أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - فاطمة الفلاحي - هل يمارس الذكاء الاصطناعي التحيز وفقًا للأيديولوجيات السياسية ..؟ من حوارنا -كأن الذكاء الاصطناعي هو الكأس المقدسة-، مع الرفيق رزكار عقراوي – بؤرة ضوء – الحلقة الثالثة















المزيد.....

هل يمارس الذكاء الاصطناعي التحيز وفقًا للأيديولوجيات السياسية ..؟ من حوارنا -كأن الذكاء الاصطناعي هو الكأس المقدسة-، مع الرفيق رزكار عقراوي – بؤرة ضوء – الحلقة الثالثة


فاطمة الفلاحي
(Fatima Alfalahi)


الحوار المتمدن-العدد: 8355 - 2025 / 5 / 27 - 23:29
المحور: مقابلات و حوارات
    


الذكاء الاصطناعي لا “يفكّر” من خلال المفاهيم العامة، بل يرسم أنماطًا من مجموعات بيانات محددة، فهو عرضة لمشكلة تُعرف باسم “التجهيز الزائد” (Overfitting)، وهي عندما يتقن الذكاء الاصطناعي “فهمه” لمهمة معينة، لكن ليس لديه القدرة على نقل ذلك إلى أي شيء مختلف ولو قليلًا.

سؤال 3. هل يا ترى سيمارس الذكاء الاصطناعي مشكلة التحيز وفقًا للجنس، والعرق، أو الأيديولوجيات السياسية، في اتخاذ القرارات؟

