|
دولة ترقص على السلالم وتحتمي بالعمائم! (1-2)
ياسين المصري
الحوار المتمدن-العدد: 8364 - 2025 / 6 / 5 - 14:36
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يوجد في علم السياسة مصطلح ”أثر الكوبرا The Cobra effect“ للتعبير عن السياسات الخاطئة في معالجة الأزمات، ومن ثم تتسبب في تفاقمها. ففي أثناء الاستعمار البريطاني للهند، الذي بدأ في 1758، ودام 200 عام، لاحظ البريطانيون انتشار ثعابين الكوبرا السامة بشكل خطير في شوارع العاصمة دلهي، فتفتقت أذهانهم عن إعلان مكافأة مالية لمن يقتل كوبرا ويسلمها للسلطات. بدت هذه السياسة معقولة في بدايتها، رغم اعتراض بعض العقلاء وتحذيرهم منها بدون دراسة جدواها. ولكن كل من اعترض عليها وحذر منها تم إسكاته أو إتهامه بعرقلة مسيرة النجاح. ما أن دخلت الخطة حيز التنفيذ، حتى بدت ناجحة، وأخذ سكان المدينة بتسليم جثث الكوبرا المقتولة في مقابل المكافأة. لكن مع انحسار أعداد الكوبرا، فيما بعد، عمد السكان إلى تربيتها في مزارع خاصة، وإطلاقها في الشوارع، ثم قتلها بهدف الحصول على المزيد من المكافآت. وعندما عجزت الإدارة الحاكمة عن تدبير النفقات المستمرة لهذا البند، تم إيقاف المكافأة. لكن المشكلة أن تعداد الكوبرا كان قد تفاقم إلى ثلاثة أضعاف في المدينة وغزت كل ربوعها. الخبير الاقتصادي الألماني Horst Siebert، أعاد هذا المصطلح (أثر الكوبرا) للأذهان في 2002 حين إستخدمه كعنوان لكتابه عن الأزمات الإقتصادية التي تتسبب فيها سياسات غير مدروسة، فهناك حكومات تظن أنها تحل الأزمات لكنها تزيد المشاكل تعقيدا، فالسياسات غير المدروسة تؤدي إلى تفاقم الأزمات، ولابد من تغيير العقلية التي أحدثتها... Der Kobra-Effekt. Wie man Irrwege der Wirtschaftspolitik vermeidet, 2001 (أثر الكوبرا : كيف يتجنب المرء أخطاء السياسة الاقتصادية) لمزيد عن هذا الأثر أنظر: https://esconsulting.com.sa/أثر-الكوبرا/ أيضًا هناك الكثير من الأمثال الشعبية لها دلالات أعمق وأشهر في هذا الصدد من ”أثر الكوبرا“، لأنها تعبر عنه باختصار خير تعبير، من تلك الأمثال، المثل المصرية القائل: « جه يكحَّلها عماها» أو « عمل زى اللي رقصت على السِّلِّم لا الي تحت شافها ولا الى فوق شافها». فى مضمون هذه الكلمات تشبيه بليغ لمن يقوم بفعل الشيء الغلط في المكان الغلط والزمان الغلط، فلا يستفاد منه على الإطلاق. وقد يتسبب ذلك في حدوث مشاكل أخرى. العسكر الذين يحكمون مصر بالحديد والنار منذ عام 1952، ينطبق عليهم تماما ”أثر الكبرا“ أو أنهم أشبه بمن رقصت على سلالم عديدة ومختلفة، وأحيانا متضاربة، لا تؤدى إلى الأعلى، بل إلى الأسفل، ومن ثم أوصلت البلاد إلى الحضيض. وكانوا دائما في حماية ودعم من رجال الدين المعممين وغير المعممين! خاصة وأن الديانة الإسلاموية هي الملاذ الأخير لجميع الأوغاد والقتلة والسفاحين والفاشلين في عملهم، وفي حياتهم إجمالا! الوضع الطبيعي والضروري في العمل السياسي العام هو أن الأشخاص المتخصصين هم الذين يصنعون المناصب التي يرونها حتمية لخدمة ورقي الوطن ماديا ومعنويا، ومن ثم يوضع ”الرجل المناسب في المكان المناسب“، بينما في نظم الحكم الشمولي أو