|
من أين يبدأ تنوير المتأسلمين؟
ياسين المصري
الحوار المتمدن-العدد: 8009 - 2024 / 6 / 15 - 02:05
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الشعوب التي استحوذت بعد معاناة شديدة على قدر من الوعي الذاتي تسعى دائمًا للتعلُّم من ماضيها، وتتمكن دائمًا من التوصُّل إلى معرفة الكيفية التي تتخلص بها من الإرث الإجرامي لطغاتها ومستبديها، ومن ثم تهتم بحاضرها وتسعى إلى تطويره، وتنقيته، وتشكيله بما يتفق مع طموحاتها وتطلعاتها المستقبلية، بينما العربان والمتأسلمون جميعًا، لا يتعلمون من ماضيهم أبدًا، ولا يرغبون في التخلص من آثار الطغاة والمستبدين السياسيين والمتدينين الإسلامويين، خاصة أن المستبد المتدين يعمل كل ما في وسعه على إقناع المتأسلمين بأن ضيق حالهم وتخلفهم وجهلهم وأمراضهم ليست بسبب المستبد السياسي، بل بسبب بعدهم عن الدين، وغضب الله عليهم، ومن ثم عليهم بطاعة الله والرسول وألي الأمر منهم، والدعاء لهم والتوسل إليهم والتماس الخلاص منهم دون توقف. كما أن: « من مآسي العقل العربي المتحجر، أنه عندما يتعرض للظلم من طغاته الحاليين. يتحسر على طغاته السابقين. مع أن السابقين هم من مهدوا الطريق للحاليين ولكل مهمته»، بحسب قول المفكر العراقي " الدكتور علي الوردي". هذه الحسرة تمتد تاريخيا لتشمل محمد نبي الأسلمة، كأسوة حسنة في الطغيان والاستبداد! من هنا فإن حاضر أتباعِه جميعهم وهمٌ وهباء ومستقبلهم مظلم وضلال، يعيشون منذ ذلك الوقت في منظومة استبدادية متواصلة، طغاتهم يحرصون دائما على تزييف التاريخ في حياتهم وكتابته كما يحلو لهم، وبعد مماتهم يتأمرون مع الأجيال اللاحقة لإخفاء جرائمهم وإجراء عمليات تجميلية للأحداث الإرهابية والإجرامية التي ارتكبوها بحق شعوبهم، فيتم تزيينها بزخارف خادعة، تجعل منهم أبطالا مزيفين. لقد تسبب الذين فبركوا هذه الديانة في انهيار حضارات المنطقة برمتها، وإصابة العقول بالشلل الكلي، مما جعل شعوبها تعيش حاضرها في ضلال مبين مع عدم امتلاكها لأي توقعات مستقبلية. ماضيها مزيف ولا يحمل أقل قدر من المعرفة الحقيقية، به الكثير من التفاصيل المملة والمليئة بالأكاذيب والخرافات والتناقضات، كلما غرق المرء فيه، كلما ضاعت منه رؤية الصورة كاملة وصَعُب عليه الربط بين أحداثه وفهم سنن الحياة وبين عوامل الصعود والنهوض ودوافع الهبوط والانحطاط ومقومات النجاح وأسباب الفشل ومعنى النصر وألم الهزيمة. بدلا من ذلك تجري باهتمام بالغ وحماس منقطع النظير عمليات تجميل أو ترقيع للأفعال المخزية والأحداث الكاذبة والأفكار الخاطئة لسلسلة طويلة من الطغاة والمستبدين وقطاع الطريق، مما يسربل المتأسلم بالحماقة والسطحية وسوء الخلق. قرأت منذ أيام كتابًا بعنوان: «أعلام التنوير في الإسلام» للدكتور محمد حبش، وهو كما جاء في الويكبيديا وغيرها من مواقع الإنترنت، عالم ومفكر إسلاموي وبرلماني وأكاديمي من سوريا، وقد حصل على دكتوراه في ”علوم القرآن“ من جامعة القرآن (الكريم) في أم دورمان (السودان)، ويملأ شبكة الإنترنت بمقالاته الإسلاموية التجميلية المملة. بدأ كتابه بعمر بن