سكينة السيلاوي
الحوار المتمدن-العدد: 8381 - 2025 / 6 / 22 - 02:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إيران في جحيم الكيان: استدراج، استنزاف، ودهاء لا يُقهر
كشف الـ صراع المعقد ورالممتد بين إيران والكيان الصهيوني المدعوم أمريكياً وأوروبياً وحتى إقليمياً ، عن قدرات الجمهورية الإسلامية الهائلة و ذكاء قادتها الاستراتيجي، فقد استطاعت طهران أن تستدرج "إسرائيل" إلى ساحة استنزاف مفتوحة دون أن يشعر، وتسيطر على سمائه، وتمسك بزمام المبادرة بذكاء وحكمة عميقة.
لقد أدركت إيران مبكراً أن المواجهة مع هذا الكيان لا ينحصر فقط بجانبه العسكري، بل هي حرب عقول واستخبارات ونفس طويل، ولذا تركت "إسرائيل" تتوغل، حتى ظنت أنها تحكمت في كل شيء، بينما كانت طهران تُحكم الطوق حولها بصمت.
حين ضرب الكيان الصهيوني العمق الإيراني بتعاون واضح من دول في المنطقة وجواسيس في الداخل، ، كانت إيران تتهيأ لامتصاص الضربة، ليس بانفعال، بل بحنكة احترافية عالية.
خلال أربع وعشرين ساعة فقط، قلبت إيران الطاولة واستعادت زمام المبادرة بسرعة مدهشة، بعد أن اكتشفت أنها كانت غارقة في بحر من الجواسيس والعملاء، لكنها لم تنهَر، بل فعلت منظومتها الاستخبارية بشكل مباغت، وقامت باعتقال عناصر مؤثرة لا يُستهان بعددهم ولا بخطورتهم.
لكن لعل اللحظة الأكثر قسوة كانت تلك الليلة التي أفقت فيها إيران على وقع فقدان قادتها من الرتب العسكرية الرفيعة والضباط في مختلف الصنوف، وخسرت في ساعات معدودة شخصيات لا يُستهان بثقلها العسكري والعلمي، رجال كبار في الميدان العسكري ومفاتيح بارزة في البرنامج النووي والتقني، قامات فكرية وأمنية كانت تُعد من الأعمدة الأساسية في بناء القوة الإيرانية الحديثة.
كان يراد من الضربة أن تكون موجعة، أي أن الكيان الصهيوني اعتقد أنها لن تكون مجرد استهداف أفراد، بل كانت محاولة ممنهجة لتفريغ إيران من عقولها وقياداتها وكوادرها ذات التأثير العميق.
ورغم ذلك ، لم تنهَر طهران ولم تفقد توازنها، بل استوعبت الصدمة باحتراف فريد، وعملت على استبدال الخسائر بسرعة قياسية، وكأنها كانت تتوقع مثل هذه اللحظة وتستعد لها مسبقاً.
لم تكتف إيران بالدفاع، بل عززت من دخولها إلى قلب الكيان ذاته، حيث عززت من قدرات خلاياها في عمق المؤسسات الصهيونية الحساسة، و كانت قد جلبت أطناناً من الوثائق السرية التي تشكّل حجر الأساس في هيمنة "إسرائيل" على المنطقة.
هذه الوثائق كشفت كيف يعمل الكيان على تقسيم الدول العربية والإسلامية من الداخل، وكيف يعتمد على زرع الجواسيس وصناعة السيناريوهات والأفلام التي تمسك بخيوط الفساد ونقاط الضعف في أنظمة الحكم.
قالها نتنياهو يوماً بصراحة: "وجدنا العرب أمة واحدة وتمكنا من تقسيمهم تدريجياً"، وقد كان هذا هو السلاح الأخطر بيد الكيان: تمزيق الصف العربي والسيطرة من الداخل عبر أدوات الفوضى والاستخبارات.
لكن إيران واجهت هذا المشروع بعقلية مغايرة؛ فهي ليست كغيرها من الدول التي تخضع للابتزاز الإعلامي ولا تملك ملفات تدينها أمام شعوبها، لذلك لا تستطيع "إسرائيل" أن تمارس عليها ذات أساليب الإذلال التي تمارسها على بعض الأنظمة العربية.
إيران تجيد لعبة الدهاء السياسي والمغامرة المحسوبة والحرب النفسية العميقة، ولا تنحني أمام الإملاءات الأمريكية، أيّاً كان الرئيس الأمريكي الذي يقود البيت الأبيض. على العكس من العديد من قادة الأنظمة العربية الذين باتوا يتقنون سياسة التبعية، ويُساقون خلف كل رئيس أمريكي جديد وكأنهم ينتظرون التعليمات.
الإيرانيون علّموا العالم أن الندية السياسية لا تُشترى بالقوة، بل تُصنع بالثبات والدهاء واستيعاب قواعد الاشتباك.
وبالرغم من كل ما ألحقته إيران بالكيان الصهيوني من دمار واستنزاف لقدراته الجوية والدفاعية، وبالرغم من حجم الخسائر التي تكبدها الكيان على المستويات الاستخبارية والتكتيكية، إلا أن المفارقة المذهلة أن إيران، كما صرّح محسن رضائي القائد العام السابق للحرس الثوري و أمين عام مجمع تشخيص مصلحة النظام، لم تستخدم سوى 30% فقط من مخزونها الاستراتيجي والباليستي، ولم تفعّل حتى هذه اللحظة قدرات قواتها البحرية والبرية وبعض الصنوف العسكرية الأخرى، ولم تستخدم مضيق هرمز ولا مضيق باب المندب، وهي أوراق استراتيجية هائلة تملكها إيران ولم تلجأ إليها بعد.
وفي هذا السياق يتردد في أوساط العسكر قاعدة شهيرة: "من يسيطر على مضيق هرمز و مضيق باب المندب فإنه يسيطر على العالم". وهذه الورقة لا تزال في يد إيران، وتُدرك جيداً متى وأين يمكن أن تُفعّلها إذا تجاوز الصراع خطوطه الحمراء.
رغم كل الحصار، ورغم كل التحديات، ورغم فقدانها لصفوة قادتها وعلمائها، استطاعت إيران في وقت قياسي أن تُقهر الكيان وتفرض وجودها داخل قلب يافا ، تلك المدينة التي طالما رُوّج لها قبل الانتقال إلى القدس الشريف كعاصمة لا تُخترق وكنتوء سرطاني يتحكم بمصير الأمة العربية من أقصاها إلى أقصاها.
اليوم أصبحت تلك المدينة نفسها قلقة وخائفة من قدرة إيران على الوصول، ومن قدرة طهران على اختراق جدرانها الأمنية التي بُنيت لعقود على أسطورة التفوق المطلق.
لقد صنعت إيران نموذجاً يُحتذى في كيفية تحويل الاستهداف إلى قوة، وكيفية السيطرة على مسار المعركة حتى وهي تتلقى الضربات. هي قصة أمة لا تركع، وقوة لا تخضع، ودهاء لا يُقهر.
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