هشام عقراوي
الحوار المتمدن-العدد: 8373 - 2025 / 6 / 14 - 16:44
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في ظل التصعيد الأخير بين إسرائيل وإيران ، والضربات الصاروخية التي استهدفت مواقع إيرانية استراتيجية، يبدو أن “الصراع لا يخص فقط طهران وتل أبيب، بل هو جزء من إعادة ترتيب أوسع للعلاقات الدولية في الشرق الأوسط، تشمل العراق وسوريا وتركيا والمنطقة بأكملها “.
لكن ما يثير القلق لدى الكورد، وبشكل خاص من داخل كردستان إيران والعراق، هو أن “بعض النخب الفكرية والمثقفين الكورد، بدأوا بالتعاطف مع الضربات الإسرائيلية، ودعم تصاعد التوتر مع إيران، دون أن يدركوا أنهم بذلك يُعيدون إنتاج نفس الوهم الذي دفع الكورد ثمنه مرات عديدة عبر التاريخ الحديث “.
“الكورد ليسوا لاعبين استراتيجيين مستقلين، بل هم أدوات في لعبة أكبر منهم، ولن يكونوا الرابح النهائي فيها، سواءً انتصرت إسرائيل أم لم تنتصر. وإذا كانت إيران المتطرفة تمثل اليوم أحد الاسباب لوجود الدعم الاقليمي للكورد ثقافيا وسياسيا، فإن انهيارها يعني رسم خريطة جديدة للهيمنة الغربية – التركية – السعودية، والتي لن يكون للكورد مكان فيها سوى كعامل ثانوي يمكن التضحية به .”
الوهم الأول: هل ستنفجر إيران كما انفجرت سوريا؟
يراهن بعض المثقفين الكرد داخل إيران وخارجها، على أن “التصعيد الإسرائيلي – الغربي ضد إيران قد يكون فرصة ذهبية لإطلاق حركة انفصالية أو ثورية داخل كردستان إيران، لاستعادة الحقوق الثقافية والسياسية التي طالما غابت عن السكان الكرد هناك “.
لكن الواقع يقول إن “أي نظام جديد في إيران، سواءً جاء عبر الضغوط الأمريكية أو الثورات الداخلية أو حتى التغيرات الأمنية الكبرى، سيكون حتماً نظاماً موالياً للغرب، وسيُعيد إنتاج نموذج الشاه السابق، أو ربما حتى نموذج النظام التركي الجديد، حيث يتم إعطاء أولوية للعلاقات مع أمريكا وإسرائيل، على حساب التنوع البشري والقومي داخل الدولة ذاتها “.
الوهم الثاني: لماذا يُعتبر الكورد “قيمة استراتيجية” الآن؟
حتى اللحظة، يمتلك الكورد قيمة استراتيجية في المنطقة، لكن هذه القيمة ليست بسبب “المشروع الوطني الكردي “، بل لأنهم “جزء من المعادلة السياسية التي تُستخدم لمواجهة إيران وروسيا وحزب الله والسعودية والإسلام السياسي الشيعي “.
وبمجرد أن “تُستبدل الدول أو الأنظمة، ويتحول محور القرار إلى الغرب، فإن القيمة الاستراتيجية للكورد ستختفي، تماماً كما يحدث اليوم في سوريا “، حيث “بدأ دور الكورد بالتراجع بعد أن قدمت الإدارة الذاتية نفسها كشريك صغير في مشروع أمريكي – تركي – إسرائيلي لإعادة بناء الدولة السورية تحت غطاء “اللامركزية”، بينما بقيت المكونات الأخرى، مثل الدروز والعلويين، خارج المشهد “.
وهذا الواقع يُشبه كثيراً “الوضع في إقليم كردستان العراق، حيث سكتت الولايات المتحدة عن تجميد الرواتب، وفرض ضغوط على الحكومة المحلية، رغم أنها كانت شريكاً استراتيجياً للكورد في العراق منذ عقود “.
