أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابتسام لطيف الموسوي - بلا عنوان















المزيد.....

بلا عنوان


ابتسام لطيف الموسوي

الحوار المتمدن-العدد: 8393 - 2025 / 7 / 4 - 23:13
المحور: الادب والفن
    


"1"
في يومٍ مجهول كالعادة.. جاشت في داخلي رغبة ببلادة، وتساءلتْ عن أحلام الغد.. أسيكون فيها فرح؟...أم ان فضاءات الحزن ستتسع لتلتهم ما تبقى منا!!.
في ذلك اليوم شعرت بالملل، وكرهت ارتداء الابتسامات العابثة.. ربما لأنها ضاقت على تفاصيل وجهي؟!.. أو... ربما لأنها بُليَتْ بعد ارتدائها لوقت طويل؟!!... لا أدري..!!

"2"
هأنذا أهرب بخطوات هادئة، لأترك خلفي ألواناً من الماضي وطرقاتٍ أبلتها آثار أقدامي، هجرتها كما هجرتها شمس الأمس، وأصوات حروف كانت تروي قصة حب، وضحكات لم تكن تدري بأن الأرض بوار لا تُنبِت إلا أشجار الحزن.
كل خطوة كانت أشبه بصلاةِ الجاحد، في زمنٍ عابسٍ غابت عنه معالم الأمل، وطرقات تقود الى إحدى بوابات جهنم، أسير وحدي بلا بقايا، وكأن الحياة قد عادت، وسجنت في مهد غائب عنه النور.
مع كل نبضة قلب يتردد في داخلي صدى عن الف الف ذكرى منسية، في عوالم من التيه المنهك.. بدأت حكاياه بعدما تمرد ذلك المخلوق على بادئ خلقه، واستسلم الجسد لفتنة الغواية.

"3"
في دربي المجهول، رحت أستذكر آلاف الحكايا التي تتكرر كل يوم، تبدأ بشعور غامض ورغبة ساحرة تجتذب شخصين الى إحدى دهاليز الفوضى الهادئة، والتي تصيبهما بسحرٍ كالسُكْر، فيرقصان ويرقصان حتى في ساعات الحزن،.. أما أنا فاقف هناك عاريةً... (بكلماتي فقط) مخبأةُ بحروف من الضباب، لكنهم يكتشفون وجودي بالقرب منهم وحولهما، لذلك ابتعد وأسير بعيداً الى حيث لا أدري..

"4"
كنت اهرب.. واحاول الفرار من سحرك اليك.. وأنا أعلم أنك هناك وهنا ايضاً.. فكلانا غارق في هاوية الروح، نرقص كطيرين على مذابح القرابين العتيقة.
هناك.. عند تلك الكاهنة التي رتلت تعويذةَ عشقٍ ملعون، جلست كما جلست حواء، استمع لأغنيات الأفاعي عن شجرٍ ثماره حلوة، وعن ظلالٍ تداعب أحلام المتعبين من الملل، في ليالٍ لن يغب عنها ضوء القمر.

"5"
قد يبدو لغزاً شخصياً بالنسبة لهم، لكنه بالنسبة لي شيء آخر، قد يكون مجهولاً بالنسبة لهم، لكنه بالنسبة أكثر من مجرد حكاية، بدأت في وادٍ بعيد، بالقرب من منزلي، حيث التقيت بك أول مرة، فبالأمس تسللت الى مكانٍ لا زال يفوح بذكرياتي معك، تلك الذكريات التي تحلق كالفراشات حول شمعة تضيء الليالي الهادئة، تذكرتك عندما كنت ترمي كتابك لتلتقطني وكأنني قصيدة تبعثرت في لحظة صحو، تحاول ان تعيد ترتيب كلماتها في نشيد من الصخب والفوضى، وأجمل ما في الأمر انني كنت أنتظر ، واستمتع بالنظر اليك وانت تكتب على ........

"6"
بالأمس استفقت من حُلُمٍ، وأنا في الأصل أحلم.. كان ظلام الليل حالكاً عند باب المنزل المجهول، لا شيء يُرى لكن هناك شيء يتسلل، يهمس في صدري بكلمات لا أفهمها.. وبصوت لا أعرفه.. أحسست بأن الكلمات تدعوني للبعد، هل أبتعد عني؟!.. وألى أين سأذهب؟!.. فاختلاف الأماكن لن يغير من تشابه الأزمان، للحظة نسيت هذه الأفكار إذ شعرت بسقوط بعض قطرات المطر، ورحت أرقص تحت الغيوم، لكن المطر جاء بلا بلل...

