عليان عليان
الحوار المتمدن-العدد: 8369 - 2025 / 6 / 10 - 02:47
المحور:
القضية الفلسطينية
بقلم : عليان عليان
في ضوء الخذلان العربي الرسمي للمقاومة ولأبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة ، وفي ضوء خنوع الشارع العربي، وتواطؤ معطم أطراف النظام العربي مع العدو الصهيوني ولجوء هذا النظام إلى مؤتمرات علاقات عامة تحمل إسم ( القمة ) لإصدار بيانات الشجب والاستنكار ، والمناشدة بوقف الحصار ووقف الحرب ، لتبعد عن نفسها شبهة المشاركة الضمنية في حرب الإبادة الجماعية والتجويع ، لا سيما وأن العديد من دول هذا النظام تستقبل على أرضها قواعد أمريكية وغربية ،وترفض استخدام أوراق القوة التي بيديها مثل ورقة المعاهدات مع الكيان الصهيوني ، فمصر على سبيل المثال تمتنع عن استخدام معاهدة كامب ديفيد، كأداة ضغط لوقف العدوان وانسحاب قوات الاحتلال ، ولم تستخدم ملحق المعاهدة عام 2005 الذي ينص على أن (محور صلاح الدين- معبر رفح ) منطقة حدودية بين مصر وفلسطين (قطاع غزة ) ويستثنى من هذه الصورة البائسة ـ موقف إخوان الصدق في يمن العزة والكرامة والأصالة بقيادة حركة أنصار الله ، الذي لم يتوقف عن دك الكيان الصهيوني بعشرات الصواريخ الباليستية والفرط صوتية وبالطائرات المسيرة ، عن تسيير المسيرات المليونية في مختلف المحافظات .
عناوين خارطة الطريق للممقاومة
كما أنه في ضوء تحلل حكومة العدو من صفقة التبادل في يناير( كانون ثاني) الماضي وانقلاب ويتكوف – مبعوث الرئيس الأمريكي ترامب- على خطته اللاحقة التي وافقت عليها المقاومة ، وطرحه خطة على مقاس الاشتراطات الإسرائيلية ، ولجوء حكومة العدو إلى إغلاق المعابر في 2 مارس ( آذار) وشن حرب تجويع لأبناء شعبنا في القطاع ، ومعاودتها لشن حرب الإبادة في 18 مارس الماضي ، التي راح ضحيتها ما يزيد عن 180 ألف شهيد ومصاب منذ أكتوبر 2023 ، كان لا بد للمقاومة أن تضع خارطة طريق تجبر العدو على وقف إطلاق النار والانسحاب من قطاع غزة ،وقد تبدت هذه الخارطة في ضوء تصريحات أبو عبيدة -الناطق الرسمي باسم حركة حماس- وأدبيات المقاومة ،وتصريحات المفاوض الفلسطيني خليل الحية ،بالعناوين التالية:
1-شن حرب استنزاف متدرجة بتكتيكات قتالية جديدة ضد قوات الاحتلال ترفع من كلفة الخسائر البشرية للعدو والتمسك بقوة بورقة الأسرى.
2- استثمار تداعيات حرب الاستنزاف على الصعيد الداخلي .
3-استثمار تداعيات حرب الاستنزاف وحرب الإبادة والتجويع على الصعيد الدولي.
تكتيكات القتال الجديدة في إطار حرب الاستنزاف
منذ استئناف الحرب الصهيو أمريكية على قطاع غزة في 18 مارس الماضي بعد تراجع حكومة العدو عن اتفاق كانون ثاني الماضي، واللجوء إلى حرب التجويع منذ 2 مارس الماضي ، يلحظ المراقبون العسكريون الصهاينة ، منذ مطلع نيسان الماضي هزيمة تلو هزيمة تلعقها قوات الاحتلال على يد فصائل المقاومة ،في محافظات الشمال وغزة وخان يونس ورفح ، من خلال كمين يتلوه كمين ، وبناية مفخخة تتلوها بناية أخرى ، في إنجازات عسكرية هائلة للمقاومة الفلسطينية ، وبات هؤلاء المراقبون من صهاينة وأجانب يلهثون وراء هذه الإنجازات، وبات العدو الصهيوني يعلن كل يوم عن أحداث أمنية صعبة ، و ورئيس وزراء حكومة الائتلاف اليمينية المتطرفة مجرم الحرب نتنياهو ، يتحدث بنبرة ياسة ومهزومة قائلاً : "إنها ضريبة أمن (إسرائيل) والقضاء على حماس ، في حين بدأ رئيس الأركان الإسرائيلي يائيل زامير ، بالخروج تدريجياً من جلباب نتنياهو بتعليقه على عمليات المقاومة النوعية : لا حرب أبدية ولا بد من صفقة.