الكورد في سوريا.. عندما يُستخدم الشعب كورقة ضغط
لا يمكن فصل موقف الكورد في سوريا عن “التحولات التي طالت علاقة دمشق الجديدة مع تركيا والولايات المتحدة وإسرائيل “، حيث يبدو أن “**الإدارة الذاتية الكردية بدأت تتعرض لضغوط متزايدة، لتسليم مفاصل القرار العسكري والمالي، تحت غطاء “الاندماج في الدولة”، بينما الحقيقة هي أن “الدولة الجديدة برئاسة أحمد الشرع ليست دولة كل السوريين، بل دولة جهة واحدة، وهي هيئة تحرير الشام سابقاً، والتي تمارس نفس السياسات الطائفية والإقصائية التي كانت سائدة في عهد الأسد.
الكورد في إيران.. بين الرجاء وسوء الفهم
لا يختلف الوضع في إيران كثيراً، حيث “الكورد الإيرانيون يطالبون بحقوق أساسية مثل اللغة والتعليم الذاتي والحكم المحلي، لكنهم يعلمون جيدًا أن أي تغيير في النظام الإيراني، خاصة إذا كان بقيادة معارضة مرتبطة بالغرب أو السعودية، فلن يكون للكورد مكان فيه، بل سيكون بمثابة بداية لنظام أكثر تشدداً، وربما أكثر تجاوزاً على الهوية الكردية “.
و حسب محلل سياسي أيراني فأن:
“الكورد في إيران كانوا ضحايا لنظام الملالي، لكنهم سيكونون ضحايا لنظام علماني موالٍ للغرب، إذا ما جاء عبر ضغوط خارجية، لأنه لن يكون مشروعًا وطنيًا، بل مشروعًا تابعًا، يخدم المصالح الخارجية، ويُهمش التنوع البشري والقومي داخل إيران .”
“التيارات الليبرالية الكردية التي تؤيد إسقاط النظام الإيراني عبر الضغوط الغربية، تجهل أن أي نظام بديل سيكون أكثر تماهياً مع الولايات المتحدة، وبالتالي أقل تقبلاً للتنوع، وأكثر تركيزاً على السيطرة المركزية، وهو ما يعني نهاية أي آمال للكورد في الحصول على حكم ذاتي حقيقي أو حتى حقوق ثقافية داخل البنية الإيرانية الجديدة .”
موقف حكومة إقليم كوردستان من الحرب بين إسرائيل وإيران
على عكس بعض الدعوات الشعبية أو الإعلامية التي نادت بإعلان موقف رسمي واضح، فإن “حكومة إقليم كوردستان برئاسة مسرور بارزاني لم تعلن بشكل رسمي دعمها لإحدى الجارتَين على الأخرى، وظلت تُحافظ على خطاب محايد إلى حد كبير “، رغم وجود تعاون غير معلن بين الإقليم وإسرائيل عبر قنوات اقتصادية وثقافية متعددة.
وقالت وزارة الخارجية في حكومة الإقليم في بيان صدر يوم 10 حزيران 2025:
“ندين أي تصعيد عسكري في المنطقة، ونرى أن الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط لا يمكن تحقيقه عبر الضربات الصاروخية أو الهجمات الجوية، بل عبر الحوار الاستراتيجي والحوكمة العادلة للعلاقات الدولية .”
وأضاف البيان:
“إن حكومة إقليم كوردستان تعتمد على سياسة الحياد الإيجابي في الصراعات الإقليمية، وتعمل دائماً على حماية مصالح الكورد ومكانتهم في العراق وفي المنطقة، بما يخدم السلام وضمان حقوق شعبنا .”
ويُفهم من موقف الحكومة أنها “لا تؤيد أي هجوم يُستخدم فيه العنف كأداة لتغيير المعادلات السياسية، خاصة إذا كان ذلك يؤثر سلباً على البنية الأمنية في العراق أو سوريا أو إيران، حيث يعيش الكورد في كل هذه الدول وسط توترات متفاقمة “.
وأكد المتحدث باسم الحكومة الكردية، بافيل زنجناوي ، أن “الإقليم لا يتدخل في العلاقات الإيرانية – الإسرائيلية، لكننا نرفض استخدام أراضينا كقاعدة لنقل السلاح أو تنفيذ العمليات العسكرية ضد أي طرف، لأن هذا قد يعرّض مواطنينا الكرد في الجنوب الشرقي العراقي وفي إيران إلى خطر حقيقي “.