الخطاب كاول التنويريين في الإسلاموية وأعقبه بعائشة بنت أبي بكر وانتهى بالهندي وحيد الدين خان مرورا بعمر بن عبد العزيز والترابي والصادق المهدي من السودان! https://foulabook.com/ar/book/كتاب-أعلام-التنوير-في-الإسلام-pdf لم يذكر الدكتور خرِّيج جامعة القرآن في أم درمان الأسباب التي دعته إلى اختيار أولئك الأشخاص دون غيرهم ممن حاولوا بالفعل تنوير هذه المنطقة الموبوءة بالضلال! وجعلنا نساءل عمَّا إذا كان أولئك تنويريين بالفعل؟ وما هي آثارهم التنويرية؟ هل كانت مشاركة المدعو عمر بن الخطاب للنبيَّ في نزول الوحي، تنويرًا أم سببا رئيسيا في انتشار الجهل المقدس؟، وهل رفْضَهُ إعطاء النبي ورقة وقلم ليكتب للمتأسلمين شيئا لن يضلوا بعده أبدا وهو على فراش الموت، واتهامه له أنذاك بالهذيان من شدة المرض، تنويرا أم إصرارًا منه (أي عمر) على بقاء المتأسلمين في ضلالهم !، وهل كان قتله بسبب تنويره المزعوم، أم بسبب سلوكه العنصري الفظ وغلظة قلبه! الأستاذ صلاح الدين محسن وصفة بأنه خليفة ظالم، وأنه هولاكو العرب. وتساءل: كيف صار مضربا للمثل في العدل ؟؟؟؟؟؟
وأجاب : انها طبائع العرب. كل الامور عندهم معكوسة مقلوبة! وقال: أن عمر مات بسبب ظلمه. قُتِل على يد مظلوم مسكين. راح يستنجد به. بصفته الخليفة، الحاكم .. ولمن يشكو المظلوم، مالم يشكو للحاكم. لكي يرفع عنه الظلم ؟ .. https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=205651 أما عن عائشة فحدث ولا حرج، عائشة هذه التي اغتصب نبي الأسلمة براءة طفولتها، عاشت حياتها كما يحلو لها - رغم أنفه -، فقد رأت في وقت مبكر أن ”الله يسارع له في هواه“. وكأي امرأة كان لابد وأن تقع في الحب الحقيقي وتخون زوجها. ثم راحت تنتقم من ابن عمه (علي) لموقفة المناهض لها في حادثة الزنا مع الشاب صفوان بن المعطل، ودخلت معه في صراع على السلطة والنفوذ بعد موت زوجها. ألا يدل موقف عمر وعائشة وحدهما من رسول الله دلالة واضحة على أنهما حقيقة لم يكن لهما فيه أسوة حسنة إلا في نرجسية وحبه لذاته، واستغلاله البدو من حوله وتسخّيرهم لنزواته، وسعيه لإضلال أتباعه. ظل هذا الأمر قائمًا من بعده، فقد تبنته مؤسسات دينية فاعلة وحكام جهلة وعجزة جاءوا دائما إلى السلطة من الأبواب الخلفية. فأصبح الضلال والإضلال تراكميا يزاد يوما بعد يوم، وإلا ما تكلم أحد عن شيء إسمه: التنوير، فعلى العكس من الأروبيون الذي خاضوا معركة التنوير في القرنين 18 و19، وتنوروا وانتهوا، ولم يعد أحد منهم يتحدث عنه الآن!، نجد العربان والمتأسلمون يتوقون إليه ويطالبون به منذ طغت عليهم تلك الثقافة الضلالية المظلمة! *** الفيلسوف الألماني العظيم كانط عرّّف التنوير بأنه خروج الإنسان من قصوره الذي اقترفه في حق نفسه. وهذا القصور هو عجزه عن استخدام عقله إلا بتوجيه من إنسان آخر. ويجلب الإنسان على نفسه ذنب هذا القصور عندما لا يكون السبب فيه هو الافتقار إلى العقل، بل إلى العزم والشجاعة اللذين يحفزانه على استخدام العقل بغير توجيه من إنسان آخر. لتكن لديك الشجاعة لاستخدام عقلك،1 ذلك هو شعار