أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صالح سليمان عبدالعظيم - بقايا الوعى بين مخاطر الاستعلاء وأوهام الاستقواء















المزيد.....

بقايا الوعى بين مخاطر الاستعلاء وأوهام الاستقواء


صالح سليمان عبدالعظيم

الحوار المتمدن-العدد: 1780 - 2006 / 12 / 30 - 12:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا يمكن لأى مراقب خارجي محايد لأوضاع العالم العربي أن يتجاهل تأثير الفوضى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفكرية على خطاب المثقفين العرب وكتاباتهم المختلفة، كما لا يمكنه تجاهل أثر ما يحدث على تشكيلة بنية الوعى الخاصة بهم. فمما لا شك فيه أن ما يحدث في العالم العربي من تحولات جارفة يلقي بظلاله الباهتة على قدرة المثقفين على استيعابه والإلمام بجوانبه المختلفة، بشكل يكشف عن جوهر هذه التحولات والعوامل التي أدت إليها، ناهيك عن طرح حلول لها. وهو الأمر الذي يؤدي إلى خلق وعى مزيف غير مرتبط بحقيقة هذه التحولات، حيث يقف عند العابر منها والمصلحي القطري الضيق، أكثر من وقوفه عند العميق والمتجذر في بنياتنا العربية المعاصرة.

وإذا كانت هذه التحولات قد أثقلت كاهل بعض المثقفين بسبب حدة سرعتها وتأثيراتها واسعة النطاق، فإن البعض الآخر قد وجد في فوضى التحولات القائمة فرصته من أجل التعبير عن أطر فكرية ومصالح فئوية يتم الترويج لها تحت ستار التسامح والفهم والتواصل المعيشي وتجاوز التجارب الشمولية العربية السابقة. ولكي يتم تمرير هذا الخطاب العصبوي الضيق في جوهره لا بد من ربطه بأطر أخرى أوسع تشدد على مصالح إقليمية وقطرية ضيقة تنأى بنفسها عن المحيط العربي العام، أو تربطه بخطابات انسانية مائعة، تضيع من خلالها الأهداف المحددة، حيث يتم تسييل القوى المهيئة للتغيير والتقدم وعلى رأسها الدولة القوية ومؤسساتها العاملة المختلفة.

ينبني هذا النوع من الخطابات على روح اقصائية رغم دعاواه التي تؤكد صيغ التعايش والتسامح. وعلى ما يبدو أن الحديث عن التعايش والتسامح ليس من صميم وجوهر هذا الخطاب العصبوي الفئوي الضيق الذي تربى بدرجة أو بأخرى في أحضان الشمولية العربية، ليس بالمعنى السياسي المحدود فقط، ولكن بالمعنى الثقافي والاجتماعي العام. من هنا تبرز احدى أهم سمات هذا الخطاب وهى وقوعه في مخاطر الاستعلاء، وتصوراته المركزية الجديدة. فبديلا عن أن يشكل هذا الخطاب، بمكتسباته العلمية الجديدة، الممهورة بسياقات مجتمعية مختلفة، واتجاهات غربية وادعاءات ليبرالية متعددة، منهجاً جديداً يعتمد النقد الذاتي كنقطة إنطلاق معرفية جديدة، إذا به يقع فيما حذر منه، حيث براثن الاستعلاء، والرغبة في التميز والتمايز عن الآخرين، بل وتوجيه سهام النقد لهم. إضافة إلى التشكيك غير المنهجي في تجارب سياسية وفكرية سابقة لمجتمعات أكثر تجذراً وأكثر تأثيراً في السياق الاقليمي العام.