الغرب واسرائيل وتركيا.. أعداء أم حلفاء؟
يتساءل الكثيرون في صفوف الكورد:
“كيف نبني مشروعنا الوطني، بينما نحن نعتمد على حلفاء لا يؤمنون بوجودنا؟ “
الولايات المتحدة ، التي دعمت الكورد في سوريا والعراق، “بدأت بسحب وجودها العسكري من سوريا، ونقله إلى تركيا وإلى شمال العراق و أقليم كوردستان، مما يشير إلى أن واشنطن لا تبحث عن دولة كردية، بل عن كورد متعاونين، يستخدمون كأداة ضغط على إيران وتركيا ودمشق، ثم تُهمَل حقوقهم عند أول تسوية سياسية “.
إسرائيل ، التي يرى البعض أنها “حليف طبيعي للمجموعات غير العربية في المنطقة “، لم تُظهر يوماً “أي اهتمام حقيقي بالقضية الكردية، سواء في تركيا أو العراق أو سوريا أو إيران. فهي دولة قائمة على مبدأ “التفاهم مع الإسلام السياسي المعتدل” ضد الإسلام السياسي المتطرف، وليس دولة “اللامركزية أو التعددية أو الديمقراطية”، لذلك فإن أي دعم كردي لإسرائيل هو مجرد خطوة ساذجة، تُستخدم لخدمة مشروع إقليمي، بينما الكورد سيكونون الضحية الأولى منه “.
تركيا ، التي تُقاتل الكورد في الداخل، وتُتهمهم بالانفصال، “تُستخدم اليوم كحليف إقليمي في سوريا والعراق، ولكن بشروطها الخاصة، حيث لا تُعطي تركيا لأحد حقاً حقيقياً، بل تُعيد إنتاج سياسة “الغلبة” باسم “الإسلام السياسي” أو “القومية التركية”، وهو ما يجعل أي تعاون معها، حتى لو كان مؤقتاً، خطراً على المستقبل الكردي الطويل “.
الكورد في الحرب الإسرائيلية – الإيرانية.. بين الوهم والواقع
العنصر
التحليل
الدعم الكوردي لإسرائيل
يُعد خطأ استراتيجيًا، لأن إسرائيل “لا تُحارب من أجل الديمقراطية أو التنوع، بل من أجل مصالحها الوطنية والأمنية، ولا تملك أي نية لدعم الكورد أو الفلسطينيين أو أي أقلية أخرى في المنطقة“.
التأمل في إسقاط النظام الإيراني
قد يكون مغرياً على المستوى الثقافي، لكنه “لن يؤدي إلى تحقيق الحكم الذاتي أو اللامركزية، بل إلى إعادة ترتيب العلاقات الإقليمية، بحيث تصبح إيران دولة أكثر انفتاحاً مع الغرب، وأكثر تهميشاً للمكونات غير الفارسية، بما فيها الكرد“.
الاعتماد على الدعم الخارجي
يُظهر أن “الكورد ما زالوا يعتمدون على الخارج لبناء مشاريعهم، بينما الواقع يقول إن أي مشروع يُبنى على الخارج لن ينجح، كما حدث في سوريا، حيث تحولت الإدارة الذاتية إلى أداة ضغط على تركيا، ثم بدأت في فقدان مكانتها بمجرد تحسن العلاقة التركية – الأمريكية – السورية“.
هل تُستخدم سوريا كنموذج لما سيحدث في إيران؟
تشير الوقائع إلى أن “سوريا قد تكون النموذج الأنسب لفهم ما قد يحدث في إيران في حال تم إسقاط نظام الملالي، واستبداله بحكومة إسلامية سياسية أو ليبرالية مرتبطة بالغرب “.
في سوريا، “الحكومة الجديدة برئاسة أحمد الشرع لم تقدم أي ضمانات حقيقية للكورد أو للدروز أو للعلويين، بل ظلت تمارس نفس الخطاب الإسلامي السياسي، وتُعيد إنتاج سياسات الاستبعاد والتهميش، بينما تُستخدم المناطق الكوردية كأرض لتصفية الحسابات بين الجهات الأجنبية “.
وفي إيران، “السيناريو نفسه قابل للتكرار، حيث سيتم إسقاط نظام الملالي، لكن لن يُنشأ مشروع وطني كردي، بل نظام موالٍ للغرب، يُعيد إنتاج نفس السياسات المركزية، ويُهمش دور القوميات غير الفارسية، كما فعل الشاه سابقاً، أو كما تفعل تركيا اليوم مع الأكراد “.
