أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رائد الهاشمي - لماذا نعتزّ بلغتنا العربية؟ مقاربة لغوية وفكرية في هوية الأمة














المزيد.....

لماذا نعتزّ بلغتنا العربية؟ مقاربة لغوية وفكرية في هوية الأمة


رائد الهاشمي
(Raeed Alhashmy)


الحوار المتمدن-العدد: 8390 - 2025 / 7 / 1 - 15:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


اللغة ليست أداةً للتفاهم فحسب، بل هي معيارٌ رمزيٌّ تنتظم فيه تجلّيات الفكر، ومجازات الشعور، واستبطانات الوعي الجمعي. إنها الوسيلة التي تُؤطّر إدراكنا للعالم، وتشكل الوعاء الذي يُصاغ فيه المعنى. ومن هذا المنطلق، فإن اعتزازنا باللغة العربية لا ينبغي أن يُفهم باعتباره نزعةً وجدانيةً موروثة، بل هو موقف وجودي، فلسفي، ونهضوي، يستدعي تأملًا أعمق في الخصائص البنيوية، والدلالية، والرمزية لهذه اللغة الفريدة.
أولًا: العربية بوصفها حاضنة للهوية الحضارية:
من بين سائر لغات الأرض، تتميز العربية بكونها لغةً حافظت على استمراريتها التاريخية دون انقطاع يُذكر، من الجاهلية إلى يومنا هذا حيث انها ليست لهجةً محلية اندثرت مع تبدّل الإمبراطوريات، بل لغةٌ نسجت حولها حضارةً كاملة من الأدب والفكر والفقه، إلى الفلك والرياضيات والفلسفة.
اللغة العربية لم تكن مجرّد وسيلة للتعبير، بل كانت الفضاء الذي وُلد فيه المنطق العربي، بعلاقاته الخاصة بين الدال والمدلول، وبمرجعياته الثقافية والذهنية المتجذرة في النصوص التأسيسية (القرآن، الحديث، الشعر الجاهلي). وهي بهذا المعنى، ليست لغة قوم، بل لغة رؤية كونية.
ثانيًا: البنية اللغوية: من الاشتقاق إلى المجاز:
اللغة العربية تمتلك قدرة توليدية (generative power) مذهلة، نظام الاشتقاق الثلاثي والرباعي يوفّر إمكانيات لا محدودة لاستحداث مفردات تعبّر عن مفاهيم جديدة دون الحاجة إلى الترجمة أو الاقتراض. يكفي أن نقول: كتب، كاتب، مكتوب، كتاب، مكتبة، كتابة، استكتاب، اكتتاب… لنرى كيف تُنتج الجذور بنيةً دلاليةً متماسكة تُمكّن من إعادة توليد المعنى ضمن سياق ثقافي داخلي.
كما أن العربية، في مستواها البلاغي، تتسم بكثافة المجاز والاستعارة، وهي خاصية تُضفي على الخطاب العربي طابعًا إيحائيًا لا يقبل الاختزال, فالعربية لا تكتفي بنقل “الواقع”، بل تصوغه، وتعيد ترتيبه رمزيًا, ولهذا لا عجب أن تكون لغة الشعر بامتياز، ولغة الوحي في آنٍ واحد.
ثالثًا: اللغة والنهضة : شرط التقدم لا انعكاسه:
ثمة مغالطة شائعة مفادها أن النهضة تسبق اللغة أو تتجاوزها. والحقيقة أن كل نهضةٍ معرفية أو حضارية تُبنى على أساس لغوي قوي ولا يمكن أن تقوم علوم، أو يُنتج فكر، أو يُصاغ قانون، دون لغة دقيقة تستوعب المفاهيم وتُنتج الدلالة.

