أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد بوكرين - سقراط الرجل الذي اختار الموت دفاعا عن الفلسفة















المزيد.....

سقراط الرجل الذي اختار الموت دفاعا عن الفلسفة


أحمد بوكرين

الحوار المتمدن-العدد: 6748 - 2020 / 11 / 30 - 17:20
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يحتل الفيلسوف اليوناني سقراط(470 ق.م - 399 ق.م) مكانة هامة داخل الفلسفة بوجه عام والفلسفة اليونانية على وجه التحديد - رغم كونه لم يكتب شيئا ولربما في ذلك تكمن عظمته وقوته - ذلك أنه ترك بفلسفته بصمة وأحدث تحولا في الفلسفة اليونانية، ليس لكونه نقل التفكير من مجال الطبيعة والسؤال الذي شغل رواد المدرسة الطبيعية (طاليس ،أنكسيمانس ،هرقليطس بارمندس ،.....) والمتمثل في البحث عن أصل الكون إلى الإنسان وقضاياه ، أو بعبارة "شيشرون" إن سقراط هو الذي أنزل الفلسفة من السماء إلى الأرض، بل لما خلفه من إرث فلسفي والأثر الذي تركه في تلامذته وعلى رأسهم "أفلاطون" فقد عاش متنقلا ينشر الحكمة ويدافع عن القيم جاعلا من نفسه خصما للسفسطائيين الذين كان شغلهم الشاغل وأهم ما يصبون إليه هو جني المال باعتبارهم كانوا معلمي الخطابة ومحترفو الجدل والإقناع ولكن ليس عن طريق العقل والحجة ،وإنما بواسطة التلاعب بالألفاظ والعمل على التأثير وجعل الآخر يقبل بما يروجونه من أفكار ولو كانت تتعارض مع العقل والقيم الأخلاقية، لقد أصبحت هذه الأخيرة تحمل طابعا نسبيا انطلاقا من مبدأ الإنسان مقياس كل شيء ،وأصبحت الحقيقة تتوقف على ما هو ذاتي أو بالأحرى ما يخدم المصلحة الشخصية والذاتية ، غير أن سقراط لم يقف موقف المتفرج إزاء هؤلاء ،بل كرس فلسفته لمواجهتهم والدفاع في مقابل ذلك عن القيم الأخلاقية كقيم الخير والعدالة الشجاعة....،واستعان لمواجهة هذا المد إن صح التعبير بالمنهج التوليدي قائلا "إنني كنت أولد الأفكار كم كانت تولد أمي النساء" .إذ كان يعمد إلى ادعاء جهله، وهو ما عبر عنه في قولته المشهورة "كل ما أعرف هو أنني لا أعرف شيئا" ويكتفي بطرح الأسئلة وترك المُحَاوَر يجيب ،وانطلاقا من الجواب المقدم يطرح سؤالا آخر وهكذا دوليك .الأمر الذي يجعل السفسطائي يسقط في التناقض وتهافت دعواه وزيف ما يعتقد به ،وبالأحرى ما يحاول الترويج له ،وبالتالي يضطر إلى التراجع عن أقواله ،وفي مقابل ذلك يعمد سقراط إلى تحديد دلالة المفهوم موضوع النقاش ،فقد عرف سقراط ببحثه عن الحدود الماهوية للمفاهيم الأخلاقية التي يتحاور بشأنها ،ونصب نفسه للدفاع عن القيم وأحدث قطيعة ما بين قيم تخدم المصلحة الذاتية والشخصية ،وقيم أخلاقية تنشد الخير للجماعة ، لقد كان سقراط ينشد الحكمة ويسعى للبحث عن الحقيقة بعيدا عن التلاعب بالألفاظ واحتراف المغالطة و لم يساير نزعة السفسطائيين في نسبيتها نحو المعرفة والقيم الأخلاقية ،وقد جسده ذلك بشكل واقعي وعملي ،فعندما حوكم بالإعدام فقد قبل تنفيذ العقوبة في حقه على الرغم من الاتهامات الباطلة ،وإمكانية فراره من السجن ،ولكنه فضل عدم القيام بذلك احتراما للدستور الأثينتي وإطاعة لقوانين بلده .
