أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صالح سليمان عبدالعظيم - !!محافظون وثوريون















المزيد.....

!!محافظون وثوريون


صالح سليمان عبدالعظيم

الحوار المتمدن-العدد: 1813 - 2007 / 2 / 1 - 11:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كثيراً ما يحيرني ذلك التفاوت بين الفكر المحافظ المتوحد مع العادات والتقاليد والأوضاع القائمة، والفكر الثوري الراديكالي الراغب في التغيير الجذري للفضاء الاجتماعي السائد. وكثيراً ما كنت أسأل نفسي ما الذي يجعل شاباً في مقتبل حياته يمتثل لعادات بالية عفا عليها الزمن، ويتوحد مع بنى راكدة وجامدة؟ وما الذي يجعل شيخاً في أخريات أيامه يُقبل على تبني وطرح أفكار ومقولات جديدة تبدو لأبناء مجتمعه متنافية مع العقد الاجتماعي المتعارف عليه؟

لايمكن أن نحدد أسباباً قاطعة لما يجعل شخصاً ما محافظاً، وما يجعل شخصاً آخر ثوريا. فهذه الإنتماءات ترتبط بأسباب عديدة منها النشأة والتربية والسياق الأكاديمي والثقافي، وشلة الأصدقاء، إضافة إلى طبيعة السياق المجتمعي وتوجهاته الفكرية المختلفة. وحتى هذه الأسباب تتفاوت في تأثيراتها من شخص لآخر، ومن سياق لآخر، ومن مجتمع لآخر. ففي أحيان كثيرة نجد شخصاً محافظاً ينتمي لنفس الأسرة التي أنتجت شخصاً آخر بالغ الثورية، كما أن المدرسة نفسها قد تنتج أشخاصاً محافظين، كما قد تنتج أشخاصاً آخرين ثوريين. فمسألة تقبل الأفكار والتعايش معها والتوحد والإلتصاق بها، مسألة معقدة ومتعددة الأسباب.

كما أن الأشخاص أنفسهم يتحولون عبر مسيرتهم الفكرية من فكر محافظ إلى فكر آخر ثوري، والعكس أيضاً صحيح. ولدينا في العالم العربي العديد من الأسماء الفكرية اللامعة التي جربت العديد من ضفاف الفكر وتحولاته المُضنية. فالبعض منهم إنتقل من أقصى اليمين المحافظ إلى أقصى اليسار الثوري، كم أن بعضهم قضى معظم حياته بين الأحزاب الشيوعية الراديكالية، لينتهي به المطاف بين رحاب الإتجاهات الدينية المحافظة!!

وتاريخ الحضارات الإنسانية منذ بداياتها الغابرة وحتى الآن هو تاريخ الصراع بين الفكر المحافظ والفكر الثوري؛ فما من حضارة بشرية تقدمت وانتشرت وتسيدت إلا ومرت بهذا الصراع بين الأفكار المحافظة وتلك الثورية. ويختلف شكل الصراع من مجتمع لآخر ومن حضارة لأخرى ومن فترة زمنية لأخرى. ونحن هنا لسنا في معرض التمييز بين الجانبين، المحافظ والثوري، فكلاهما هام ولازم لأي مجتمع إنساني. ففي مراحل معينة يستند المجتمع إلى طروحات محافظة، كانت في وقت من الأوقات ثورية، ويتملقها ويساهم في تأبيدها، لما تنطوي عليه من إمكانيات ترتبط بالحفاظ على المجتمع واستمرارية بنياته وقيمه وأفكاره. وفي مراحل أخرى يلفظ المجتمع هذه الأفكار، وينقلب عليها، وينشد أفكاراً جديدة ثورية ومغايرة لما تعودت عليه الجماعة الاجتماعية.