التنوير. https://neorevivalism.wordpress.com/wp-content/uploads/2015/04/d985d8a7-d987d988-d8a7d984d8aad986d988d98ad8b1-d983d8a7d986d8b7.pdf وكما قال الكاتب الإنجليزي الشهير ألدوس هكسلي (1894 - 1963): « إن أعظم خطيئة بحق العقل البشري هي تصديق الأشياء بدون دليل»، فقد ركزت أفكار التنوير أساسًا على قوة العقل والمنطق وقدرتهما على فهم العالم وإدراك ناموسه وقوانين حركته، والأدلة على الحواس بوصفها مصدرًا أساسيًا للمعرفة، وعلى مبادئ الحرية والرقي والتسامح والإخاء والحكومة الدستورية وفصل الدين عن الدولة، ومن ثم تأسيس نظام شرعي للأخلاق. *** الفيلسوف الأندلسي العظيم “ابن رشد” 1126 ـ 1198م أدرك في وقت مبكر مدى الجمود الفكري والفقهي الذي يعاني منه المتأسلمون، فدعا إلى إعمال العقل، وقال في كتابه“بداية المجتهد ونهاية المقتصد”: « إن الله لا يمكن أن يعطينا عقولاً، ويعطينا شرائع مخالفة لها»، ولكن أحدا لم يلتفت إلى دعوته، بل واتهم بالزندقة، ونفاه الخليفة المنصور إلى قرية اليسانة في الأندلس، التي كان يسكنها أغلبية من اليهود، وأحرق كتبه، بل وأصدر منشورا يحرم قراءة كتب الفلسفة، لكنه بعد أعوام راجع نفسه وعفا عنه، فعاد ابن رشد إلى مراكش حيث توفي ودفن فيها عام 1198م، ثم نقل رفاته فيما بعد إلى مسقط رأسه في قرطبة. *** المتأسلمون أينما كانوا ومنذ زمن بعيد لا يتوقفون عن الحديث عن التنوير وهناك موقع إسلاموي، يطلقون عليه « مركز التنوير الإسلامي» لا يقدم تنويرا بل تضليلا وإظلامًا ويركز كالعادة دائمًا على تفنيد ما يسمونه افتراءات النصارى وشبهات الدين!: https://ketabpedia.com/book_author/مركز-التنوير-الإسلامي/ *** بدأ الإحتكاك الفعلي للمتأسلمين مع التنوير والحداثة قبل قرنين من الزمن، خلال الحملة الشهيرة لنابوليون بونابرت سنة 1798م، على مصر، بوصفها بوابة الشرق، وقد تعددت أهداف حملته فشملت النواحي الجيوسياسية والاقتصادية والعلمية، فكان من نتائجها أن تعرف المصريون على كثير من جوانب الحضارة والعلوم وفنون الإدارة الفرنسية، ممَّا شكّل دافعًا حقيقيًا للتنوير الإسلاموي، الذي يقصد به حركة التحديث والتجديد، فظهرت في مصر والعالم الإسلاموي مع بداية القرن التاسع عشر بوادر التأثر والاحتكاك والإعجاب بما وصل إليه الغرب من تقدم فكري وعلمي وحضاري، لقد أحدثت تلك الحملة صدمة ثقافية وفكرية وحضارية في عالم العربان والمتأسلمين عامة. بعد ذلك وعلى مدى عهود لاحقة ظهرت محاولات تنويريَّة دعت للعلم والعقل، بالطبع، مع عدم النزوع عن الدين. قام “محمد علي باشا” عام 1827 ببعض الإصلاحات في مصر، وأرسل البعثات الطلابيَّة إلى أوروبا لتلقي العلم الحديث. وحاول الشيخ “رفاعة الطهطاوي” عام 1842 التأكيد على الإيمان الديني لدي الفلاسفة التنويريين الغربيين قياساً على فلاسفة اليونان القدماء، للترغيب فيهم، ولكن وعلى العكس منه حذر “جمال الدين الافغاني” من الغرب زاعما كراهيته للإسلاموية والمتأسلمين، ولكنه مع ذلك دعا إلى تجديد الفكر الإسلاموي. أما الشيخ “محمد عبده” فيعد من أبرز التنويريين المحدثين في الفقه