علي الجلولي
الحوار المتمدن-العدد: 8368 - 2025 / 6 / 9 - 22:57
المحور:
القضية الفلسطينية
تشهد فلسطين المحتلة في المدة الأخيرة تدهورا مريعا للأوضاع الإنسانية بفعل حرب الإبادة النازية التي يواصلها الناتن ياهو منذ عشرين شهرا في تحدي صارخ لكل القوانين و الأعراف والقيم بتواطؤ فجّ من الامبريالية الأمريكية وتواطؤ غير مسبوق للأنظمة العربية والإقليمية. لقد دخلت آلة الحرب الوحشية في سباق مع ذاتها لحصد أكثر ما أمكن من الأعداد غير المحسوبة من الأطفال والشيوخ والنساء تعلن وسائل الإعلام عن أعداد المرئيين منهم ممن وصلتهم كاميرا الإعلام أو أيادي الدفاع المدني التي دمرت إمكانياتها المادية والبشرية إلى أقصى حد. أما ما يبقى مردوما تحت الأنقاض أو تلتهمه النيران. يضاف إليها التجويع والتعطيش الذي يتم أمام ضمير العالم الذي أصبح بلا ضمير، إذ يعاني أكثر من مليوني بشر من فقدان الأدنى للاستمرار، وأصبحت أمنية الأماني بالنسبة للغزيين الحصول على قطرة ماء ولو كانت متسخة وملوثة ، ويتداول الإعلام صور تدمي القلوب حول جري عشرات الآلاف من البشر العراة الحفاة للحصول على رطل دقيق أو رطل أرز أو عدس. في الوقت الذي تصطف طوابير الشاحنات من الجهة المصرية مذعنة لأوامر السيسي عون الأمريكان والصهاينة الذي لا يتوانى عن القيام بأحط الأدوار وأشنعها للحفاظ على كرسيه جاثما على صدر شعب مصر. و يتابع العالم القرار الصهيوـأمريكي الخاص بإشراف شركة أمريكية على توزيع المساعدات على الناس في غزة و هو ما يفتخر به الفاشي ناتن ياهو بكونه قطعا للطريق أمام استحواذ حركة حماس على المساعدات وتأبيد سيطرتها على القطاع. وقد شاهد العالم على الأثير صورا مقرفة تطرح ألف سؤال حول طبيعة ما يجري، فقد كانت المصالح الحكومية و الفعاليات المدنية والمقاومة تقوم سابقا بدور حاسم في ايصال المساعدات لمستحقيها، فيما أشاع القرار الصهيوـأمريكي بتكليف شركة خاصة بذلك فوضى عارمة قد تهدد باقتتال فلسطيني ـ فلسطيني من أجل علبة مسحوق حليب وهو ما مررته شاشة التلفزيون لذلك الغزاوي الذي حصل على فتات من مواد استهلاك بعد أن تدمدم كل وجهه. إن هذه الصور لا تؤكد إلا شيئا أكيدا وهو حجم الجريمة الجارية على أرض القطاع، والتي يراد تسويقها على الشاكلة الهوليودية التي لا تلهي الناس عن التدبر في الأسباب الأصلية لكل ما يجري و هو الاحتلال الصهيوني المنفلت والمارق والذي يتحدى العالم،كل العالم نذرا للحماية التي يجدها في البيت الأبيض رغما عن كل مؤسسات العالم التي أصبحت محرجة مما يجري وهو ما دفع رؤساء ورؤساء حكومات فرنسا وبريطانيا واسبانيا وايرلندا وايطاليا وهولندا لإدانة ما يجري والمطالبة بإيقاف المجازر فورا. لقد أصبحت حكومات اليمين واليمني المتطرف في أروبا تخجل مما يجري بفعل ضغط الشعوب، وشرع بعضها (هولندا و اسبانيا) في مراجعة اتفاقيات الشراكة الاقتصادية والتجارية مع كيان الاحتلال فيما قررت اسبانيا تجميد تزويد الكيان بالسلاح. إنها خطوات محتشمة لكنها تؤشر لحجم الجريمة الحاصلة.
