عليان عليان
الحوار المتمدن-العدد: 8350 - 2025 / 5 / 22 - 13:04
المحور:
القضية الفلسطينية
التطورات الجديدة والمتلاحقة التي تشهدها العواصم الغربية هذه الأيام، ضد حرب الإبادة والتجويع الصهيونية في قطاع غزة ، تشكل انقلاباً تدريجياً على نهجها السابق ،عندما هبت لدعم العدو الصهيوني بعد معركة طوفان الأقصى ، في ملحمة السابع من أكتوبر التاريخية 1923 ،وعندما اعتبرت الحرب العدوانية على مدى 19 شهراً حرباً مشروعة في إطار الدفاع عن النفس ، لدرجة أنها وقفت موقفاً مناهضا من محكمة العدل الدولية ، التي عقدت ثلاث جولات للبت في قضية ارتكاب قوات الاحتلال جرائم حرب وإبادة جماعية في قطاع غزة.
واللافت للنظر أن معظم أطراف النظام العربي الرسمي تشيح بوجهها عن الأهل في قطاع غزة ، وتكتفي بعقد القمم التي تكتفي بالمطالبات والتنديد والمناشدات، دون أن تستخدم أوراق الضغط التي بيديها ، مثل وقف التطبيع والمعاهدات مع الكيان الصهيوني ، بوصفها أضعف الأيمان ، وذلك بحكم تبعيتها لدول الغرب الرأسمالي ، ما دفع بعض المراقبين للتساؤل : لماذ تمارس الدول العربية تبعييتها على الدوام لدول الغرب ضد شعوبها وضد قطاع غزة ولا تمارس تبعيتها للدول الغربية في موقفها الراهن ضد حرب الإبادة والتجويع ، بأن تقوم بفتح المعابر عنوة لإيصال المساعدات إلى قطاع غزة ، وأن تهدد بإلغاء المعاهدات مع الكيان الصهيونيز
واللافت للنظر أيضاً أن دولة وعد بلفور بقيادة حزب العمال وفرنسا ماكرون اللتان هبتا لدعم الكيان بكل السبل ، نراهما يتخذان مواقف صارمة مع الكيان ، بينما لا تجرؤ دولة عربية واحدة على إلغاء المعاهدة معها ، أو حتى استدعاء السفير الصهيوني لتقديم احتجاج بشأن تجويع القطاع.
انقلاب في الموقف الأوروبي
بدايةً لا بد أن نشير إلى أن معظم الدول الغربية ، وفرت كل سبل الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي للكيان الصهيوني ، منذ نشوئه الغاصب عام 1948 ، وأنها حريصة على بقاء الكيان الصهيوني قوياً ومتفوقاً عسكريا على دول المنطقة ، وإن خلافها ليس مع (إسرائيل) بل مع نهج نتنياهو الذي يقود الكيان إلى عزلة كبيرة وغير مسبوقة ، ويعطي الأولوية لبقاء حكومته على حساب مصالح وأمن ( إسرائيل) نفسها وعلى حساب المصالح الأوروبية .
لقد تمثلت هذه التطورات الدراماتيكية الصادرة عن مختلف الحكومات الغربية حتى اللحظة بما يلي :
1- إصدار قادة أيسلندا وأيرلندا ولوكسمبورغ ومالطا وسلوفينيا وإسبانيا والنرويج بياناً مشتركاً جاء فيه إنهم "لن يصمتوا أمام الكارثة الإنسانية التي يسببها الإنسان والتي تحدث أمام أعيننا في غزة / دعوة حكومة (إسرائيل) إلى عكس سياستها الحالية على الفور ، والامتناع عن القيام بالمزيد من العمليات العسكرية، وإلغاء الحصار تماما وضمان توزيع المساعدات الإنسانية بشكل من وسريع وبدون معوقات في جميع أنحاء قطاع غزة من جانب الجهات الفاعلة الإنسانية الدولية بعد مصرع 50 ألف رجل وامرأة وطفل حياتهم واحتمال أن يموت الكثير من الناس جوعا في الأيام والأسابيع القادمة إذا لم يتم اتخاذ إجراءات فورية/ إدانة التصعيد الإسرائيلي تصعيد ا في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية وإدانة عنف المستوطنين، وتوسيع المستوطنات غير القانونية وتكثيف العمليات العسكرية الإسرائيلية".