الديكتاتوري الاستبدادي تكون الشعارات أهم من العمل، فيتجرد العمل من جدواه، ويكون ولاء الأشخاص أهم بكثير من المناصب، وأن الأشخاص يستمدون نفوذهم وسيطرتهم فقط من المناصب التي يتقلدونها، لذلك ليس من الضروري أبدًا أن يكون أحدهم متخصصا أو يعرف شيئا في عمله، أهم شيء هو إخلاصه وولاؤه لرئيسه أو لمن مكَّنُهُ من المنصب. هنا يلعب النفاق والرياء دورا حاسما للتعبير عن الإخلاص والولاء ومن ثم يزدهر الفساد والانحطاط في أحضانهما. هذا بالضبط هو الوضع السائد والمتبع في مصر منذ عقود (وفي جميع دول العربان المتخلفة)، لذلك لم ولن تتقدم هذه الدول على الإطلاق. ثم يأتي دور رجال الدين الإسلاموي، لترسيخ هذه الأنظمة ودعمها من خلال تجهيل المواطنين وخداعهم، لكونهم يمثلون دينا سياسيا في المقام الأول، ويتمتعون بشعبية جارفة، ومن ثم يقحمون أنفسهم بإسم الله ونبيه المزعوم في كل صغيرة وكبيرة من حياة المواطنين!، بذلك بدأت ولم تنتهي بعد فترة من الانحطاط والتدمير المعرفي والأخلاقي التي تسيطر على الحياة العامة والخاصة في البلاد!. دعونا نري كيف أن حكام مصر من العسكر دمَّروا البلاد ولوثوا العباد بدعم ومباركة من مشايخ الأزهر المحترفين والهواة على حد سواء: البكباشي جمال عبد الناصر زعم البكباشي عبد الناصر أن الانقلاب المشؤوم الذي قام به في 23 يوليو 1952 على الملك فاروق، ثم على الجنرال محمد نجيب من بعده، وتصفيته لزملائه واحدًا بعد الآخر على أنه ”ثورة“، ووقفت بجانبه جميع المنابر الإعلامية والدينية في البلاد لتوطيد هذا الزعم. فكان على قناعة بأن خطاباته العاطفية كرجل (ثورة مزعومة)، تصلح له ولسلطته كرجل ”دولة“ فرض نفسه على الشعب!، لم يكن يعرف أن رجل الدولة يجب أن يدرك جليا بأن الخطابات العاطفية التي قد تصلح في زمن الثورة لا تصلح في زمن الدولة.. رجل الثورة يخاطب مشاعر الجماهير ليلهبها ويحفزها، لإحداث تغيير فعلي نحو الأفضل، ومن ثم يلتقط الخيط من الجماهير، ويكون رجل دولة ليبحث عن علاقات طبيعية مع جميع دول العالم، يخلق المجال لجلب الاستثمارات من كل أنحاء العالم إلى بلده، يعبر عن كل الطوائف والمذاهب والعقائد والفئات المتواجدة في مجتمعه، يكون رجل التوافقات على المستوى الدولي والمحلي، يفتح مستقبلا جديدا لبلاده بعيدا كل البعد عن الفتن والصراعات التي تحرق الأخضر واليابس، هنا تكون ”الثورة“ حقيقة واقعية. في عام 1956، أثناء ما يسمى تاريخيا بالعدوان الثلاثي على مصر قال البكباشي عن نفسه أنه ليس ”خرع“ مثل إيدن، وبصرف النظر عن أن هذه الكلمة سوقية (مصرية) وقد احتار علماء اللغات الأجنبية في وجود ترجمة حقيقية لها، فإن أنطوني إيدن رئيس وزراء بريطانيا آنذاك كان واضحا، وشبهه بالزعيم النازي أدولف هتلر على أساس أنه كهتلر يشن حروبًا عبثية على الآخرين لا هدف من ورائها سوى إحداث العداوة والتدمير، ولكن التشبيه الأكثر تطابقا بين الإثنين، كان في مجال الحريات العامة والسياسة والإعلام. فبقدر ما كان البكباشي يتمتع بكاريزما استثنائية، وقوة عناد ظاهرية في تعامله مع السياسة الخارجية، ومن الحد الأدنى من نظافة اليد، فهو حقيقة لم يسرق (راجع كتاب ”الرجل الذي لم يسرق“ للكاتب اللبناني