أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - أحمد بوكرين - أسس التربية السليمة ومداخل بناء المواطن الفاعل














المزيد.....

أسس التربية السليمة ومداخل بناء المواطن الفاعل


أحمد بوكرين

الحوار المتمدن-العدد: 8355 - 2025 / 5 / 27 - 20:14
المحور: حقوق الانسان
    


مما لا شك فيه أن التربية هي أساس بناء الإنسان والمجتمعات، بل بها يتميز عن باقي الكائنات، أو كما قال كانط: "لا يصبح الإنسان إنسانًا إلا بالتربية."
غير أن التربية ليست بالأمر السهل أو الهيّن، ذلك أنها تتخذ أبعادا متعددة، متباينة ومتشابكة، وترتبط وتتداخل مع مجالات عدة: كالسياسة، والمجتمع، والقيم، والدين، والفن، وغيرها، ثم إن محور التربية هو الإنسان، هذا الأخير الذي يتميّز بوضعه المعقّد والمركّب.
لقد عمل علماء النفس والاجتماع ورجال القانون وغيرهم من الباحثين في التخصصات المجاورة إلى تناول هذا الموضوع كل من زاويته، فتعددت المقاربات والتحليلات، واختلفت الاستنتاجات والرؤى حوله، بحسب الخلفية والسياق والمنهجية الفكرية المعتمدة، غير أن القاسم المشترك بينهم هو رهان بناء الإنسان كذات حرة واعية، مسؤولة وفاعلة، وذلك عبر اقتراح مشاريع فكرية وفلسفية لا يزال أثرها ممتدا إلى اليوم.
ولا يزال مطلب التربية السليمة، القائمة على ركائز متينة، غاية لكل مجتمع يطمح إلى الانعتاق من التخلف والتخلص من الأعطاب البنيوية التي تنخره.
ويمكن القول إن التربية السليمة والصحيحة هي تلك التي تقوم على خلفية فلسفية، علمية، وإنسانية، وتعتمد على مداخل من شأنها بناء الإنسان كذات حرة وفاعلة، قادرة على الإبداع والعطاء، تعيش من أجل قضية ومبادئ سامية لا تخدم الإنسان والإنسانية فحسب، بل تمنح الذات قيمتها، أو على الأصح تخلق معنى لوجودها.
ومن بين المداخل الأساسية التي لا يستقيم بناء المواطن الصالح والفعال إلا بها، هي ثنائية الحق والواجب، باعتبارهما ركيزتين تقوم عليهما المواطنة الحقة. فالمواطن هو من ينعم بحقوق المواطنة كاملة ويتمتع بكل ما تتيحه له القوانين، ما يجعله يحس بالانتماء، وبكونه جزءا من الوطن الذي يعيش فيه، بغض النظر عن معتقداته أو توجهاته السياسية والإيديولوجية والفكرية، وفي المقابل، لا يستقيم هذا الانتماء إلا بأداء الواجب بمعناه الأخلاقي والقانوني؛ إذ لا ينفصل الحق عن الواجب، ووجود أحدهما دون الآخر يترتب عليه نتيجتان:
إما إنسان يؤدي الواجب ولا يستفيد من حقوقه، فنكون أمام مواطن منقوص المواطنة، بل مجرد فرد مُستغَل، خانع وخاضع، أو فرد يستفيد من حقوقه دون أداء واجباته، فنكون أمام مواطن انتهازي، استغلالي، لا يتحلّى بروح المواطنة.
إن العلاقة بين الحق والواجب علاقة وطيدة لا يمكن فصلهما، وإلا فقدا قيمتهما وفعاليتهما، فالعلاقة بينهما تشبه العملة النقدية، إذ لا يمكن فصل أحد وجهيها عن الآخر، وإن حدث ذلك، صارت بلا قيمة أو فائدة، لكن، كيف السبيل إلى تنشئة مواطن متشبّع بالقيم الإنسانية والمواطنة الحقّة؟
يضعنا هذا السؤال في صميم واحدة من أهم رهانات المجتمعات الطامحة لبناء مواطنيها، وهو سؤال المشروع المجتمعي: أي مواطن نريد؟ سؤال كفيل بتحديد معالم الطريق، وتجنيبنا التيه الذي تعاني منه العديد من الدول والمجتمعات التي لا تزال ترزح تحت وطأة التخلف والاستبداد والجهل، وغيرها من عوائق التطور والتقدم.
ومن بين المداخل الرئيسة لتربية المواطن بالمعنى الصحيح:
التعليم: بجعله قائمًا على تكافؤ الفرص بتوفير نفس الإمكانيات، لا على أساس التمييز وخلق الفوارق والطبقات. فحين يعيش المجتمع حالة من الطبقية، تظهر الصراعات وتُجهض كل رغبة في التقدم والإبداع. ذلك أن إحساس المواطن بهذا التفاوت يجعله لا يشعر بالانتماء، بل بالقطيعة والتباعد. بل حتى من يستفيد من الامتيازات، قد يتولد لديه شعور بالاستعلاء والاستغلال. وكلّ ذلك يُفرز نتيجة واحدة: طبقتان متناحرتان، لا يمكنهما معًا بناء وطن يتّسع لجميع أبنائه، بل يولد ذلك الإحباط والتذمر وهدر الطاقات لدى الفقير، والإحساس بالتفوّق والسيطرة لدى الغني. لذا، فإن إقرار تعليم قائم على العدالة والمساواة أولًا، والإنصاف ثانيًا، يُعدّ ركيزة أساسية لترسيخ هذا الوعي.
المساواة أمام القانون: حيث العدالة هي المجال الذي يستشعر فيه المواطن مبادئ الحق، والواجب، والقانون، والمساواة، والإنصاف، وغيرها من مفاهيم حقوق الإنسان. فكلما وُجد قانون يراعي حقوق ومصالح الجميع ويُطبَّق دون تمييز أو محاباة، يكون هناك غرس لقيم المواطنة، حيث يدرك المواطن أن الجميع سواسية أمام القانون، ويتربى النشء على هذا المبدأ، لا على استغلال النفوذ.
التربية الحقوقية: وهي مهمة الحقوقيين، ورجال القانون، والمثقفين، والفاعلين المدنيين، والآباء، لتعزيز الوعي بأهمية الحقوق والواجبات، وترسيخها كثقافة ضرورية لا غنى لأي مجتمع عنها. فـالحق حق مكتسب بفعل القانون والتشريعات، وليس منّة من أحد. والواجب هو تعبير عن روح المواطنة، لا إكراهًا أو عبئًا. كما يجب ألّا يكون الواجب ذريعة للإكراه والتعسّف باسم القانون.
بناءً على ما تقدم، يتّضح أن أساس تقدّم أي مجتمع رهين ببناء مواطن ترتكز أسس مواطنته وإنسانيته على مبدئي الحق والواجب. غير أن هذا المسعى ليس وصفة جاهزة، بل هو سيرورة تقتضي بناء مشروع مجتمعي يستند إلى مداخل متعدّدة، ويرتكز على دعائم أهمها: نظام تعليمي عادل قائم على المساواة والإنصاف ومساواة أمام القانون وترسيخ ثقافة حقوقية حقيقية صحيحة.