يقول الباحث الكردي الإيراني، رضا خليليان :
“الكورد في إيران يعرفون جيداً كيف تعامل الشاه معهم، وكيف حرموا من التعليم بلغتهم، وكيف حوّلوا إلى أقلية ثانوية في الدولة، ولهذا فإنهم لا يأملون في تغيير كبير، إذا ما جاء النظام الجديد على ظهر الدبابة الغربية أو السعودية .”
الكورد في سوريا والعراق.. مثال واضح لانعدام القيمة الاستراتيجية الحقيقية
في سوريا، “الكورد الذين حاربوا تنظيم داعش نيابة عن العالم، وشكّلوا وحدات حماية الشعب والمرأة، ودمروا دولة الخلافة المزعومة، لم يحصلوا على أي ضمانات حقيقية، بل واجهوا ضغوطاً متزايدة من قبل الحكومة المؤقتة، التي ترفض فكرة اللامركزية أو الفيدرالية، وتتعامل معهم كعامل تكتيكي، وليس كمكون استراتيجي “.
وفي العراق، “حكومة بغداد الجديدة، تحت ضغوط أمريكية وسعودية، بدأت تضغط على إقليم كردستان، وتحجب الرواتب، وتُعيد تعريف العلاقة مع البشمركة، وتُضعف موقع الكورد في القرار العراقي، رغم أنهم كانوا شركاء في الحرب ضد الإرهاب، وقدموا آلاف الشهداء من أجل استقرار الدولة “.
وقال نيجيرفان بارزاني ، رئيس إقليم كردستان العراق، في تصريح سابق:
“الكورد ليسوا ضد السلام، بل ضد السلام الذي يُستخدم كذريعة لإضعافنا. نحن لسنا أدوات في لعبة الآخرين، بل نريد أن نكون فاعلين في قرارنا، وفاعلين في دولتنا، وليس مجرد أدوات في لعبة إقليمية أو دولية .”
الكورد في حرب إسرائيل وإيران.. هل هم حليفون أم ضحايا؟ وهم الدعم الخارجي وانعدام المشروع الوطني الكردي
الخلاصة:
الكورد ليسوا لاعبين استراتيجيين، بل أدوات في لعبة أكبر منهم، سواءً في إيران أو سوريا أو العراق أو تركيا .
الدعم الخارجي للكورد لم يكن يوماً دعماً حقيقياً، بل كان دعماً تكتيكياً، ينتهي بمجرد تحقيق المصالح الخارجية .
أي تغيير في إيران أو سوريا أو العراق، إذا كان يُدار عبر الضغوط الخارجية، فهو لن يكون لصالح الكورد، بل سيكون ضدهم، لأن السياسات الجديدة ستُعيد إنتاج نفس النموذج الإقصائي، لكن بلغة مختلفة .
الحل الوحيد للكورد في جميع الدول الأربع (إيران، العراق، سوريا، تركيا) هو بناء مشروع وطني مشترك، يُعيد تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع، ويُنتج دولة المواطنة، بعيداً عن الهيمنة أو التبعية، وعبر مؤتمر وطني شامل لكل السوريين، يضم الكرد والدروز والعلويين والسنة المعتدلين والمسيحيين، ويعيد كتابة العقد الاجتماعي والسياسي، بعيداً عن الخطاب الطائفي أو القومي الضيق .
الدعوة: بناء مشروع كردي موحد.. بعيداً عن الضغوط الخارجية
لا دولة بدون مواطنة، ولا حقوق بدون مشروع وطني موحد
“الكورد، سواءً في إيران أو العراق أو سوريا أو تركيا، لن يحصلوا على حقوقهم عبر دعم إسرائيلي أو أمريكي أو تركي أو سعودي، بل عبر بناء مشروع وطني حقيقي، يُعيد تعريف الدولة وفقاً لطبيعة التنوع البشري والقومي والثقافي، ويُنتج دولة المواطنة، حيث يتساوى فيها الجميع أمام القانون، ويُحترم التنوع، ويُعاد تعريف العلاقة بين المركز والإقليم، بشكل عادل ومستدام .”
#هشام_عقراوي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