"7"
في إحدى زوايا العقل، ينتصب صنم منحوت من الرمل.. تمثال لا يُعبد، لكنه يراقب كل خطواتي.. يتلصص على أحلامي ويقرأ ما كتب وما لم أكتب، وفي كل مرةٍ أراه أنادي: "ألا زلت هنا؟" وفي كل مرةٍ أجد الصمت جواباً لندائي.

"8"
هناك لحظات لا تعرف فيها ما إذا كنت تمسك بنفسك أم تفرّ منها.. الأفكار تتلوى كالدخان في دواخلنا.. هي بالتأكيد فوضى بلا معنى، لكنها محملة بشيءٍ مجهول.. في تلك اللحظات، أكثر ما نخشاه هو القرار.. والاختيار بين أن تظل ثابتًا، أو تنزلق مع التيار الذي لا يعد بشيء.

"9"
أعتقد أننا نسينا كيف تبدو الراحة.. نمشي بعينين مفتوحتين وفي أماكن لا نعرفها، ولا تعترف بنا، لا لأننا نبحث عن شيء جديد، بل لأن القديم لم يكن مشبعاً لرغباتنا.
أحيانًا، أقول لنفسي إن كل ما يلزمني هو بذرة واحدة من الفرح، لأقنع قلبي المتعب أن الحياة ما زالت ممكنة.. وأتساءل: أيعقل أنني أبحث في المكان الخطأ، وفي الوقت الخاطئ؟
ربما…

"10"
كلما أراك.. يخونني العقل، وتنبض الحواس كأنها تعزف لحنًا لا أعرفه، كلُّ ما فيك له سحر... يجعلني أراقب ابتسامتك، وحين تتحدث ألوذ بالصمت، لا لأنني لا أملك ما أقول، بل لأن جسدي يتكلم عني، لا أدري لما؟.. لكنني أعلم اني معك أجد شيئًا يُشبه الحرية.

"11"
تقترب أنت، فأدفعك، أو يحدث العكس، ففي كل الأحوال نعود الى نفس المكان الذي كنا فيه بالأمس. هو ليس حبًا كما في القصص، بل توترًا يشبه خيطًا مشدودًا بين الرغبة والخوف. فنحن فقط اثنان يكتبان لبعضهما بلغاتٍ لا تُحكى، ويرقصان بلا نغم.

"12"
هناك صوت يسكن داخلي.. لا يصرخ، بل يهمس، يسير في دهاليز المشاعر كزائر غير مُرحّب به، لكنه يعرف الطريق جيدًا. يوقظ رغبات مغمورة لا تُقال، كأنها نار تحرق ولا تشتعل.
كلما اقتربت منه، وجدت نفسي عاريةً من الكلمات التي كنت أستتر بها، ففي كل مرة يقول لي: " أنا هنا، فلا تختبئي مني"

"13"
لم تكن الكلمات يومًا غايتي. أنا لا أكتب لك لتقرأ، بل لتشعُر… أن في الكلمات شيئًا يعرفك، وإن كنت تجهله.. فأنا لا زلت أخبّئك بين السطور، كما تُخبَّأ أشياء الطفولة تحت الوسادة.
في كل جملة غير مكتملة، ترتجف نبرة تشبه صوتك حين تهمس بالذي لا يُقال. وفي كل استعارة، أجد شعوراً لا يمكن تفسيره، لكنه يسكنك كما يسكنك الحنين.
أنا لا أطلب شيئًا منك، لأنني اكتفيت بأن تمرّ على كلماتي وتتوقف عند تلك التي تعرفك، لعلك تعلم انني كتبت وإن لم تُذكر .

"14"
أشد لحظات الوجع تحدث عندما لا أسمع صوتي، فالليالي تنزف في جسدي كأمطار عالقة بين المواسم، تتركني لأترجف من اكتشافي بأني أرى ما لا يُسمع .

"15"
عندما لمستك بالأمس عند القمر، شعرت بشيء كنت أتوق إليه، لكني لم أعلم بوجوده من قبل. والليلة، أشتاق إليه، كما يشتاق العشب لأول الندى.