واللافت للنظر أن العمليات التي شقها رجال القسام وسرايا القدس وكتائب أبو علبي مصطفى وبقية فصائل المقاومة اتخذت بعداً كمياً ونوعياً جديداً ، حيث لم تتخلى عن الأساليب التكتيكية السابقة ، لكنها ابتدعت تكتيكات قتالية جديدة ،في ضوء ظروف المعركة بعد العدوان المتجدد منذ 18 مارس( آذار) الماضي ومن هذه التكتيكات :
1-توزيع وحدات المقاومة في طول قطاع غزة وعرضه في إطار وحدات صغيرة نسبياً ملائمة لحرب العصابات.
2-استحداث وحدات رصد دقيقة متقدمة تقوم بتزويد الوحدات القتالية بمعلومات عن وحدات العدو المتقدمة من حيث الكم والنوع "، وحدات مدرعة ، مشاة ، قوات خاصة ألخ، بأساليب يدوية غير خاضعة للرقابة الالكترونية.
3-تنويع الهجمات والعمليات المركبة ، فأحياناً تنصب حقول الألغام في المناطق التي يعتبرها العدو آمنة كتلك التي أطلق عليها " مناطق عازلة" ، ليجري شن عمليات مركبة فيها على نحو تفجير حقل الألغام وإطلاق القذائف على الآليات ، واستهداف قوات النجدة ، وإيقاع أكبر الخسائر في صفوف قوات الاحتلال من كبار الضباط والجنود كما حصل في منطقة شرق جباليا / وأحياناً يسمح لقوات الاحتلال بالدخول لمناطق الأبنية المهدمة ، من أجل تنفيذ العمليات المركبة كما حصل في منطقة الشجاعية.
4-واعتماداً على وحدات الرصد يتم تفخيخ البنايات ، التي ستأتي إليها الوحدات الخاصة ووحدات الهندسة ، وتفجيرها حال دخول آخر جندي فيها لإيقاع أكبر عدد ممكن من القتلى والجرحى في قوات الاحتلال ، كما حدث في كمين شرق خان يونس التي أسفرت عن مصرع (4) جنود وإصابة 19 آخرين وكذاك كمائن رفح المحتلة التي أسفرت عن خسائر كبيرة في صفوف الاحتلال .
5-لا تكتفي وحدات المقاومة بتنفيذ العمليات المركبة ، بل تقود معركة كل مرة ضد جنود العدو تستغرق عدة ساعات لضرب قوات النجدة ، ولقتل ما تبقى من قوات العدو في موقع الكمين.
6-اللجوء للكمائن البسيطة ، عند ملاحظة مجموعة من مشاة العدو تتحرك في إحدى أحياء القطاع ، يخرج رجال المقاومة بسرعة لاصطيادهم بالأسلحة الرشاشة من المسافة صفر ويتأكدوا بالفحص اليدوي أنهم فارقوا الحياة.
7-عمليات القنص المستمرة لجنود العدو بواسطة بندقية الغول
ويلاحط أن المقاومة في إطار حرب الاستنزاف لا تتمسك بالأرض مؤقتاُ ، كسباً للوقت في إطار خطتها لشن حرب العصابات
قيادة عسكرية مجربة
هذه التكتيكات القتالية تقف ورائها قيادة عسكرية مجربة ومؤهلة في إطار انتماء وطني وعقيدي غير مسبوق من عنوانينها :
1-وحدة القيادة والسيطرة
2- غرفة العمليات المشتركة
3- المرونة في القيادة : في حال استشهاد أي قائد عسكري يحل محله قائد آخر.
4- اللامركزية في القتال : فكل وحدة ترسم تكتيكاتها القتالية وفق لطبيعة المواجهة وخصائصها.
5- الحرص على بث العمليات العسكرية موثقة بالصوت والصورة ، وإن جاءت متأخرة لمدة يوم أو يومين لظروف الحرب الجديدة.
6- استخدام طائرات الدرون لإلقاء القنابل على تجمعات العدو وكذلك إطلاق الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى على قوات الاحتلال وعلى مستوطنات الغلاف.
7- وحدة القرار السياسي في عملية التفاوض ، وهذا ما تجلى في رفض كافة الفصائل لخطة ويتكوف الجديدة التي تضمنت كافة شروط نتنياهو ، بعد أن اتصل كبير المفاوضين الفلسطينيين خليل الحية بكافة فصائل المقاومة لتوحيد الموقف من الخطة ، وطرحه خطة بديلة تضمن وقف الحرب وانسحاب قوات الاحتلال من عموم غزة.
تداعيات حرب الاستنزاف على الداخل الإسرائيلي
وتمثلت هذه التداعيات فيما يلي :
1-الخسائر الكبيرة في صفوف قوات الاحتلال التي تخضع لمقص الرقيب العسكري الإسرائيلي ، فعلى سبيل الحصر اعترف العدو بمصرع 18 جندياً منذ استئناف القتال في 18 مارس الماضي وإصابة 50 جنديا ، في حين تحدثت هيئة البث ووسائل الاعلام الإسرائيلية عن أرقام أكبر من ذلك بكثير.