لقد كان قادرا على تخليص نفسه والإفلات بجلده من المحاكمة سواء بالدفاع عن نفسه وانتهاج طريق الاستمالة ،أي استمالة القضاة أو بواسطة التلاعب بالألفاظ والاستعانة بقدراته في التحاور والإقناع ،أو انتهاج طريق آخر ألا وهو استغلال فرصة الهرب التي جهزها له تلامذته ،غير أنه لم يختر هذه الطرق ولم يرض لنفسه بأن يكون ذلك الخائف الجبان الذي يستسلم للخوف ،بل أكثر من ذلك فقد وقف أثناء محاكمته منتصب القامة هادئا معبرا عن شجاعة الحكماء الذين لا يرهبهم الموت بقدر ما يرهبهم التخلي عن المبادئ والخنوع لمن يودون نشر الرذيلة والشر واستصغار العقول ،فلم يكن "سقراط يعتبر نفسه مذنبا ، و ليس من الحكمة والفضيلة أن يخرق القوانين التم تم الاتفاق عليها والتي تشكل رابطة وأساسا يجمع بين أفراد المجتمع ،وبذلك يكون سقراط يجسد ذلك الحكيم الذي وضع الحكمة نصب عينيه ،وجعل احترام القوانين شيئا لا محيد عنه رغم النواقص التي كانت تعتري الديمقراطية اليونانية ،هذه الديمقراطية التي لم تكن رحيمة به وحكمت عليه بالإعدام بشرب السم ،بحيث وجهت له ثلاث تهم وهي: إنكار الآلهة ،وتنصيب آلهة جديدة ،وإفساد عقول الشباب ،وهي تهم واهية تم تلفيقها لسقراط باعتباره كان مزعجا بحكمته ،وبجرأته ودهائه الفلسفي الذي مكنه من كشف أعطاب المجتمع الأثيني وفضح أعداء الحكمة .
لقد اختط سقراط لنفسه طريق البحث عن الحقيقة ولم يكن يضع في حسبانه غير الدفاع عنها وعن القيم الأخلاقية التي تليق بالإنسان كذات حاملة للمعرفة وللحكمة الإنسانية ،ولهذا خاطب سقراط الإنسان قائلا أيها الإنسان اعرف نفسك بنفسك " غير أن المعرفة التي كان ينشدها كانت هي المعرفة الصادقة والتي تتمحور حول القيم الإنسانية بعيدا عن كل نزعة تسعى للدفاع عن قيم نسبية تخدم الفرد فقط كتلك القيم التي نادى بها "بروتاغوراس" وغيره من رجال النزعة السفسطائية ،ولهذا فقد كان سقراط صوتا مزعجا بمحاوراته التي كشفت عورة المتاجرين بالفلسفة زادهم في ذلك هو الجدل والسفسطة والحنكة في التلاعب بالألفاظ والمهارة في اللغو...،في حين كان شهيد الفلسفة الأول متسلحا بالحكمة والفلسفة بما هي فكر يقوم على النقد والسؤال ،إذ جعل سقراط من الحوار التوليدي والتهكم ركائز فلسفته وبمثابة سلاح استعمله ضد من يدعون المعرفة ويزعمون حيازة الحكمة ويحترفون المغالطة والتلاعب ،وشتان بين صديق وباحث عن الحكمة وبين من يدعي تملكها، بحيث تبدأ المحاورات بسؤال يطرحه سقراط على المحاور الذي عادة ما يكون واحدا من السفسطائيين ، وقد قد كان سقراط يفاجئ خصمه مدعيا أنه جاهل بكل شيء وأن غرضه هو تعلم الحكمة على يد محاوره مرددا كما ذكرنا سلفا قولته الشهيرة "كل ما أعرف هو أنني لا أعرف شيئا ". ولم يكن غرضه غير التصدي لكل من تسول له نفسه الترويج لأفكار مغلوطة والكشف عن أعطاب المجتمع الأثيني الذي لم يتخلص من الفكر الديني والخرافي خاصة في ظل تواجد طائفة من المفكرين الخرافيين والدينيين والشعراء والسفسطائيين المتاجرين بالفلسفة ،في حين كان سقراط ذلك الفيلسوف الذي يجعل من الفلسفة غاية في ذاتها وليست مجالا لكسب الأموال أو الشهرة ...