أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلوى فرح - أنا وذاتي















المزيد.....

أنا وذاتي


سلوى فرح

الحوار المتمدن-العدد: 8354 - 2025 / 5 / 26 - 08:10
المحور: الادب والفن
    


قصة وجدانية

من أين يأتي هذا الصدى الغريب ؟؟يتردد على أذني متقطعا.. وكأنه صوت غريق يستغيث بمرارة؟ زعقات مبهمة التفسير تتصارع في داخلي وتتضارب على شطآن أفكاري.. فتضيق أنفاسي ولا أعرف السبب الحقيقي..
ترى ما الذي يجري في أعماقي؟؟ ما هو مصدر ذلك الصراخ المذبوح ؟ يؤرق أيامي، ويوتر هدوء أمسياتي، ويعكر الصبح الندي في شرفاتي... صراخ بعيد المدى من صميم الأزل وبوتقة التاريخ .. عميق هو عميق يعلو تارة ويخبو تارة أخرى.. يتردد كما دقات أجراس الكنائس الحزينة.. يهز النفوس رهبة وخشوعا ناقوسا أبديا في لجة الخلود..
كم تجاهلت تأثير ذلك الصدى ووقعه على نفسي. .مع ذلك باءت كل محاولاتي المتكررة بالفشل.. بل كان يزداد وقعه قوة وأكثر إصرارا على الظهور.. لكن الازدحام، والصخب كان يطوقني من كل حدب وصوب فلا أميز حسنا، ولا استطيع التركيز.. وتتفصد قطرات العرق الباردة من جبيني، واشعر بدوار كأنني موجودة ولست على الأرض.. يا الهي ماذا يحدث!! من الذي سرق بسمات الفرح من شفاهي العطشى للحرية والصفاء من بين رموشي؟؟ يا الهي ساعدني على تفهم نفسي أرجوك.
فجأة - وفي منتصف دائرة الصخب ألقسري- حطت على كتفي الأيسر يمامة بيضاء.. بدأت ترفرف بإيقاعات موسيقية منتظمة.. تقترب من أذني هامسة وكأنها تقول: لا عليك أيتها الروح الطيبة.. أنت بخير اتبعيني.. وأحيانا أخرى كانت تطير وتهبط على الأرض.. تسير بخطى واثقة، وتتمايل بتماوج راقيين..
للوهلة الأولى، تسمرت قدماي وتصلبت.. لا استطيع الحراك.. مدهوشة من تأثير ما يحدث معي، إلا أنني شعرت بهمس لطيف ينبض في قلبي قائلا: هذه الحمامة هدية ربانية، وإشارة إلهيه.. اتبعيها حيثما تذهب .. إنها أمانة من ذاتك.. ولذاتك.. ترشدك لطريق النور والصعود إلى الشمس إلى ما بعد سدرة المنتهى.. اتبعي روحك حيثما تذهب..
أذعنت لذلك الصوت الخفي الهامس والحاضر.. تتبعت خطوات اليمامة البيضاء في قرية الأمل الجميلة و يا لها من قرية فواحة بنسمات عطر البنفسج والناردين.. وتلتف الجبال حولها كالبساط الأخضر، وكأنها تلقي قبعاتها الخضراء إجلالا.. وأشجار السرو تنحني احتراما لأنوثة ورقة القرية العذبة .. هدأت تلك الحمامة على شاطئ النهر في أطراف القرية المتواضعة البسيطة، حيث الهدوء التام، والسكون السرمدي.. صمت رهيب رائع عظيم لا يتخلله إلا نسمات جريانه الناعمة تداعب وحدتنا..
كنت أنظر إلى تلك الحمامة الواقفة بخشوع.. كأنها تتأمل.. حدجت الطبيعة بنظرات غريبة.. كم هو رائع أن يتأمل الإنسان الطيور وعالمها الخفي.. فيها كل العبرة والعظة... فجأة لمحت تلك اليمامة و كأنها تحولت لشعاع باهر رسم خطوطه البيضاء كأنه رسالة سماوية تقول: أن التأمل سر رباني أزلي ..هو تحليق في عالم الروح واللامجهول كي نفهم حقيقة الحياة.. والإنسان يحتاج إلى التأمل كما يحتاج الهواء.. و إلى ثقافة روحية عميقة في زمن ازداد فيه الصقيع، والضجيج، والحروب اليائسة.. وارتفعت فيه ناطحات السحاب، والأبنية الشاهقة، وتلاشت روح الحياة والحيوية..
بدأت أتأمل في السماء لا شعوريا.. إنها رائعة.. صافية كل الصفاء.. والشمس ناضجة كحبة البرتقال .. تغازل الجبال بفن متقن راقٍٍ .. أتأمل لحظة دلوك الشمس مودعة النهار.. يا الهي يا لعظمة المشهد المقدس الملائكي!! إنه عبرة ودروس للعشق الحقيقي والحب الخالص.. بالرغم أن الشمس تدرك عودتها في الغد القريب، إلا أنها كانت تبكي بحرقة قرمزية الأجفان لا تريد الرحيل أبدا..
إن فراق الأرواح العاشقة صعب.. وكم شعرت باختناق أنفاس النهر ألما.. كم هو مرير أن تفارق أنفاسك وتبتعد عن روحك التوأم..
رجعت في تأملاتي إلى الحمامة الجميلة.. كانت ترفرف على درجات الدرج الحجري القديم كأنها تودعني من بعيد، لحظة ئذ شعرت أن روحي بدأت تفرح وترقص تألقا لازورديا أمامي... أغمضت عيناي كي أحافظ على روعة هذا المشهد المخملي وكم كان الله كريما في منحنا حمام السلام، و أنها رموز قمرية رائعة و لحظات التحليق في عالم السماوات سامية قويه لا يضاهيها سمو وعظمه في الكون..