واللافت للنظر هنا أنه لا توجد أفكار محافظة وأفكار ثورية في حد ذاتها، فهى محافظة أو ثورية بالقياس لما يراه أفراد المجتمع ويحكمون عليه. فالأفكار تختلف باختلاف الأزمنة، وباختلاف الأجيال التي تحكم عليها وتتناولها. بمعنى آخر أن المسألة رهن في التحليل النهائي بأحكام المجتمع ورضا أفراده. وكلما كان المجتمع قادراً على الإنتقال من مرحلة فكرية لأخرى بسلاسة وقبول اجتماعي واسع المدى، كلما إستطاعت الأفكار ذاتها أن تجرب نفسها، وتختبر قدراتها، بالطبع لفترة من الزمان حتى يتم إحلالها بأفكار أخرى جديدة، وهكذا دواليك. ومسيرة المجتمعات الغربية منذ عصور التنوير وحتى الآن تمت بمثل هذا الإنتقال من مدرسة فكرية لأخرى ومن تيار فكري لآخر. ويجب أن نضع في اعتبارنا أن إنتقال الأفكار لا يخلو في الكثير من الأحيان من أوجه صراعية محتلفة، لكن قدرة المجتمعات على تجنب الصراعات الحادة الممزقة لها تسمح بتنوع الأفكار وقبولها، كما تسمح بالمزيد من اختبار الأفكار الجديدة الثورية.

وتتهدد المجتمعات الإنسانية حينما يصيبها ذلك الإنشطار بين فكر محافظ وفكر ثوري. فأصحاب الأفكار المحافظة يرون أنهم أحق بقيادة المجتمع، هم أنبياء وسدنة الأخلاق والقيم والعادات والتقاليد والتراث، بينما أصحاب الأفكار الثورية يرون أنهم الأحق من حيث أفكارهم الجديدة التقدمية النهضوية، فهم أنبياء التغيير وسدنة التجديد والتحديث والتنوير. وحينما يقع المجتمع تحت وطأة هذا الإنشطار تتصارع القوى الاجتماعية الحاملة لهذه الأفكار صراعاً مريراً ليس من أجل تطوير المجتمع، ولكن من أجل مصالح شخصية ضيقة تقود المجتمع إلى الخراب والتفكك والإنهيار والركود. والمجتمعات البشرية التي تقع ضحية لهذا النوع من الإنقسام والإنشطار الفكريين تظل راكدة وثابتة، لا تتحرك إلى الأمام، ولا تُغلق ملفات الجدل العقيم. تتحرك من حولها الأمم والشعوب وتتقدم، بينما هى راكدة وجامدة في عبثية مناوشاتها ومناطحاتها الجدلية العقيمة.

والشاهد أن هذا هو الحال في عالمنا العربي منذ ما يزيد على قرن من الزمان، وبشكلٍ أكثر تحديداً منذ بدايات القرن العشرين، حيث فجر النهضة العربي الحديث. فمنذ ما يزيد على المائة عام، استعر الصراع بين تياريين فكريين، أحدهما محافظ ينشد القيم والأخلاق والتراث والتقليد، والآخر ثوري تقدمي ينشد التغيير والنمو والتقدم. ومنذ ذلك التاريخ تحول العالم العربي إلى المزيد والمزيد من هذا الإنقسام الفكري الحاد، الذي وصل إلى حد الإستعداء والصراع العنيف بين الطرفين. ومنذ ذلك الحين لم تتقدم المجتمعات العربية تقدماً حقيقيا، بقدر ما أخذت تلتف حول ذلك الإستقطاب الفكري الحاد بين الإتجاهات الفكرية المحافظة والثورية. فمن يصدق أن مسألة الحجاب مازالت تُثار منذ ما يزيد على المائة عام في العالم العربي، ومن يصدق أن الكثير من الجدل والمعارك الفكرية مازالت سارية المفعول حول عمل المرأة وخروجها من المنزل، ناهيك عن العديد من المعارك الفكرية الأخرى الفارغة من المعنى والمضمون مثل صلاحية الديمقراطية ومدى إتفاقها مع عاداتنا وتقاليدنا، والتعامل مع الآخر الغربي، والإستعانة بمنتجاته التكنولوجية. وأخيراً وليس آخراً تلك القضايا المتعلقة بالعدل الاجتماعي وكيفية تطبيقه في العالم العربي.

لم يفلح العالم العربي عبر هذا الإنشطار الفكري الحاد في غلق أي من هذه الملفات الساخنة، حيث استمرأت القوى الاجتماعية على الجانبين مناقشة هذه القضايا وتناولها والإستفادة من إثارتها. فلم يفلح المحافظون أن يقدموا تفسيرات جيدة لهذه القضايا، وارتكنوا إلى أحكام أخلاقية دينية، أوصلتهم في الكثير من الأحيان إلى تكفير الطرف الآخر المعارض لهم. كما لم يفلح الثوريون على كافة أشكالهم ومشاربهم الفكرية أن يقدموا تفسيرات فكرية تراعي خصوصية المجتمعات العربية، حيث استعلوا بثوريتهم، وتفسيراتهم التقدمية على الآخرين، بطريقة أوصلتهم في النهاية إلى إتهام الطرف الآخر بالتخلف والجمود.

