أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد حسب الرسول الطيب - الفن في مواجهة اغتراب الرأسمالية: صرخة الجمال ضد قبح الاستغلال














المزيد.....

الفن في مواجهة اغتراب الرأسمالية: صرخة الجمال ضد قبح الاستغلال


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8387 - 2025 / 6 / 28 - 13:28
المحور: الادب والفن
    


في عالمٍ تسوده علاقات الإنتاج الرأسمالية، حيث يُختزل الإنسان إلى مجرد وظيفة أو رقمٍ في معادلة ربح، يغدو الفن واحدًا من أعمق تجليات الصراع الطبقي، لا كترفٍ جمالي منعزل، بل كأداة كفاح في مواجهة الاغتراب والسلعنة. فالرأسمالية لم تكتفِ بتحويل العمل إلى نشاط قسري مجرد، بل امتدت لتخضع الوجدان والخيال لمعادلة السوق. وفي ظل هذا التشوه العام، يُسلَب الفن من طابعه الإنساني التاريخي، ويُعاد إنتاجه كسلعة استهلاكية، تُباع وتُشترى، وتُصنّف وفق أذواق بورجوازية مُعولمة، منفصلة عن شروط الإنتاج الاجتماعي الحقيقي.

لكن الفن لم يستسلم لهذا المصير السلعي بالكامل. إذ تنهض في كل لحظة من داخل الواقع الطبقي حركات فنية مقاومة تُعيد تعريف الجمال بوصفه جزءًا من الممارسة الثورية. ليس الفن الشعبي الذي ينشأ في أحياء العمال، وفي أغاني الاعتصامات، وفي الجداريات التي تُرسم تحت القصف، مجرد "تعبير فلكلوري"، بل هو فعل نفي مباشر لسطوة رأس المال على الحس والعاطفة والتاريخ. فحين يغني المحتجون في الميادين أغانيهم، فهم لا يطلقون أناشيد فقط، بل يعيدون إنتاج معنى الإنسان في شروط نفيه. هذه الأشكال الفنية لا تصف الواقع، بل تخلخل بنيته، وتفضح تشوهاته، وتقترح بدائلَه الممكنة.

في تاريخ الصراع الطبقي، لطالما ارتبط الفن الثوري بولادة الوعي الجديد. من كومونة باريس التي ألهبتها الأناشيد، إلى مسرحيات بريشت التي عرّت آليات الخضوع، إلى جداريات المكسيك التي رسمت أحلام الفلاحين ووعيهم التاريخي، ظلّ الفن عنصرًا جوهريًا في مسيرة الكفاح، لا بوصفه ملحقًا "ثقافيًا" للحركة الثورية، بل كجزء من جهازها المعرفي والجمالي في آن. فالفن الذي يولد من أحشاء المعاناة لا يكتفي برواية الألم، بل يحوّله إلى مشروع تحرر، ويوجّه مشاعره نحو التنظيم والعمل والنقد.

في المقابل، يُوظف الفن البرجوازي كأداة تهدئة، يخاطب الأفراد المعزولين، ويدغدغ أحلام الصعود الفردي، ويفكك العلاقات الجمعية، ويُروّج لزيف الحرية من خلال فائض الألوان وتنوع الأذواق. إنه فنّ يدعو إلى التكيف مع القبح الواقعي تحت لافتة "الاستمتاع بالجمال"، وبهذا يُستخدم كستار للتمويه والتخدير. لا عجب أن تُنفق الطبقات السائدة ملايين الدولارات على معارض تُحوِّل المعاناة الجماعية إلى ديكور، وتُفرغ المأساة من بعدها السياسي والاجتماعي.

