أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حميد زناز - ميشال فوكو في طهران: حين يعانق الفكر جلاده















المزيد.....

ميشال فوكو في طهران: حين يعانق الفكر جلاده


حميد زناز

الحوار المتمدن-العدد: 8392 - 2025 / 7 / 3 - 13:49
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لم تكن زيارة ميشال فوكو إلى طهران إبان ثورة الخميني مجرّد تغطية صحفية، بل كانت انبهارًا فلسفيًا غريبًا بثورة ترتدي العمامة وتحلم بالحقيقة المطلقة. أن يحتفي أحد عمالقة الفكر الغربي بثورة دينية تهدد أبسط مبادئ الحداثة، فذلك ليس مجرد سوء تقدير، بل زلزال أخلاقي وفكري. فهل كان فوكو ضحية سحر شرقي قديم؟ أم أنّه اختار، عن وعي، أن يعانق جلاده باسم “الاختلاف” و”الروح الثورية”؟

في هذا المقال نعيد قراءة فوكو في طهران: لا بوصفه مراسلاً أو متفلسفًا، بل شاهدًا على لحظة انكسار الفكر أمام الإغواء الأيديولوجي.

يتساءل الكثير من العلمانيين في منطقتنا عن سبب “العماء” اليساري تجاه الأصولية الإسلامية في فرنسا وفي الغرب عموما. ويكاد بعضهم يستهجن مصطلح “الإسلاموية – اليسارية” ويستغرب المزج الغريب بين الأصولية واليسار! في فرنسا لم يعد اليسار المتطرف وفصيل واسع من اليسار الاشتراكي والإيكولوجي يخفي نفسه بل أصبح متحالفا ومدافعا عن الإسلاميين علانية.

في الحقيقة تقف عوائق نفسية ومعرفية ومنهجية كثيرة أمام فهم اليسار بصفة عامة للمسألة الأصولية وهي عوائق كثيرا ما أضلت أغلب الغربيين سواء السبيل وجعلتهم يعجزون عن إدراك ما يحدث فيتصرفون ضد مصالحهم و إن لم يشعروا: لقد تحوّل التنوع الذي كانوا ينشدون إلى كابوس أصولي يقضّ مضاجعهم.
وهذا الانبهار بالشمولية ليس وليد السنوات القليلة الماضية كما يظهر من خلال حزب “فرنسا الأبية” وتوابعها بزعامة جون لوك ميلنشون بل الداء أقدم وقد مسّ مثقفين من الطراز الأول.

يبدو أن المثقف الفرنسي سرعان ما ينبهر بالطغاة بداية من فلاديمير لينين والثورة البلشفية ومرورا بماو تسي تونغ وثورته الثقافية ووصولا إلى آية الله الخميني وثورته الإسلامية الأصولية. قبل 45 عاما ناصر الكثير من المثقفين الفرنسيين البارزين آنذاك ثورة آية الله الخميني الإسلامية بكل حماس ولم يروا فيها أدنى خطر. طلّقوا حسهم النقدي المعتاد الذي كان يشك في كل شيء وراحوا يبتهجون بثورة الملالي التي كان واضحا أنها ستؤول بسرعة إلى واحدة من أسوأ الدكتاتوريات على الإطلاق: ثيوقراطية شيعية، أساسها شريعة مفترضة تؤسس لولاية الفقيه، سلطة رجل الدين المطلقة. من بين المنبهرين أو “الحمقى المفيدين” المبكرين: بطل التحليل النفسي ميشال فوكو.

فما هي الأسباب التي جعلت عالم النفس المبجّل في فرنسا وخبير الجنون يرى في جنون الخميني ومناصريه “روحانية” تفتقدها السياسة في الغرب؟ ما أذهله في إيران، يكتب، هو عدم وجود نزاعات بين عناصر مختلفة، لقد رأى جبهة شعبية واحدة ضد الدولة المتسلطة.. هل يعقل أن يتم إنكار التمايز الاجتماعي والإثني والديني والسياسي بهذه السهولة من لدن عقل من أشهر العقول الغربية في القرن الماضي؟ ألا يمكن تصنيف موقفه ضمن نظرة بعض الغربيين الذين ينظرون إلى المسلمين والعرب -ببراءة أحيانا- نظرة تأحيدية: إله واحد، حزب واحد، شعب واحد، زعيم واحد وأربع زوجات!