الإسلاموي في العصر الحديث، فقد دعا عام 1882م إلى الحريات الشخصيَّة والسياسيَّة. بعد ذلك ظهرت تجربة “عبد الرحمن الكواكبي” صاحب كتاب “طبائع الاستبداد ومصارعة الاستعباد” مع الإصلاح، وأسس في 1897 جمعيَّة لبحث أسباب التخلف العروبي قياساً بالتقدم الأوروبي. ومن خارج الإطار الديني ظهر دعاة تنويريون من المفكرين والمثقفين العربان والمتأسلمين، منهم على سبيل المثال: “قاسم أمين”، “طه حسين”، “معروف الرصافي”، المفكّر السوري “صادق جلال العظم” صاحب كتاب “نقد العقل الديني”، والمفكر والفيلسوف المغربي “محمد عابد الجابري” وهو يعد واحداً من أبرز الوجوه العلميَّة التي قدَّمت مقاربة جديدة في قراءة التراث العروبي الإسلاموي في العصر الراهن. بينما المفكّر والفيلسوف المغربي “عبد الله العروي” فقد آمن بالتاريخانيَّة مذهباً وفلسفةً ومنهجاً للتحليل، رأى بعكس الجابري ضرورة القطيعة مع التراث العروبي والإسلاموي، وتبنى الحداثة الغربيَّة كقيمة إنسانيَّة. كذلك آمن المفكر والفيلسوف الجزائري “محمد أركون” بالحداثة، وانتقد العقل الإسلاموي بلسان فرنسي وبعقل استشراقي غربي. أما المفكر السوري “جورج طرابيشي” صاحب كتاب « نظريَّة العقل العربي: نقد نقد العقل العربي», يعتبر أنه لم توجد في الإسلام فلسفة وما كان لها أن توجد، وأن المسيحيَّة احتضنت الفلسفة منذ بداياتها. ولم يتوقف الأمر عند أولئك، بل هناك غيرهم الكثير، من أمثال فرج فودة وسيد القمني وخليل عبد الكريم ومراد وهبة وغيرهم، ولكنهم جميعهم لم يستطيعوا هدم اعمدة الخرافة، وإزالة الانحطاط السلوكي وإنهاء تجارة الدين بواسطة الخداع والكذب، لا لأنهم تنقصهم المعرفة، أو الجرأة والشجاعة، بل لأن هناك عوامل أخرى حادة وفاعلة. فمن سوء طالع هذه الأمَّة أن كافة الجهود التي بذلها أولئك التنويريون السابقون واللاحقون تعرَّضت لانتكاسات على يد الحكام الطغاة وهم في مجملهم من الجهلة والعجزة، وإلى جانبهم المتشددون المتأسلمون الهواة والمحترفون، في مقدمتهم مؤسسة الأزهر في مصر. فشلت جميع محاولاتهم التي تدعو إلى التنوير كلاً بأسلوبه، لم يتمكنوا من بناء نظام اجتماعي واقتصادي لإحداث إصلاحات حقيقيَّة في بنية الفكر والعقل العروبي والإسلاموي يؤدي إلى انطلاق نهضة عصريَّة حقيقيَّة. الدكتور مراد وهبة يرى في كتابه: جرثومة التخلف (ص67): «أن يعجز عقل ما عن تأسيس «العقلانية» فهذا يعني أنه عاجز عن نقده لذاته في إطار تطوره الاجتماعي أو الحضاري. والعقل العربي بالفعل عاجز عن تأسيس عقلانية، ولكنه ليس عاجزا خلقيا ، وأنما عجز تاريخي»، وعزا إصابة العقل العروبي بالعجز إلى عوامل موضوعية وذاتية، « العوامل الموضوعية تتمثل في الاستعمار والغزو الخارجي، والعوامل الذاتية تتمثل في هيمنة القوى الاجتماعية المختلفة ، والتي لا تخرج بعد عن حيز القبلية والعشائرية، وهي قوى قابضة على السلطة السياسية والعسكرية، الأمر الذي أدى إلى إجهاض بزوغ عقل ناقذ» https://www.noor-book.com/en/ebook-جرثومه-التخلف-مراد-وهبه-pdf لم يتطرق الدكتور وهبة إلى السلطة الدينية المتمثلة في مؤسسات ووزارات