محمد ناصر العاملي، سلسلة إقرأ، دار المعارف بمصر بدون تاريخ)، ولكنه بلا شك ترك الآخرين يسرقون، وكان على مستوى عالي من النرجسية، مما يعكس ضيق أفقه وذكاءه المحدود ورؤيته القاصرة. من بين أهم خصاله أنه لم يكن يؤمن بحياة سياسية حقيقية أو بإعلام حر. كل ما قام به هتلر تقريبًا بشأن الإعلام والفن والثقافة في ألمانيا، قام به بعد ذلك عبد الناصر أثناء سلطته في مصر، وزاد عليه من تلاه فيما بعد. فقد قتل الحياة السياسية وكبت الحريات المدنية وأرسى ركائز إعلام خادم، منافق، مضلل، لا يزال يلازمنا حتى اليوم. إعتمد البكباشي وعصابته من الضباط الأشرار على التعاون أو التحالف مع الإسلامويين (خاصة الإخوان المتأسلمين) في التنسيق والتحضير لانقلابهم، فكلاهما لديه نهم شديد للاستحواذ على السلطة في البلاد بأي ثمن، يقول الأستاذ سليم عزوز: « الثابت تاريخياً أن "جمال عبد الناصر" كان عضواً في النظام الخاص للجماعة، وقد بايع على المصحف والمسدس، في حجرة مظلمة، وهو التقليد الذي كان سائداً عند الانضمام للتنظيم، وعلى السمع والطاعة وفي المنشط والمكره، وكان قسمه أن يدافع عن فكر الجماعة ومعتقداتها!» https://www.aljazeera.net/blogs/2017/6/28/الإخواني-جمال-عبد-الناصر كما ذكر الأستاذ عزوز أن عبد الناصر كان في نفس الوقت عضوا في منظمات أخرى يسارية (ليمسك الخيط من الوسط). لكن استفادته من الإخوان كانت حاسمة، حيث استغل بفاعلية شعبيتهم ونفوذهم في المجتمع لتمكينه من اغتصاب السلطة، وكالعادة دائما عمد إلى التخلص منهم بعد ذلك، كما صفَّى العديد من رفاقه، وأزاح عن الساحة السياسية كافة العارفين بمضمونها لتخلو له وحده، ويكون هو المتسلط الوحيد، محاطا بثلة من الجهلة والمنافقين والحمقى ومرضى النفوس. أدار البلاد بفيض منقطع النظير من الجهل والخوف والعجز، كان جاهلا بأمور السياسة وخائفا على منصبه ممن حوله ومن الجيش ومن الإسلامويين ومن الشعب برمته، وعاجزا عن أي عمل مفيد للبلاد. وإلى جانب انه كان فاشلا في كل شيء، وأن المنصب هو الذي صنع منه زعيما مزيفا، أو بطلا من قشّ، كان يعتمد فقط على الشعارات الكبيرة التي لا تنسجم مع موازين القوى في العالم، ولكنها تلهب المشاعر، وتغرس بذور الكراهية في النفوس، ولم تكن لديه (روشتة) سياسية أو مشروع سياسي حقيقي، يمكنه العمل بموجبه ليرقى بالبلاد والعباد إلى مستوى الثورة. طغت أهواؤه الشخصية على العمل السياسي، فرقص على وهم الاشتراكية التي كانت موضة عالمية في ذلك الوقت، ولم تؤدي اشتراكيته المزعومة سوى إلى كوارث اقتصادية واجتماعية، ورقص على القومية العروبية الخرافية، فمزق دول المنطقة ورسخ العداوة بينها، ولكن الأهم من كل ذلك هو رقصه على الدين رغم كراهيته الواضحة له، رقصا امتدّ على أيدي خلفائه حتى اليوم، وزادوا عليه. كان يلاحق الإخوان المتأسلمين لإبعادهم عن منافسته على السلطة، ويقوم بتلفيق التهم لهم، وقتلهم أو سجنهم عبر محاكم عسكرية صورية قاسية، ويضيق الخناق على العديد من الدعاة الإسلامويين الذين لا يدينون له بالولاء أو لا يقفون إلى جانبه. ولكن من الحقائق التي طالما أُخفيت عمدا عن الناس وجود علاقات وثيقة بين رجال انقلاب يوليو وبين