2- تهديد قادة فرنسا وبريطانيا وكندا الاثنين 20-5-2025 في بيان مشترك باتخاذ إجراءات ضد إسرائيل إذا لم توقف حرب الإبادة الجماعية التي تشنها على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 202 / مطالبة هذه الدول إسرائيل بوقف عملياتها العسكرية في غزة والسماح الفوري بدخول المساعدات/ إدانة اللغة البغيضة للحكومة "الإسرائيلية" بشأن التهديد بالترحيل القسري أن التهجير القسري لأنه يشكل انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي/ أن هذه الدول لن تقف مكتوفي الأيدي "بينما تواصل حكومة نتنياهو أفعالها الفاضحة".
3- إعلان مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كايا كالاس، بتاريخ 20-5-25أن اتفاقية التجارة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل ستخضع للمراجعة، في ظل الوضع «الكارثي» في قطاع غزة ، مشيرةً إلى ، «أغلبية قوية» من وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي المجتمعين في بروكسل يؤيدون مثل هذه المراجعة لاتفاقية الشراكة بين التكتل وإسرائيل في ضوء الأحداث في القطاع الفلسطيني / تأكيدها أن الوضع في غزة كارثي وأن المساعدات التي سمحت إسرائيل بإدخالها هي قطرة في محيط وأنه يجب أن تتدفق المساعدات على الفوردون عوائق وعلى نطاق واسع.
العقوبات تشق طريقها نحو التطبيق الفعلي
ولم تكتف الدول الغربية الموقعة على البيانات سالفة الذكر ، بتهديد الكيان باتخاذ إجراءات عقابية بل لجأت فعلاً إلى تطبيق العقوبات في سياق تدريجي ، فالحكومة البريطانية أعلنت تعليق محادثات اتفاق التجارة الحرة على ( إسرائيل) وفرض عقوبات جديدة على مستوطنين في الضفة الغربية ، كما أكد وزير الخارجية البريطاني، أن بلاده قررت تعليق مبيعات الأسلحة لتل أبيب والتي قد تُستخدم في العمليات العسكرية في غزة، معتبرًا أن منع دخول المساعدات يُعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي ، هذا كله ناهيك عن استدعاء الخارجية البريطانية للسفير الإسرائيلي لإيصال رسالة احتجاج بشأن حرب الإبادة الجماعية ونهج تجويع أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة .
وها هو رئيس وزراء اسبانيا يعلن بأن بلاده قطعت العلاقات التجارية مع (إسرائيل) لأنها دولة إبادة جماعية ، وأنها ألغت نهائيا تصدير الأسلحة لإسرائيل ، ناهيك أن خطابه في قمة بغداد العربية كان متقدماً بكثير على مخرجات القمة المذكورة ، أما إيرلندا فموقفها معروف بمعاداتها للكيان ودعمها للحقوق الفلسطينية ومقاطعتها للمنتجات الإسرائيلية.
كما أن الإتحاد الأوروبي بات على وشك إلغاء اتفاقية الشراكة الموقعة مع ( إسرائيل) بعد توفر أغلبية النصاب اللازمة لإلغاء الاتفاقية ، احتجاجاً على حرب الإبادة والتجويع ، لا سيما وأن الاتفاقية الموقعة مع الكيان الصهيوني عام 2000 ، تنطوي على مادة تربط استمرار الاتفاقية بالتزام ( إسرائيل) بحقوق الإنسان.
وكانت اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي و (إسرائيل) قد دخلت حيز التنفيذ في يونيو/حزيران 2000، وهي تمنح إسرائيل العديد من الامتيازات في سوق الاتحاد الأوروبي حيث بلغ حجم التجارة بينهما 46.8 مليار يورو في عام 2022، مما يجعل الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري ل (إسرائيل)
تجدر الإشارة إلى أنه مع إعلان كل من النرويج وإيرلندا وإسبانيا بتاريخ 20 مايو / أيار 2024 الاعتراف بدولة فلسطين ، ارتفع عدد الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي المعترفة بفلسطين إلى 12 من أصل 27 دولة.
غضب أمريكي
هذا كله ناهيك عن الموقف الأمريكي الساخط من نهج نتنياهو الذي لا يراعي المصالح الأمريكية في المنطقة رغم الدعم العسكري والاقتصادي الهائل للكيان الصهيوني ، حيث قام نائب الرئيس فانس بإلغاء زيارته لتل أبيب ،كما أكد مسؤولان في البيت الأبيض لموقع "أكسيوس" أن الرئيس دونالد ترامب يشعر بالإحباط من الحرب الدائرة في غزة لا سيما وأن ترامب منحه الوقت الكافي لتحقيق أهداف الحرب لكنه أخفق في ذلك ، وعبر عن انزعاجه من صور معاناة الأطفال الفلسطينيين، وطلب من مساعديه إبلاغ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رغبته في إنهاء الأمر.