فتحت عيناي برفق.. كان التأمل حقا حلما واقعيا.. وجُلت بنظري في كل الاتجاهات.. لكنني لم أر حمامة التأمل.. يبدو أنها رحلت بعد أن أعطتني رسالة المحبة.. هرعت مسرعة إلى ذلك الدرج العتيق أبحث عنها لكنني لم أعثر عليها.. لقد طار حلم الحقيقة ...لكن شعاعها حاضر يهمس في قلبي: هلم اهبطي أيها الروح الطيبة إلى أسفل السلم.. وابحثي عن نفسك وسر آلامك !! فتحت عيناي بلطف..
كانت رائحة العشب النابت في شقوق الدرج المهجور تفوح عطرا قديما.. وكم من خطوات عاشقة زارته ورحلت وبقيت أطلال الذكرى... يبدو أن لكل خطوات.. رحيل؟؟ خلعت حذائي وقررت الهبوط إلى أسفل الدرج.. أغمضت عيني وسلمت نفسي للروح ثانية.. وتنفست عميقا احتبس رائحة العشب النقي من درجات سلم الذكريات وتابعت الهبوط درجة درجة في تسلسل هرموني كما السلم الموسيقى.. وأنا اسمع مناجاة النهر.. أحس بشفافية رذاذه وهو يداعب التحدي النابض في عروق قدمي.. تابعت الهبوط رويدا رويدا.. ما عدت اسمع شيئا.. انتابتني حالة استرخاء تامة في عالم اللانهاية.. عندما افتح عينيّ، اسأل نفسي: أين أنا يا ترى هل؟ أنا في القاع.. قاع أعماقي؟بالرغم من الضباب الكثيف لكنني رأيت قبضة باب حديدي خمري اللون في أعماقي نهشه الصدأ.. حاولت إدارة قبضة الباب لفتحه، لكن بدأت يداي ترتجفان وأطرافي ترتعش.. لكنني تجرأت وفتحته ..أواه .. ماذا رأيت؟؟ أنا أنقاض مبعثرة هنا وهناك..
قررت العودة.. إلا أنني لمحت يداً صغيرة ناعمة ارتفعت ثم هَوَت، كأنها تلفظ أنفاسها الأخيرة.. ارتعدت.. قررت الهروب.. لكن شعاع تلك الحمامة ذكرني قائلا: ذاتك أمانة غالية لا تتركيها.. حاولت إزالة حطام أنقاضي ما استطعت حتى ظهرت تلك الطفلة "الروح" التي ما زالت نابضة بالحياة.. اقتربت منها أخذتها بين أحضاني وبدأت البكاء.. ماذا أقول؟؟ هل هو بكاء أُم فقدت وحيدها؟؟ أو ربما أعمق من ذلك.. أَم إنها ذاتي فقدت هويتها تحت أنقاض العادات والتقاليد والفرضيات والنظريات العليلة... بكاء حضارات وعصور منهارة؟؟ أم أمجاد زالت ولم تعد؟؟ لا ادري ماذا أقول..
نظرت إلى الطفلة.. كانت تستجير.. تستغيث.. مذبوحة.. وقُتل البنفسج في عينيها رغما عنها قالت: أنا أحتضر.. أرجوك لا تتركيني.. أنا استحق الحياة.. وكل الحب الخالص.. يا حرقتي ما أصعب أن يواجه الإنسان تدمير ذاته بأم عينيه.. ويلمس جراحه النازفة بأنامله ..
استغاثة روحي الطفلة حرقت فؤادي.. فأقسمت لن اتركها أبدا مهما كان الثمن مكلفاً وباهظاً.. حملتها في حضني عائدة خطوات الدرج التالف قهرا ..أتنفس الصعداء شهيقا وزفيرا حتى وصلت عائدة إلى شاطئ الحلم الذي بدأ يغفو في حضن الليل الحنون..
عدت أدراجي وأنا أغمر روحي طفلتي بقلبي حتى وصلت إلى حجرة مهجعي.. أقفلت بابها.. تلك الليلة شعرت بسلام داخلي لا مثيل له.. حتى أن تلك الزعقات هدأت.. والضجيج تلاشى بلا رجعة..
منذ ذلك اليوم وأنا أراقب طفلتي"الروح" تنمو وتترعرع و تحلق نحو الشمس بخطوات ثابتة تعيد بناء ذاتها من جديد كطائر الفينيق.. وتصقل الزوايا التائهة والنتوءات ألمتراكمة في شخصيتها.. فيكبر الأمل ربيعا في عينيها الدامعتين وهي تسابق القمر بضيائها.. وتكبر بمحبتي واحترامي لذاتي.. وبالتالي من لا يحترم ويحب ذاته لا يستطيع العطاء لشخص آخر.. وفاقد الشيء لا يعطيه.. وقال السيد المسيح أيضا: أحبب قريبك كنفسك.
كم هو جميل الانتصار على الذات وتحديها للوصول إلى أفضل المراتب .. والوفاء لتلك الأمانة التي أودع الله فينا.. بالحب والتغيير نصعد لخلود سماوي.. فلنكن كما حمامات السلام نرفل بالوداعة ننشر رسائل المحبة السماوية على الأرض، ونطمح لغد مشرق وحر يغفو العاشقون فيه بأمان.. وتفتر فيه حبقات الأمل على شفاه الأطفال بسمة نور ملائكي.. وإن عظمة الانتصار على الذات- بتحريرها من قيودها وخوفها وهواجسها الصادمة- لا تجاريها عظمة .