الأميركان، حتى إن الكاتب الصحفي محمـد جلال كشك ألّف في ذلك كتابيه المهمين "كلمتي للمغفلين" وأكّده بتاليه "ثورة يوليو الأمريكية" التي تؤكد أن الاتصال بين عبد الناصر والسفارة الأميركية كان قد بدأ قبل يوليو 1952م، وأن الانقلابات العسكرية كانت أداة أميركية في الأصل على الأنظمة التي لا ترغب في الإبقاء عليها، وكان أول الانقلابات المدعومة أميركيا في الشرق الأوسط، انقلاب حسني الزعيم في سورية في مارس 1949م، وهو الانقلاب الذي استفاد منه عبد الناصر فيما بعد، وسار على خطاه بإرادة أميركية! يقول عميل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية الـ cia "مايلز كوبلاند"، الذي أشرف على تنفيذ كثير من الانقلابات في عالم العربان في كتاب " لعبة الأمم "، بعمالة معرِّب الناصرية الصحفي محمد حسنين هيكل للمخابرات الأمريكية، وقال: « لقد بذلت المخابرات الأمريكية كل جهودها في استبعاد الإسلام عن أي سلطة، كما قرروا أن يرفع جمال عبد الناصر في مصر شعار " القومية العربية " على الرغم من أن الشعار الإسلامي سيعطيه مساحة جماهيرية أكبر ..»، وذلك لأن الأمريكان خافوا من انتشار الإسلاموية .. كما أرادوا أن تكون القومية العربية أداة لكبح جماح التيار الإسلاموي المتنامي، فحصل المراد وتم ضرب ذلك التيار في مصر وكثير من دول العربان ضربة كبيرة. عمد البكباشي في بداية حكمه إلى عزل الأقلية القبطية (المصرية)، وإبعادها تماما عن العمل السياسي، بعدما كان الأقباط في العهد الملكي يتولون أعلى وأعظم المناصب ويديرونها بكفاءة عالية وإخلاص لا يتطرق إليه الشك. كان المصريون آنذاك مواطنين متساويين. استبعدهم من كل المناصب في عهده وفي العهود اللاحقة وأصبح الدين والمعتقد هو الفاصل. وضع البكباشي ورفاقه هذه اللبنة الكبيرة، لتكون المناصب السيادية كالخارجية والداخلية والحربية والمخابرات لا يمسسها الأقباط، وصار علي نهجه جميع خلفائه من بعده! وبذلك تحول الأقباط المصريين من مواطنين الي ذميين في وطنهم الأصلي!. ومن ناحية الإسلاموية، أقدم هذا الطاغية على إلغاء ما يسمَّى بالمحاكم الشرعية، كخطوة بارزة لتقليص دور الأزهر في الحياة العملية للمصريين خارج توجيه حكومته، ولكنه في المقابل كان يغازل رجال الدين ليدعموا تصرفاته الحمقاء، وقراراته الطائشة وحروبه التي لا مبرر لها!، ففى فترة حكمه التي استمرت 18 سنة، زاد عدد المساجد من أحد عشر ألف مسجد قبل انقلابه إلى واحد وعشرين ألف مسجد عام 1970، أي أنه تم بناء عدد (عشرة ألاف مسجد)، وهو ما يعادل عدد المساجد التى بنيت فى مصر منذ الاحتلال الإسلاموي المشؤوم وحتى اغتصابه السلطة. كما أنشأ منظمة المؤتمر الإسلامي عام 1954م، في الدول المتأسلمة، وإنشاء المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بوزارة الأوقاف المصرية في عام 1960م. وأنشأ إذاعة القرآن (1964م) وبدأ بتقليد جديد هو تنظيم مسابقات تحفيظ القرآن على مستوى الجمهورية، وعالم العربان، والعالم الاسلاموي، وكان يوزع بنفسه الجوائز على حفظة القرآن. ولأول مرة في تاريخ مصر جعل مادة التربية الدينية الإسلاموية مادة إجبارية، يتوقف عليها النجاح أو الرسوب كباقى المواد بينما كانت