ثائر ابو رغيف
كاتب مهتم بالأوضاع ألسياسية
(Arthur Burgif)
الحوار المتمدن-العدد: 8361 - 2025 / 6 / 2 - 18:14
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في الإسلام، يُعتبر مبدأ المساواة والعدل من الأسس الرئيسية على الاقل نظرياً ، حيث أكد القرآن والسنة على تكريم الإنسان بغض النظر عن أصله أو وضعه الاجتماعي. ومع ذلك، فإن المجتمع الإسلامي في عهد محمد وبعده شهد تفاوتًا اجتماعيًا واقتصاديًا بين الأفراد، ومن أبرز الأمثلة على ذلك "أهل الصفة" وهم مجموعة من فقراء الصحابة يبلغ عددهم 400 من الذين لم يكن لهم مأوى ولا مال أثناء ألهجرة ليثرب وممن لم يرغب أحداً من الأنصار بمؤآخاتهم (فضل الأنصار مؤآخاة أثرياء ألمهاجرين من مكة) ، فخصص لهم محمد مكانًا في المسجد النبوي ألذي تم بناؤه بتعبهم وبعرقهم يُسمى "الصفة" (وهي دكة في مؤخرة المسجد) ليقيموا فيها. كان هؤلاء الأفراد من المهاجرين الفقراء أو الغرباء الذين قدموا إلى المدينة طلبًا للجوء ، ولم يكن لديهم عائلة أو موارد مالية وكان ممن كان فيهم أبي ذر الغفاري وسلمان الفارسي وبلال بن رباح وواثلة بن الأسقع و أبي هريرة وعمار بن ياسر وهو إبن لأول شهيدة في الإسلام سمية بنت الخياط ألتي كانت أول شهيدة في الإسلام، عُذبت حتى الموت لأنها رفضت الرجوع عن دينها, عمار هذا أعتبر من الموالي ليس لكونه ليس بعربي بل لإن ياسر أقام بمكّة وحالف أبا حُذيفة بن المغيرة بن عبد الله المخزومي وزَوَّجه أَبو حذيفة أَمةً له اسمها سُمَية، فولدت له عمّارا، فأَعتقها أَبو حذيفة، ولم يزل ياسر وابنه عَمَّار مع أَبي حُذَيفة إِلى أَن مات.
من أهم ميزات أهل ألصفة هي الفقر المدقع إذ كانوا يعتمدون على الصدقات والهبات من الصحابة الأغنياء و الزهد والعبادة, أهل الصفة لم يكونوا مجرد "زهاد اختاروا الفقر"، بل كانوا فقراء مُعدمين، بعضهم كان ينام جائعًا، ويُضرب بهم المثل في الفاقة.
من ألجدير بألذكر أن معظم الصحابة الذين كانوا من الفقراء أو العبيد أو غير العرب لم يصلوا إلى مراكز النفوذ السياسي والاقتصادي بعد وفاة النبي بل ظلوا في الهامش، وبعضهم - مثل أبو ذر الغفاري - مات منفيًا ومُهمشًا. هذه حقائق لا يمكن إنكارها، وهي تُظهر أن الخطاب الإسلامي عن المساواة اصطدم بالواقع الطبقي القاسي، حتى في العصر الذهبي للإسلام.