،فقد عاش الرجل مترفعا عن كل ما من شأنه أن يسيء للفلسفة ،لذلك فقد ظل وفيا للفلسفة ومبادئها ومحبا للحكمة والتي لم يجعلها حكرا على نفسه أو مشاعة بين الخاصة من الفلاسفة، وإنما سعى لنشرها بين شباب أثينا أو على الأصح استخراجها من الشباب، ومساعدتهم على ذلك عبر أسئلته المتشعبة ،فهو يصف نفسه عن جدارة بأنه مثل قابلة فكرية تخرج تساؤلاتها أفكار الآخرين إلى النور .ولكن مهارة الشرح والمجادلة هذه التي يمتلكها سقراط بوفرة ليست شكلا من أشكال الحكمة الحقيقية بالنسبة لسقراط ،فالحكمة الحقيقية هي المعرفة الكاملة فيما يخص القضايا الأخلاقية وسبل المعيشة .وبهذا يكون سقراط قد جسد الحكمة بأجل معانيها ،ومهد الطريق لتلامذته، ووضع اللبنات الأولى للتفكير الفلسفي الذي يجعل من الإنسان وقضاياه الأخلاقية والاجتماعية والسياسية موضوعا محوريا وهو ما تجسد في نسق أفلاطون هذا الأخير الذي أراد من خلال جمهوريته إصلاح ما أفسدته الديمقراطية اليونانية التي لم تكن رحيمة بأعظم شخصية عرفتها اليونان ألا وهي سقراط.
.....................................................................................................
1- يمكن القول على أن موقف الباحثين والمؤرخين حول السفسطائيين ينقسم إلى موقفين متعارضين أحدهما يشيد بمكانتهم ودورهم في تبلور الممارسة الفلسفية في اليونان والأكثر من ذلك لولاهم لما ظهر سقراط ،والموقف الثاني يدين ممارستهم القائمة على السفسطة والتلاعب بالألفاظ وجعل الفلسفة وسيلة للمتاجرة وكسب الأموال.
2- يشار إلى أن أم سقراط كانت تعمل قابلة ،بمعنى كانت تساعد النساء في عملية الولادة ،لذلك شبه أسلوبه في توليد الأفكار وجعل محاوره يقر بما يعتقد به من أفكار أو ما يدعيه خاصة من السفسطائيين. كما أنه نهج أسلوب التهكم والسخرية
3- لما اشتد الخناق على السفسطائيين فقد دبروا له مكيدة واتهموه بإفساد عقول الشباب وانكار الآلهة وتقدم أحدهم بدعوى وحوكم سقراط بالإعدام بشرب السم
4- غوتيب أونطونيو ،حلم العقل ،تاريخ الفلسفة من عصر النهضة إلى عصر اليونان. ترجمة،محمد طلبة نصار ،دار النشر ،مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة ،ط 1. 2015،ص168



#أحمد_بوكرين (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أوجه الاختلاف والتباين بين دور المثقف ودورالصحافي


المزيد.....




- إيران.. تصريح رئيس مجلس الشورى عن الضربة بالمنطقة ومصير البر ...
- رئيس الوزراء الأرمني يعلن إحباط -محاولة انقلاب-
- اليونان: الآلاف يحتجون على الضربات الأمريكية على المواقع الن ...
- بوتين يوقّع قانونًا لإنشاء تطبيق مراسلة بديل عن واتساب وتيلي ...
- شبكات التجسس تثير أزمة ثقة في إيران.. النظام يحذر من التفاع ...
- السودان ـ مقتل العشرات بينهم أطفال في هجوم على مستشفى
- ترحيب دولي بوقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل ودعوات لتوسيع ...
- مجلس النواب الأميركي يحظر استخدام -واتساب- على أجهزته
- واشنطن تعرض 5 ملايين دولار مقابل معلومات عن أميركي محتجز بأف ...
- منظمة تتهم علامات تجارية فاخرة بالمساهمة في إزالة غابات الأم ...


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد بوكرين - سقراط الرجل الذي اختار الموت دفاعا عن الفلسفة