الذكاء الاصطناعي لا يعمل في فراغ تقني، وانما ينشأ ويبرمج ويفعّل داخل بنية رأسمالية طبقية ذكورية غير متكافئة، تعيد انتاج التمييزات الجندرية والطبقية والعرقية والايدولوجية السائدة ضمن ادوات جديدة تُقدَّم بلغة الحياد والخبرة والشفافية. الخوارزميات تُدرّب على بيانات غير محايدة، بيانات متخمة بتاريخ طويل من التمييز البنيوي بكافة اشكاله. فعندما تُغذى انظمة الذكاء الاصطناعي بمعطيات من السوق الرأسمالية، تتعلم ان الرجال البيض هم الاكثر كفاءة من السود أو الاعراق الاخرى، وان النساء اقل اجرا، وان الفقراء أكثر عرضة للجريمة. هي تلتقط هذا التاريخ وتحوّله الى معايير حسابية صارمة تُستخدم لاحقا في اتخاذ قرارات مصيرية تتعلق بالعمل، التعليم، الصحة، الفرز الاجتماعي وغيرها. هذا كله نتيجة مباشرة لكون الذكاء الاصطناعي يُطوّر داخل بنية رأسمالية غير متكافئة خاضعة للدول الرأسمالية الكبرى، تعيد انتاج امتيازاتها وهيمنتها من خلال خوارزميات مكرسة لخدمة النموذج السائد واعادة انتاجه كأنها مسلمات طبيعة.
لا يوجد خوارزم حيادي يُبنى على سوق غير حيادي. لا توجد عدالة رقمية تُنتج من داخل شركات هدفها الربح والتجريد والتسليع والسيطرة الطبقية. انحياز الخوارزميات ضد النساء والسود والفقراء لا يعود الى اخطاء تقنية، وانما يعكس بدقة منطق السلطة التي صممتها. الذكاء الاصطناعي لا يخطئ، هو ينفذ ما طُلب منه، داخل بنية لا ترى في المساواة والتنوع البشري الا فوضى يجب ضبطها.
مثلا في انظمة التوظيف، تُستخدم الخوارزميات لتحليل السير الذاتية وتحديد من يستحق الاستدعاء او من يجب استبعاده. شركات كبرى مثل لينكدان تعتمد على انظمة ذكية تفضل المرشحين الذين يتماهون مع نمط السوق الرأسمالي، بينما يتم اقصاء شغيلات وشغيلة اليد والفكر، وخاصة من ينتمون الى خلفيات اجتماعية غير ميسورة او يمتلكون خبرات غير نمطية. تُقاس القيمة بناء على الانضباط، المرونة، الجاهزية للطاعة، لا بناء على الحاجات الانسانية او توفير فرص العمل للجميع او العدالة الاجتماعية او المساواة. يتم استبعاد عدد كبير من العاملات والعاملين لأنهم لا يتناسبون مع صورة العامل او العاملة المثالية التي صاغها النظام الرأسمالي.
في الجانب الجندري، تكشف التطبيقات اليومية كيف يُعاد انتاج التمييز وعدم المساواة من خلال الخوارزميات. رغم الانطباع العام بكون الذكاء الاصطناعي محايدا جندريا، الا ان تحليل بنية هذه الانظمة يُظهر كيف تُغذّى بلغة ذكورية وتصورات اجتماعية منحازة. مثلا، دراسة من جامعة كارنيغي ميلون اظهرت ان الاعلانات الممولة للوظائف في فيسبوك وغوغل تميل الى عرض الوظائف التقنية والهندسية والقيادية للرجال أكثر من النساء. وهي نتيجة مباشرة لتغذية الخوارزميات ببيانات تعكس عدم المساواة القائمة بين الرجل والمرأة حسب درجة تطور المجتمعات.
نظام التوظيف في شركة امازون اعتمد على بيانات سابقة منحازة، وتم تدريب الخوارزمية على ان الذكور هم الاكثر توظيفا. النتيجة ان السير الذاتية للنساء، او تشير الى مشاركة المتقدمة في نشاط نسوي، تم خفض تقييمها تلقائيا. لم يكن هناك قرار فردي، كان ذلك ناتجا عن نموذج تعلم من النظام الذكوري وكرّس نتائجه.
في واجهة اخرى، نرى كيف تُصمم المساعدات الذكية مثل سيري واليكسا بأصوات انثوية في الامور الخدمية والمنزلية، وتُبرمج على الطاعة واللطف، مما يعزز القوالب النمطية عن المرأة كخادمة او داعمة. حاليا، تستثمر بعض دول الشرق الاوسط مليارات الدولارات في تطوير مشاريع الذكاء الاصطناعي وفق قيم دينية ذكورية محافظة، مما يعزز التحيزات الجندرية داخل هذه الانظمة. فعلى سبيل المثال، تم تطوير بعض المساعدات الصوتية العربية بأصوات ذكورية بدلا من الانثوية، في محاولة لتجنب الصورة النمطية الخاضعة للمرأة وفق بعض التفسيرات الدينية. كما ان العديد من الانظمة الرقمية المستخدمة في هذه الدول تقيّد ظهور النساء في المحتوى الرقمي، او تعكس تصورات تقليدية تقلل من دور المرأة في المجتمع. على سبيل المثال، تستخدم بعض الحكومات الاستبدادية انظمة ذكاء اصطناعي لمراقبة السلوكيات الاجتماعية وتطبيق معايير اخلاقية مستوحاة من القيم الدينية الذكورية، مثل تقييد صور النساء غير المحجبات، او تقليل ظهورهن في نتائج البحث والخوارزميات الاعلانية. أحد أكثر اشكال هذا الاستغلال تطرفا كان تطوير انظمة ذكاء اصطناعي لمراقبة ملابس النساء، حيث تقوم هذه الانظمة بتحليل الصور والفيديوهات لتحديد مدى مطابقتها للمعايير الدينية المفروضة. في إيران مثلا، تم اعتماد انظمة رقمية لرصد مدى التزام النساء بالحجاب الالزامي. هذه الاستخدامات هي جزء من مشروع اشمل لإعادة ضبط الجندر رقميا وفق شروط السلطة الابوية والدينية.
هذا التحيز الجندري يزداد بفعل غياب النساء عن فرق التصميم والتطوير. التقارير تشير الى ان نسبة النساء في اقسام الذكاء الاصطناعي في فيسبوك لا تتجاوز 15 بالمئة، وفي غوغل اقل من 10 بالمئة. معظم البرمجيات تُبنى في غرف مغلقة ذكورية، تُعيد انتاج أفقها الثقافي والاجتماعي داخل الخوارزمية، النتيجة ان التكنولوجيا لا تكتفي بعكس التحيزات، هي تضفي عليها طابع القوة والانتشار والشرعية.
التمييز الايديولوجي داخل انظمة الذكاء الاصطناعي لا يظهر كقمع مباشر، وانما يعمل من خلال آليات تصنيف وتصفية غير معلنة. الخوارزميات التي تدير منصات التواصل الاجتماعي والمحتوى الرقمي تخفض وتقييد وصول الخطابات اليسارية والتقدمية، وتُصنّفها كخطاب مثير للجدل او متطرف وحتى عنيف، بينما ترفع المحتوى الليبرالي والتجاري والديني المحافظ. هذا النوع من الخنق الناعم للخطاب السياسي التقدمي لا يمارس بقوة قمع الدولة بشرطتها واجهزتها الامنية كما كان من قبل، وانما عبر برمجيات خفية تعيد تشكيل المجال العام، وتحاصر وتقييد وتحجب الافكار المعارضة للنظام الرأسمالي.
في ظل غياب رقابة شعبية حقيقية، تصبح هذه انظمة الذكاء الاصطناعي ادوات لإعادة انتاج اللامساواة والتمييز بكافة اشكاله. السلطة هنا لم تعد مرئية، ولم تعد تحتاج الى قانون لتمرير هيمنتها او جماهير تنتخبها. كل ما يتطلبه الامر هو نموذج تعلم آلي يعمل بصمت، ويصنّف البشر، ويقصي ويمنح، ويعيد رسم اللامساواة والخارطة الطبقية والجندرية بمختلف اشكالها، دون اي مساءلة قانونية او مجتمعية، سواء كانت عالمية او محلية.