وإذا كان أصحاب هذا الخطاب يدعون إلى التعايش والتسامح والانفتاح على الآخر، الغربي بالأساس، مرتكزين في ذلك على نقد تجارب شمولية عربية سابقة، فإنهم يفعلون ذلك، وهم أنفسهم مقيدون، إن لم يكونوا مقموعين، بأطر قطرية وإقليمية جديدة تفرض عليهم حدوداً معينة من التناول والنقد والتحليل، وهو ما يمكن أن نطلق عليه هنا أطر الشمولية العربية الجديدة. وهنا، فإن هذا الخطاب لا يستطيع أن يقترب من قريب أو من بعيد من هذه الشموليات الجديدة بالنقد أوالتحليل، فقط يستطيع أن يقارب شموليات تاريخية ماضية دون أن يقوم بتحليلها بموضوعية، وفي ضوء إطارها التاريخي، وهو ما يُكسب هذا الخطاب إنتقائية شديدة الوضوح، بالغة الخبث وربما بالغة الانتهازية.

تحمل مخاطر الاستعلاء في ثناياها مخاطر المزيد من التفتيت والتشرذم، فلا مركز حقيقي يربط فيما بين المجتمعات العربية برمتها، حيث يستخدم هذا النوع من الخطابات المزيد من لغة التجزئة والتكتلات الاقليمية بشكل يمايز فيما بينها، بعيداً عن الحديث عن أية خطابات عروبية أو الحديث عن أية وشائج تاريخية أو صلات وسمات مشتركة تربط فيما بين العرب. وفي هذا السياق، يتم التركيز على لغة التعايش والتسامح بوصفها الرابط الحقيقي لتشكل المجتمعات واستمرارها. ورغم أهمية التعايش والتسامح بين كل الفئات داخل المجتمع الواحد، فإن الأمر لن يتم بدون وجود رابط حقيقي قوي يربط كل هذه الفئات والشرائح المجتمعية المتجاورة والمتفاعلة، وهنا يبرز دور الدولة القوية الذي يهمله هذا الخطاب تماماً، بل إنه يسعى إلى التهويش به من خلال الاستشهاد بتجارب شمولية سابقة، متجاهلا فهم هذه التجارب في ضوء سياقاتها ومراحلها التاريخية التي ظهرت من خلالها.

تسقط الدولة هنا كقوة حقيقية مركزية يمكن أن تقود المجتمع وتحركه وفق مصالحها ووفق توازناتها، حتى ولو تعارض ذلك مع صيغ التعايش والتسامح المختلفة. وتكشف العديد من الأمثلة عن أهمية الدولة وضروراتها في أية مشروعات تنموية حقيقية وفي أية استراتيجيات مستقبلية. فالغرب الآن يعيد حساباته كاملة تجاه المهاجرين المسلمين بغض النظر عما يصدعنا به خطابه عن التعايش والتسامح والليبرالية والديمقراطية، حيث لغة المصالح أهم من رومانسية الخطاب، مهما كانت أناقته وإنسانيته. كما أن الرئيس بوش قد وقع على بناء جدار الفصل العنصري الذي يفصل بين أمريكا وبين المكسيك، بغض النظر عن حقوق المهاجرين، وعن دور أمريكا التاريخي في استغلال المكسيك وأمريكا اللاتينية.

ورغم العديد من أوجه النقد التي يمكن توجيهها للغرب الآن، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، فإن هذا الخطاب، وارتباطا مع استعلاءاته على المحيط العربي المجاور، يؤكد أهمية الانفتاح على الآخر الغربي بالأساس. بل إنه يصب جام غضبه على المثقفين العرب، الذين تربوا في أحضان الشموليات العربية القديمة بالمعني السياسي، بوصفهم من دعاة الانغلاق، ودعاة التعصب ضد هذا الآخر الغربي. ورغم أننا نؤكد على ضرورة الانفتاح، ليس فقط على الآخر الغربي، ولكن على الآخر الآسيوي والآخر اللاتيني والآخر الأفريقي، فإن هذا الانفتاح لا يجب أن يكون من منطلق الاستعلاء على الآخر العربي المجاور، إذا جاز اعتباره آخراً، ولا يجب أن يكون من منطلق الدونية أمام الآخر الغربي البعيد.