كما جرى تسريب أخبار أن الرئيس غاضب من نتنياهو ، لأنه شن العملية العسكرية الجديدة تحت مسمى " عربات جدعون" دون استشارة الإدارة الأمريكية ولأن نتنياهو يخطط لضرب المنشآت النووية الإيرانية لإفشال المفاوضات الأمريكية الإيرانية بشأن البرنامج النووي الإيراني .
لماذا هذا لانقلاب في موقف الدول الغربية؟
والسؤال هنا لماذ هذا التحول المتأخر في موقف الدول الأوروبية حيال جرائم الإبادة الجماعية وحرب التجويع بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة ؟
في التقدير النوضوعي أن هذا الانقلاب يعود لمجموعة عوامل أبرزها :
1-المظاهرات الهائلة في العواصم والمدن الغربية ا،لتي لم تتوقف منذ بدء العدوان الصهيو أميركي الأطلسي على قطاع غزة على مدى (19) شهرا ، التي طالبت بوقف العدوان على غزة ووقف تصدير الأسلحة للكيان الصهيوني ، واتخاذ إجراءات عملية ضد الكيان الصهيوني لوقف حرب الإبادة ، ما شكل ضغطاً على صانع القرار في هذه الدول لأن يتخذ إجراءات عقابية ضد الكيان .
2- أن كافة المنظمات الأممية ومنظمات حقوق الانسان ( الأونروا ، برنامج الغذاء العالمي ، منظمة الصحة العالمية ، مجلس حقوق الإنسان ، منظمة العفو الدولية ، هيومان رايتس ووتش والمقرر الخاص للأمم المتحدة فرانشيسكا ألبانيز بشأن حقوق الإنسان في فلسطين ، محمكة العدل الدولية وغيرها ) رفعت صوتها عاليا بضرورة وقف حرب الإبادة الجماعية التي أدت إلى ارتقاء ما يزيد عن 174 ألف شهيد ومصاب ، وبضرورة حرب التجويع التي تنقل بالصوت والصورة ما أجبر الدول الغربية عن إجراء استدارة في موقفها حتى لا تتهم بالمشاركة في حرب الإبادة والتجويع في القطاع ، ودعم الاستيطان في الضفة الغربية.
3- لأن الدول الغربية وخاصةً بريطانيا وفرنسا وكندا ، و وفق حسابات استراتيجة وسياسية باتت تشعر بأن استمرار حرب الإبادة والتجويع في قطاع غزة ، قد تفضي في تداعياتها إلى نشوب حرب إقليمية ، تضرب في الصميم مصالحها في المنطقة ،لا سيما وأن نموذج اليمن بات واضحا أمام أعين هذه الدول، الذي أجبر الإدارة الأمريكية على توقيع وقف إأطلاق نار متبادل في منطقة البحر الأحمر، دون اشتراط وقف اليمن للضربات الصاروخية للكيان الصهيوني. تحولاً واضحاً في مسار التعاطي الغربي مع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
وأخيراً فإن صمود المقاومة وانتصاراتها في الميدان ، والتطورات سالفة الذكر تعزل الكيان الصهيوني دوليا ، كما أن تصريحات قادة سياسيين وعسكريين صهاينة مثل تصريح رئيس الحزب الديمقراطي الإسرائيلي يائير غولان ، ورئيس الوزراء الأسبق "يهودا أولمرت" ووزير الحرب الأٍسبق "موشيه يعلون" ، التي وصفت حرب نتنياهو على القطاع غير أخلاقية لأنها حرب ضد المدنيين وتعكس هواية قتل أطفال غزة والاحتفال بقتلهم ، وأن قتل الفلسطينيين "أيديولوجية قومية وفاشية ، وأن (إسرائيل) تتجه لأن تصبح دولة منبوذة بين الأمم ناهيك عن الدعوات المتزايدة من قادة المعارضة، بضرورة إنجاز عصيان مدني لإسقاط حكومة الائتلاف اليميني المتطرف ، كلها تساهم في عزل الكيان الصهيوني، وتخدم وقف العدوان على قطاع غزة .
#عليان_عليان (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