"16"
"أنا بخير"، تعويذة أرددها كي لا أسقط. أتدبر أمري كما يتدبر البحر موجه، وأنا وحدي، حتى تظهر في ذاكرتي وتُشعل كل ما ظننته منطفئ. ذكرياتك تفاجئني، تخرب هدوئي بحنانٍ ضائع. أنت الصوت الذي يعرف كيف ينادي رعشتي، وأنا الصدى الذي يتبع، دون مقاومة.

"17"
في دربي الذي لا ينتهي ألوذ بكبريائي عندما أشعر بأن صوتي يرتجف. أحاول أن أبدو هادئة، أن أتحدّث عن أشياء مختلفة، كالطقس، والكتب، والاسواق … لكن داخلي يلهث، كأن شيئًا فيك يوقظ قديمًا لا اسم له.
أمام تلك اللمحة من الحضور، الذي لا يلمسني، لكنّه يعيد كتابة الصمت بين كلماتي، وأنا - رغم خوفي - أريد أن يُراني أحد كما تراني انت، فلحظة التقاءنا ليست جسدية، بل اعتراف غير منطوق، أن هناك شوقًا لا يُكبح، لكنّه يعرف الأدب.

"18"
لطالما خشيتُ الظلام، ليس لأنه خالٍ من الضوء… بل لأنه كان ممتلئًا بأشياء لا أعلم إن كنتُ أنا من صنعتها أم هي.. كنت أنام قرب لهبٍ صغير، أراقب كيف ترقص الظلال على الجدران، كأنها تحاول إغرائي بأن أفتح لها ابوابي.
في تلك الليلة… سمعت همسة لم تكن من هذا العالم: "أخيراً جئتُ إليك، يا من تأخرت عني طويلاً."
تجمد الوقت. الثلج انهمر داخلي، وكان عليّ أن أختار: إما أن أهرب أو أستدير... لكني بقيت، وتساءلت: "لما تخفينني؟" فرد الصوت: "أنا أنتِ حين لا تراقبين نفسك، أنا الحب الذي لا ينتظر إذناً.. لا تتحركي... دعيني أكتب على الروح، احداث فصلٍ لم يكتمل بعد."
وأنا، بتلك الرجفة التي تشبه اعترافًا قديمًا أطلقت همسةً لا تراجع فيها، فأصبحت له مرآةً صافية لوجهٍ لم أجرؤ على مواجهته من قبل.

"19"
مُذ رأيتك وأنا أطارد ظلك في أزقة ذاكرتي، أحاول العثور على بقاياك في تلك الصور القديمة، أقف عند كل واحدةٍ منها لعلّي أرى تلك الوجوه التي لا زالت تهرب مني..
في إحدى دهاليز الزمن وجدت كرسياً فارغ ينتظر حديثاً منسياً، وفي رأسي ضجيج أسئلة ترفض النوم. هل أنا هنا فعلًا؟ أم أنني فكرة معلقة بين الحلم والحقيقة؟

"20"
في زاوية الغرفة، تقابل ظلّان.. الأول يشبهني... أو هكذا أظن. ينحني قليلاً، كما لو يحمل العالم على كتفيه، لكنه يبتسم، كأن الحمل هو ما يعطيه معنى.. أما الثاني... كان أكثر هدوءً... لا يحرك شفتيه، لكنه يتكلم بعيونٍ لا تعرف النوم. وحين أنظر إليه، أشعر أنني أراه للمرة الأولى.
كلاهما لا يمشي، بل ينتظر. ينتظر مني أن أختار من أكون. أن أكون العابرة دون أثر؟ أم الأثر الذي لا يحتاج لعبور؟... وبينهما أبقى أتنفس.. وأدرك أنني لست أحدهما، بل المسافة بينهما... ذلك الفراغ المحشو بالاحتمالات.

"21"
حين يهمسون باسمك يُغمض الليل عينيه وترتجف الأرض بين أنفاسي... كأن ذئبًا داخلي ينزع عني جلدي القديم، وأنا أرتجف لا من الألم، بل منك.. تلتف أنفاسي حولك كأنها تعاويذ قادمة من قرونٍ منسية، أو كأنها استدعاءٌ لطقسٍ لا يُنسى... فأنا لا زلت أشم عطرك في الهواء.. كأنه محمل بكلماتك المكتوبة بحبرٍ لا لون له...