ورغم غلبة التيارات المحافظة على عالمنا العربي، بسبب من التخلف المجتمعي العربي العام، وبسبب من تلك القشرة الأخلاقية المفتعلة التي تدغدغ مشاعر الملايين من الأميين في عالمنا العربي، فإن المنتمين لهذا التيار لم يستفيدوا من ذلك الزخم الشعبي بتثوير أنفسهم، وبخلق تفسيرات جديدة تتيح لهم التعامل الحى الواعي مع متغيرات العصر، وتقلباته المختلفة. حيث اكتفوا بالملايين الذين يتبعونهم، ويُقبلون على تفسيراتهم الأخلاقية الدينية المحافظة. كما أن الثوريين، استمروا في طروحاتهم المفارقة لمجتمعاتهم، المستوردة غالباً، رغم تقدميتها وألمعيتها، ولم يحاولوا أن يقدموا تفسيرات جديدة تتسق مع الواقع المجتمعي المعيش، ومع ظروف الملايين من الفقراء والأميين. وعلى ما يبدو أن المحافظين في عالمنا العربي يحتاجون الآن أكثر من أي وقت مضى إلى تثوير أفكارهم، كما أن الثوريين يحتاجون إلى المزيد من تهذيب أفكارهم، وإكسابها بعض اللمسات المجتمعية الواقعية. وفي كل الأحوال يحتاج الطرفان إلى أن يُدركا أن واقع الحال العربي المعاصر لم يعد يمتلك ترف العراك بينهما من أجل مصالحهما الشخصية الضيقة، فما أحوج الأمة الآن للتبادل السلمي للأفكار والمقولات والإتجاهات التي تصب في الصالح العام، وتساعد على غلق الملفات العقيمة التي مر على فتحها الآن أكثر من قرن من الزمان.




#صالح_سليمان_عبدالعظيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أزمة العلوم الاجتماعية في العالم العربي
- !!أستاذ الجامعة بين استحكامات البنية واستحقاقات المهنة
- ذووا الدم البارد والعقلانية الخبيثة
- !!مذكرات سمير أمين وعصر الرأسمالية الشائخة
- نهوض المرأة في تقرير التنمية الإنسانية العربية الرابع
- !!لا تعايرني ولا أعايرك
- البنية النفسية لذوي الجنسيات المزدوجة
- الأستاذ شعارات
- الصحافة العربية والإنفلات الإلكتروني
- بقايا الوعى بين مخاطر الاستعلاء وأوهام الاستقواء
- !كفاية، إحنا وصلنا للنهاية
- الإخوان المسلمون والإخوان الأقباط
- جسد المرأة في القنوات الفضائية العربية
- نخب الأقليات والنموذج الإسرائيلي
- أشكال العنف ضد المرأة
- تقرير الأمم المتحدة حول العنف ضد الأطفال
- !عمارة يعقوبيان- عمارة كل العرب-
- من أسئلة الحمقي إلي حمق الكتابة
- ملف التوريث في العالم العربي
- -هاي- سذاجة أمريكية!!


المزيد.....




- مصر.. ماذا نعلم عن إبراهيم العرجاني بعد تعيينه رئيسا لاتحاد ...
- واشنطن وطوكيو تخصصان 3 مليارات دولار لتطوير صاروخ جديد يعترض ...
- هل ما يزال مكيافيلي ملهما بالنسبة للسياسيين؟
- سيناتور أمريكي ينتقد تصرفات إسرائيل في غزة ويحذرها من تقويض ...
- خطأ شائع في تنظيف الأسنان يؤدي إلى اصفرارها
- دراسة: ميكروبات أمعاء الأب تؤثر على نسله مستقبلا
- بعد 50 عاما من الغموض.. حل لغز ظهور ثقوب بحجم سويسرا في جليد ...
- خبراء: هناك ما يكفي من الماء في فوهات القمر القطبية لدعم الر ...
- الضغط على بايدن لمخاطبة الأمة إثراندلاع العنف في الجامعات
- السلطات الإسرائيلية تؤكد مقتل أحد الرهائن في غزة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صالح سليمان عبدالعظيم - !!محافظون وثوريون