اختيارية في النظام الملكي. وأقدم على أسوأ خطوة في مسيرته السياسية في عام 1961م، وهي تحويل الأزهر إلى جامعة تدرس الطب والهندسة والقانون، مما زاد من قدر الدجل المرتبط بالدين والعلم الحقيقي …. وأنشأ مدينة البعوث الإسلاموية على مساحة ثلاثين فداناً تضم طلاباً قادمين من سبعين دولة إسلاموية يتعلمون في الأزهر مع إقامة كاملة (مجانا)، وذلك على حساب بنك ناصر، أي من قوت الشعب البائس المسكين. وعمل على ترجمة القرآن إلى كل لغات العالم وطباعته وتوزيعه على جميع دول العالم. تم وضع موسوعة الفقه الإسلامى والتى كان اسمها سابقا (موسوعة جمال عبد الناصر للفقه الإسلامي) ضمت كل علوم وفقه الدين فى 48 مجلدا والتي تم توزيعها فى العالم كله. سمح ببناء آلاف المعاهد الأزهرية والدينية فى أنحاء مصر وتم افتتاح فروع لجامعة الأزهر فى العديد من الدول الإسلاموية واوروبا. وأصدر قانونًا لتنظيم الأزهر، فربطه بكامله برئاسة الجمهورية بشكل مباشر؛ لينفرد هو وحده بتعيين شيخ الأزهر ووكيل الأزهر ورئيس جامعة الأزهر، وعمداء الكليات؛ كما انفرد بتعيين القيادات العليا في كافة الأجهزة الرئيسية الأخرى كالمجلس الأعلى للأزهر ومجمع البحوث الإسلامية وأعضائه. كما أخضع الهيكل العام الإداري والمالي للأزهر للحكومة (أي السلطة التنفيذية). وهكذا تمكن البكباشي من تأميم الرأسمال الديني واستثماره لصالحه، من خلال خطوات عشوائية لا يستفيد منها سوى رجال الدين وحدهم، وأصبح الأزهر لا يعصي له ولخلفائه من بعده أمرا فضلا عن أن يعارضهم، فمع هيمنة النظام العسكري عليه، لم تصدر من داخله أي موقف أو تصريح يعارض النظام الحاكم لا من قريب ولا بعيد؛ بل بالعكس وقف إلى جانب البكباشي الفاشل في كل مواقفه ومن ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، الفتوى التي أصدرها شيخ الأزهر يساند بها البكباشي في صراعه مع الجنرال محمد نجيب (الأهرام 17 فبراير 1954م)؛ وكذلك التأييد الذي قدمه لنظام حكمه، فيما يتعلق باتفاقية الجلاء (الأهرام 26 فبراير 1954م)؛ وأيضا المساندة التي قدمها له إثر الأزمة مع اسرائيل التي سبقت هزيمة يونيو 1967م، بإعلان تأييده ومباركته لخطواته في صد عدوان الصهيونية والاستعمار (الأهرام 25 مايو 1967م). أما الطرق الصوفية التي كانت تمثل وقتها نحو 3 ملايين منتسب ينتظمون في 60 طريقة، فكان لها شأن أخر مع البكباشي الفاشل؛ إذ أيدته بوضوح في القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية الداخلية والخارجية من البداية فعلى سبيل المثال وقفت مشيخة الطرق الصوفية معه في صراعه ضد الإخوان وأصدر شيخ مشايخ الطرق الصوفية محمد علوان بيانا في مولد الرفاعي عام 1965م أبرز فيه هذا الموقف؛ كما أصدر المجلس الأعلى للطرق الصوفية بيانا استنكر فيه ما أسماه المؤامرات الرجعية التي يدبرها الملك فيصل (ملك السعودية) وشاه إيران والملك حسين (ملك الأردن) ورئيس تونس الحبيب بورقيبة (الأهرام 12 ابريل 1967م)؛ وكذلك أصدر شيخ مشايخ الطرق الصوفية بيانا يبرر فيه ويؤيد قرارات عبدالناصر بسحب قوات الطوارئ الدولية من سيناء في مايو 1967م (الأهرام 27 مايو 1967م)، والتي مهدت للهزيمة المنكرة؛ ورغم ذلك