"22"
حضورك في داخلي يجعلني أثمل، فأدور حولي كصوفي يرقص في حضرة مولاه، وكأن خطواتك تكتب على جسدي حروفًا لا أعرف نطقها، لكنّ روحي تحفظها... كلماتك لا تُقال لكنها تسبر أعماقي كرياح العاصفة، تشعل فيّ الرغبة بقراءة تلك السطور في كتابٍ هو انا وانت..

"23"
ألف قبلة قد لا تكفي.. ففي كل مرةٍ تتشبث شفتاي بك وكأنها الغرق، ثم تبتعد انت، وأنا… أبقى معلّقًة في مكانٍ لم أصل إليه بعد.. في كل مرة تلمسني، توقظ شيئًا كان نائمًا تحت جلدي، كأن نبضك يعلّق روحي على حافة شغفٍ جديد، لا يُقال… لكن يُرتجف له... ثم أبحث عنك بعد الغياب، كمن فقد جزءً من نفسه... والآن، أنا لا أريد حبًّا… بل تكرارًا لتلك القبلة، حيث ذهبت روحي، ولم تعد كما كانت.

"24"
في حضورك اكتفي بالتنفّس... في حضورك أشعر بأني وتر يرتجف الكون بأسره عندما يعزف.. أنت لا تأتي، بل تُفاجئني في كل مرة... أحاول لمسك بالكلمات، بالجمل الملتوية التي لا تُقال إلّا عندما ينام الضمير.

"25"
كان المساء طريًّا كقطعة موسيقى قديمة، والريح فيه تلاعب الستائر كما لو أنها تعرف قصة حب لم تكتمل بعد... جلست أمامك، وما بيننا مسافة قصيرة، مشتعلة بنداءات لم تُطلق.
كنت تبادلني النظر وكأنك تقرأ قصيدة تعرف نهايتها، لكنك تريد أن يمر كل حرفٍ فيها على مهل... أخبرتك حينها بأني "أحب الطريقة التي تفهمني بها دون كلمات." فاقترب نبضك يتسلل حتى صرت اشهق انفاسك، وفتحت لك ابواباً لا تحتاج إلى مفاتيح... وكما تتدفق المياه بين الحصى، بدأت أنفاسنا تتناغم في إيقاع صامت... في تلك الليلة لم يكن بيننا سوى لحن عزفه القلب على أوتارنا

"26"
اليوم، ذهبت الى المكتبة، وجلست وحدي في احضانِ الكتب، بين جدران صامتة، وذكريات غائبة، وتذكرتك حين دخلت في أعقابِ العاصفة، بخطى مترددة، لتجلس قربي، ويتلاشى كل ما حولنا، ويمرُّ الوقت، واللحظة تنمو كزهرٍ ناعم بين الكتب. أنت تقرء لي من صفحة خيالك، وأنا أرتشف صوتك كهمس المطر... في تلك الزاوية المنسية من العالم، صارت المكتبة ملاذا ومسكنا، تعبر من أمام الرفوف كمن يعبر إلى قلبي، وكل كتابٍ نلمسه، يُضيف سطرًا إلى حكايتنا.

"27"
أتدري؟... لم تكن زيارتي إلى المكتبة يومها بحثًا عن كتاب.. بل عن أثرٍ تركه غيابك... جلستُ في نفس الركن الذي التقينا عنده، أوراق مبعثرة، صمتٌ ثقيل له طعم الأيام الغابرة... ما زالت رائحة الأوراق تشبه عطرك، والمقعد المجاور لي يشبه ظلّك. لحظاتنا هناك لم تكن حلمًا، بل واقعًا صغيرًا خبأناه من عيون العالم... عندما عدتِ، لم تقل شيئًا... ولم أكن بحاجة لذلك. العينان تحدثتا، والذاكرة أخرجت صورًا لم تمسها الريح. ابتسامتك المترددة كانت كاعتذارٍ مبللٍ بالمطر.. مددتُ يدي، فأجابت يداك كأنهما تذكّرتا الرقصة القديمة... فتداخل الزمن، والكتب حولنا شهودٌ لا تفضح، وفي تلك اللحظة، كان الصمت أكثر طمأنينةً من ألف كلمة. لم نكن نلتقي فقط... كنا نعيد تعريف اللقاء.