ـ الحلف الصهيوـ امبريالي العربي والإقليمي يتفق على تصفية القضية
إن ما يجري في فلسطين المحتلة اليوم وتحديدا في غزة إنما يجري بقرار وحماية و تغطية سياسية واقتصادية وقانونية....من قبل الحلف الصهيوـ امبريالي وخاصة الأمريكي الذي يشكل الغطاء للكيان الصهيوني منذ قيامه باعتباره أداة وقاعدة متقدمة في المنطقة التي تعتبر المنطقة الأهم في العالم من جهة مقدراتها وثرواتها وموقعها. ولتكريس الهيمنة الأمريكية على المنطقة كان لزاما خلق أنظمة موالية ووظيفية تتكامل أدوارها مع كيان الاحتلال، وهو ما تكرس منذ اتفاق سايكس بيكو (1916) الذي خطته الامبرياليتين المسيطرتين في بداية القرن المنصرم أي فرنسا وبريطانيا، ومنذ الحرب الثانية أصبحت الامبريالية الأمريكية هي التي تقود المحور الامبريالي وتخوض الصراع باسمه وباسم مصالحها الخاصة التي استفردن بالعالم منذ نهاية تسعينات القرن الماضي، لذلك يمكن الحديث عن ضرب من التماثل بين الوحش الأمريكي وربيبه الصهيوني ليس فيما يهم المنطقة فحسب، بل أيضا فيما يهم العالم.
وضعت أمريكا يدها على حكام سايكس بيكو الذين تنطع بعضهم وأصبح مواليا للسوفيات في إطار الحرب الباردة. ومنذ ولادة الأحادية القطبية تعمل أمريكا على إعادة تشكيل المنطقة بالتخلص من الأنظمة المناوئة على شاكلة أنظمة العراق وسوريا وليبيا واليمن والجزائر، وهو ما تحقق في السنوات الأخيرة ضمن خطة الشرق الأوسط الجديد. لقد كانت فرصة بالنسبة للحلف الصهيوـامبريالي بان يعيد صياغة أنظمة الحكم ومقاضيتها بأمنها أي استمرار كرسيها خاصة بعد اندلاع انتفاضات وثورات في عيد الأقطار العربية أطاحت برؤوس شرسة في استبدادها وتبعيتها. لذلك انخرطت هذه الأنظمة في مسار لتعميق عمالتها وتبعيتها ودورها الوظيفي في خدمة مصالح الأسياد وأصبحت عرّابا للتطبيع مع كيان الاحتلال باعتبار ذلك كلمة السر لاستمرار الدعم الأمريكي والغربي. ضمن هذا السياق تغذى لدى أنظمة العمالة في المنطقة أن عدوهم الأساسي هو المقاومة الفلسطينية لأنها تناقض الهيمنة ولأنها تغذي منطق المقاومة لدى الشعوب ولأن انتصاراتها هي دفع معنوي وحيوي لحركة النضال في الساحات العربية، كما أن انكساراتها تصيب الجماهير بالإحباط لذلك انخرطت هذه الأنظمة في شتى المشاريع التي تهدف لتصفية المقاومة مهما كان ثوبها ، لذلك لم نتفاجئ حين صرحت مصادر صهيونية مؤخرا أن من "يضغط" علي الكيان بأن يواصل الحرب هو أنظمة خليجية . ولا غرابة في الأمر فهذه الأنظمة هي التي شدت أزر كيان الاحتلال في الحرب، فقد مولاه بكل ما يريد لاستمراره في التقتيل، فالجسر البري من الإمارات إلى الكيان مرورا بالسعودية والأردن مازال يمد الكيان بالغلال والخضر والأدوية وحتى بالممرضات والممرضين، في حين يموت أطفال فلسطين جوعا وعطشا وقصفا. ومن قاعدة "العيدية" قرب الدوحة أين تجري المفاوضات غير المباشرة تقوم طائرات القصف الصهيوني بالتزود بالبنزين. أما السفن الحاملة للأسلحة القاتلة فتتزود بالبنزين من ميناء طنجة والإسكندرية. أما تركيا فلم تتوقف تجارتها مع كيان الاحتلال بما في ذلك تمكينه من قطع غيار عسكرية. وفيما انخرطن أنظمة العمالة الخليجية في الاتفاق الإبراهيمي، فان نظام المخون العميل في المغرب يواصل المناورات المشتركة مع عسكر الكيان وخاصة فرقة "الجولاني" التي تعتبر