في ديسمبر 1967م سار أكبر موكب صوفي رسمي في مصر تأييدا للزعيم الفاشل في أعقاب الهزيمة. أما الجمعيات الإسلاموية المستقلة كأنصار السنة والجمعية الشرعية وغيرها من الجمعيات المسجلة وفقا لقانون الجمعيات فقد وضعها عبدالناصر تحت وصاية الدولة وعيَّنَ أحد ضباط الجيش للإشراف عليها جميعا؛ وتندر الكثيرون من أن ضابط جيش ليس متخصصا في أي شيء أصبح يشرف على الجمعيات الدينية رغم تعارضها مع بعضها البعض في أهدافها ومناهجها، ومع ذلك أشرف هذا الضابط عليها في آن واحد؛ وقد شغل هذا المنصب لبعض الوقت كمال الدين رفعت أحد الضباط الأشرار. هكذا أمم البكباشي الجاهل الاقتصاد لصالح رأسمالية أعوانه، كما أمم مؤسسات الأزهر لصالح نظام حكمه؛ وكما أدارت ديكتاتورية دولته الاقتصاد والسياسة بفساد وانحطاط، أدارت تلك المؤسسات بنفس الأسلوب، خاصة وأن الديانة الإسلاموية في ذاتها تخلق المنافقين والمرائين وتجار الدين، وتشجع على الاستبداد والفساد والانحطاط. والنتيجة هي أن السلطة المطلقة التي كانت في يد هذا الطاغوت الجاهل نجحت في تحويل الصراع بين مصر والدول العربية والاستعمارية، إلى صراع بين المصريين أنفسهم .. فتشرذمت الدولة وتفككت. لقد أذل المصريين، وزرع الخوف في قلوبهم، وقذف بالديموقراطية إلى الجحيم، وورّث الدكتاتورية لمن بعده ..!!! وإذا قيل أنه بنى المصانع، فإنه يجب أن يقال ـ في المقابل ـ بأنه هدم الإنسان المصري الذي يدير المصانع، ففشلت المصانع، وفشل كل شيء، ومهَّد للقضاء على كل شيء ..!!!.
#ياسين_المصري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاتجار بالدين الإسلاموي!
-
محمد: شخصية نبوية مفبركة! (2-2)
-
الأزهر في مصر بؤرة للتخلف والانحطاط!
-
محمد: شخصية نبوية مفبركة! (1-2)
-
معضلة المواطن المستقر في بلادنا!
-
لماذا يكره الفرس العربان؟ (2/2)
-
لماذا يكره الفرس العربان؟ (1/2)
-
جنون العظمة من البكباشي إلى المشير
-
فتاوي ”البلاوي“ والهوس الجنسي
-
ابن سلمان وصدمة التغيير
-
العلمانية والضلال الإسلاموي المبين
-
أصل الاستبداد الإسلاموي
-
الغرب و شيزوفرينيا العربان
-
الصنم الذي يتحكَّم حيا وميِّتا!
-
من أين يبدأ تنوير المتأسلمين؟
-
ثقافة ”البهللة والسبهللة“ الدينية!
-
التفضيل بالنفاق في مصر! (2/2)
-
التفضيل بالنفاق في مصر! (1/2)
-
أنا لسْتُ مُدينًا بشيء لوطن مسلوب الإرادة!
-
أين حدود الصبر؟!
المزيد.....
-
سوريا: مجلس الإفتاء الأعلى يصدر فتوى بشأن -الثأر الشخصي- لاس
...
-
المبعوث الأمريكي: فتوى تحريم القتل في سوريا -خطوة عظيمة- نحو
...
-
مبعوث ترامب يعلق على صدور فتوى جديدة بخصوص الثأر والانتقام ف
...
-
فتوى تلغي مفهوم الثأر في سوريا.. و-إشادة أميركية-
-
هل تصبح القدس بلا مسيحيين؟
-
غزة والمسجد الأقصى في صدارة خطب العيد بعدة دول عربية
-
سوريا.. مجلس الإفتاء الأعلى يصدر فتوى في حكم الثأر والانتقام
...
-
في أول أيام عيد الأضحى.. الاحتلال يرفض تسليم المسجد الإبراهي
...
-
فيديو.. صلاة العيد بين أنقاض المساجد المدمرة في غزة
-
عشرات الآلاف يؤدون صلاة عيد الأضحى في المسجد الأقصى المبارك
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|