أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - عبدالله يحيى العروسي - لماذا ضُرِبَت إيران؟ تفكيك البنية العميقة للصراع وصياغة الوعي الحضاري الجديد














المزيد.....

لماذا ضُرِبَت إيران؟ تفكيك البنية العميقة للصراع وصياغة الوعي الحضاري الجديد


عبدالله يحيى العروسي

الحوار المتمدن-العدد: 8382 - 2025 / 6 / 23 - 21:14
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


في زمن التحولات الكبرى، لم تعد الضربات العسكرية تُقاس فقط بالخسائر المباشرة أو الردود الدبلوماسية، بل باتت تُقرأ كعلامات مشفّرة على جبهة غير مرئية: جبهة الرموز والنماذج والمعاني. إنّ الضربة التي وُجّهت إلى إيران من قِبل أمريكا وإسرائيل لم تكن مجرد ردّ فعل على "خطر نووي" مزعوم، بل كانت فعلًا رمزيًا ومركّبًا، يخترق الزمن، ويكشف عن بنية أعمق لصراع حضاري طويل الأمد.

لماذا إيران بالتحديد؟

لأنها – صوابًا أو خطأ – تحاول أن تمثّل نموذجًا بديلًا عن السردية الغربية، وأن تصوغ خطابها السياسي من منطلقات سيادية، دينية، واستقلالية ترفض الخضوع لمعايير الهيمنة الدولية. إيران لم تُضرب فقط بسبب مفاعلاتها النووية، بل لأنها تحاول إعادة تعريف مفاهيم مثل: الشرعية، القوة، الكرامة، والمصير.
في منطق الاستراتيجيات الكونية، ليس هناك ما يُخيف النظام العالمي القائم أكثر من كيان يُفكر خارج خريطته، يعاند القوالب الجاهزة، ويؤسس لخطاب موازٍ يمكن أن يتحول إلى عدوى حضارية.

ما وراء الضربة: مستويات من الفهم

الضربة ليست عسكرية فحسب، بل هي متعددة المستويات، وكل مستوى يكشف بعدًا من أبعاد الصراع:

المستوى العسكري: محاولة تكتيكية لكبح التمدد والنفوذ، وضبط ميزان القوى في المنطقة.

المستوى السياسي: إرسال رسائل ردعية لدول محور المقاومة، وإعادة رسم خطوط الحمر.

المستوى الإعلامي: صناعة صورة جديدة لإيران كمُعتدى عليها وليست ضحية، لقلب الرأي العام.

المستوى الرمزي-المعرفي: استهداف للرمز لا للمنشأة، للمعنى لا للمادة، وللنموذج لا للواقعة.

المستوى الوجودي: رفض فكرة أن تكون هناك دولة خارج المدار الغربي، تفكر بمنطق ديني سيادي خاص.

ما الذي يُزعج المنظومة الغربية فعلًا؟

أن تتحول إيران – برمزيتها – إلى فكرة مُعدية: أن تصبح نموذجًا للدول أو الشعوب التي تبحث عن كرامتها خارج الغرب، وتريد أن تبني نهضتها لا بالتبعية، بل بالسيادة. الخطر ليس في الصواريخ، بل في الرموز. ليس في القدرات، بل في النموذج القيمي.
هذا ما حاول الغرب فعليًا ضربه: النموذج الذي يقول "نحن نُقرر، نحن نُفكر، نحن نُخطئ ونتعلم بأنفسنا". ولهذا كان لا بد من إعادة إيران إلى "المربع القديم" الذي ترسمه واشنطن وتل أبيب، حتى لا تخرج الشعوب الأخرى من الخريطة المرسومة لها.

تفكيك جوهر الضربة: من “لماذا؟” إلى “لمن؟”

لماذا الضرب؟ لأنه يوجد انزعاج بنيوي من نموذج مقاوم له سرديته الخاصة.

من المستهدف الحقيقي؟ ليس إيران وحدها، بل كل من يحاول أن يكون مختلفًا ومستقلًا.

ما الرسالة؟ كل من يخرج عن النسق، سيكون هدفًا مشروعًا.

ما الرد؟ ليس عسكريًا فقط، بل فكريًا ومعرفيًا واستراتيجيًا.

ما المطلوب؟

بناء وعي حضاري جديد يرفض الاصطفاف الشعاراتي، ويتجاوز الثنائية الكاذبة بين "مع وضد"، ويبدأ في تفكيك المفاهيم وتأسيس خطاب معرفي سيادي ناضج، يجعلنا نفهم قبل أن نحكم، ونتأمل قبل أن نرد.

القواعد المستخلصة:

لا تقرأ الحدث بمعزل عن البنية الرمزية.

الغرب لا يخشى العدو القوي، بل النموذج المستقل.

كل ضربة عسكرية تخفي ضربة معرفية أعمق.

فهم الصراع يبدأ من اللغة المستخدمة لتفسيره.

لا تصطف، بل فكّك ثم قرّر.

الاستقلال المعرفي هو أخطر تهديد للهيمنة.

الضربات لا تُقاس بالدمار بل بتغيير الرموز.

كل مقاومة حقيقية تبدأ من إعادة تعريف المفاهيم.

المشروع البديل يحتاج إلى هندسة سردية متكاملة.

من لا يملك أدوات التأويل، سيظل رهينة تكرار المأساة.

خاتمة:
إن الضربة التي طالت إيران لم تكن نهاية قصة، بل بداية فصل جديد من فصول الصراع على العقل والكرامة والسيادة. ونحن، في هذا العصر، بحاجة إلى قادة فكر لا يتوقفون عند سطح الحدث، بل يغوصون إلى جوهره، ويمارسون أعلى درجات الحفر التحليلي لإعادة ترتيب الأسئلة.







الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدين والعلم: من الخصومة الوهمية إلى التعاون الحضاري
- الحج: حين يلبِّي الإنسان نداء الحق ويعود إلى المعنى


المزيد.....




- البيت الأبيض لخامنئي: -عليك أن تحفظ ماء وجهك-
- اثنتا عشر قنبلة على فوردو : كيف أنقذت إيران 400 كغ من اليورا ...
- بعد -نصر- ترامب في الناتو: أي مكانة لأوروبا في ميزان القوى ا ...
- الاتحاد الأوروبي يدعو لـ-وقف فوري- لإطلاق النار في غزة وإسبا ...
- كريستيانو رونالدو يواصل اللعب في النصر حتى 2027
- -نرفض حصول إيران على سلاح نووي-.. القمة الأوروبية: ندعو لفرض ...
- البيت الأبيض يتّهم خامنئي بمحاولة -حفظ ماء الوجه-
- بخيوط من ذهب وحرير أسود.. الكعبة ترتدي كسوتها الجديدة مع بدا ...
- رافائيل غروسي يكشف معلومات مهمّة عن البرنامج النووي الإيراني ...
- ترامب يضغط لوقف حرب غزة ونتنياهو يرى فرصة لاتفاقات سلام جديد ...


المزيد.....

- النظام الإقليمي العربي المعاصر أمام تحديات الانكشاف والسقوط / محمد مراد
- افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار ... / حاتم الجوهرى
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - عبدالله يحيى العروسي - لماذا ضُرِبَت إيران؟ تفكيك البنية العميقة للصراع وصياغة الوعي الحضاري الجديد