كيف يمكن لرجل مثل ميشال فوكو أن يسقط في مناصرة حركة فاشيستية مثل الخمينية بمجرد أن ترفع لواء الدين وتعادي الأمر الواقع العالمي رغم معايشته المباشرة لأحداث طهران حيث كان مبعوثا صحافيا لجريدة “كوريير ديلا سيرا” الإيطالية والأسبوعية اليسارية الفرنسية “لو نوفال أوبسرفاتور” التي كانت ترى بدورها في أحداث إيران سنة 1979 فتحا ثوريا وسياسيا جديدا؟
لئن برّر وجوده كصحافي في إيران أيام التمرد رغم أنه لم يمارس الصحافة من قبل بقوله المشهور “لا بد من أن نوجد حينما تولد الأفكار،” فإنه لم ير الأفكار الفاشية الدينية وهي تولد، على الرغم من وجوده في عين المكان ومقابلته للخميني ذاته وللكثير من المتواطئين معه. لو ألقى نظرة ولو خاطفة على كتاب الخميني حول “الحكومة الإسلامية” -وهو ما يفعله أي صحافي جدي- لكان قد تنبّه إلى الأخطار التي كانت تولد. ولكان قد أدرك السطو الذي كان يمارسه الملالي على حركة شعبية متنوعة المشارب ومصادرتهم إياها بالقوة.

هل حقّق الملالي حينما نصبوا أنفسهم أوصياء على الشعب الإيرانيّ وعاثوا في حقوق الإنسان فسادا بتكميم أفواه المعارضة وتكفين النساء في تشادورات وفرض أخلاقوية قروسطية على المجتمع ما كان يراه ميشال فوكو شكلا من أشكال “الروحانية السياسية” المفتقدة حسبه في أوروبا المعاصرة؟ هل صحيح أنّ ما شاهده وكتب عنه بإعجاب كان تمردا فريدا على النظم العالمية، كما كان يقول؟ هل كانت “الثورة الإيرانية” انتفاضة شاملة فعلا على السلطة كما كان يدّعي؟

ماذا كان يمكن أن يقول لو كان حيا يرزق عن الوضع “الروحاني” الذي آلت إليه بلاد القوميات المقموعة تحت عباءة ولاية الفقيه؟ ما هي الوصفة التي كان يمكن أن يهديها للإيرانيات لتهدئة غضبهن وللتخفيف من أوجاعهن اليوم من جراء ما أصابهن من ويلات تحت نير “السياسة الروحانية” التي بشر بها وتحمس لها آنذاك؟

لم يعر صاحبنا أدنى اهتمام للتحفظات التي أبدتها الكثير من الجمعيات النسوية ومخاوفها المبكرة من المسار الخطير الذي كانت تنزلق نحوه تلك الحركة التي حولها الإسلاميون إلى حركة رجعية، والتي سميت زورا “ثورة”.
هل كان ولع فوكو بالموت وراء إعجابه بالمتطرفين الإسلاميين العاشقين للشهادة؟ تحدث فوكو عن “فتح بُعد روحي للسياسة”، فهل هذا الفتح المبين هو تلك المحاكمات المخجلة والإعدامات العلنية لليساريين والديمقراطيين وكل المعارضين لجنون آيات الله؟ هل فات صاحب “المراقبة والعقاب” أنّ الحكم الدينيّ مولع دوما بقطع الرقاب؟ نقرأ في نهاية مقالته “بماذا يحلم الإيرانيون؟” ماذا يعني لسكان هذه الأرض البحث عن شيء قد يكلفهم حياتهم، البحث عن شيء نسينا إمكانية إيجاده منذ عصر النهضة وأزمة المسيحية الكبرى ألا وهو “الروحانية السياسية”.

ويضيف “أكاد أسمع الفرنسيين يضحكون، لكنني أعرف أنهم على خطأ.” لا أحد يضحك اليوم بل العبارة تثير شفقة من يعرف ما يعانيه الإنسان في إيران.