الأكثر إرهابا و إجراما ضد شعب فلسطين في غزة والضفة. ولم يخرج عن إجماع الخونة حتى عميل رام الله محمود عباس الذي يقوم بأقذر الأدوار ضد شعبه في الضفة والقدس وغزة، وآخرها زيارته للبنان لإدانة ومحاصرة أي فعل مقاوم والموافقة على نزع سلاح المقاومة في المخيمات وخارجها إذعانا لدوره الوظيفي. أما الجامعة العربية فكان اجتماع "قمتها" الأخير ببغداد والذي غاب عنه تقريبا كل الحكام فقد كان فعلا إعلان لشهادة وفاة هذه الجامعة التي انتهى دورها فعليا وهي التي ارتبطت بالنظام الرسمي العربي المنبثق عن تقسيم سايكس بيكو، أما "مجلس التعاون الخليجي" فقد اثبت طبيعته عند زيارة ترامب للسعودية إذ أمضى معه اتفاقيات تفوق 3000 مليار دولار مستجيبين لسطوته ك"تاجر ومرابي" عالمي، ورتبوا للوحش الأمريكي لقاء مع حاكم سوريا الإرهابي العميل الجولاني لمزيد إحكام القبضة على المنطقة بحكامها القدامى والجدد. أما الوضع الفلسطيني فأمر لا يعني حكام المنطقة. وفيما تريد تركيا المزايدة، لكن الوقائع على ارض تثبت أنها نظام قومي شوفيني شعبوي لا تشغله سوى مصالحه الجشعة، أما فلسطين ومقاومتها فلا يتجاوز الأمر المزايدة اللفظية وتقديم بعض الخدمات لحركة حماس مثلما تفعل قطر.
إن مزية الوضع الفلسطيني اليوم هو كشفه لكل أوراق المنطقة، وخاصة الارتباط العضوي بين الحلف الصهيوني الامبريالي مع أنظمة العمالة في المنطقة، وهي بذلك عدوة لفلسطين ولا يمكن بأي حال التعويل عليها لا في المساعدة ولا في المساندة.
ـ المقاومة الثابتة و الشعوب الحرة واليمن الصامد هم فلسطين
أما من بقي على العهد مساندا لفلسطين والمقاومة فهو قوى التقدم في العالم من حرائر وأحرار، وأيضا رصاص اليمن الذي عوض سلاح حزب الله وهو يستمر في إرباك كيان العدو وضرب مقدراته المادية وخاصة مطار اللد و ميناء حيفا. أما المقاومة بمختلف فصائلها فقد عادت للمبادرة واختطاف المسيرات وإطلاق الصواريخ على تجمعات الجنود، كما عادت لإيقاع القتلى منهم, ومازال رهائن العدو في يد المقاومة،ومازال الصمود في التفاوض غير المباشر ثابتا رغم التغير الحاصل على أرض المعركة وفي مجمل المنطقة طوال العشرين شهرا الماضية أي منذ أكتوبر 2023 وآخرها مبادرة الأمريكان التي قدمها وزير خارجيتها والتي تدفع حركة حماس أن تنص على إنهاء العدوان بشكل دائم رغم صعوبة ذلك بحكم الأسباب المذكورة أعلاه، إذ تتحالف كل الصقور من أجل إنهاء أي وجود مقاوم وترتيب الوضع بما يفيد إطلاق يد الكيان لتصفية القضية وبعث " اسرئيل الكبرى" التي يرى منظرو الصهيونية وساستها أن الظروف لم تكن مواتية في يوم أكثر من الآن كي يتحقق "مشروع الآباء".
الوضع صعب في فلسطين وفي المنطقة، لكن إرادة الصمود عند الشعب وعند المقاومة هي نقطة الضوء والمعطى الحاسم لإحباط نوايا التصفية، فالشعوب ومقاومتها خلقت النصر من ركام أفظع جرائم الاستعمار وأمثلة الجزائر وستالينغراد والفيتنام وجنوب إفريقيا... ستبقى مرجع الانتصار لشعب الجبارين، شعب فلسطين الذي لم يزده الاحتلال وخيانة أنظمة العمالة إلا وحدة وإصرارا، ففي ذروة هذه الأوضاع المأساوية فان حرائر العالم وأحراره يرفعون معنوياتهم في أماكن كثيرة من العالم ومنها تونس بصمود الفلسطينيين.
1 جوان 2025
#علي_الجلولي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