وجمعيات لا حصر لها، تسيطر بقوة على عقول العوام، وتنثر في أعماقها بذور الجهل والشر والإرهاب، وعلى رأسها مؤسسة الأزهر في مصر. الكاتب والباحث والمترجم والمفكر التنويري السوري هاشم صالح (1950- )، عزا ذلك إلى أن الفكر الإسلاموي يعاني من "الانسداد التاريخي" الذي يقف في وجه الأسئلة الحقيقية وعملية المراجعة الجذرية. وأن سبب هذا الانسداد هو « التناقض المطلق بين النص والواقع. أي بين النص وكل التطورات العلمية والسياسية والفلسفية التي جاءت بها الأزمنة الحديثة. الالتزام بحرفية النص يؤدي بالمسلم إما إلى إنكار منجزات الحداثة بل الحقد عليها وإعلان الحرب على العصر كما يفعل الظواهري وابن لادن. وإما إلى إنكار النص نفسه والشعور بعدئذ بالإحساس الرهيب بالخطيئة والذنب. وهكذا يقع المسلم في تناقض قاتل لا مخرج منه. والحل لن يكون إلا بالتأويل المجازي للنص والاعتراف بالمشروطية التاريخية للنص كما فعل المسيحيون في أوروبا بعد التنوير...». https://foulabook.com/ar/book/الإنسداد-التاريخي-pdf وهكذا نرى التنوير قد نجح في أماكن متعدّدة من العالم وفشل فشلا ذريعًا بنسخة بني يعرب، فلا زالوا يرزح بصورة أو بأخرى تحت وطأة الاستبداد والجهل والخرافة. ولازال الزاد المعرفي المتوفر لديهم لا يؤهلهم لمواجهة الحداثة والتحولات الكبرى التي تجتاح العالم منذ قرون، ولا يزال فيهم الكثيرون الذين يحاربون الحداثة وكل الأفكار الليبراليَّة، ولا زالوا غير قادرين على تفكيك العقائد وتحليلها من منظور إسلاموي عقلاني، لازالوا يحتاجون إلى عقود كي يتحرروا من رؤيتهم للعالم، ومواجهة الشعوذة، والدجل، وإعادة المكانة للعقل، والإيمان بالتفكير العقلي، لبناء مشروع تنويري. إن التنوير المطلوب بإلحاح منذ عقود يواجه أمة غارقة في الجهل المطبق والغباء الجمعي الشامل والتخلف والانحطاط، ومقسمة بين طوائف ومذاهب وملل سنة وشيعة، لم تنتج نخبة وطنية قادرة على تجاوز الماضي وقراءة الواقع وابتكار رؤية واضحة للمستقبل لترتقي بوعي شعوبها وتحقق التطور والتقدم والرفاه الإقتصادي والسلم الإجتماعي ... ومن ناحية أخرى تقف الأنظمة العربان الاستبداديَّة والمؤسسات الدينية والمتشددون الإسلاميون حجر عثرة أمام الأفكار التنويريَّة، وتلاحق المفكرين والمثقفين الليبراليين، وتفعل كل ما من شأنه لقهقرة مشاريع التنوير، التي استعاضت عنها بالأيديولوجيات والقهر السياسي والديني. ولكن إذا قُدِّر للعربان والمتأسلمين في يوم ما أن يشهدوا تنويرًا حقيقيا وفعالا، فمن أين يبدأون؟ هل يبدأون بظلمات الدين أم بظلمات السياسة، فكلاهما يعتمد بشكل ممنهج على الآخر، ولا غنى لأحدهما عن الآخر؟ وماهي المبادئ والأهداف التي يعتمد عليها هذا التنوير؟ أولا: الثقافة الإسلاموية تعتمد في المقام الأول على قصور المتأسلم، فلا يستعمل عقله إلا بتوجيه ممن يسمون رجال الدين ويطلقون على أنفسه صفة العلماء. ثانيا: الثقافة الإسلاموية قائمة على وجود ”راعي“ يتحكم في ”الرعية“، ويحرص كل الحرص على تكتل القطيع على طاعته والأمثال لأوامره! ثالثا: يعمل رجال الدين كـ”كلب الحراسة“ مهمته مراقبة أفراد القطيع والعمل على بقائه بالشكل الذي يحدده الراعي. ولذلك فإن إجراء عملية تنوير تستدعي إزاحة، بل هدم الظلام السياسي والديني أولا، وهذا يتطلب الجرأة والشجاعة اللذان يعتمدان أساسا على وعي إجتماعي يحتضن هذا الإجراء. إن التحديث والتغيير في أي مجال يقتضي في المقام الأول وجود تحديث المجتمع ككل، فأية ثورة ثقافية مهما كانت لن يكتب لها النجاح إلا إذا كانت مطلبا اجتماعيًا وضرورة حياتية بحيث يبعدها ذلك عن العودة إلى الوراء مرة أخرى. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى لا يمكن تحقيق أي إصلاح سياسي أو اجتماعي أو ثقافي في حال غياب سلطة سياسية تشجعه وتحميه وتسمح بالاختلاف والتنوع والحوار وتعدد الآراء، للعمل على تطوير الأفكار والقيم والمبادئ الإنسانية. كما أنه لا بد من وجود دولة القانون والمواطنة أولا. إن وجود السلطة الديكتاتورية المستبدة، التي يسيطر فيها طرف معين أو جماعة خاصة على الدولة وتقمع شعبها، فتغلق الفضاء العام وتملأه بالقهر، لا بد لا من أن تمنع أي تطور أو إصلاح. فسلطات هكذا، تطغى بحضورها الاستبدادي على حضور الدين، وتسعى بكل السبلودعم من رجال الدين، لحمل المواطنين على قبول استبدادها، ومن ثم تحملهم على طمس هوياتهم والالتزام بالثقافة المزيفة المقدمة لهم. وبذلك تصبح الإسلاموية إما رسمية تابعة للسلطة المستبدة ومصفّقا لها، وإما إسلاموية سلفية شديد التطرُّف تكفر السلطة والمجتمع على حد سواء.
#ياسين_المصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثقافة ”البهللة والسبهللة“ الدينية!
-
التفضيل بالنفاق في مصر! (2/2)
-
التفضيل بالنفاق في مصر! (1/2)
-
أنا لسْتُ مُدينًا بشيء لوطن مسلوب الإرادة!
-
أين حدود الصبر؟!
-
يا شعب مصر (العظيم)!
-
الآلهة التي دمَّرت مصر (2/2)
-
الآلهة التي دمَّرت مصر (2/1)
-
عن سجن الأوهام والإجرام
-
الرئيس الذي يبكي!
-
على من ضحك الجنرال؟
-
الإسلاموفوبيا أسبابها ومآلاتها(2/2)
-
الإسلاموفوبيا أسبابها ومآلاتها(1/2)
-
الحقارة أيضًا أعيت من يداويها!
-
مشيئة الرحمن ومشيئة الإنسان
-
البلطجة الرسمية في مصر!
-
متلازمة تقديس المجرمين عند المتأسلمين!
-
المصطبة المصرية ومتلازمة الغطرسة!
-
عندما يتسيَّد الرُّعاع!
-
البشر تجربة إلهية فاشلة!
المزيد.....
-
ألمانيا.. الاتحاد المسيحي المعارض يرفض استقبال لاجئين من سور
...
-
-لا صورة استخباراتية واضحة-.. مستوطنون يهود يكشفون تحديات خط
...
-
بن غفير يصدر قرارا بمصادرة -سماعات المساجد-
-
بزشكيان حول الوضع بسوريا: يتوجب على الدول الإسلامية التدخل
-
وزير الخارجية الايراني: لا نرى فرقا بين الكيان الصهيوني والإ
...
-
بزشكيان: على الدول الإسلامية منع استمرار الأزمة السورية
-
عراقجي: الإرهاب التكفيري في سوريا أثبت أنه يتحرك في الخط نفس
...
-
عراقجي: التكفيريون لن يحققوا شيئا أمام المقاومة
-
عقد اجتماع مشترك للحكومة الايرانية ومجلس الشورى الاسلامي
-
هذا الصهيوني يتفاخر بمصادرة مكبرات المساجد!
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|