أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبدالله يحيى العروسي - الحج: حين يلبِّي الإنسان نداء الحق ويعود إلى المعنى














المزيد.....

الحج: حين يلبِّي الإنسان نداء الحق ويعود إلى المعنى


عبدالله يحيى العروسي

الحوار المتمدن-العدد: 8366 - 2025 / 6 / 7 - 23:43
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في موسم من مواسم الصفاء، وفي لحظة كونية تتقاطع فيها الأرض بالسماء، ترتفع أصوات الملايين من أنحاء العالم بنداءٍ واحد: "لبيك اللهم لبيك".
ذلك النداء العظيم ليس مجرد إعلان رحلة، بل استجابة وجودية لأعظم نداء في تاريخ البشرية: نداء إبراهيم عليه السلام الذي لا يزال صداه يتردد منذ آلاف السنين، يُسمع في الآذان التي ما زالت تحفظ المعنى، وتشتاق إلى الأصل، وترتجف حين تقف على جبل عرفات.

الحج: رحلة العودة إلى الحقيقة الأولى

الحج ليس انتقالًا جغرافيًا إلى مكة فقط، بل هو عودة إلى الحقيقة الكبرى التي وُجد الإنسان لأجلها.
من لحظة الإحرام، يخلع الحاج زينة الحياة، ويتجرّد من كل ما سوى الله، فيتساوى الغني والفقير، القوي والضعيف، الحاكم والمحكوم… كلهم في هيئة واحدة، بلغة واحدة، وهدف واحد: "رضا الله".
في الطواف، تتوحد الحركة مع القلب، ويُعاد ترتيب مركزية الحياة: الله أولًا.
في السعي بين الصفا والمروة، تتجدد قصة الإيمان والتوكل، قصة امرأة عظيمة سعت، ففجّر الله الماء.
في عرفة، تتوقف الحياة لوهلة، وكأن الزمان يتوقف ليستمع إلى دعاء العارفين، وبكاء التائبين، وتضرّع العابدين.

من الطقوس إلى المقصد

الحج مدرسة كبرى… لا تنحصر في الشعائر، بل في المقاصد والمعاني.
فما قيمة الطواف إن لم يُطِف الإنسان بقلبه حول القيم؟
وما جدوى الوقوف بعرفة، إن لم يقف العبد أمام نفسه، يحاسبها، ويصحح مساره؟
وما معنى رمي الجمرات، إن لم نرجم بداخلنا جهلًا، أو كبرياء، أو هوىً ضالًا؟
الحج هو إعلان تحوّل.
هو لحظة انقطاع عن الزيف، واتصال بالحقيقة.
هو تجديد للعهد، وتوقيع صامت على وثيقة العودة إلى الحق والخير والجمال.

عرفة: يوم الإنسانية الأعظم

إذا كان الحج هو الموسم، فإن يوم عرفة هو قلب الموسم النابض.
يوم يقف فيه الإنسان في أعظم مشهد جماعي عرفته البشرية، يرفع يديه، لا سلاح فيهما، بل دعاء. لا صراخ فيهما، بل دموع. لا طلب دنيا، بل رجاء مغفرة.
في عرفة، يُعلن الإنسان فقره أمام الغني، وتقصيره أمام الكمال، ويقينه أن لا ملجأ من الله إلا إليه.
هذا اليوم، كما ورد في الحديث، "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة".
وإنه يوم إكمال الدين، ويوم نزول الرضا الإلهي:

"اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا."

يوم تنحني فيه الأكوان أمام القلوب التي تعود… وتعود بصدق.

فضل صيام يوم عرفة

أما من لم يُكتب له الحج، فإن الله عز وجل لم يحرمه من هذا الخير العظيم.
فقد جعل لصيام يوم عرفة أجرًا لا يُضاهى:

"صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يُكفّر السنة التي قبله والسنة التي بعده."
[رواه مسلم]

إنه يوم يُكفّر عامين كاملين من الذنوب، لمن صامه بإيمان وصدق.
فما أعظم الكرم، وما أوسع الرحمة.

في هذا الموسم، نجدد الدعوة الكبرى التي نادى بها إبراهيم، ونضيف عليها نداء المعرفة والأخلاق:
"لبيك يا رب… لبيك بفكرٍ راقٍ، وقلبٍ نقي، وعملٍ صالح، وثورة معرفية تليق بخليفتك في الأرض."
فلنجعل من موسم الحج محطة تطهير فكري، وتجديد أخلاقي، وارتقاء معرفي.
ولنؤسس لمستقبل تُبنى حضارته على الركن الخامس… لا بالشكل فقط، بل بالروح، والمقصد، والتحول العميق.







الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- عائلات الرهائن الإسرائيليين تُطالب بإنهاء الحرب وتتّهم نتنيا ...
- مسؤولة: أمام ألمانيا ثلاث سنوات لتسليح جيشها لصد هجوم روسي م ...
- ترويكا.. الحلقة التاسعة
- قطار محمل بعدد هائل من الدبابات والمدفعية يتجه إلى العاصمة و ...
- فشل الخطة الامريكية الإسرائيلية للمساعدات واستعداد حكومة غزة ...
- رئيس بولندا المنتخب يعارض انضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبي
- الجيش الروسي يدمر 32 مسيرة جوية فوق مقاطعتي كورسك وأوريول خل ...
- شاهد.. الحي الذي نشأ فيه لامين جمال نجم برشلونة
- إلى أين يقود التصعيد الحالي الحرب الروسية الأوكرانية؟
- متظاهرون في باريس يطالبون بوقف حرب الإبادة في غزة


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبدالله يحيى العروسي - الحج: حين يلبِّي الإنسان نداء الحق ويعود إلى المعنى