عاتية سلام
كاتبة و شاعرة
(ضatia Salam)
الحوار المتمدن-العدد: 8389 - 2025 / 6 / 30 - 13:50
المحور:
الادب والفن
أشجارُ التين والتوت المتناثرة على أرصفة شوارع أثينا أعادتني إلى ذاتي الضائعة، تلك التي بعثرتها رياح الغربة في بلاد الثلج. وجدتني أمدّ يدي كمن يتشبث بطوق نجاة، أمسك بأغصان التوت علّني أظفر بحبةٍ واحدة، أتلذذ بطعمها الذي غاب عني سنواتٍ طوال، علّها تُعيد إليّ ذكرى طفولةٍ بريئةٍ انزوت في زوايا الذاكرة.
أما الشمس، فلي معها حكاية لا تنتهي... حكايةٌ بطول أشعتها الذهبية، التي تتسلّل إلى الأرواح، فتبعث الدفء والبهجة في وجوه اليونانيين المُرهَقين من حياة أرهقتها السياسة، كما أرهقت أبناء بلدي... أولئك الذين ما عادوا يرون في أوطانهم ملاذًا، فراحوا يرنون إلى بلاد الثلج، متخيلين أنها فردوسٌ موعود!
الأشجار والورود هنا تأخذني من يدي، تُعيدني إلى عالمٍ غابر. شجرةُ التوت تهمس لي بأغاني الطفولة، بحر الصيف، وجارتنا "فادية" التي كانت شجرة التوت تقف شامخةً عند باب بيتهم، كحارسةٍ لذاكرةٍ لم تَذبُل.
أتوقف عند كل شجرة، كأنها صديقة قديمة... هذه وردة الجهنمية بلونها الأحمر الفاتن، وتلك زهرةٌ لا أذكر اسمها، كنا نجمع أوراقها صغارًا لنصنع منها تيجانًا نضعها على رؤوسنا، ونسير بفخرٍ طفوليٍّ لا يعرف الكِبَر.
ينظر إليّ ابني بدهشة، وأنا –وقد بلغت من العمر عتياً– أتحادث مع الأشجار، أبتسم لها كأنني أعرفها منذ زمن. لا يفهم كيف لشجرة أن تُحرك فيّ كل هذا الحنين!
وعندما صادفنا شجرة النارنج، سأل ابني : "ما هذه؟" فحدّثته عنها، عن طفولتي معها في بيت أهلي، وعن ثمرها الذي كانت امي تصنع منه العصير .
أثينا أيقظت فيّ كنزًا من الذاكرة كنت قد نسيته... وبينما أنا أغوص في هذا الماضي، رأى ابني –المولود في السويد– جانبًا آخر من الحياة. رأى كيف يمكن للجمال والبساطة أن يترافقا مع التعب في بلدٍ مثل اليونان، يشبه العراق في كثيرٍ من التفاصيل... أولها، عراقةُ التاريخ، وآخرها، تعبُ الإنسان.
#عاتية_سلام (هاشتاغ)
ضatia_Salam#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