#أحمد_بوكرين (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حقوق الإنسان :شعارات رنانة تخفي بؤس الواقع
- سقراط الرجل الذي اختار الموت دفاعا عن الفلسفة
- أوجه الاختلاف والتباين بين دور المثقف ودورالصحافي


المزيد.....




- أحدهما أردني الجنسية.. السعودية تعلن إعدام 3 أشخاص وتكشف هوي ...
- العفو الدولية: تعليق المساعدات الأميركية يؤثر على حياة الملا ...
- الأمم المتحدة تعتزم خفض ميزانيتها 20% وإلغاء آلاف الوظائف بس ...
- -اليونيسف-: أكثر من مليون طفل معرضون للخطر مع انتشار الكولير ...
- كاكوما.. قصة مخيم لاجئين أسسه أطفال
- الأونروا: غزة أصبحت مقبرة.. مئات الآلاف يتضورون جوعا وجميع م ...
- بيان تعزية وتضامن مع الزميل هاني العسكري
- تشيلي تسحب ملحقيها العسكريين من إسرائيل بسبب الوضع الإنساني ...
- بعد دعوات لتهجيرهم من هولندا.. لاجئون سوريون: بلادنا لا تزال ...
- الصليب الأحمر: الوضع الإنساني في غزة تجاوز حجم الكارثة


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - أحمد بوكرين - أسس التربية السليمة ومداخل بناء المواطن الفاعل