أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بثينة تروس - يهود وإسلاميون في التيه!














المزيد.....

يهود وإسلاميون في التيه!


بثينة تروس
(Buthina Terwis)


الحوار المتمدن-العدد: 8382 - 2025 / 6 / 23 - 07:37
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حين كانت أفنية الدور عامرة بمجالسنا التفاكرية، كنا نلتفّ في العصاري حول والدي رحمه الله، وهو يدير نقاشات منتداه بعمقٍ موشّح بالسخرية الذكية. سأل يومًا ابن عمّه، سليمان تروس، وهو رجل بسيط من عامة الطيبين، قويّ البنية، طويل القامة، جهير الصوت، وكان على الدوام فخورًا بمشاركته جنديًا في الجيش السوداني خلال حرب فلسطين عام 1948. بالطبع، كانت مشاركة الجيش السوداني حينها ضمن القوات المصرية، وتلك نقطة تستحق التأمل! علاقة التبعية تلك التي لم يتحرر جيشنا من إسارها حتى ما يسمي بحرب (الكرامة) اليوم. كان والدي يقول له ممازحًا (احكِ لنا عن قتالكم الصهاينة) فتتهلل أسارير عمي، ويأخذنا في حديثٍ شائق إلى أجواء المعركة، رغم أن الحديث يدور في النهاية عن هزيمةٍ لا نصر فيها. وكان والدي يختصر القصة ساخراً بقوله (يعني يا سليمان، هزمتم الإسرائيليين، والغنائم ساعات يد، وعدتم وفلسطين ما زالت تحت الاحتلال!). حينها، يبتسم عمي بفخر ويُرينا ساعةً معطوبة في معصمه الأيسر، ظلّ يعتز بها طيلة حياته.
وواصلت حكومة الحركة الاسلامية توظيف العاطفة في التحشيد. خرجت (أخوات نسيبة) دعمًا لغزة، وتبرّعن بحليّهن فيما عُرف بـ(جبل الذهب) يهتفن (يا حكام العرب في قصوركم، البسوا خماراتنا وأعطونا سلاحكم). في تلك الأثناء، كانت الحروب تدور رحاها داخل السودان ذاته، وكانت أجساد النساء في غرب البلاد مسرحًا للجرائم. وفي أروقة الجامعات، كان الولاء الاخواني لإيران يُرفع شعارًا (إيران، إيران، في كل مكان) بحالة عاطفية ظلت تتبني الجهاد في ضياع للبوصلة الأخلاقية.
واستمرت إسرائيل في تقوية جيشها، مستندةً إلى تشتت المسلمين وارتباك التحالفات، رغم وحدةٍ وجدانية، لم تنجح الا في مزيد قتل وتجويع للفلسطينيين. وفي دوران الصراعات حول ذاتها، تدخل دونالد ترامب المتهور مناصرًا لإسرائيل، وممارسات بنيامين نتنياهو التي عمّقت الانقسام العربي، منذ نقل السفارة الأميركية إلى القدس، في رسالة مفادها أن مصائر الشعوب في منطقة الشرق الأوسط باتت تُرسم بإرادة البيت الأبيض، دون اعتبار للقانون أو الإرادة الدولية. كما ان الحرب الدائرة الان بلعبة المصالح التي لا تُخفى، وبتنسيقٍ واضح مع واشنطن، وجّهت إسرائيل ضربات دقيقة لحكومة الملالي في طهران، بذريعة السلاح النووي، وهي الذريعة ذاتها التي دمّرت بها أميركا العراق من قبل. انتشت إسرائيل بنجاح صواريخها الذكية التي أصابت أهدافها بدقة، غير أن المشهد سرعان ما انقلب حين ردّت إيران بصواريخ فرط صوتية، خلّفت دمارًا غير مسبوق داخل العمق الإسرائيلي، فشهد العالم لحظة نادرة من الذهول، وجزعٌ، وهلعٌ بين المدنيين الإسرائيليين، وتزلزلٌ في ثقة الشارع بحكومة نتنياهو، التي بدت عاجزة أمام ضربة بهذا الحجم والدقة. فما كان من أمريكا بد غير التدخل السافر في الحرب ضد إيران.
في المقابل، اجتاحت صفوف المعارضين لإيران موجة من الابتهاج، إذ بدا لهم أن الحليفين، إسرائيل وأميركا، يسعيان إلى إسقاط النظام الإيراني الارهابي، الذي طالما أذاق شعبه القهر، وخاصة النساء، كما هي عادة أنظمة الإسلام السياسي، التي تصبّ جام عنفها على الجسد النسوي. كم شكت الإيرانيات من القتل والسجن والتعذيب، لمجرّد خلع حجاب، أو التعبير عن رأي، أو المطالبة بحريّةٍ سياسية أو دينية. غير أن هذا الفرح لم يدم؛ إذ سرعان ما خرج ترامب ليؤكد أن العملية لم تكن إعلان حرب، من أجل حقوق الانسان، بل مجرّد ضربة محدودة، لا تهدف إلى تغيير النظام. ونقل عن مسؤول أميركي رفيع قوله: "هذا آية الله الذي نعرفه، خير من آية الله جديد لا نعرفه"، في إشارة إلى أن واشنطن، رغم اشتراكها في الحرب، ما زالت تفضّل استقرارًا يخدم مصالحها على تغييرٍ قد يحمل مفاجآت لا تُحتمل.
أما حلفاء إيران، أولئك الذين ما زالوا يتشبّثون بأحلام الجهاد الإسلامي، وهزيمة إسرائيل، وانتصار القضية الفلسطينية بقوة السلاح، فقد ظنّوا أن اللحظة قد أزفت للقضاء على "الصهاينة"، فاشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي بحماسة مفرطة، تمجّد عظمة الصواريخ الإيرانية، وذكاء النظام في إخفاء المفاعلات النووية! وتبشّر بانكشاف الهيمنة الجوية الإسرائيلية، غير مدركين أن الحروب اليوم ليست كرًّا بالسيوف ولا طعنًا بالرماح، بل توازنٌ هشّ تحكمه التكنولوجيا، وسياقات الردع المتبادل.
لقد غفلوا عن أن اختراق الأجواء بقدر ما هو إنجاز عسكري فهو أيضًا مُتاح لكلا الطرفين بفعل تسابق التطوير التكنولوجي، وأن الدمار الناتج عن أي حربٍ شاملة لن يقتصر على البنية التحتية لتلك الدول فحسب، بل سيمتد ليزعزع استقرار جميع الشعوب بالمنطقة، ويهزّ ثقتها بحكوماتها، بما ينذر بمستقبلٍ سياسي غائم، لا يمكن التنبؤ بمآلاته. وقد تكون الحكمة الأبلغ من هذه الحرب أن البشرية، شرقها وغربها، مسلميها ويهودها، في ظلّ سباق التسلح النووي ومخاوفه المتصاعدة، باتت أحوج ما تكون إلى السلام، سلام يقوم على التعايش الإنساني لا الإقصاء، وعلى الشراكة في الموارد لا احتكارها، وعلى انصراف الحكومات إلى اسعاد شعوبها لا إغراقها في أوهام القوة المتخيلة. ولعمري، لعلّ هذا هو الموعود الحقيقي للبشرية، وإن طال انتظاره وتعثّر ظهوره.