حينما يأتي يوم تعاد فيه كتابة “تاريخ الجنون” بموضوعية، سيكون فيه لفترة “الجمهورية الإسلامية” نصيب وافر من الصفحات وسنقف على تفاصيل سقوط ميشال فوكو في فخ “التقية” الشيعي. هل كان موقف فوكو من الخمينية مجرد هفوة، أساء فيها فهم الأحداث أم أن القضية تتعدى إلى وجود صلة ما بكل كتاباته النظرية ورؤيته الفلسفية؟

ربما لم يكن فوكو ساذجًا، بل كان مغويًا بفكرة الثورة بوصفها حدثًا يتجاوز التصنيفات الأخلاقية والسياسية. لكنه أخطأ التقدير حين رأى في الخمينية صرخة وجودية ضد الحداثة الغربية، وتغافل عن أنها كانت تأسيسًا لنظام يقدّس الطاعة ويسحق الفرد باسم الإيمان.

لقد عانق الفكر جلاده بالفعل، لا لأنّه لم يكن يعرف، بل لأنه أراد أن يصدّق ما يخالف الحدْس والتاريخ والمنطق. وهنا يكمن جرح فوكو الأخلاقي: ليس في انبهاره، بل في صمته بعد انطفاء وهج الثورة وبزوغ كابوسها.

يقول فوكو و”كل معرفة هي سلطة، وكل سلطة تنتج معرفة،” لكن ماذا تنتج المعرفة حين تُرسّخ السلطة باسم الدين؟ وهل تبقى الفلسفة حيّة حين يعانق مفكروها جلّاديها؟

في طهران، لم يسقط فوكو وحده؛ بل سقط معه وهم الحياد الفلسفي حين يواجه الطغيان المقدّس.



#حميد_زناز (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إلى متى نتجاهل الفيلسوف السعودي عبدالله القصيمي
- أنا أو الطوفان.. وجه أردوغان الحقيقي
- في استحالة النصر العسكري اليوم
- ماذا تبقى من جان ماري لوبان
- هل خوفًا من -ما بعد الأسد- تريدون سوريا ما قبل الأسد.. إلى ا ...
- لماذا سيفوز دونالد ترامب على كامالا هاريس
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
- لا حل في حل البرلمان.. فرنسا نحو المجهول
- لهذه الأسباب سيحكم حزب مارين لوبان فرنسا
- مؤسسة تكوين/ الازهر ذراع داعش الايديولويجية
- الأمم المتحدة: لماذا تعادي العلمانية
- سقوط الغرب.. ذلك الوهم المزمن
- كيف يتفلسف اليابانيون
- الغرب.. المرض العضال للشرق الإسلامي
- الفريق الوطني الجزائري، ذلك الفشل المبرمج
- لماذا نحن شعوب انتحارية تمجّد الموت ؟
- ما يؤخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة .. تلك الاكذوبة الكبرى
- رسالة من المثقفين العرب إلى مثقفي الغرب.. سطحية و أصولية مست ...
- أخطار بقاء حماس في السلطة بعد الحرب
- طوفان الأقصى .. أغرق غزة


المزيد.....




- مشروع قانون أميركي لتصنيف -الإخوان- كجماعة إرهابية
- الجهاد الاسلامي تؤكد على وقوفها إلى جانب الشعب السوري في موا ...
- خبير دولي: العميل الحقيقي هو من يزرع الفتنة الطائفية في سوري ...
- الطائفية الانتخابية.. قناع الفشل السياسي في سباق البرلمان
- وزير الأوقاف الفلسطيني: المسجد الإبراهيمي ملكية خاصة للمسلمي ...
- “مغــامرات جني”.. تردد قناة طيور الجنة 2025 الجديد للأطفال ع ...
- ألمانيا: السجن لنجم تواصل اجتماعي سلفي لإدانته بالاحتيال
- كيف بنى تنظيم الإخوان شبكته المالية السرية في الأردن؟
- الرئاسة الروحية للطائفة الدرزية تنفي التوصل لاتفاق لوقف إطلا ...
- مسيحيو فلسطين يشتكون إلى بابا الفاتيكان عنف المستوطنين الإسر ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حميد زناز - ميشال فوكو في طهران: حين يعانق الفكر جلاده