فسلمان الفارسي: العقلية المُستبعدة كان من أكثر الصحابة حكمة وعلمًا، وهو صاحب فكرة ألخندق ومع ذلك لم يُعطَ منصبًا قياديًا في الدولة (مثل ولاية أو قيادة جيش كبير) لإنه يحسب موالياً لعلي فبعد وفاة محمد، عاش في المدائن (العراق) بعيدًا عن مراكز القرار في المدينة و لم يُصبح خليفة أو أميرًا رغم كفاءته، لأن النظام السياسي أصبح يفضل العرب (خاصة القرشيين)
أبُو ذَرٍّ جُنْدَبُ بْنُ جُنَادَةَ ٱلْغِفَارِيُّ صَحابي من السابقين إلى الإسلام. قيل إنَّه رابع أو خامس من دخل في الإسلام، وأحد الذين جهروا بالإسلام في مكة قبل الهجرة النبوية. كان أبو ذر الغِفاري في الجاهلية يتكسَّب من قطع الطريق، كما كان موحدًا، ولا يعبد الأصنام كان أشبه بـ "اشتراكي" عصره، يهاجم الأغنياء ويطالب بتوزيع الثروات، فما كانت النتيجة؟ نفاه عثمان بن عفان إلى الربذة (مات فيها) بعد صدامه مع عثمان و معاوية بن أبي سفيان حول كنوز الأموال فمات فقيرًا وحيدًا، رغم أنه كان من أوائل المسلمين فلو كان الإسلام يُطبق المساواة حقًا، لكان أبو ذر قائدًا اقتصاديًا ثورياً، لا منفيًا.
العصبية القبلية عادت بقوة: بعد وفاة محمد، أصبحت الخلافة "عربية قرشية" (أبو بكر، عمر، عثمان، علي)، بينما تم تهميش غير العرب والموالي
مثله كمثل الأديان غيره إستخدم الإسلام خطابًا يدعو للمساواة ، لكنه في النهاية خدم نظامًا طبقيًا جديدًا، فالأديان - بما فيها الإسلام - استُخدمت تاريخيًا لترسيخ سلطة الأثرياء والنخب
الخطاب الديني عن "الصبر" و"الآخرة" هو أفيون الشعوب بامتياز، تمامًا كما قال ماركس فالقرآن نفسه يقول: "نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا" (الزخرف: 32)، أي أن التفاوت الطبقي مُقدَّر
أما قبول دهاقنة قريش بدين محمد فيعود لأنهم اكتشفوا أن الإسلام يمكن أن يكون وسيلة للقوة فبعد فتح مكة، تحول الإسلام من حركة مضطهدة إلى إمبراطورية توسعية، وأصبح الأثرياء القرشيون (مثل أبو سفيان وعائلة أمية) جزءًا من النخبة الحاكمة
حتى "الغنائم" في الحروب كانت تُوزع بنسب تحابي الأقوياء، رغم أن الفقراء كانوا يُقاتلون أكثر ويقتلون بشكل أكبر لنبي نفسه أقر هذا الانقسام عندما فضل في الغنائم "المؤلفة قلوبهم" من الأغنياء (الأنفال: 60) عن أنس قال : { لما فتحت مكة قسم النبي صلى الله عليه وسلم تلك الغنائم في قريش ، فقالت الأنصار : إن هذا لهو العجب ، إن سيوفنا تقطر من دمائهم ، وإن غنائمنا ترد عليهم ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فجمعهم ، فقال : ما الذي بلغني عنكم ؟ قالوا : هو الذي بلغك ، وكانوا لا يكذبون ، فقال : أما ترضون أن ترجع الناس بالدنيا إلى بيوتهم ، وترجعون برسول الله إلى بيوتكم ؟ فقالوا : بلى ، فقال : لو سلك الناس واديا أو شعبا ، وسلكت الأنصار واديا أو شعبا لسلكت وادي الأنصار وشعب الأنصار } يعني بلباقة دبلوماسية إلتف على الانصار وعلى منطقهم السليم.
لو كان الإسلام جادًا في محو الطبقية، لكان ألغى الملكية الخاصة (مما لم يحدث) وخصوصاً تملك ألبشر فدين محمد كرس ألعبودية حين أدخل مسألة ألعتق من ألعبودية كفضل يرغبه ألخالق.