#بثينة_تروس (هاشتاغ)       Buthina_Terwis#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين كذّب الكيزان رؤيا الحكيم!
- كامل إدريس.. الماسخ المكرور!
- الاعيسر مبعوث الكيزان لرجم الشيطان!
- جبريل.. من حصان طروادة الي دبابة المشتركة!
- موقف ثابت من تابت إلى طرة!
- حكوماتنا ومظالم نسوية مستمرة!
- هل يجرؤ الجيش على التبرؤ من كتائب البراء؟
- لا سبيل لمدنية في حكومة مليشيا!
- الجنرال العطا مرشد عسكري لفلول الحركة الاسلامية
- التمييز بين الطلاب وتأصيل الأحقاد!
- نساء في حواضن الدعم والجيش!
- روسيا من دنا عذابها الي اخت بلادي!
- للذين قالوا لا للمدنية من بريطانيا!
- كارتيلات اخوانية وشعب في محنة!
- الي متي يلد الجيش ويبارك الشعب؟!
- السفير شرفي وراية السلام في الظلام!
- الفريق العطا الجنرال والوصاية الجبرية!!
- مشمعات المفوضية سبب الشكية!
- صوت الكنداكات وتنابلة السلطان!
- هواهم يجافي جنيف والجنينة!


المزيد.....




- لبنان.. فرقة -ميّاس- تفتتح -مهرجانات الأرز الدولية- بعرض -ال ...
- الداخلية المصرية: إحباط مخطط -إرهابي- ومقتل ثلاثة أشخاص أثنا ...
- مصر.. -الوطنية للانتخابات- تعلن القائمة النهائية لمرشحي -الش ...
- مبعوث أميركا يصل بيروت -بشكل مفاجئ- لتسلّم الردّ اللبناني بش ...
- إلغاء جلسة محاكمة نتنياهو لإصابته بتسمم غذائي وإرجاء شهادته ...
- نزوحٌ يليه نزوح.. إسرائيل تصدر أوامر إخلاء جديدة وسط قطاع غز ...
- أحياء بجروح مفتوحة.. ماذا يعني أن تكون مصابا في غزة؟
- مركز بيو: 6 حقائق عن قناة فوكس نيوز ومن يتابع أخبارها
- حكومة الكونغو توقع اتفاقا بمجال المعادن مع شركة أميركية
- 9 قتلى وعشرات المفقودين في هجوم مسلح شمال نيجيريا


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بثينة تروس - يهود وإسلاميون في التيه!