"28"
لا زلت أحتفظ برسالتك التي لم تصلني، ولا زلت أحتفظ برائحتك في قميص لم أجرؤ على غسله... ولا زلت في كل مساء، أفتح النافذة قليلًا، وأنتظر أن يحمل الهواء شيئًا منك. لا رائحة، لا ظل، لا شيء... لكنّي أُبقي الشباك مفتوحًا، فقط لأشعر أني لم أُغلق عليك قلبي تمامًا.. أخشى أن أكتب لك فتغفر لي… لأن الغفران نهاية، وأنا أريد أن أظل في منتصف المعركة... ربما لأن الألم هو كل ما تبقّى لي منك.

"29"
أنا لا أتقن المواجهة. أكتب، ثم أمزّق، ثم أكتب من جديد. كأنني أحاول أن أجد جملة تليق بك، ولا تفضحني أمام نفسي... ربما لأني اعلم إن عدت، لن أقول شيئًا... سأضع كفّي فوق قلبك، وأنتظر أن ينطق نبضك بما عجز عنه صوتي.

"30"
أظنني أستحق هذا الصمت منك، ذاك الصمت الذي لا يخلو من حضورٍ يثقل الهواء حولي... قلها فهي كلمة واحدة فقط ، ودعها تلامس شفتيك، فأنا لا أريد صوتك، بل أثره. نكهة العبارة التي لم تخرج… بعد... فأنا لا أعرف من المجنون فينا: من ينتظر اعترافًا، أم من يحرّض الصمت؟.. فصمتك ليس فراغًا، بل ضجيجٌ أدمنته.

"31"
في تلك اللحظات الهامدة بين شهيق متقطع وزفيرٍ يتيم، أسمع صوتًا قديمًا، خافتًا، يشبه الطفل الذي كنتُه من زمنٍ سحيق، يناديني من الداخل، دون اسم، دون لوم، فقط ذكرى صغيرة تلوّح كأنها لا تزال تنتظر... أُمسك بجسدٍ غريبٌ لا أعرفه، لكنني أتشبث به… لا لأجله، بل لظلّ رجلٍ رحل قبل أن أتعلم كيف أقول "ابقَ".
تمرّ أجساد كثيرة من بوابات وحدتي، تزور الأماكن الأكثر صمتًا في داخلي، لكنها لا تعرفني. لا واحدة منها نطقت باسمي كما يجب. ولا واحدة قرأت حزني... وما زال الطفل في داخلي يراقبني بصمت، كأنّه يريد أن يسأل: "هل هذه هي الحياة التي وعدتني بها؟"

"32"
في يومٍ ما... في مكانٍ لا تذكره أي خريطة، ظهر جسد... لم يكن له اسم... لا علامة تدلّ عليه. فقط سيفٌ صدئ، وأثرُ دمٍ لا يُعرف مصدره، عيناه كانتا تمطران دمعا… لا يراه أحد. الناس تمرّ، والضجيج لا يلتفت، والجدران تتشقّق من الداخل، ثم تعود لسكونها الجاف... كان يجلس أحيانًا على الأرصفة.. قالت له السماء: "لا روح لك، ولا وطن." حتى ظله صار يرتجف، لكنه لم يصرخ... بل رفع سيفه إلى السماء، وسأل: "إن كنت بلا هوية… فلماذا أشتاق؟ وإن كنت منفيًّا من الروح، فلماذا أتألّم؟.. ولم تأتِ الإجابة.

"33"
كان الليل متأخرًا حين دخلت غرفتي بالفندق، أبحث عن لحظة من السكون بعد رحلة طويلة أنهكتني. وضعت رأسي على الوسادة، على أمل أن تحتويني الغفوة الأولى... لكن من الغرفة المجاورة… تسللت ضوضاء. لم يكن ضجيجًا عابرًا، بل أصواتًا متقطعة، لاهثة، مشحونة بما لا يُقال... حاولت أن أغمض عيني، لكن كل صوت كان كأنما يُطرق داخلي، لا من الجدار... كان الليل أبرد من العادة، والسرير أوسع مما أحتاج، والأفكار أكثر زحفًا من صمت الجدار... أدركت حينها أنني لست مستاءً من الضوضاء، بل من يقظتي التي تجرّني إلى مناطق لم أزورها منذ زمن، إلى حنينٍ لم أعرف لمن هو موجّه بالضبط…

"34"
تشعلني رغبة لا اسم لها، تسكن جسدي، تتوق إلى اللمسة، التي لا تداوي... أحتاج إلى من يرى خلف وجهي، من يعترف بأن في داخلي عاصفة، وفي العاصفة... صلاة...أعلم أنني هشّة حين أكون صادقة، لكنني لا أخشى الانكشاف... كل خدشٍ يرسم خارطةً للنجاة، و تحكي عنّي، عن امرأة تقف على الحدّ، ولا تطلب النجدة، بل تطلب أن يُصغى إليها.