لقد أدركت ذلك اليابان حين ترجمت كل المصطلحات العلمية إلى لغتها الأم، وأدركته فرنسا حين رفضت أن تطغى الإنجليزية على فضائها الأكاديمي، فصاغت مجامعها اللغوية مفردات بديلة تُغنيها عن التبعية المعجمية, فكيف بنا ولغتنا العربية قادرة على توليد المصطلحات بمرونة وبأصالة دلالية لا تُضاهى.
إن الدفاع عن لغتنا العربية لا يعني الانغلاق، بل هو تحريرٌ حقيقي للعقل، لأن التفكير بلغة الآخر يُنتج وعيًا مستلبًا، ويرسّخ تبعية معرفية لا فكاك منها.
رابعًا: التحديات المعاصرة والرهان على المستقبل:
لسنا بحاجة إلى بكائيات لغوية، بل إلى رؤية نقدية واضحة. فالمشكلة ليست في اللغة، بل في التعامل معها حيث تحوّلت العربية لدى البعض إلى “موروث جمالي” يُستحضر في المناسبات، لا إلى أداة للفكر والفعل. وقد ساهم الإعلام، والتعليم، ومواقع التواصل، في خلق قطيعة بين الفصحى والمتلقي، لا سيّما الأجيال الجديدة حيث نراهم وبحسرة يستخدمون المصطلحات الأنكليزية كثيراً في حديثهم حتى يبينوا للمتلقي بأنهم مثقفون ولكنهم في الحقيقة يسيئون للغتهم الأم بهذا التصرف ويلبسون ثوباً غير ثوبهم .
لكنّ الأمل باقٍ، ما دمنا نملك أدوات التحديث من داخل اللغة لا من خارجها, تطوير العربية لا يعني هدم بنيتها، بل تجديد طرائق استخدامها,ولعل تجربة الترجمة العلمية، وتعريب مناهج التعليم، وتفعيل دور المجامع اللغوية، تشكّل مفاتيح لهذا المشروع الحضاري الكبير.
خاتمة: العربية كحضورٍ لا يُغيب:
اللغة العربية ليست لغة ماضٍ، بل لغة إمكان وهي لغةٌ قادرة على التعبير عن أعقد النظريات الفلسفية وتترجم أدقّ المشاعر الوجدانية ,وهي في جوهرها ليست فقط وسيلة، بل غاية: لأنها تحمل في ذاتها جوهر الوجود العربي، وتُجسّد الروح التي لا تموت، مهما تغيّرت الأزمنة.
إن اعتزازنا بلغتنا العربية هو اعتزاز بوعينا، بتاريخنا، بقدرتنا على أن نقول “نحن” في عالم يُغري الجميع أن يصيروا “هم” وإنّ الدفاع عنها ليس ترفًا ثقافيًا، بل معركة من معارك السيادة، والاستقلال، والكرامة والوجود .



#رائد_الهاشمي (هاشتاغ)       Raeed_Alhashmy#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قرارات ترامب الكمركية وتأثيرها على الاقتصاد العراقي
- أسباب ارتفاع أسعار الذهب والقراءة المستقبلية
- تأثير قرارات أوبك على الاقتصاد العراقي
- الإزدحام يقضّ مضاجع البغداديين
- منتدى دافوس 2025
- دعوة لاعادة النظر بقرار البنك المركزي
- مخرجات الغاء مزاد العملة
- دعوة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في المؤسسات الحكومية
- مقترحات لحل ازمة السكن في العراق
- تعزيز الأمن الغذائي في العراق ( مقترحات استراتيجية لمستقبل م ...
- إجرائات مقترحة لمعالجة صعود الدولار
- ظاهرة الحج السياسي
- مباديء لتطوير البنية التحتية وتعزيز النمو الاقتصادي العراقي
- كيف نفهم الديمقراطية؟
- الى متى يبقى المواطن البسيط يدفع الثمن؟
- مشروع (طريق التنمية) حُلم ننتظر تحقيقه
- أما آن الأوان لإجراء ألتعداد العام للسكان
- موقف حكومي وبرلماني مخجل من أزمة انخفاض الدينار
- لو كان الازدحام رجلاً لقتلته
- دعوة للحكومة الجديدة لتبني التنمية المستدامة


المزيد.....




- -لم يتغير شيء-.. إيران تحاول إعادة تسليح وكلائها في العراق و ...
- وجه رسالة للبدو والدروز بسوريا.. الكلمة الكاملة لأحمد الشرع ...
- فيديو منسوب لـ-اشتباكات عشائر بدوية- مع مسلحين دروز بالسويدا ...
- بريطانيا ترفض دفع تعويضات للأفغان الذين تعاونوا مع القوات ال ...
- إصابة 30 شخصا في حادث دهس بمدينة لوس أنجلوس الأمريكية
- رغم إعلان وقف إطلاق النار.. تسجيل عدد من الخروقات في السويدا ...
- التوترات تزداد في أوروبا.. 49% من الألمان يرون في روسيا تهدي ...
- ندوة بعنوان “ما زلنا نقاوم” بمناسبة الذكرى الـ 53 لاستشهاد ا ...
- محمد باسو: -دائمًا ما أبحث عن المواضيع التي تمسّ جوهر اهتمام ...
- سنغافورة تتعرض لهجوم سيبراني خطير وسط اتهامات للصين وبكين تن ...


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رائد الهاشمي - لماذا نعتزّ بلغتنا العربية؟ مقاربة لغوية وفكرية في هوية الأمة