لو كان الإسلام جادًا في محو الطبقية لصادر ثروات الأغنياء (بدلًا من الاكتفاء بالزكاة الطوعية) و جعل الفقراء شركاء حقيقيين في السلطة (وليس كما ظلت قرشيًة)
اما لماذا لا يعترف بهذا علنًا؟ لأن السلطة الدينية والسياسية لا تزال تروج للأسطورة بأن الإسلام ساوى بين الناس و الاعتراف بالحقيقة يعني تفكيك شرعية الأنظمة التي تستخدم الدين كأداة سيطرة. فالفقراء تم ترويضهم بوعد الجنة، بينما الأغنياء حافظوا على أملاكهم وسلطتهم
كان عمار من أهل الصفة، الفقراء المُعدمين الذين لم يجدوا مكانًا في نظام "المؤاخاة" المزعوم عندما رآه يحمل الطين بيديه لبناء المسجد (الذي سيصبح لاحقًا منزلًا له ولغيره من المشردين)، قال له: ويح عمار! تقتله الفئة الباغية هذه العبارة ليست مجرد نبوءة، بل إدانة مسبقة للنظام الإسلامي اللاحق و هذا الحديث إدانة للمستقبل الإسلامي فعمار قُتل في صفين (37 هـ) على يد جيش معاوية بن أبي سفيان، الذي مثّل الأرستقراطية القرشية والعصبية الأموية
وقاتلوه لم يكونوا كفارًا، بل مسلمون تحت راية "الخلافة" فجيش معاوية لم يكن "فئة باغية" عشوائية، بل كان تمثيلًا للنخبة القرشية التي أرادت الحفاظ على امتيازاتها هذه ألنخبة قتلت عماراً لأنه وقف مع علي بن أبي طالب، الذي مثَّل الفقراء ورفض الانحراف عن العدالة الاجتماعية
عمار كنموذج للبروليتاريا الإسلامية تعرض لثلاثية الأستغلال
استغلال ديني (كأداة للدعوة)
استغلال اقتصادي (في بناء الدولة)
استغلال سياسي (كشهيد بعد موته)
اما المقارنة بالماركسية
فعمار = العامل الثوري
معاوية = البرجوازية الدينية
صفين = الصراع الطبقي الإسلامي الأول
ختاماً كل ثورة يُزعم فيها أنها جاءت من أجل "ألمساواة" ولكن ينتهي بها المطاف بخيانة الفقراء. الإسلام ليس استثناءً نعم، الإسلام فشل في مساواة عمار أثناء حياته، ثم استخدم موته كـ "أسطورة دينية" لتحويله إلى شهيد بدلًا من منحه عدالة حقيقية.
بعض مصادر المقال:
https://www.islamweb.net/ar/library/content/47/2450/%D8%A8%D8%A7%D8%A8-%D9%85%D8%A7-%D8%AC%D8%A7%D8%A1-%D9%81%D9%8A-%D8%A5%D8%B9%D8%B7%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A4%D9%84%D9%81%D8%A9-%D9%82%D9%84%D9%88%D8%A8%D9%87%D9%85
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A8%D8%B0%D8%A9
https://sahaba.rasoolona.com/Sahaby/15922/%D8%AA%D9%81%D8%B5%D9%8A%D9%84-%D9%85%D8%A7-%D8%B0%D9%83%D8%B1-%D8%B9%D9%86%D9%87%D8%A7-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B1%D8%A8%D8%B9%D8%A9/%D8%B3%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D9%86%D8%AA-%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B7-%D9%85%D9%88%D9%84%D8%A7%D8%A9-%D8%A3%D8%A8%D9%8A-%D8%AD%D8%B0%D9%8A%D9%81%D8%A9-%D8%A8%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D9%8A%D8%B1%D8%A9-%D8%A8%D9%86-%D8%B9%D8%A8%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D8%A8%D9%86-%D8%B9%D9%85%D8%B1-%D8%A8%D9%86-%D9%85%D8%AE%D8%B2%D9%88%D9%85
#ثائر_ابو_رغيف (هاشتاغ)
Arthur_Burgif#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.