الرهان اليوم لا يكمن فقط في إنتاج فن ثوري، بل في الدفاع عن إمكانية وجود هذا الفن في حد ذاته، ضد التحويل الرأسمالي الممنهج لكل نشاط إبداعي إلى نشاط ربحي، وضد كل أشكال الرقابة الأيديولوجية التي تمارسها الدولة أو السوق. الفنان الثوري الحقيقي لا يرسم لأن هناك جدارًا فقط، بل لأن على ذلك الجدار تُكتب رسالة شعبٍ يُدفن حيًّا. لا يتعامل مع أدواته كوسائل تعبير فردي فقط، بل كجزء من منظومة إنتاج نضالي، تُساهم في بناء وعي طبقي جماعي يُعيد للناس الثقة في قدرتهم على الفعل، لا فقط على البكاء.

في المجتمعات التي تعيش تحت أنقاض الحروب والتجويع، كالسودان وسوريا وفلسطين، يصبح الفن ضرورة وجودية. لوحات الأطفال في المخيمات، قصائد الأمهات في طوابير الخبز، الغرافيتي في الأحياء المهدمة، كلها ليست مجرد ممارسات تلقائية، بل هي لحظات وعي تتشكل في مواجهة محو الذاكرة وتدجين الغضب. إنها شظايا مقاومة في وجه ماكينة تنميط لا تتوقف. كل جدارية تُرسم في حي مهدوم هي إعلان عن حضور إنساني لا يريد أن يُمحى. وكل أغنية شعبية تنتقل من فمٍ إلى آخر هي خيط في نسيج ذاكرة جماعية تقاوم النسيان والتمثيل المزوّر.

الفن الثوري، بهذا المعنى، لا يقف عند حدود الجمال الكلاسيكي أو الصدمة الجمالية، بل يتجاوزها نحو توسيع مجال الإدراك والتفكير النقدي، وفتح ثغرات في جدار الواقع السائد. إنه لا يزيّن الحياة تحت القهر، بل يفضح القهر ويستدعي الحياة. وما يحتاجه اليوم ليس فقط الدعم اللوجستي، بل الفهم النظري العميق لدوره في مجرى الصراع الطبقي. كما أن مكانه الطبيعي ليس في صالات العرض المُكيّفة، بل في الورش والمخيمات، في الجامعات والمصانع، في ساحات الاعتصام ومنازل المقاومة.

الفن، حين يُسترد من السوق ويُعاد إلى حضن الجماهير، يتحول إلى أحد أقوى أسلحة الوعي، لأنه يضرب في الجذر الذي تحاول الأيديولوجيا إخفاءه: أن القبح الاجتماعي ليس قدرًا، وأن الجمال ليس حكرًا على من يملكون، بل حقٌ لمن يحلمون.



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التعاونيات في السودان: بذور الاشتراكية في مواجهة الرأسمالية ...
- الوعي الطبقي والجهل المُنَظَّم في الصراع السوداني: تحليل مار ...


المزيد.....




- رحلة الأدب الفلسطيني: تحولات الخطاب والهوية بين الذاكرة والم ...
- ملتقى عالمي للغة العربية في معرض إسطنبول للكتاب على ضفاف الب ...
- لأول مرة في الشرق الأوسط: مهرجان -موسكو سيزونز- يصل إلى الكو ...
- شاهين تتسلم أوراق اعتماد رئيسة الممثلية الألمانية الجديدة لد ...
- الموسيقى.. ذراع المقاومة الإريترية وحنجرة الثورة
- فنانون يتضامنون مع حياة الفهد في أزمتها الصحية برسائل مؤثرة ...
- طبول الـ-ستيل بان-.. موسيقى برميل الزيت التي أدهشت البريطاني ...
- بين الذاكرة وما لم يروَ عن الثورة والانقسامات المجتمعية.. أي ...
- كيف نجح فيلم -فانتاستيك فور- في إعادة عالم -مارفل- إلى سكة ا ...
- مهرجان تورونتو يتراجع عن استبعاد فيلم إسرائيلي حول هجوم 7 أك ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد حسب الرسول الطيب - الفن في مواجهة اغتراب الرأسمالية: صرخة الجمال ضد قبح الاستغلال