
- مشمعات المفوضية سبب الشكية!


المزيد.....




- ماذا قال مبعوث ترامب عن المفاوضات بشأن اتفاق وقف إطلاق النار ...
- هل ستندلع حرب قريبة بين إيران وإسرائيل؟
- ما الذي فعله كمين بيت حانون بحسابات نتنياهو أمام ترامب؟
- ماكرون: لا نكيل بمكيالين ونريد وقف حرب غزة بدون نقاش
- ماذا قال محمد بن سلمان عن وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل ...
- حريق مهول يلتهم آلاف الهكتارات في كاتالونيا بسبب موجة الحر ا ...
- عواصف عنيفة تضرب وسط وشرق أوروبا وتخلّف قتلى ودماراً واسعاً ...
- تونس ـ أحكام بالسجن بحق سياسيين ومسؤولين سابقين بينهم الغنوش ...
- 110 قتلى في فيضانات تكساس وعمليات البحث مستمرة
- الحوثيون يبثون مشاهد لإغراق السفينة -ماجيك سيز-


المزيد.....

- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي
- مغامرات منهاوزن / ترجمه عبدالاله السباهي
- صندوق الأبنوس / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بثينة تروس - سقط معز! استفرغت خبايا النفوس ظلاماتها!