2- وتراكم العمليات العسكرية للمقاومة وازدياد خسائر العدو البشرية في إطار حرب الاستزاف طويلة الأمد ، التي تعتمد في إطار حرب العصابات على الأسلحة المتواضعة المصنعة محلياً أفقدت ميزان القوى المختل لمصلحة العدو قيمته في إطار الحرب غير المتناظرة .
3- وازدياد حجم الخسائر البشرية والمادية بدأ يحدث تأثيرات في الداخل الإسرائيلي ، عبر الحديث المتكرر من المعلقين العسكريين ومن كبار الضباط الإسرائيليين، بأن خطة زامير التي تحدثت عن حرب قصيرة الأمد تحقق أهدافها بأقل عدد ممكن من الخسائر في صفوف العدو ، باتت وراء ظهر المقاومة .
ويمكن رصد هذه التداعيات بما يلي :
1-تراجع رئيس الأركان عن موقفه بشن حرب قصيرة تحقق أهداف حكومة العدو بأقل عدد من الخسائر البشرية ، من خلال تصريحه بأنه لا توجد حرب أبدية ، بعد أن اكتشف حجم الخسائر البشرية في صفوف قوات الاحتلال ، ما يعني أن المؤسسة العسكرية بقيادتها الجديدة المقربة من نتنياهو بدأت بالابتعاد تدريجياً عن خطته، القاضية باستمرار الحرب لأسباب شخصية وسياسية لمنع حكومة الإئتلاف اليمينية من السقوط.
2- كما أن زيادة الخسائر البشرية في صفوف قوات الاحتلال ، بات يبشر بعصيان مدني شامل تتكامل فيه مسيرات أهالي الأسرى مع مسيرة مناهضي الحرب، لا سيما وأن آخر استطلاع للرأي في الكيان الصهيوني أجراه "معهد لِزر للأبحاث" لصالح موقع "والا" العبري أظهر أن 61% من الإسرائيليين يدعمون إبرام صفقة إفراج عن جميع الأسرى المحتجزين في غزة دفعة واحدة، مقابل معارضة 24%..
3- أزمة جديدة تضرب (إسرائيل) بقوة بسبب قانون التجنيد والتوجه نحو الانتخابات تمثلت بتهديد الأحزاب الحريدية ( يهودات هاتوراه ، وديغيل هاتوراه وشاس ) بحل الكنيست بعد قرار المؤسسة العسكرية تجنيد 55 ألف من فئة الحريديم لسد نقص القوة البشرية في قوات الاحتلال ، لا سيما أن انسحاب حزبي يهودات هاتوراه وشاس ( 18) مقعداً يفقد حكومة الائتلاف الأغلبية المطلوبة ، حيث يتكامل موقف الأحزاب الحريدية مع موقف زعيم المعارضة وزعيم حزب " يسش عتيد – هناك مستقبل" يائير لابيد ،الداعي لحل الكنيست.
4- تزايد أعداد جنود الاحتياط الذين يرفضون العودة للخدمة العسكرية في قطاع غزة وإقدام وزير الحرب لإسرائيلي على اعتقالهم .
5- تصريحات قادة عسكريين بعدم وجود أفق للحرب على قطاع غزة ، فعلى سبيل المثال للحصر : قال الجنرال اسحق بريك -مسؤول شكاوي الجيش والقائد السابق لفرقة جنوب غزة- في مقابلة مع صحيفة معاريف الإسرائيلية :-"إن الجيش الإسرائيلي "هُزم أمام "حركة حماس"، محذرا من التورط في حرب استنزاف طويلة، قد تؤدي إلى انهيار البنية التنظيمية والأمنية للجيش، وخسائر اقتصادية باهظة " ...." أن المقاومة ليست فقط بعيدة عن الانهيار بل استعادت أنفاسها وأعادت تشكيل بنيتها التنظيمية، رغم فقدان معظم قادة الصف الأول والثاني، حيث شهدت صفوفها إعادة بناء في البعدين البشري والعسكري، وهو ما يفسر استمرارها في القتال بهذا الزخم".
وإذا ما تكاملت العوامل السابقفة ( حرب الاستنزاف ، الأزمة الداخلية في الكيان ، مع التطورات الجديدة في موقف الدول الأوروبية الداعية إلى وقف حرب الإبادة وحرب التجويع وتهديدها بإلغاء العلاقات التجارية مع (إسرائيل) ، فإن حكومة العدو ستضطر للقبول بصفقة تتضمن إنهاء العدوان والانسحاب من قطاع غزة ، ودخول المساعدات وإعادة إعمار قطاع غزة.
وأخيراً فإن النصر المطلق الذي يتحدث عنه بنيامين نتنياهو ليس سوى وهم يضلل به جمهوره، لا سيما أن المقاومة تدير حرب استنزاف ردا على الإبادة ضد المدنيين، وتفاجئ "العدو" يوميا بتكتيكات ميدانية متجددة ،تلحق بقوات الاحتلال خسائر بشرية كبيرة.
انتهى
-
#عليان_عليان (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