أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - عبدالله يحيى العروسي - الدين والعلم: من الخصومة الوهمية إلى التعاون الحضاري














المزيد.....

الدين والعلم: من الخصومة الوهمية إلى التعاون الحضاري


عبدالله يحيى العروسي

الحوار المتمدن-العدد: 8367 - 2025 / 6 / 8 - 18:33
المحور: قضايا ثقافية
    


في خضم الصراعات الفكرية، والانشطارات الحضارية، والانقسامات التي تطال كل جوانب الحياة، يبرز سؤال جوهري: هل العلاقة بين الدين والعلم صراع محتوم؟ أم أن ما نعيشه اليوم هو خصومة وهمية افتعلها الخوف، وغذّتها الأدلجة، وساهم الإعلام في تكريسها؟
لقد آن الأوان لإعادة ضبط هذه العلاقة على أسس من الإنصاف، والتأمل، والانفتاح المعرفي.

أصل الإشكال: هل يتعارض المقدس مع المكتشف؟

يتصور كثيرون أن الدين والعلم يقفان على طرفي نقيض، وأن أحدهما لا يُزدهر إلا بإقصاء الآخر. هذا التصور نابع من إرث تاريخي خاص بأوروبا، حيث اصطدمت الكنيسة الكاثوليكية بالعلماء، مما ولّد ما يُعرف بـ"القطيعة المعرفية".
لكن هذه الخلفية لا تصلح لتأطير علاقة الدين بالعلم في الإسلام، إذ لم يعرف تاريخنا الإسلامي – في أزهى عصوره – مثل هذه القطيعة. بل كان العلماء الربانيون والفقهاء الطبيعيون هم بناة الحضارة الإسلامية، من أمثال ابن الهيثم، والرازي، وابن النفيس، وغيرهم، ممن جمعوا بين الفقه والفيزياء، بين الوحي والتجريب.

الوحي والعقل: تكامل لا تناقض

القرآن الكريم لا يعادي العلم، بل يحفّز عليه، ويجعله مدخلًا لفهم سنن الله في الكون. وقد وردت أكثر من 750 آية تتحدث عن الكون والطبيعة والإنسان، بأسلوب يُوقظ الحس العلمي لدى المؤمن:

"سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق..." [فصلت: 53]

وهذا التكامل يعني أن الدين لا يُقدم إجابات تفصيلية عن قوانين الفيزياء أو الوراثة، لكنه يُرسي الإطار القيمي والمعنوي الذي يُنظم حركة العقل في البحث والاكتشاف، ويمنع انزلاق العلم إلى العبث أو الجريمة أو الاستبداد التقني.

أزمة الحداثة: علم بلا ضمير

شهد العالم المعاصر تقدّمًا علميًّا هائلًا، لكنه ولّد في المقابل هشاشة روحية، وانعدام بوصلة أخلاقية. من الذكاء الاصطناعي إلى الهندسة الوراثية، ومن وسائل الاتصال إلى أدوات القتل، تقف الإنسانية على حافة خطر لا يمكن تفاديه إلا بإعادة إدماج القيم الدينية في مسار المعرفة العلمية.
ما يحتاجه العالم اليوم ليس المزيد من "البيانات"، بل مزيدًا من الحكمة؛ وليس تسريع "الخوارزميات"، بل توجيهها نحو الخير؛ وليس كسر "الحدود"، بل بناء الإنسان المتكامل علمًا وضميرًا.

نحو عقد حضاري جديد: من التنابذ إلى التكامل

الحل ليس في تقديم الدين كبديل للعلم، ولا في اختزال الدين ليخدم العلم، بل في صياغة عقد حضاري جديد تُعاد فيه صياغة العلاقة على شكل ثلاثي:

الدين كمصدر للقيم والمرجعية الأخلاقية.

العلم كأداة لاكتشاف قوانين الكون وتحسين الحياة.

الفلسفة كوسيط نقدي وتأويلي يربط بين المعنى والتطبيق.

هذه الثلاثية تُمكننا من بناء حضارة متوازنة، لا تُقصي أحدًا، ولا تُسرف في تقديس العقل أو الغيب، بل تمنح الإنسان مكانته الكاملة ككائن معرفي أخلاقي.

خاتمة: نحو وعي معرفي سيادي

نحتاج في العالم العربي إلى تجاوز الأطر المستوردة التي فُرضت علينا، وإلى استعادة مشروع معرفي جامع، يكون الدين فيه مرجعًا لا عبئًا، والعلم وسيلة لا صنمًا، والفكر جسرًا لا جدارًا.
حين نفهم أن الخصومة بين الدين والعلم كانت "وهمية"، نفتح الباب أمام تعاون حضاري حقيقي، تُستأنف فيه رسالة الاستخلاف، ويتحقق فيه شرط "العقل الواعي"، القادر على بناء نهضة لا تكرر خطايا الغرب ولا تغرق في اجترار الماضي.







الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحج: حين يلبِّي الإنسان نداء الحق ويعود إلى المعنى


المزيد.....




- دبابات في قلب واشنطن.. استعدادات ضخمة للعرض العسكري التذكاري ...
- السودان: كيف يواجه السودانيون مأساتي الحرب وانتشار الأوبئة ف ...
- دوري أمم أوروبا: نزال العمالقة بين كريستيانو رونالدو ولامين ...
- الديمقراطية الفرنسية أمام تحدي تدخل -لوبي- المال في الحياة ا ...
- توسع الخلافات والاتهامات بين ترامب وماسك
- موقع أكسيوس يزعم بأن ترامب عرضة لمكالمات الاحتيال
- زيلينسكي يشتكي من تسليم الشرق الأوسط صواريخ كانت مخصصة لكييف ...
- بوليتيكو تؤكد حصول المحادثة الهاتفية بين ممثلي ترامب وماسك ف ...
- وسائل إعلام كويتية: هبوط طائرة بسلام في الكويت بعد إبلاغ عن ...
- السلطة الفلسطينية تنفي علاقتها بالجماعة المسلحة التي تنهب ال ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - عبدالله يحيى العروسي - الدين والعلم: من الخصومة الوهمية إلى التعاون الحضاري