"35"
أنا فقط... أحب تلك الطريقة التي تبقيني يقظة، كما لو أن الأرض تحت قدمي ليست أرضًا، بل شغفٌ متحرّك يُجبرني أن أمشي بخفّة، أن لا أُصدِر صوتًا، أن أرتبك بحلاوة المراقبة... الحب… ليس ضوءًا، بل قوسٌ من حضور يسطع خلفي، يعرف تمامًا كيف يسكن ظلي دون أن يلمسه. يتسلل في إيقاعٍ يعرف متى يتباطأ، ومتى يسرق النفس بسرعة مفاجئة. أشعر به، لكنني لا أراه.

"36"
لم يكن الزمن يتحرك هنا. أنا فقط، محاصرة خلف هذا السطح البارد، أراقب العالم كما يُراقب طفل نافذة القطار دون أن يعرف إلى أين يسير. أنا لست خيالًا... أنا تلك التي أسكتت قبل أن تتعلم كيف ترفع صوتها. سُلبت كلماتي في طفولتي، وركنوا بي داخل هذه المرآة، حيث لا أحد يسمع، ولا أحد يلمس، لكن كل شيء يُشعر.

"37"
في ممرٍ من حجرٍ بارد، تمشي امرأة بلا اسم... تحمل على كتفها وشمًا باهتًا يشبه جناحًا مُكسورًا، وعينًا لا ترى سوى الألوان التي اختبأت خلف الضوء.. كل ليلة، حين تضع رأسها على الأرض، تسمع اللحن ذاته، مقطوعة لم تُكتب بعد، لكنها تعرف أن جسدها يحفظها في ذاكرته. يشتعل فيها وهجٌ لا يأتي من الرغبة، بل من المعرفة التي أحرقت خيوط الأمل.



#ابتسام_لطيف_الموسوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محاولة للكتابة - 47 -
- مجرد ضيف
- محاولة للكتابة - 46 -
- محاولة للكتابة - 45 -
- محاولة للكتابة - 43 -
- محاولة للكتابة - 44 -
- محاولة للكتابة - 42 -
- محاولة للكتابة - 41 -
- محاولة للكتابة - 40 -
- محاولة للكتابة - 39-
- محاولة للكتابة - 38-
- محاولة للكتابة - 37-
- محاولة للكتابة - 35-
- محاولة للكتابة - 36-
- محاولة للكتابة - 34-
- محاولة للكتابة - 32-
- محاولة للكتابة - 33-
- محاولة للكتابة - 30-
- محاولة للكتابة - 31-
- محاولة للكتابة - 29-


المزيد.....




- -ميتا- تعتذر عن ترجمة آلية خاطئة أعلنت وفاة مسؤول هندي
- في قرار مفاجئ.. وزارة الزراعة الأمريكية تفصل 70 باحثًا أجنبي ...
- -بعد 28 عاما-.. عودة سينمائية مختلفة إلى عالم الزومبي
- لنظام الخمس سنوات والثلاث سنوات .. أعرف الآن تنسيق الدبلومات ...
- قصص -جبل الجليد- تناقش الهوية والاغتراب في مواجهة الخسارات
- اكتشاف أقدم مستوطنة بشرية على بحيرة أوروبية في ألبانيا
- الصيف في السينما.. عندما يصبح الحر بطلا خفيا في الأحداث
- الاكشن بوضوح .. فيلم روكي الغلابة بقصة جديدة لدنيا سمير غانم ...
- رحلة عبر التشظي والخراب.. هزاع البراري يروي مأساة الشرق الأو ...
- قبل أيام من انطلاقه.. حريق هائل يدمر المسرح الرئيسي لمهرجان ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابتسام لطيف الموسوي - بلا عنوان