#سلوى_فرح (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في غَفلَةِ اللَّيل
- نُورٌ ونَار
- حْ بأَهْدابيَ
- هكذا وطني
- في غَفلةِ الهَواء
- أَسيرَ الجَليدِ
- كرنفال الوطن
- مهرةُ من ريح
- حينَ لا يغفو الوطن
- عطر الحنين
- وَمْض الروح
- ____ أثلَجَتكَ ناري
- ماعادت لنعناعِكَ نَكهَةٌ في مَذاقيَ
- _____________ أثلَجَتكَ ناري
- عِشقُ البَلابل
- عاصِمةُ القمر
- أُمَشِّطُ الشمسَ....
- زَفرات وطن
- الياسَمينُ يبكي
- _________________ رَشْقَةُ عِطْرٍ


المزيد.....




- تامر عاشور يعتذر عن ارتباطاته الفنية بعد خضوعه لعملية جراحية ...
- بسبب عيادة بيطرية.. نقابة الممثلين تدرس وقف آية سماحة ومشيرة ...
- فيلم -المشروع X-.. هل يصبح أهم أفلام 2025 المصرية؟
- جنيفر لوبيز تشعل حفل جوائز الموسيقى الأمريكية وجانيت جاكسون ...
- القتلة المتسلسلون.. كيف ترعب أفلامهم المشاهد وتحبس أنفاسه؟
- خمسون عاما على السعفة الذهبية: -وقائع سنين الجمر- مازال يحتل ...
- المخرج الفلسطيني إياد الأسطل: -غزة تقاوم بالفن أيضا-
- حكاية العربي الأخير لواسيني الأعرج.. نقد الراهن واستشراف الم ...
- الأدب السري لمسلمي إسبانيا الأواخر.. الألخميادو وتلمس سبل ال ...
- تأثير صناعة الرياضة على ثقافة الشباب والاقتصاد في عام 2025


المزيد.....

- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلوى فرح - أنا وذاتي