والمفارقة هنا تأتي من كون الدعوة للانفتاح على هذا الآخر الغربي وعدم الخوف منه، بقدر ما تنطوي على قدر كبير من الدونية تجاهه، فإنها تشتمل على قدر آخر من الاستقواء به ضد الآخر العربي المتهم بالشمولية والغوغائية والنوايا الخبيثة. من هنا ينشأ ذلك التغاضي الكامل لأصحاب هذا الخطاب من المثقفين العرب عما يقوم به الآخر الغربي تجاه العالم العربي، سواء في ممارساته القمعية الدموية في أفغانستان والعراق، أو في مساعداته غير المشروطة لإسرائيل، أو في خطاباته الاستعلائية ضد العرب والمسلمين. لا نسمع من هذه النوعية من المثقفين العرب أى نقد لهذه الممارسات الغربية العدوانية الدموية، حيث يصبح الغرب بالنسبة لهم هو آلة الدفاع عن مصالحهم ومشارعهم التفتيتية القادمة.

يعاني المثقف العربي على كافة مشاربه واتجاهاته من وطأة التحولات التي يمر بها العالم العربي، لكن هناك فرق كبير بين أن تختلط عليه ملامح الصورة، وبين أن تكون له أجندته الخاصة المعبرة عن مصالحه الضيقة جداً، حيث يحاول تمريرها من خلال قفازات حريرية ناعمة. فالأول، مثله مثل أى مثقف شريف يخطأ ويصيب، بينما الثاني خارج حسابات الخطأ والصواب، يستهدى باستعلاءاته المسبقة على البنية وتحولاتها، ويستهدى بوعى زائف، أو ببقايا وعى ممرور حائر وضائع ومنتقم، يحاول من خلاله طرح أطر تفتيتية استقصائية شمولية في طبعات جديدة، وأشكال أنيقة ممهورة بخاتم الآخر الغربي، مستقوية بغطرسته، وممارساته القمعية ضدنا.



#صالح_سليمان_عبدالعظيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- !كفاية، إحنا وصلنا للنهاية
- الإخوان المسلمون والإخوان الأقباط
- جسد المرأة في القنوات الفضائية العربية
- نخب الأقليات والنموذج الإسرائيلي
- أشكال العنف ضد المرأة
- تقرير الأمم المتحدة حول العنف ضد الأطفال
- !عمارة يعقوبيان- عمارة كل العرب-
- من أسئلة الحمقي إلي حمق الكتابة
- ملف التوريث في العالم العربي
- -هاي- سذاجة أمريكية!!
- ثقافة الاستسلام وهزائم الأمم
- يحيي حقي بين المواجهة والمصالحة
- الإعلام العربي بين السلطة والممارسة
- حتى لا تتحول الشفافية إلى كلمة مبتذلة
- الأمريكيون والحيوانات الأليفة
- المثقف والتحولات العمرية
- الفردانية الممزقة والهيمنة الجماعية في العالم العربي
- !!الحوار المتمدن والتحليق بالكتابة
- الإصلاح السياسي في العالم العربي
- خمسة وأربعون عاماً على رحيل فرانز فانون


المزيد.....




- فيصل بن فرحان يعلن اقتراب السعودية وأمريكا من إبرام اتفاق أم ...
- إيرانيون يدعمون مظاهرات الجامعات الأمريكية: لم نتوقع حدوثها. ...
- المساندون لفلسطين في جامعة كولومبيا يدعون الطلاب إلى حماية ا ...
- بعد تقرير عن رد حزب الله.. مصادر لـRT: فرنسا تسلم لبنان مقتر ...
- كييف تعلن كشف 450 مجموعة لمساعدة الفارين من الخدمة العسكرية ...
- تغريدة أنور قرقاش عن -رؤية السعودية 2030- تثير تفاعلا كبيرا ...
- الحوثيون يوسعون دائرة هجماتهم ويستهدفون بالصواريخ سفينة شحن ...
- ستولتنبرغ: -الناتو لم يف بوعوده لأوكرانيا في الوقت المناسب.. ...
- مصر.. مقطع فيديو يوثق لحظة ضبط شاب لاتهامه بانتحال صفة طبيب ...
- استهداف سفينة قرب المخا والجيش الأميركي يشتبك مع 5 مسيرات فو ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صالح سليمان عبدالعظيم - بقايا الوعى بين مخاطر الاستعلاء وأوهام الاستقواء