انتظرونا في الحلقة الرابعة



#فاطمة_الفلاحي (هاشتاغ)       Fatima_Alfalahi#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماذا لو أصبح سلاحًا رقميًا من حوارنا -كأن الذكاء الاصطناعي ه ...
- القمع السياسي ومراقبة النشطاء من حوارنا -كأن الذكاء الاصطناع ...
- هايكو مزامير
- قراءة نقدية في نص -أقف على حافة الجسر-، للكاتب حميد كشكولي
- حرية مشلولة
- دع الليل
- مدمنة على الخسارات
- في حضرة الضوء
- طوق
- الاغتسال بآخر الخطايا
- لعنة صوتك مترفة بالوجع
- إلى كريغ، الذي لم يكذب قط.
- ذاكرة أتلفها النسيان
- الواشون كثر
- جذاب بين ياس خضر وطالب القره غولي
- سنوات ضوئية
- خلف المسامات
- لكنة دمي
- أجفان المواقيت
- المثقف موقف وليس مهنة . سارتر


المزيد.....




- فيديو لحظة انفجار غامض أدى لمقتل ضابط روسي بارز داخل روسيا.. ...
- الحكومة الإسرائيلية تعلن عن مشروع استيطاني ضخم يضم 22 مستوطن ...
- 12 عسكريا روسيا يحصلون على 15 مليون روبل مكافأة إسقاطهم مقات ...
- الولايات المتحدة ترفع العقوبات عن الغابون
- هزم القذافي وهتف لسقوط فرنسا.. قصة زعيم حكم بلاده بالحديد وا ...
- لبنان.. مداهمة منزل صحافي للتحقيق في اتصالات عاملته المنزلية ...
- -أتلانتيك-: واشنطن تغيب عن جولة مفاوضات التسوية الأوكرانية ا ...
- مقتل 13 شخصا في قصف إسرائيلي شمال وجنوب غزة
- - أسطول الحرية- سيبحر في رحلة إنسانية لكسر الحصار عن قطاع غز ...
- هجوم صاروخي على خاركيف وزيلينسكي يتهم روسيا بالخداع


المزيد.....

- تساؤلات فلسفية حول عام 2024 / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - فاطمة الفلاحي - هل يمارس الذكاء الاصطناعي التحيز وفقًا للأيديولوجيات السياسية ..؟ من حوارنا -كأن الذكاء الاصطناعي هو الكأس المقدسة-، مع الرفيق رزكار عقراوي – بؤرة ضوء – الحلقة الثالثة